الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها ولعلي: فذاك خير لكما من خادم، قال حفظه الله مصداق ذلك قوله تعالى: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً [الكهف: 46] الآية اهـ.
وفي نفحة المسك الداري، لجد جدنا من قبل الأم أبي الفيض حمدون بن الحاج على قوله في نظمه لمقدمة ابن حجر:
كأن كتاب الله منسوج سندس
…
ولفظ رسول الله طرز معلّم
كأن كتاب الله من قوم عسجد
…
ولفظ رسول الله غنج متمم «1»
فكتب على شرحها بقلمه عن نفسه؛ أنه كان يدرس الصحيح، ويبين في كل باب أصله من الكتاب.
وفي رياض الورد لولده خاتمة المحققين المطلعين بفاس، أبي عبد الله محمد، الطالب بن حمدون بن الحاج، الذي ألفه في ترجمة والده المذكور؛ أنه كان كثيرا ما يشرح مضمون أحاديث الصحيح من الآية، ويبين في كل ترجمة أصلها من الكتاب. قال: وهذه طريقة أهل العلم المتبحرين في العلوم اهـ منه.
وقد سبق عن السيوطي أن ابن برهان وهو الإمام العارف أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن برجان المعروف بأبي الرجال، دفين مراكش بعد الثلاثين وخمسمائة، أفرد كتابا فيما تضمنه القرآن من معاضدة الأحاديث.
قلت: وهذا الكتاب لابن برجان خاص بأحاديث صحيح مسلم وقفت على تسميته في ذيل على صلة ابن بشكوال عندي، بخط اندلسي لم أقف على اسم مؤلفه، وهذا سياقه في ترجمة ابن برجان، وألف كتاب الإرشاد، قصد به استخراج أحاديث صحيح مسلم بن الحجاج، من كتاب الله تعالى، فتارة يريك الحديث من نص آية، وتارة من فحواها، وتارة من إشارتها، ومن مجموع آيتين متوافقتين أو مفترقتين، ومن عدة آيات إلى أشباه هذه الماخذ، حتى وفي كتابه بالمقصد المذكور، بما عليه احتوى، وأراك عيان قوله تعالى: في نبيه صلى الله عليه وسلم: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم: 3] اهـ منه وهذا الكتاب من أنفس ما ألفه المسلمون وأغربه، وهو يلي كتاب الخزاعي عندي في الأهمية ولو ظفرت به لسموت.
باب مقدار الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم
لا يخفى أن الإحصاء لها غير ممكن، ضرورة أن عدد الصحابة لم يحص إلا على وجه التقريب، لأن الناس في القرن الأول لم يعتنوا كلّ الإعتناء بالتدوين، كيف وفي الصحيح أن كعب بن مالك قال في قصة تخلفه عن تبوك، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، لا يجمعهم كتاب حافظ يعني ديوان، وفي الفية العراقي:
(1) هكذا ورد البيت في الأصل، والمعنى غير واضح فلعل فيه تصحيفا. مصححه.
والعد لا يحصرهم فقد ظهر
…
سبعون ألفا بتبوك وحضر
أربعون ألفا وقبض
…
عن دين مع أربع آلاف تنض
ومع ذلك لم يبلغ مجموع ما في تصانيف من صنف عشرة آلاف، وسبب ذلك أن الناس في القرون الأولى، لم يعتنوا بالتدوين في عددهم وضبطهم، ولكن بعلمك مقدار ما كان الأئمة يحفظونه تعلم مقدار السنة على وجه التقريب، ففي شرح بديعية البيان للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي: أول محفوظ المحدثين من المتقدمين، كما قال أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة: من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء لم يعد صاحب حديث اهـ.
وفي القوت للإمام أبي طالب المكي قيل للإمام أحمد بن حنبل: إذا كتب الرجل مائة ألف حديث له أن يفتي؟ قال: لا. قيل فمائتي ألف حديث؟ قال: لا. قيل فثلاثمائة ألف حديث؟ قال: أرجو اهـ انظر اهـ 147 من ج 1.
