المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثالث: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ١

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌تقديم بقلم: أ. د. عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ المُحْسِنِ التُّرْكِيِّ (الأمِيْنِ العَامِّ لِرَابِطَةِ العَالَمِ الإسْلَامِيِّ)

- ‌تَقْدِيْمٌ بِقَلَمِ: سَمَاحَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الرَّابِعِ الحَسَنِيِّ النَّدْوِيِّ رَئِيْسِ نَدْوَةِ العُلَمَاءِ بِالهِنْدِ

- ‌تَقدِيْمٌ بِقَلَمِ: أ. د. موَفَّقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ القَادِرِ مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ - جَامِعَةُ أُمِّ القُرَى

- ‌تَقْدِيمٌ بِقَلَمِ: فَضِيلَةِ الأُسْتَاذِ المُحَدِّثِ الفَقِيْهِ الشَّيْخِ مُحَمَّد تَقِي العُثْمَانِيِّ شَيْخِ الحَدِيثِ بِجَامِعَةِ دَارِ العُلُومِ كراتشي في باكستان

- ‌مُقَدِّمَةُ المُحَقّقْ

- ‌عَمَلي في هَذا الكِتَاب

- ‌تَرْجَمَةُ الإمَامِ المُحَدِّثِ عَبْدِ الحَقِّ البُخَارِيِّ الدِّهْلَوِيِّ

- ‌ كيف دخل الإسلام الهند:

- ‌ علم الحديث في القرن العاشر الهجري:

- ‌ اسمه ولقبه وأسرته ومولده ونشأته:

- ‌ تدريسه قبل سفره إلى الحجاز:

- ‌ ارتحاله لطلب العلم:

- ‌ ارتحاله إلى الحرمين الشريفين:

- ‌ عودة الشيخ المحدث من الحجاز إلى الهند:

- ‌ منهج الشيخ المحدث في الدعوة في هذه الظروف:

- ‌ شيوخه:

- ‌ اختيار الشيخ المحدث إسنادًا خاصًّا لرواية الحديث:

- ‌ اعتراف شيوخه برسوخه في العلم:

- ‌ الفرق بين منهج المحدث عبد الحق الدهلوي وبين منهج الإمام ولي اللَّه الدهلوي:

- ‌ وصايا الشيخ عبد الوهاب للشيخ المحدث:

- ‌ وصايا الشيخ أبي المعالي للشيخ المحدث:

- ‌ استكمال التربية والسلوك من الشيخ الكبير عبد الباقي النقشبندي المعروف بخواجه باقي باللَّه:

- ‌ الشيخ المحدث وعلاقته بالربانية:

- ‌ البركة في أعمال الشيخ المحدث:

- ‌ الشيخ المحدث بين التصنيف والتأليف:

- ‌ الشيخ المحدث ومآثره:

- ‌ علاقة الشيخ المحدث مع الإمام السرهندي:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ خلفه:

- ‌ وفاته:

- ‌ وصول إسناده إلى الحرمين الشريفين:

- ‌ مؤلفاته

- ‌ أشعة اللمعات في شرح المشكاة:

- ‌ لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح:

- ‌ مصابيح السنة:

- ‌تَرْجَمَةُ صَاحِبِ المِشْكَاةِ

- ‌ مشكاة المصابيح:

- ‌ عدد أحاديثه:

- ‌ وصف النسخ المخطوطة:

- ‌ النسخة الأولى:

- ‌ النسخة الثانية:

- ‌ النسخة الثالثة:

- ‌ النسخة الرابعة:

- ‌ النسخة الخامسة:

- ‌ النسخة السادسة:

- ‌صور المخطوطات

- ‌مُقَدِّمَةُ اللّمَعَات

- ‌مُقَدِّمَةٌ فِي بَيَانِ بَعْضِ مُصْطَلَحَاتِ عِلْمِ الحدِيثِ مِمَّا يَكْفِيْ فِي شَرْحِ الكِتَابِ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيْلٍ وإِطْنَابٍ

- ‌[تَعْرِيف الحَدِيث]:

- ‌[الْمَرْفُوع]:

- ‌[الْمَوْقُوف]:

