الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْل الأَوَّلُ:
125 -
[1] عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} "[إبراهيم: 27]، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} . . . . .
ــ
(فائدة) السؤال في القبر من خصائص هذه الأمة، ذكر ذلك الترمذي وابن عبد البر، والحكمة في ذلك لتعجل عذابها في البرزخ فتوافي القيامة ممحضة، كذا ذكر بعض الشراح، ولا يخفى أن هذا الوجه إنما يجري في مؤمني الأمة دون المشركين، وفي (شرح عقيدة الطحاوي) (1): وللناس في سؤال منكر ونكير خلاف هل هو خاص بهذه الأمة أم لا، ثلاثة أقوال، الثالث التوقف، وهو قول جماعة منهم ابن عبد البر، انتهى. وقيل: عدم الاختصاص قول عامة العلماء، وتدل عليه قصة اليهودية كما تأتي، واللَّه أعلم.
الفصل الأول
125 -
[1](البراء بن عازب) قوله: (فذلك قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}) يعني أن قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية إشارة إلى إثبات العبد على الشهادتين وجوابه بهما وقت السؤال عن دينه وربه ونبيه، فإن الآخرة تشتمل البرزخ وما بعده، والشهادتان جواب عن الثلاثة فإنهما الدين.
(1)"شرح العقيدة الطحاوية"(ص: 269).
نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، يُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1369، 4699 م: 4871].
126 -
[2] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ [و](1) إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ،
ــ
وقوله: (يقال له: من ربك؟ فيقول: ربي اللَّه ونبي محمد) لفظ (المصابيح) ههنا أظهر وأتم: (إذا قيل له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي اللَّه، وديني الإسلام، ونبي محمد).
وقوله: (نزلت في عذاب القبر) قد يفهم من هذا أن عذاب القبر اسم للحالة الثابتة في القبر عذابًا كان أو نعيمًا كما نقلنا عن بعضهم في شرح الترجمة، وتوصيف القول بالثابت لأنه الحق الذي لا يتزلزل، ولا يزول، ثم يستأنس بهذا الحديث بحسب الظاهر اختصاص عذاب القبر بهذه الأمة كما قيل، إلا أن يقال: المذكور في الحديث حال هذه الأمة، ويعلم منه أحوال سائر الأمم كما لا يخفى.
126 -
[2](أنس) قوله: (وإنه ليسمع)(2) معترضة أو حال بحذف الواو أو تأكيد، ويجوز أن يكون جوابًا بحذف الفاء، وعلى الثاني قوله:(أتاه) حال من فاعل يسمع.
وقوله: (قرع نعالهم) قيل: فيه دليل على جواز المشي بالنعال عند القبور
(1) زيادة في نسخة.
(2)
اختلفوا في سماع الموتى وفيها تفاصيل، والمجمل أن اللَّه تعالى يسمعهم ما شاء ولا يسمعون ما يشاؤون بأنفسهم. قال النووي: لا يصح السماع، ورجحه ابن الهمام، وقال القاضي عياض بسماعهم. كذا في "التقرير".
أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ. . . . .
ــ
وبين ظهرانيها.
وقوله: (فيقعدانه) قال التُّورِبِشْتِي (1): الأصل فيه أن يحمل على الحقيقة على حسب ما يقتضيه الظاهر، ويحتمل أن يراد به التنبيه لما يسأل عنه، والإِيقاظ لما هو فيه بإعادة الروح المميز الإنساني إليه كالنائم الذي يوقظ، ومن الجائز أن يقال: أجلسته من نومه أي: أيقظته من رقدته على المجاز والاتساع؛ لأن الغالب من حال النائم إذا استيقظ أن يجلس، فجعل الإجلاس مكان الإيقاظ، انتهى.
ثم إنه جاء في حديث آخر: (فيجلسانه) والقعود والجلوس مترادفان، وقال في (القاموس) (2): القعود: الجلوس، أو هو من القيام، والجلوس من الضجعة ومن السجود، انتهى. وعلى الثاني يكون رواية:(يجلسانه) كما يجيء من حديث أحمد وأبي داود أظهر وأفصح، ويكون رواية:(يقعدانه) كما في الصحيحين رواية بالمعنى.
