الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب بيع الصبيان
ترجم في الإصابة لعبد الله بن جعفر فنقل أن البغوي خرج عن عمرو بن حريث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بعبد الله بن جعفر وهو يبيع مع الصبيان. فقال: اللهم بارك له في بيعه أو صفقته، وترجم فيها أيضا للجلاح العامري فذكر أن أبا داود والنسائي في الكبرى خرجا عنه: كنا غلمانا نعمل في السوق. الحديث.
باب في بيع السكر
أخرج الدارقطني في الأفراد من طريق؛ هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال:
جلب رجل من التجار سكرا إلى المدينة فكسد عليه، فبلغ عبد الله بن جعفر فأمر قهرمانه أن يشتريه وينتهبه الناس. ذكره في الإصابة.
بيع العقاقير
ذكر ابن رشد المرافعة التي وقعت بين أبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود في التحريم برضاع الكبير، وان ابن مسعود قال لأبي موسى: إنما أنت مداوي. ونقله ابن أبي زمنين وفسره بأنه كان يبيع العقاقير كأنه نفاه عن العلم بشغله بذلك، انظر شرح أبي علي بن رحال علي المختصر في الرضاع.
المرأة تبيع العطر
ترجم في الإصابة لأسماء بنت مخربة بالباء فذكر أن ابنها عباس بن عبد الله بن ربيعة كان بعث إليها من اليمن بعطر فكانت تبيعه. وفي الإستبصار في أنساب الأنصار: وروى عن الرّبيّع بنت معوذ بن عفراء قالت: كانت أسماء بنت مخربة تبيع العطر بالمدينة، وهي أم عباس وعبد الله بن أبي ربيعة، فدخلت علي ومعها عطرها. فسألتني فانتسبت لها فقالت أسماء أنت بنت قاتل سيده يعني أبا جهل. فقلت: بل أنا ابنة قاتل عبده قالت: حرام علي أن أبيعك من عطري شيئا. قلت: وحرام علي أن اشتري منك شيئا. فما وجدت لعطر نتنا غير عطرك، وإنما قلت ذلك في عطرها لأغيظها. وقد خرّج قصتها هذه ابن سعد في ترجمتها من الطبقات، وفيها من قول الربيّع: فلما جعلت لي في قواريري وزنت لي كما وزنت لصواحبي الخ القصة.
وترجم في الإصابة أيضا للحولاء العطارة، فذكر أن أبا موسى أخرج من طريق أبي الشيخ بسنده إلى أنس قال: كانت بالمدينة امرأة عطارة تسمى حولاء بنت ثويب. وفي ترجمة مليكة والدة السائب بن الأقرع كانت تبيع العطر.
الزراعة والغراسة
انظر لم أغفل هذه الترجمة الخزاعي مع أهمية الزراعة في نظر الإسلام وكثرة اعتناء الصحابة بها. وقد أكثر سبحانه في كثير من الآيات التذكير بما أنعم به من إخراج الزرع
والنباتات، ووصف نفسه سبحانه بأنه هو الذي أخرج للحاجات فقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام: 99] أي بالماء نبت كل شيء فاخرجنا منه يعني الماء خضرا يعني أخضر نخرج به حبا متراكبا سنابل البر والشعير والأرز والذرة وسائر الحبوب يركب بعضه على بعض وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ [الأنعام: 141] وهو ما انبسط على الأرض وانتشر كالعنب والقرع وهو شجر الدباء والبطيخ وغيرها. وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ [الأنعام 141] ما قام على ساق كالنخل والزرع وسائر الأشجار ثم قال: وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ، أي ثمرة وطعمه الحامض والمر، والحلو، والردي، وقال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ [الرعد: 4] أي متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض في الجوار ويختلف في التفاضل وجنات أي من بساتين من أعناب وزرع وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ والصنوان النخلات يجمعها أصل واحد تشعب منه الرؤوس فيكون نخلا وقال سبحانه: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 11] وقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ [السجدة: 27] وهي التي لا نبات فيها فنخرج به زرعا وقال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا [يس: 33] وقال: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ق: 9] وقال: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ [الرحمن: 10] فيها فاكهة إلى قوله والحب يعني جميع الحبوب مما تحرث الأرض من الحنطة والشعير وغيرهما ذو العصف يعني الورق أول ما يبدو وقال نخرج به: حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً [عمّ: 16] يعني بساتين ملتفة وقال:
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا [عبس: 25] الآية وقال: جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً [الكهف: 32] يعني جعلنا حول الأعناب النخل ووسط الأعناب الزرع كذا ذكره الثعالبي وغيره.