وفي ثمار مشتهى العقول في منتهى النقول، للأسيوطي كان أبو زرعة يحفظ ألف ألف حديث، والبخاري حفظ عشرها مائة ألف حديث، والكل من بعض محفوظ الإمام أحمد بن حنبل اهـ.
وقال عبد الوهاب الوراق؛ كما في غذاء الألباب: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل.
قالوا: وأي شيء بان لك من فضله وعلمه، على سائر من رأيت؟ قال: رجل سئل عن ستين ألف مسألة. فأجاب فيها بأن قال: حدثنا وأخبرنا، وروينا، وإلى هذا أشار الإمام الصرصري في لاميته بقوله:
حوى الف ألف من أحاديث أسندت
…
وأثبتها حفظا بقلب موصّل
أجاب على ستين ألف قضية
…
بأخبرنا لا من صحائف نقل
قال السفاريني في ص 359 من ج 2 وهذه لا يعلم أحد من أيمة الدنيا فعلها ونقل في ص 369 من ج 2 عن صيد الخاطر لابن الجوزي؛ أن الإمام أحمد دار الدنيا مرتين حتى جمع المسند اهـ وذكر في محل آخر؛ أن مسنده ثلاثون ألف حديث غير المكرر، والتفسير مائة وعشرون ألفا. وذكر في محل آخر أنه ذكر غير واحد من الحفاظ منهم ابن حجر العسقلاني أنه لم يحط أحد بسنة المصطفى عليه السلام غير الأمام أحمد بن حنبل.
قال السفاريني: وهذه منقبة امتاز بها عن سائر هذه الأمة، وعمن مضى، وعمن بقي من الأيمة اهـ من ص 258 من ج 1 من شرح منظومة الآداب قلت: وانظره مع ما نصّوا عليه؛ من أن الحاكم الذي هو لقب المحيط بالسنة، لم يوجد ولا يوجد. وانظر أبن نص على ذلك الحافظ فهو في عهدته ولكن الناقل أمين، وفي كشف الظنون لدى كلامه على جمع الجوامع: لا مجال إلى دعوى الإحاطة والاستيعاب، لتعذر الوصول إلى جميع الروايات والمسموعات اهـ.
وقد قال الحافظ الأسيوطي أول تدريب الراوي له ص 8: ومما روي في قدر حفظ الحفاظ قال أحمد بن حنبل: انتقيت المسند من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث. وقال أبو زرعة الرازي: كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث قيل له وما يدريك؟ قال: ذاكرته، فأخذت عليه الأبواب وقال يحيى بن معين: كتبت بيدي ألف ألف حديث. وقال البخاري:
أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح. وقال مسلم: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن. وقال الحاكم في المدخل: كان الواحد من الحفاظ يحفظ خمسمائة ألف حديث. سمعت أبا جعفر الرازي يقول: سمعت أبا عبد الله بن وارة يقول: كنت عند إسحاق بن إبراهيم بنيسابور، فقال رجل من أهل العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبعمائة ألف. وهذا الفتى يعني أبا زرعة قد حفظ سبعمائة. قال البيهقي: أراد ما صح من الأحاديث وأقاويل الصحابة والتابعين اهـ.
قلت: رحم الله الحافظ البيهقي فقد أزال عن القلب غمة، ورفع عن الدين أكبر وصمة بهذه الإفادة التي شرح فيها هذه المقالة، فإن كثيرا من المتفقهين الآن يقولون: مع تكفل الله بالدين، أين هذا المقدار من السنة الآن؟ فهل لم يدون؟ فبيّن البيهقي أن مرادهم بهذه الأعداد العظيمة ما يشمل السنة وآثار الصحابة والتابعين، أو أنهم كانوا يريدون طرق الحديث المتنوعة، فيجعلون كل طريق حديثا، وكل حديث له طرق وروايات، فمرادهم بهذا العدد العديد طرق الحديث الواحد العديدة، ورواياته المتنوعة، وقد يكون الحديث واحدا ولكن باعتبار طرقه، واختلاف الفاظه وتعدد من رواه؛ يعدّ الحديث الواحد بالمائة؛ لأنهم كانوا يقولون: لو لم نكتب الحديث من عشرين وجها ما عرفناه.