وقال الطيبي (3): إذا ذكرا معًا ذكر القعود مع القيام، والجلوس مع الاضجاع، وبدون ذكرهما يجوز ذكر الجلوس من القيام كما جاء ذلك في حديث جبرئيل:(حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، انتهى.
وقوله: (في هذا الرجل) أي: الرجل العظيم الذي هو الرجل الحقيقي الذي يحق أن يسمّى رجلًا، فاسم الإشارة للقرب للتعظيم كما ذكر في علم المعاني، وقال الطيبي (4): عبر بهذه العبارة التي ليس فيها تعظيم امتحانًا للمسؤول لئلا يتلقن تعظيمًا
(1)"كتاب الميسر"(1/ 70).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 295).
(3)
"شرح الطيبي"(1/ 278).
(4)
"شرح الطيبي"(1/ 279).
لِمُحَمَّدٍ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجنَّة، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ: مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ،
ــ
عن عبارة القائل.
وقوله: (لمحمد) بيان من الراوي.
وقوله: (فيراهما) الحكمة في إرائتهما جميعًا زيادة فرحة بتخليصه بالبلية وتخصيصه بالعطية، ولم يذكر هذا في الكافر اكتفاءً.
وقوله: (كنت أقول: ما يقول الناس) الظاهر أن المراد بما يقولون التكذيب والإنكار، هذا بحال الكافر المجاهر أنسب، والمنافق أيضًا يقول في الخلوة بشياطينه كذلك، وهكذا في حديث أبي هريرة في الفصل الثاني، وقال الطيبي (1) هناك: قد سمعت الناس أي: المسلمين يقولون: إنه نبي، فقلت مثل قولهم وما شعرت غير ذلك، فتدبر.
وقوله: (لا دريت ولا تليت) كلاهما على صيغة المخاطب من الماضي المعلوم، إما دعاء أو خبر، أما (دريت) فمن الدراية بمعنى العلم، وأما (تليت) فقال القاضي عياض (2):(ولا تليت) كذا الرواية عندنا ههنا بفتح التاء واللام، قيل: معناه لا تلوت يعني القرآن أي: لم تدر ولم تتل أي: لم تنتفع بدرايتك وتلاوتك، كذا قال لي أبو الحسين، ورد قول الأنباري فيه وغيره، وقيل: معناه لا تبعت الحق، قاله الداودي،
(1)"شرح الطيبي"(1/ 285).
(2)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 188).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: لا تبعت ما تدري، قاله ابن القزاز، وقيل: هو على عادة العرب في أدعيتها التي تدغم بها كلامها، قالوا: والواو هنا الأصل فحولت ياء لاتِّباع دريت، وقال ابن الأنباري:(تليت) غلط والصواب أتليت، يدعو عليه بأن لا تتلى إبله أي: لا تكون لها أولاد تتلوها أي: تتبعها، هذا مذهب يونس بن حبيب، قال ابن السراج: وهذا بعيد في دعاء الملكين [للميت]، ولعل ابن الأنباري أراد أن هذا أصل هذا الدعاء، ثم استعمل كما استعمل غيره من أدعية العرب، قال أبو بكر: والوجه الثاني: [أن يكون] ايتليت على أنه افتعلت من قولك: ما آلوت هذا أي: لا دريت ولا استعطت أن تدري، يقال: ما آلوه أي: ما أستطيعه، وهذا مذهب الأصمعي، وقال الفراء مثله إلا أنه فسره: ولا قصرت في طلب الدراية، فيكون أشقى لك من قولهم: ما آلوت أي: ما قصرت، وذكر أبو عبيد فيه أيضًا: ولا آليت كأنه من آلوت أي استعطت، وقد بينا من صحة المعاني التي توافق الرواية ما لا يحتاج معه إلى ما يقوله أبو بكر، والموفق اللَّه، انتهى كلام القاضي.