- ‌[الْمَقْطُوع]:

- ‌[الحَدِيث والأثر]:

- ‌[الْخَبَر والحَدِيث]:

- ‌[الرّفْع قِسْمَانِ صَرِيح وحكمي]:

- ‌[القولي الصَّرِيح]:

- ‌[الفِعْلِيّ الصَّرِيح]:

- ‌[التقريري الصَّرِيح]:

- ‌[القولي الْحكمِي]:

- ‌[الْفعْلِيّ الْحكمِي]:

- ‌[التقريري الْحكمِي]:

- ‌فصل

- ‌[السَّنَد]:

- ‌[الإِسْنَاد]:

- ‌ المتن

- ‌[الْمُتَّصِل]:

- ‌[الْمُنْقَطع]:

- ‌[الْمُعَلق]:

- ‌[تعليقات البُخَارِيّ]:

- ‌[حكم التَّعْلِيق بِصِيغَة الْمَعْلُوم والمجهول]:

- ‌[الْمُرْسل]:

- ‌[حكم الْمُرْسل]:

- ‌[المعضل]:

- ‌[الْمُنْقَطع]:

- ‌[طَرِيق معرفَة الانْقِطَاع]:

- ‌[المدلس]:

- ‌[تَعْرِيف التَّدْلِيس اصْطِلاحًا]:

- ‌[تَعْرِيف التَّدْلِيس لُغَة]:

- ‌[وَجه التَّسْمِيَة بِهِ]:

- ‌[حكم المدلِّس]:

- ‌[حكم التَّدْلِيس]:

- ‌[حكم رِوَايَة المدلس]:

- ‌[أَسبَاب التَّدْلِيس]:

- ‌[تَدْلِيس الأكابر]:

- ‌[المضطرب]:

- ‌[حكم المضطرب من الرِّوَايَات]:

- ‌[المدرج]:

- ‌ تَنْبِيه:

- ‌[الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى]:

- ‌[رِوَايَة اللَّفْظ أولى]:

- ‌[العنعنة]:

- ‌[المعنعَن]:

- ‌[شُرُوط العنعنة]:

- ‌[الْمسند]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌المنكر

- ‌[الشاذ لُغَة]:

- ‌[الشاذ اصْطِلَاحًا]:

- ‌[الْمَعْرُوف]:

- ‌[حكم الْمَعْرُوف وَالْمُنكر والشاذ وَالْمَحْفُوظ]:

- ‌[تَعْرِيف آخر للشاذ]:

- ‌[تَعْرِيف ثَالِث للشاذ]:

- ‌[الْمُعَلل]:

- ‌[المتابع]:

- ‌[فَائِدَة الْمُتَابَعَة]:

- ‌[دَرَجَات الْمُتَابَعَة]:

- ‌[مَتى يسْتَعْمل "مثله" و"نحوه

- ‌[شَرط الْمُتَابَعَة]:

- ‌[الشَّاهِد]:

- ‌[تَعْرِيف آخر للمتابع وَالشَّاهِد]:

- ‌[الاعْتِبَار]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌الصحيح

- ‌[الصَّحِيح لذاته]:

- ‌[الصَّحِيح لغيره]:

- ‌[الْحسن لذاته]:

- ‌[الضَّعِيف]:

- ‌[الْحسن لغيره]:

- ‌[النُّقْصَان المُعْتَبر فِي الْحسن]:

- ‌[الْعَدَالَة]:

- ‌ التقوى

- ‌المروءة

- ‌[عدل الرِّوَايَة أَعم من عدل الشَّهَادَة]:

- ‌[الضَّبْط]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌[وُجُوه الطعْن الْمُتَعَلّقَة بِالْعَدَالَةِ]:

- ‌[1 - الْكَذِب]:

- ‌[الْمَوْضُوع]:

- ‌[حكم متعمد الْكَذِب]:

- ‌[المُرَاد بالموضوع]:

- ‌[مَسْأَلَة الحكم بِالْوَضْعِ ظنية]:

- ‌[2 - اتهام الرَّاوِي بِالْكَذِبِ]:

- ‌[الْمَتْرُوك]:

- ‌[حكم الْمُتَّهم بِالْكَذِبِ]:

- ‌[حكم من يكذب نَادرًا]:

- ‌[3 - الْفسق]:

- ‌[4 - جَهَالَة الرَّاوِي]:

- ‌[حكم الْمُبْهم]:

- ‌[5 - الْبِدْعَة]:

- ‌[حكم حَدِيث المبتدع]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌[وُجُوه الطعْن الْمُتَعَلّقَة بالضبط]:

- ‌[1 - و 2 - فرط الْغَفْلَة وَكَثْرَة الْغَلَط]:

- ‌[3 - مُخَالفَة الثِّقَات]:

- ‌[4 - الْوَهم]:

- ‌[غموض علم الْعلَّة ودقته]:

- ‌[5 - سوء الْحِفْظ]:

- ‌[حكم سيئ الحِفْظ]:

- ‌[الْمُخْتَلِط]:

- ‌[حكم الْمُخْتَلط]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌[الْغَرِيب]:

- ‌[الْعَزِيز]:

- ‌[الْمَشْهُور]:

- ‌[الْمُتَوَاتر]:

- ‌[الْفَرد]:

- ‌[الْفَرد النسبي]:

- ‌[الْفَرد الْمُطلق]:

- ‌[المُرَاد بِكَوْن الرَّاوِي اثْنَيْنِ أَو أَكثر]:

- ‌[لَا تنَافِي بَين الغرابة وَالصِّحَّة]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌[الضَّعِيف]:

- ‌[مَرَاتِب الصَّحِيح وَالْحسن]:

- ‌[أصح الأَسَانِيد]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌[اصْطِلَاحَات التِّرْمِذِيّ]:

- ‌[إِشْكَال اجْتِمَاع الغرابة وَالْحسن]:

- ‌[جَوَاب الإِشْكَال]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌[الاحْتِجَاج بِالصَّحِيحِ وَالْحسن]:

- ‌[الاحْتِجَاج بالضعيف]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌[صَحِيح البُخَارِيّ أَعلَى الصِّحَاح]:

- ‌[وَجه تَرْجِيح صَحِيح مُسلم عِنْد بعض المغاربة]:

- ‌[الْمُتَّفق عَلَيْهِ]:

- ‌[عدد الأَحَادِيث الْمُتَّفق عَلَيهَا]:

- ‌[دَرَجَات الصِّحَاح]:

- ‌[معنى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌[البُخَارِيّ وَمُسلم لم يستوعبا الصِّحَاح]:

- ‌[مُسْتَدْرك الْحَاكِم]:

- ‌[صَحِيح ابْن خُزَيْمَة]:

- ‌[صَحِيح ابْن حبَان]:

- ‌[صَحِيح الْحَاكِم (الْمُسْتَدْرك)]:

- ‌[المختارة للمقدسي]:

- ‌[صِحَاح أُخْرَى]:

- ‌فَصْلٌ

- ‌[الْكتب السِّتَّة]:

- ‌[أَحَادِيث الْكتب الأَرْبَعَة]:

- ‌[اصْطِلَاح الْبَغَوِيّ]:

- ‌[كتاب الدَّارمِيّ]:

- ‌[مصَادر السُّيُوطِيّ فِي جمع الْجَوَامِع]:

- ‌[جمَاعَة من الأَئِمَّة المتقنين]:

- ‌مُقَدِّمَةُ المِشْكَاةِ

- ‌1 - كتاب الإيمان

- ‌ الفصل الأول:

- ‌ الفصل الثاني:

- ‌ الفصل الثالث:

- ‌1 - باب الكبائر وعلامات النفاق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّل:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الوسوسة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الإيمان بالقدر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب إثبات عذاب القبر

- ‌ الْفَصْل الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(2) كِتَابُ العِلْمِ

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الثالث:

"لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيْمَانِ". [هب: 4184].

*‌

‌ الفصل الثالث:

36 -

[35] عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ النَّارَ". رَوَا مُسلم. [م: 28، 29].

37 -

[36] وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ". رَوَاهُ مُسلم. [م: 26].