وفي أحكام القرآن للإمام الجصاص الحنفي على قوله تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها [هود: 61] يعني أمدكم من عمارتها بما تحتاجون إليه وفيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية اهـ انظر ص 165 من ج 3.
وفي صحيح مسلم «1» أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم مبشر الأنصارية في نخل لها فقال:
لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة وهو في صحيح البخاري على وجه آخر، وبوب عليه بقوله: باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه وروى القرطبي وروى البزار وأبو نعيم في الحلية عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبع يجري أجرهن للعبد وهو في قبره، من علم علما أو أجرى نهرا أو
(1) انظر ج 2 ص 1188 باب فضل الغرس والزرع من كتاب المساقاة والبخاري ج 3/ 66 أول كتاب الحرث.
حفر بيرا، أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورّث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته» . قال أبو نعيم ولا يخالف الحديث الصحيح فقد قال فيه:«إلا من صدقة جارية» وهي تجمع ما ورد من الزيادة.
قال المنذري: وقد رواه ابن ماجه «1» وابن خزيمة في صحيحه بنحوه من حديث أبي هريرة.
[روى المؤلف هنا عن الإصابة رواية بإسناد واه عن سعد بن معاذ «2» آخر حذفتها لكونها لا أصل لها] مصححه.
وأخرج الحاكم وابن أبي الدنيا في التوكل، والعسكري في الأمثال، والدينوري في المجالسة، عن معاوية بن قرّة قال: لقي عمر بن الخطاب ناسا من أهل اليمن فقال: من أنتم فقالوا: متوكلون. قال: كذبتم ما أنتم متوكلون، إنما المتوكل رجل ألقى حبه في الأرض وتوكل على الله.
وفي مسند عمر بن عبد العزيز، قال ابن شهاب: أرسل إليّ عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فقال: جاء سعد بن خالد بن عمرو بن عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أقطعني الشديد فإنه بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل غرس غرسا إلا أعطاه الله من الأجر عدد الغرس والثمر وأخذ بنفسي أسمعت هذا؟ فقلت: نعم وأشهد على عطاء بن يزيد أنه سمعه من أبي أيوب، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أحمد والطبراني من طريق مسلم بن بديل، عن إياس بن زهير عن سويد بن هبيرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير مال المرء مهرة مأمورة أو سكة مأبورة «3» . قال في المختار: المهر ولد الفرس والجمع أمهار، والأنثى مهرة، والمأبورة المصلحة، وفي المختار: وأبر نخلة: لقحه وأصلحه ومنه، سكة مأبورة اهـ.
وفي الصحيح «4» عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية، أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال الله تعالى: ألست فيما شئت؟
فقال: بلى ولكن أحب أن أزرع، قال فأسرع وبذر أي ألق البذر على أهل الجنة فتبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول الله تعالى: دونك يا بن آدم فإنه لا يشبعك شيء. فقال الإعرابي: يا رسول الله لن تجده إلا قرشيّا أو انصاريا،
(1) انظر في المقدمة ص 88 ج 1 ورقمه ص 242 ونصه: إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته. يلحقه من بعد موته.
(2)
هو غير سعد بن معاذ الأنصاري سيد الأوس كما في الإصابة.