(تنبيه) ذكر في (شرح قصيدة الأمالي) لبعض فقهاء المحدثين من أهل المدينة ما نصه: فإن قيل: ليس في الحديث الصحيح إلا ذكر عذاب المنافق والكافر، ونجاة المؤمن في القبر، ولم يذكر المذنب من المؤمنين هل يعذب أم لا؟ فالجواب أن الحديث خرج مخرج الترغيب في الإيمان في أوائل الأمر، فلم يذكر إلا حال المنافق والكافر تحذيرًا من مثل حاله، وحال المؤمن الطائع ترغيبًا في مثل حاله، ولم يذكر قيد الطاعة إلا تشويقًا إلى الإيمان، وأخر ذكر حال المؤمن العاصي إلى وقت الاحتياج بحديث صاحب القبرين، أو أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أعلم إذ ذاك أن أحدًا يعذب في القبر كما يشير إليه قصة اليهودية أخبرت بعذاب القبر، أو الحديث الذي اقتصر فيه على
وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ" مُتَّفَقٌ عليه، وَلَفظه للْبُخَارِيِّ. [خ: 1338، 1374، م: 2870].
ــ
ذكر المنافق إنما هو في حق أهل عصره صلى الله عليه وسلم فقط، وقد كان مؤمنهم مطيعًا مغفور الزلات، وأما غيرهم فتثبت حالهم الأحاديث التي فيها العذاب لبعض العصاة، كذا ذكره بعضهم.
وقد تكلم على المسألة السيد الأجل السمهودي، فقال: أما سؤال الملكين فقضيتهما أن المؤمن وإن كان فاسقًا فإنه يجيب الملكين بما اشتملت عليه تلك الأحاديث، وإجابته بذلك صحيحة من حيث المعنى، وأما ما يقال له من البشارة فيحتمل الأمرين؛ أحدهما: عدم مساواة المؤمن الفاسق لغيره في ذلك، فأكمل البشارة للمؤمن الكامل ولغيره ما يصلح به على حسب حاله، وثانيهما: المساواة لكن في أصل ما وقع التبشير به ويكون مقولًا بالتشكيك، إلا أن يكون الفاسق ممن شاء اللَّه مغفرة ذنوبه، أو حصل التكفير لها بالمصائب المؤلمة ونحوها من المكفرات، واللَّه أعلم.
وقوله: (ويضرب بمطارق من حديد ضربة) أي: يضرب بكل مطرق ضربة. وقوله: (يسمعها من يليه من غير الثقلين) اقتصر صلى الله عليه وسلم في هذا المقام على سماع من يليه اكتفاءً بأصل المقصود قصدًا إلى إنذارهم، ويمكن أنه يوحى إليه في هذا الوقت هكذا، وفي وقت آخر فإنه يسمعها من في المشرق والمغرب، ولا منافاة بينهما لعدم اعتبار مفهوم المخالف في مثل هذا المقام لظهور المقصود، فافهم، و (من) لذوي العقول يشمل الملائكة والثقلين وغيرهم تغليبًا، وغلب العقلاء على غيرهم لشرفهم، ولأن السماع من خواصهم فجعل غيرهم في حكمهم فعبر بـ (من) ثم استثنى الثقلين، وذلك لئلا يرفع الابتلاء ولا ينقطع المعاش.
127 -
[3] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1379، م: 2866].
128 -
[4] وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَذَابِ الْقَبْر، فَقَالَ:"نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ صَلَّى. . . . .
ــ
127 -
[3](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة) تقدير الكلام: إن كان الميت من أهل الجنة فيعرض عليه مقعد من مقاعد أهل الجنة.
وقوله: (حتى يبعثك اللَّه إليه يوم القيامة) قال التُّورِبِشْتِي (1): الهاء يرجع إلى المقعد، ويجوز أن يعود إلى اللَّه، وهذا لفظ (المصابيح)، وقد روي أيضًا في الأحاديث الصحاح:(حتى يبعثك اللَّه إلى يوم القيامة) أي: هذا مستقرك إلى يوم القيامة، ويجوز أن يكون المعنى حتى يبعثك اللَّه إلى محشر يوم القيامة، فحذف المضاف، انتهى.