وفي صدي الخواطر للحافظ ابن الجوزي في فصل 175: جرى بيني وبين أصحاب الحديث كلام في قول الإمام أحمد: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعمائة ألف حديث، فقلت له: إنما يعني به الطرق. فقال: لا المتون. فقلت: هذا بعيد التصور، ثم رأيت لأبي عبد الله الحاكم في كتاب المدخل إلى كتاب الإكليل كلاما فعجبت كيف خفي هذا على الحاكم، وهو يعلم أن أجمع المسانيد الظاهرة مسند أحمد وقد طاف الدنيا مرتين حتى حصله، وهو أربعون ألف حديث منها: عشرة آلالف مكررة قال أحمد: جمعته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث. أفترى يخفى على متيقظ أنه أراد غير الطرق؟ فإن السبعمائة ألف إن كانت كلام النبي صلى الله عليه وسلم فكيف ضاعت ولم أهملت؟ وقد وصلت كلها إلى زمن أحمد، فانتقى منها ورمى الباقي، وأصحاب الحديث قد كتبوا كل شيء من الموضوع والكذب، ولا يحسن أن يقال: إن الصحابة الذين رووها ماتوا، ولم يحدثوا بها التابعين.
فإن الأمر قد وصل إلى أحمد وما كان الأمر ليذهب هكذا عاجلا.
ومعلوم أنه لو جمع الصحيح والمحال الموضوع وكل منقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
بلغ خمسين ألفا فأين الباقي؟ ولا يجوز أن يقال: تلك الأحاديث كلام التابعين فإن الفقهاء نقلوا مذاهب القوم ودوّنوها وأخذوا بها، ولا وجه لتركها ففهم كل ذي لب أي الإشارة إلى الطرق وما توهمه الحاكم فاسد، ولو عرض هذا عليه وقيل له: فأين الباقي؟ لم يكن له جواب. لكن الفهم عزيز اهـ كلام ابن الجوزي باختصار.
ولما نقل الإمام أبو الحسن السندي المدني في حواشيه، على مسند أحمد عن الطيبي في شرح المشكاة أن أحمد قال: صح من الأحاديث سبعمائة ألف وكسر، عقّبه بقوله:
والمراد بهذه الأعداد الطرق لا المتون اهـ وأصله للسيد الجرجاني كما نقله عنه صاحب الحطة ص 26.
وفي كشف الظنون بعد ذكره بعض هذه الأعداد: هي ليست على الحقيقة وإنما المراد منها معنى الكثرة فقط اهـ.
وقال المقبلي اليمنى في العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ، ص 392 في ترجمة السيوطي «أنه قال: إنه يحفظ مائتي ألف حديث، ثم قال: ولا أظنه يوجد اليوم أكثر من هذا، فينتج مع ما مضى أن أحاديثه مائتا ألف، ولا يستشكل بما ذكره جماعة عن جماعة من المحدثين: أنه يحفظ ستمائة ألف حديث ونحو ذلك؛ لأن المحدثين على تسمية الحديث الواحد بحسب الصحابي، فقد يكون الواحد في كتاب السيوطي أربعة أو عشرة أو ستين حديثا باعتبارهم، وكذلك الموقوف عندهم. فليتنبه لما ذكرنا لئلا يتوهّم الناظر اهـ.
ولما عرّف المناوي أول شرحه على الشمائل الحافظ في اصطلاح المحدثين قال: هو من حفظ مائة ألف حديث متنا وإسنادا. ولو بتعدد الطرق والأسانيد اهـ.