ــ

وقوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) إن أريد بالأمانة المعنى المتعارف من حفظ أموال الناس ومجالسهم مثلًا، وبالعهد ما جرى بينهم من ميثاق، فهذا تغليظ وحث على محافظتهما، والمنفي هو الإيمان الكامل، وإن أريد التكاليف الشرعية والعهد الذي أخذه اللَّه من عباده بأداء حقوق ربوبيته والانقياد لأحكامه، فحيث يشتمل ذلك الدين والإيمان كله أصولًا وفروعًا فلا إشكال في هذا النفي، ويكون في الكلام تكرير أو تأكيد أو تقرير، ويحتمل أن تكون الأمانة محمولة على المعنى الأعم، والعهد على الأخص، فيكون تخصيصًا بعد تعميم، فتدبر.

الفصل الثالث

36 -

[35](عبادة بن الصامت) قوله: (حرم اللَّه عليه النار) قد مر تأويله (1).

37 -

[36](عثمان) قوله: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا اللَّه) بأن لم يطرأ

(1) انظر: الحديث (25).

ص: 271

38 -

[36] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثِنْتَانِ مُوجِبَتَانِ".

قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ قَالَ: "مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ، وَمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ". رَوَاهُ مُسلم. [م: 150].

39 -

[38] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعنا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما فِي نَفَرٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا،

ــ

قلبه ما يضاده، ويحتمل أن يكون المراد حصول العلم في ذلك الوقت فإن له فضيلة خاصة، فافهم، ثم هذا الحديث ظاهر في أن الإيمان هو التصديق فقط.

38 -

[37](جابر) قوله: (ثنتان) أي: خصلتان، وهما الإشراك وعدم الإشراك؛ يعني الكفر والإيمان.

وقوله: (موجبتان) أي: الجنة والنار بحكم اللَّه ووعده ووعيده.

39 -

[38](أبو هريرة) قوله: (في نفر) في (النهاية)(1): النفر: رهط الإنسان وعشيرته، وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة من ثلاثة إلى عشرة، ولا واحد له من لفظه، انتهى. وقد يستعمل بمعنى القوم والجماعة من الجن والإنس.

وقوله: (من بين أظهرنا) أي من بيننا، والأظهر جمع ظهر مقحم للتأكيد، ومثله ظهرينا وظهرانينا بفتح النون، ووجهه أن من كان بين قوم كان بين أظهرهم؛ لأن ظهر كل واحد منهم يكون في جانب عنه، وتوضيحه ما قال في (النهاية) (2) في حديث:(فأقاموا بين ظهرانيهم وبين أظهرهم) أي: أقاموا بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد

(1)"النهاية"(5/ 93).

(2)

"النهاية"(3/ 166).

ص: 272

وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا، وَفَزِعْنَا، فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلأَنْصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ،

ــ

إليهم، وزيدت ألف ونون مفتوحة تأكيدًا، ومعناه أن ظهرًا منهم قدامه وظهرًا منهم وراءه، فهو مكنوف من جانبيه ومن جوانبه إذا قيل: بين أظهرهم، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا.

وقوله: (أن يقتطع دوننا) في (الصراح)(1): الاقتطاع باره أز جيزي جدا كردن، وفي (النهاية) (2): أي يؤخذ ويتفرد به، قال النووي (3): أي يصاب بمكروه من عدوه، ومنه أبا حزم أحذرهم أن يقتطعوك، أي: لا يرونك منفردًا فيطمعوا في قتلك فيقتلوك، فالمعنى: خشينا أن يصاب بمكروه من عدو أو غيره حال كونه دوننا، أي: متجاوزًا عنا.

وقوله: (وفزعنا) لعل الخشية في الباطن، والفزع ظهور آثارها في الظاهر كما يناسب قول أبي هريرة رضي الله عنه:(فكنت أول من فزع)(4)، فافهم.

وقوله: (حتى أتيت حائطًا) المراد بالحائط البستان من النخيل إذا كان عليه حائط، وهو الجدار، وجمعه الحوائط، وأصله من الإحاطة، في (القاموس) (5): الحائط: الجدار والبستان.

(1)"الصراح"(325).

(2)

"النهاية"(4/ 82).

(3)

"شرح صحيح مسلم"(1/ 235).