لا يخفى أن معنى قوله: عرض عليه مقعد من مقاعد الجنة أن يراه، يقال: عرض الشيء عليه أراه، كما جاء في حديث آخر:(يفتح له باب إلى الجنة) وليس هو داخلًا الآن في الجنة مستقرًا في مقعده، فلعل معنى العبارة: هذا مقعدك يتوقف دخولك واستقرارك فيه إلى وقت بعث اللَّه إياك إليه يوم القيامة، فافهم.
128 -
[4](عائشة) قوله: (قالت عائشة: فما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد صلى
(1)"كتاب الميسر"(1/ 72)، وانظر:"مرقاة المفاتيح"(1/ 343).
صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1372، م: 586].
129 -
[5] وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَو خَمْسَةٌ، فَقَالَ:"مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأقْبُرِ؟ "، قَالَ رَجُلٌ: أَنا، قَالَ: . . . . .
ــ
صلاة إلا تعوذ باللَّه من عذاب القبر) قال التُّورِبِشْتِي (1): ولقد وجدت في مسموعات أبي جعفر الطحاوي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع يهودية في بيت عائشة رضي الله عنها تقول: إنكم تفتنون في القبور فارتاع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال: إنما تفتن يهود، قالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال: أشعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور؟ )(2) فلو صح هذا كان الوجه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توقف في شأن أمته في فتنة القبر، إذ لم يوح إليه فيه، فلما أوحي إليه تعوذ منه، ووجدت في حديث آخر: أن عائشة رضي الله عنها قالت: فلا أدري أكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتعوذ قبل ذلك ولم أشعر به، أو تعوذ بقول اليهودية؟ ، فعلى هذا يحتمل أنه كان يتعوذ، ولم تشعر به عائشة رضي الله عنها، فلما رأى استغراباها لهذا القول وتعجبها منه أعلى صوته بالتعوذ ليترسخ ذلك في عقائد أمته، ويكونوا من فتنة القبر على خيفته.
129 -
[5](زيد بن ثابت) قوله: (في حائط) أي: بستان، والحائط يجيء بمعنى البستان كما سبق في أول (كتاب الإيمان) [برقم: 39].
وقوله: (إذ حادت به) بالتخفيف أي: مالت، في (النهاية) (3): حاد عن الشيء
(1)"كتاب الميسر"(1/ 72).
(2)
أخرجه مسلم (584)، والنسائي (2064).
(3)
"النهاية"(1/ 466).
"فَمَتَى مَاتُوا؟ " قَالَ: فِي الشِّرْكِ، فَقَالَ:"إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ"، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ:"تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ"، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، قَالَ:"تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ"، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، قَالَ:"تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالَ:"تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ"، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2867].
ــ
وعن الطريق يحيد: إذا عدل، وفي ذم الدنيا: الحيود: الميود، فالباء للتعدية.
وقوله: (فَمَتَى مَاتُوا؟ قَالَ: فِي الشِّرْكِ) ظاهره أنهم ماتوا في الجاهلية فعذابهم لأجل ترك التوحيد وأمثاله من العقليات، فافهم.
وقوله: (إن هذه الأمة) المراد بها جنس الإنسان.
وقوله: (فلولا أن لا تدافنوا لدعوت اللَّه أن يسمعكم من عذاب القبر) قالوا: يحتمل أن يكون المراد أنهم لو سمعوا ذلك للحقهم من الخوف والدهشة ما شغلهم عن التدافن، كما ذكر أن الحكمة في عدم سماع الثقلين صيحة الميت من ضربة المطارق أن لا ينقطع ويتعطل المعاش، فترك التدافن ليس من جهة اعتقاد أنه يمنع العذاب لأنه يعذب وإن لم يدفن، ويعذب في بطون الحيتان وحواصل السباع، وكيف يتركون وقد أمروا بذلك بل من جهة طيران أفئدتهم، وذهاب عقولهم الموجب للذهول عن الأمر واعتقاد التعذيب، ولو لم يدفن، أو أنهم لو سمعوا ذلك لحصلت لهم دهشة من مشاهدة الموتى حتى لا يكادون يقربون جيفة ميت.