(3)
رواه أحمد ج 3 ص 610 من طبعة، المكتب الإسلامي وهو في ص 468 ج 3.
(4)
انظر صحيح البخاري كتاب التوحيد باب 38 ص 206 ج 8.
فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحبشي في كتاب البركة: ففي هذا فوائد منها؛ دلالته على فضل الزرع، وفيه أن المهاجرين والأنصار كانوا مزارعين، لقول الإعرابي: إنك لن تجده إلا أنصاريا أو مهاجريا [ص 13] وهذا أكثر حجة ودلالة إذ المهاجرون والأنصار هم أفضل الأمة، كانوا أهل زرع لكن قال العارف الفاسي في تشنيف المسامع: المعروف بالزراعة إنما هم الأنصار، وأما قريش فإنما لهم التجارة لا الفلاحة، إذ ليست مكة بلاد زرع.
قلت: ذلك صحيح بحسب الأصل، وإلا فالمهاجرون بعد الهجرة زرعوا، واتجروا.
فالخبر على حاله.
وأخرج أبو داود في مراسيله عن علي بن الحسين مرسلا: أحرثوا، فإن الحرث مبارك، وأكثروا فيه من الجماجم «1» وفي لفظ آخر: يا معشر قريش إنكم تحبون الماشية فأقلوا منها فإنكم بأقل الأرض مطرا، واحرثوا فإن الحرث مبارك، وأكثروا فيه من الجماجم. خرجه أبو داود أيضا والبيهقي.
وأخرج الديلمي عن أبي مسعود رفعه لما خلق الله المعيشة جعل الله البركات في الحرث والغنم.
وفي الصحيح عن أبي هريرة: وإن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم قال القسطلاني في الزراعة والغراسة.
وفيه عن ابن عمر أنه عليه السلام عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر وبوّب عليه البخاري باب المزارعة مع اليهود. وفي الصحيح أيضا؛ وكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون تمرا وعشرون شعيرا.
وقسم عمر خيبر فخيّر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن من الماء والأرض، أو يمضي لهن، فمنهن من اختارت الأرض ومنهن من اختارت الوسق، وكانت عائشة وحفصة ممن اختارت الأرض.
قال القسطلاني: وفي هذا الحديث جواز الزراعة والتجارة، لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، واستمراره في عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر. وبه قال ابن خزيمة وابن المنذر. وصنف فيه ابن خزيمة جزآ بيّن فيه علل الأحاديث الواردة اهـ.
وقال الحبشي: وفي هذا فوائد منها اختيار عائشة وحفصة أفضل أزواجه عليه السلام منهن الأرض، فيزدرعنها قال البخاري: وزارع عليّ وسعد وابن مسعود.
(1) ذكره صاحب التيسير ص 44 ج 1. وقال الجماجم هي البذور أو العظام التي تعلق على الزرع لدفع الطيور وغيرها عن الزرع.
قال الحبشي: وقد عدّ العلماء الزراعات من فرض الكفاية في كثير من المصنفات، لأنه لا يقوم الدين والدنيا إلّا بها فإن تركها كل الناس أثموا كلهم. انظر كتاب البركة.
وقال القاري في شرح المشكاة على حديث: (لا يدخل هذا أي المحراث بيت قوم إلا دخله الذل)«1» وهو في الصحيح عن أبي أمامة قال: بعض علمائنا: ظاهر هذا الحديث أن الزراعة تورث المذلة، وليس كذلك؛ لأن الزراعة مستحبة، لأن فيها نفعا للناس ولخبر:
«اطلبوا الخير من خباياها» بل إنما قال ذلك لئلا يشتغل الصحابة بالعمارات وترك الجهاد فيغلب عليهم العدو، وأي ذلك أشد من ذلك؟ وقيل: هذا في حق من يقرب العدو، ولأنه لو اشتغل بالحرث وترك الجهاد لأدى إلى الذل بغلبة العدو عليه اهـ.