(4)

أخرجه مسلم (31).

(5)

"القاموس المحيط"(ص: 611).

ص: 273

فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا؟ فَلَمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ، وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ، قَالَ: فَاحْتَفَزْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: . . . . .

ــ

وقوله: (هل أجد له بابًا) أي: مفتوحًا، ويجوز أن لا يكون دورانه حول الحائط كله، بل دار بعض أطرافه ولم يجد بابه، والظاهر أن خروجه لم يكن من الطريق الذي دخل به، بل من بابه الذي وجده بعد الدخول، واللَّه أعلم، ولعله صلى الله عليه وسلم أغلق بابه بعد دخوله وسد طريقه.

وقوله: (فإذا ربيع) الربيع: الجدول والنهر الصغير.

وقوله: (من بئر خارجة) بتنوين فيهما موصوف وصفة، وبتنوين (بئر) وبهاء الضمير في (خارجه) يرجع إلى الحائط، أي: بئر في موضع خارج الحائط، وبإضافة (بئر) إلى (خارجة) بتاء تأنيث اسم رجل، والوجه الأول أظهر، وقيل: هو المشهور، والبئر يؤنث، كذا في (القاموس)(1)، ثم الظاهر أن المراد بالبئر ههنا معناها المعروف لا البستان كما قيل.

نعم قد تطلق البئر على البستان لكونها فيه؛ كبئر بضاعة، وهي بستان.

وقوله: (فاحتفزت) بالزاي، أي: تضاممت ليسعني المدخلُ، في (القاموس) (2): احتفز: تضامّ في سجوده وجلوسه، واستوى جالسًا على وركيه، وفي (الصراح) (3): احتفاز برسريائ نشستن وخويشتن درجيدن، وفي حديث علي رضي الله عنه: (إذا صلت المرأة

(1)"القاموس المحيط"(ص: 324).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 472).

(3)

"الصراح"(ص: 224).

ص: 274

"أبُو هُرَيْرَةَ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:"مَا شَأْنُكَ؟ " قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُوننًا، فَفَزِعْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ، وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي، فَقَالَ:"يَا أَبَا هُرَيْرَةَ" وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ، فَقَالَ:"اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيَكَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"،

ــ

فلتحتفز إذا جلست وإذا سجدت) (1)، وفي حديث الأحنف: كان يوسع لمن أتاه، فإذا لم يجد متسعًا تحفز له تحفزًا، هذا، وأما رواية الراء فليس له معنى ظاهر مناسب للمقام، والصواب هو الرواية بالزاي، كذا قالوا.

وقوله: (أبو هريرة) أي: أنت أبو هريرة؟ على طريق الاستفهام للتعجب؛ لكون الطريق مسدودًا فاستغرب.

وقوله: (أعطاني نعليه) كما هو العادة في أعطاء شيء مما يعرف به أنه أرسله، ولعله لم يكن شيء آخر عنده سواهما، وقد ذكر الطيبي (2) في تخصيص النعلين نكات مناسبة لا تخلو عن خفاء، واللَّه أعلم. ولعله صلى الله عليه وسلم لما شاهد منهم كمال المحبة والإخلاص من فزعهم بأدنى مفارقة وتوحشهم بذلك؛ عطف عليهم وتوجه إلى جناب القدس لاستجلاب الرحمة لهم، فأوحي بذلك.

وقوله: (فمن لقيك. . . إلخ) حاصل المعنى أخبرهم بأن من شهد به مستيقنًا دخل الجنة، فافهم.

(1) أخرج نحوه عبد الرزاق في "مصنفه"(5072).

(2)

"شرح الطيبي"(1/ 175).

ص: 275

فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِيتُ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَة؟ قُلْتُ: هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي بِهِمَا، مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرْتُهُ بِالْجنَّةِ، فَضَرَبَ عُمَرُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَخَرَرْتُ لِاسْتِي، فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَجْهَشْتُ بِالبُكَاءِ، وَرَكِبَنِي عُمَرُ. . . . .

ــ

وقوله: (فكان أول من لقيت عمر) الظاهر برفع أول ونصب عمر، ويجوز العكس.