وبهذا تفهم مجمل محفوظ السلف وقياسه بالموجود الآن، والمدون أو يكون مرادهم بذلك العدد الكثير المروي، سواء صح أو لا، فإنه قد كذب الكثير عليه عليه السلام في حياته وبعد موته، أو ما صحبه عمل، ومالا.
وفي رحلة أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي الكبرى: أحمد بن حنبل حافظ الدنيا على الإطلاق، يشهد لذلك مسنده، وقد سئل كم عدد المروي من الأحاديث؟ فقال: اثنا عشر مائة ألف حديث فيما بين صحيح وسقيم، فقيل: من يحفظها؟
فقال: أنا وهذا الفتى لأبي زرعة الرازي يحفظ الثلثين اهـ ولما نقله الفقيه الواعظ النحوي سليل المحدثين أبو محمد عبد القادر بن أبي القاسم العراقي، فيما وجدته بخطه على أول نسخة بخط أحد سلفه عندي، من مسند الإمام أحمد قال: وإلى كون أبي زرعة الرازي يحفظ ثمانمائة ألف حديث إذ ذك، ثلثا ما كان يحفظ أحمد بن حنبل أشار صاحبنا الحوضي بقوله:
للرازي جاء مائة ألف ألفا
…
وعشر أحمد الإمام تلفى
أو ألف ألف لابن خلكان
…
ربّ ارحم الأيمة الأركان
لكن اقتصر على أن أحمد كان يحفظ مائة ألف حديث، وأفاد يعني الحوضي في شرح نظمه أن مسنده فيه أربعون ألف حديث، ولم يلتزم الصحة فيه وإنما أخرج فيه من لم يجتمع الناس على تركه، وليس كل ما فيه صحيحا خلافا لمن زعمه اهـ وفي حواشي الإمام أبي الحسن السندي على مسند أحمد نقلا عن ابن عساكر في عدد أحاديثه أنها تبلغ ثلاثين ألفا سوى المعاد، وغير ما ألحق به ابنه عبد الله، ثم نقل عن أحمد قال أنه قال فيه: هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة اهـ.
وفي الحطة لصديق حسن الهندي؛ قال أبو المكارم علي بن شهاب الصديقي: الظاهر أن هذا القول موضوع على الإمام أحمد، لأن في الكتاب الصحيح من الأحاديث ما لم يوجد في المسند مع الإجماع على حجّتيها اهـ وفيه أن الصحيح عند قوم غير محتج به عند آخرين لاختلاف الاجتهاد والمدارك، وقد وقفت على بعض التقاييد المنقولة من إملاء حافط فاس والمغرب أبي العلاء العراقي الحسيني، أن أحمد بن حنبل قال: جملة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: اثنا عشر مائة ألف، وهذا الرجل وأشار إلى أبي زرعة الرازي يحفظ منها ثمانمائة ألف، والباقي متكلم فيه. قال المناوي عن البيضاوي: وليس كل ما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق، أو الاستدلال به جائز، فإنه روي عن أحمد وشعبة والبخاري ومسلم أن نصف الحديث كذب اهـ.
والوضاعون للحديث هم نيف وثلاثمائة ووجدوا لخمسة منهم من الحديث الموضوع خمسة وثلاثون ألفا اهـ.
وقد أنشد محدث فاس أبو عبد الله محمد بن قاسم القصار لغيره في عدد الأحاديث الموضوعة التي أخبر بها حماد بن زيد:
وقال حماد بن الورع
…
جملة ما من الأحاديث وضع
على نبينا الكريم اثني عشر
…
ألف حديث كلها لا تعتبر
وقال الحافظ العراقي: روى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد قال: وضع الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث.
قلت: على أن الإمام فخر المغرب القاضي أبا بكر ابن العربي المعافري قال: ما ضمن الله الحفظ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ضمن القرآن؛ على اختلاف أيضا بين العلماء في تأويل قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] اهـ من كتاب القواصم والعواصم له بلفظه.