وفي النهاية لابن الأثير على حديث ما دخلت السكة دار قوم الّا ذلوا أي التي تحرث بها الأرض، أي أن المسلمين إذا اقبلوا على الدهقنة والزراعة شغلوا عن الغزو وأخذ السلطان بالمطالبات والجبايات وقريب من هذا الحديث قوله:«العز في نواصي الخيل والذل في أذناب البقر» اهـ منها، ونقل الفتني في مجمع بحار الأنوار عن الكرماني، على الحديث المذكور: والحاصل أن فيها ذلك الدنيا وعز الآخرة لما فيها من الثواب بانتفاع ذي كبد، وهو أفضل المكاسب على الصحيح. ونقل عن الطيبي في شرح المشكاة: وجه الذل أن اختياره لجبن في النفس، أو قصور في الهمة، وأكثرهم يلزمون بالحقوق السلطانية، ولو آثروا الجهاد لدرت عليهم الأرزاق واتسعت المواهب اهـ.
كما قرر ابن خالدون في مقدمة العبر أن الفلاحة من معاش المستضعفين من البدو، وعلل ذلك بسببين قال: الثاني أن منتحلها مخصوص بالهوان والذلة، ففي الحديث: أنه عليه السلام قال وقد رأى السكة في بعض الأنصار: وما دخلت هذه دار قوم إلا دخلها الذل لكن حمله البخاري على الإستكثار منها قال وبه والله أعلم ما يتبعها من المضرة المفضي لتحكم اليد الغالبة إلى مذلة المغلوب وقهره اهـ قال ابن الأزرق إثره في بدائع السلك: ووجه آخر أن الإكثار منها مظنة لنسيان الدفاع عن البلاد، الذي به العز والحماية كما يلوح من توجيه البخاري، ويشهد له ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رفعه: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم اهـ وقال القسطلاني كان العمل في الأراضي أول ما فتحت على أهل الذمة، فكان الصحابة يكرهون تعاطي ذلك.
وقال في الفتح: وقد أشار البخاري إلى الجمع بين حديث أبي أمامة والحديث السابق في فضل الغرس والزرع وذلك بأحد امرين: إما أن يحمل على ما ورد من الذم على ذلك ومحله إذا اشتغل به فضيع ما أمر بحفظه، وأما أن يحمل على ما إذا لم يضيع إلا أنه جاوز الحد فيه اهـ.
(1) هو في الصحيح للبخاري انظره ج 3 ص 66 من كتاب الحرث والمزارعة.
وفي السير أنه عليه السلام كان يعجبه الجلوس في الحيطان (البساتين) والصلاة فيها.
وقد روى ابن سعد وابن المنذر قال في الفتح بإسناد صحيح: عن مسروق عن عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي، فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وناضح كان يسقي بستانا له، ففيه أنه كان له بستان، وإنه كان يقوم عليه بالرعاية. وقال الإمام السخاوي: وقد تكون الكثرة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم لأنس: باللهم أكثر ماله وولده هي الكثرة من المواشي، وكذا من الزرع والغرس، الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه كما في صحيح مسلم: ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة، وذلك كان أكثر أموال الأنصار.
ويستأنس له بما ورد أنه كان له بستان يحمل في السنة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك اهـ.
وفي ترجمة ربيعة بن كعب الأسلمي من طبقات ابن سعد قصة عجيبة تدل على اهتمام كبار الصحابة بالأرض وغلتها وثمرها قال: أنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا الحارث بن عبيد، ثنا أبو عمران الجوني أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع أبا بكر وربيعة الأسلمي أرضا فيها نخلة مائلة أصلها في أرض ربيعة وفرعها في أرض أبي بكر، فقال أبو بكر: هي لي وقال ربيعة:
هي لي، حتى أسرع إليه أبو بكر ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدره ربيعة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أجل فلا ترد عليه. قال فحوّل أبو بكر وجهه إلى الحائط يبكي قال: وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالفرع لمن له الأصل انظر ترجمة ربيعة بن كعب الأسلمي ص 44 من ج 4 ويظهر أن أبا بكر بكى على عدم إصابة ظنه أولا، وتسرعه إلى طلب ما لا حقّ له فيه حتى احتاج إلى التداعي والترافع إليه عليه السلام.
