الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
كتاب (1) الإيمان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1 - كتاب الإيمان
الإيمان في أصل اللغة (إفعال) من الأمن متعدٍّ بنفسه، يقال: آمنه: جعله آمنًا، كقوله: والمؤمن العائذات الطير يمسحها (2)، وقد نقل إلى معنى التصديق متعديًا بالباء باعتبار تضمين معنى الاعتراف، وباللام باعتبار معنى الإذعان، ثم نقل في الشرع إلى تصديق فيما أخبر، إما وحده وهو مذهب المحققين، أو مع الإقرار إن لم يمنع منه مانع، وهو قول الجمهور، أو مع الإقرار والعمل عند المعتزلة، وأما ما يحكى من المحدثين من أن الإيمان اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان، فالمراد الإيمان الكامل لا أصله كما اشتبه على أقوام من النظر في ظواهر عباراتهم، وقد صرحوا بما ذكرنا.
وثمرة الاختلاف في كون الإقرار جزءًا من حقيقة الإيمان أم لا، تظهر في أن من
(1) الكتاب إما مأخوذ من الكتب بمعنى الجمع، أو الكتابة، والمعنى هذا مجموع أو مكتوب في الأحاديث الواردة في الإيمان، وإنما عنون به مع ذكره الإسلام أيضًا؛ لأنها بمعنى واحد في الشرع. "مرقاة المفاتيح"(1/ 107).
(2)
هو قول الشاعر النابغة، وتمام البيت:
والمؤمِنِ العائذَاتِ الطير يَمْسَحُهَا
…
رُكْبَانُ مَكَّةَ بَيْنَ الغِيلِ والسَّنَدِ
انظر: "مجمع الأمثال"(1/ 87).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حصل له التصديق القلبي، ولم يقرّ مع قدرته عليه، ولم يأت بما ينافي التصديق؛ كان مؤمنًا عند اللَّه وإن لم تجر عليه أحكام الإيمان في الدنيا عند من لا يقول بجزئيته، ولا يكون مؤمنًا عند من يقول بها.
وههنا قسم آخر: وهو من حصل له التصديق والإقرار والعمل، ومع ذلك شدّ الزُّنَّار وسجد للصنم أو نحوهما مما جعله الشارع علامة التكذيب والإنكار؛ فهو كافر في الشرع إما في الظاهر أو عند اللَّه، فيه قولان، واللَّه أعلم.
ثم التصديق المعتبر في الإيمان هو التصديق المنطقي بعينه، إلا أنه يجب أن يحصل بالاختيار؛ لأن الإيمان مكلّف به، وقد يقع التصديق المنطقي من غير اختيار؛ كما إذا شاهد المعجزة فوقع في القلب صدق النبي؛ لأن لشهود المعجزة تأثيرًا طبعيًا في حصول التصديق، وليس بمعتبر في الإيمان؛ لحصوله لكل أحد من الكفار حتى يلتزمه ويختاره ويتثبت عليه، ويجب أيضًا أن يحصل الإذعان والقبول بحيث يقع عليه اسم التسليم والطمأنينة على ما صرح به الإمام الغزالي، حتى يخرج منه حال أهل العناد والاستكبار، فإن التصديق المنطقي حاصل لهم، قال اللَّه تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14]، وقال تعالى:{وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 144]، وليس الحاصل لهم المعرفة والعلم التصوري فقط كما توهم؛ لأن اليقين من أقسام التصديق، وقوله:{لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ} صريح في ذلك مع أنهم لا يوصفون بالإيمان، فعلم أن التصديق الإيماني يعتبر معه شيء آخر المعبر عنه بالتسليم والإذعان، وهو حالة في نفس المصدّق تنافي الجحود والعناد، وتبعثه على الانقياد والاستسلام، وترك التمرُّد والإباء، وعدم وجدان الحرج في النفس على ما يشعر به قوله سبحانه:{ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]،