وفي خطط المقريزي ص 154 من ج 1 أن سيدنا عمر قال: من كانت له أرض ثم تركها ثلاث سنوات لا يعمرها، فعمرها قوم آخرون فهم أحق بها ونحوه في صناجة الطرب في تقدمات العرب، وزاد ووصل النيل لجون العرب بواسطة خليج القلزم كما كان صنع البطالسة والفراعنة، وخصص ثلث إيراد مصر لعمل الجسور والترع لإرواء الأرضي اهـ انظر ص 306 منها.
قلت: يؤخذ أن عمر خصص ثلث إيراد مصر، لعمل الجسور والترع لإصلاح الري من التقرير الجغرافي الذي بعثه عمرو بن العاص لسيدنا عمر، وقد أثبتناه بنصه في القسم العاشر العلمي، وانظره ولا بد بذلك تعلم أيضا أنه كان من مبدأ عمر تقوية الزراعة وتنشيط الزراع، وأما ما جاء في ترجمته من أنه كان تقدم للعمال بأن لا يأذنوا لأحد من جنود المسلمين أن يزرع أو يزارع في البلاد المفتوحة كما في تاريخ ابن جرير وغيره وأن لا يقطعوا أرضا لأحد منهم البتة، فذلك لأمور.
أولها: كي لا يزاحم المسلمون أهل الذمة والعهد في أرضهم، ويضيقوا عليهم في معيشتهم.
والأمر الثاني: كي لا يألف الجنود العمل في الأرض في إبان الفتح فتميل نفوسهم إلى الراحة من عناء الحرب، والأمة حربية لم يأن لها أطراح لأمة القتال واعتزال الحرب «1» .
الثالث: كي تبقى الأرض بيد أهلها مادة تستمد منها الدولة ما يقوم بشؤونها العسكرية والإدارية، ولا يحتكرها المقتطعون من الجند.
وفي العتبية؛ قال مالك عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب كان يقول: من كانت له أرض فليعمرها، ومن كان له مال فليصلحه فيوشك أن يأتي من لا يعطي إلا من أحب.
قال ابن رشد في البيان والتحصيل: إنما أوصى بحفظ أموالهم بالقيام عليها مخافة أن يضيعوها اتكالا منهم علي أعطيات الإمام. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وهذا من إضاعة المال اهـ.
وقد وقع في المدونة والعتبية أنه كان بين رجلين من الصحابة خصومة في أرض لهما فركب عثمان أيام خلافته وركب معه رجال، فلما ساروا قال له رجل: إن عمر قد قضى فيه فقال عثمان: ما أنظر في أمر قضى فيه عمر فرجع.
قال ابن رشد في البيان والتحصيل أيضا: وكانت الخصومة بين علي بن أبي طالب وطلحة في ضفير سد بفحة [كذا] من الوادي بين ضيعتهما، فوكل علي عبد الله بن جعفر فتنازعا فيه الخصومة بين يدي عثمان، فركب من الغد في المهاجرين والأنصار ثم رجع لما بلغه أن عمر كان ذلك في أيامه. فلما أخبر بذلك عبد الله بن جعفر عليا قال له قم الآن إلى طلحة فقل له: إن الضفير لك فاصنع به ما بدا لك، فأتيته فأخبرته فسر بذلك، ثم دعا بردائه ونعليه وقام معي حتى دخلنا على علي فرحب به وقال: الضفير لك فاصنع به ما بدا لك. فقال قد قبلت وبي حاجة فقال علي ما هي؟ قال طلحة: أحب أن تقبل الضيعة مني مع من فيها من الغلمان والدواب والآلة قال علي: قد قبلت قال: ففرح طلحة وتعانقا وتفرقا قال عبد الله: لا أدري أيهما أكرم أعلي إذ جاد بالضفير أم طلحة إذ جاد بالضيعة بعد ضنه بمسقاه؟ اهـ.
فهذا يدل على أن الحراثة كانت شائعة وبلغ الإهتمام بها إلى درجة الخصومة فيها من مثل علي وطلحة، وتوكيل علي ابن أخيه وخروج الخليفة في المهاجرين والأنصار للفصل فيها.
(1) هذا هو السبب في كراهة الزراعة للعرب الفاتحين فمهمتهم هي الحفاظ على البلاد المفتوحة والاستعداد الدائم للجهاد، وبالزراعة يتخلون عن واجبهم الذي كانوا يتقاضون عنه العطاء والله أعلم. مصححه.
وفي الوفا للسيد السمهودي أنه كان بالمدينة وما حولها عيون كثيرة تجددت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لمعاوية اهتمام بهذا الباب، ولهذا كثرت في أيامه الغلال بأراضي المدينة. فقد نقل الواقدي في كتاب الحرة أنه كان بالمدينة في زمن معاوية صوافي كثيرة، وأن معاوية كان يحرث بالمدينة واعراضها مائة ألف وسق وخمسين ألف وسق ويحصد مائة ألف وسق حنطة اهـ منها ص 152 من ج 2.
وفي الكشاف لجار الله الزمخشري على قوله تعالى: وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها [هود:
61] وأمركم بالعمارة، والعمارة متنوعة إلى واجب وندب ومباح ومكروه، وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار، وعمروا الأعمار الطوال مع ما كان فيهم من عسف الرعايا، فسأل الله نبي من أنبياء زمانهم عن سبب تعميرهم فأوحى الله إليه: إنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي.
وعن معاوية بن أبي سفيان أنه أخذ في إحياء الأرض في آخر عمره فقيل له في ذلك فقال: ما حملني عليه إلا قول القائل:
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به
…
ولا تكون له في الأرض آثار
ولم يذكر اسم الشاعر في الكشاف، وذكره في ربيع الأبرار في موضعين قال في الروضة الثانية عشر: غرس معاوية نخلا بمكة في آخر خلافته فقال: ما غرستها طمعا في إدراكها ولكن ذكرت قول الأسدي: ليس الفتى الخ.
وقال في الروضة الثالثة عشرة قال بعض الأشراف لابنه: حسن آثارك في الدنيا واسمع قول الشاعر: ليس الفتى اخ انظر الطريفة والتالدة.
وفي كتاب حسن الصناعة في البحث عن الزراعة: ومن الوصايا في إصلاح المرء ضيعته ما روي أنه قيل لأبي هريرة: ما المروءة قال: تقوى الله وإصلاح الضيعة، وقال قيس ابن عاصم لبنيه: عليكم بإصلاح المال فإنه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم، وقال عتبة بن أبي سفيان لمولاه إذ ولاه أمواله: تعهد صغير مالي فيكبر، ولا تضيع كبيره فيصغر.
وفي شرح الحطاب وأبي علي بن رحال على المختصر ما نصه: قال الشيخ يوسف ابن عمر: من كانت له شجرة وضيعها بترك القيام بحقها فإنه يؤمر بالقيام بها، فإن لم يفعل فإنه مأثوم. وقاله الجزولي أيضا. وزاد ويقال له: ادفعها لمن يخدمها مساقاة بجميع الثمرة اهـ انظر باب النفقات.
وقال الإمام ابن حزم الأندلسي: إعلموا أن الراحة واللذة والسلامة والعز والأجر في أصحاب فلاحة الأرض، وفلاحة الأرض، أهنأ المكاسب جملة اهـ.
وفي كشف الظنون عن بعض العلماء: لو علم عباد الله رضاء الله في إحياء أرضه لم يبق في وجه الأرض موضع خراب.