وقوله: (فخررت لاستي) بكسر الهمزة وسكون السين، أي: سقطت على مقعدي، واللام بمعنى (على).

وقوله: (فقال: ارجع) كان عمر رضي الله عنه عالمًا من عند النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا بشارة تطييبًا لقلوبهم، وأنهم لو سمعوا يتكلوا، وأن الأمر لم يكن للإيجاب، ولذا خلاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آخرًا، فافهم.

وقوله: (فأجهشت بالبكاء) في (القاموس)(1): جهش إليه كسمع ومنع جهشًا وجهوشًا وجهشانًا: فزع إليه وهو يريد البكاء، كالصبي يفزع إلى أمه، كأجهش، ولما كان في الحديث ذكر البكاء كان في الجهش تجريد، ومنه حديث:(أصابنا عطش فجهشنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم)(2).

وقوله: (ركبني عمر) أي علا عليَّ عاديًا. في (القاموس)(3): ركبه

(1)"القاموس المحيط"(ص: 543).

(2)

أخرجه أحمد في "مسنده"(3/ 365)، والبيهقي في "الدلائل"(2258).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 98).

ص: 276

فَإِذا هُوَ عَلَى أَثَرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا لَك يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ " قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بعثتني بِهِ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً، فَخَرَرْتُ لِاسْتِي، فَقَالَ: ارْجع، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا عُمَرُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ؟ ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"فَخَلِّهِمْ". رَوَاهُ مُسلم. [م: 52].

40 -

[39] وَعَن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَفَاتِيحُ الْجنَّةِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه". رَوَاهُ أَحْمد. [حم: 5/ 242].

ــ

كسمعه: علاه.

وقوله: (على أثري) بكسر الهمزة وسكون المثلثة، ويروى بفتحتين، أي: فنظرت فإذا هو على عقبي.

وقوله: (بأبي أنت وأمي) أي: أنت مفدُّى بأبي وأمي، وأبي وأمي فداك، فداه يفديه فداء وفِدًى، ويُفتح، وافتدى به وفاداه: أعطى شيئًا فأنقذه، والفداء ككساء، وكـ (على) و (إلى)، والفدية: ذلك المعطى، وفاداه بنفسه وفداه: إذا قال له: جعلت فداك.

وقوله: (فلا تفعل) دعاء وتضرع من عمر رضي الله عنه إلى حضرته أن لا يفعل لما رأى من المصلحة.

40 -

[39](معاذ بن جبل) قوله: (مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا اللَّه) لعل جمع المفاتيح باعتبار المواد وأفراد المؤمنين، أو الجنات، أو درجاتها ومنازلها، أو

ص: 277

41 -

[40] وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ حَزِنُوا عَلَيْهِ، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يُوَسْوِسُ،

ــ

جعل كل جزء منها مفتاحًا مبالغة.

41 -

[40](عثمان) قوله: (حين توفي) بصيغة المجهول من التوفي، أي: توفاه اللَّه وقبض روحه، والوفاة الموت، كذا في (القاموس)(1)، وحقيقة التوفي استيفاء الحق وقبضه تامًا، فاللَّه سبحانه يستوفي حق الأجل الذي ضرب له، كما قال:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]، وقد يسند التوفي إلى ملك الموت كما قال:{يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] أي: يستوفي عددكم ويستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئًا، والتفعل بمعنى الاستفعال يأتي كثيرًا، كتنقصه واستنقصه وتعجلته واستعجلته، كذا قال البيضاوي، وعلى صيغة المجهول جاءت القراءة السبع في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] وقرئ (يتوفون) بصيغة المعلوم، أي: يستوفون آجالهم، قيل: وهو قراءة علي رضي الله عنه.

وقوله: (حزنوا عليه) حزن كفرح بصيغة المعلوم لازم بمعنى اندوهكَين شدن، حزن وحزين لغتان منه، وكنصر متعد، يقال: حزنه وأحزنه: جعله حزينًا، فهو محزون، وحزن بسكون الزاي مصدر، ويجيء بمعنى الأرض الوعرة، والحزن بالضم وبفتحتين اسمان بمعنى (اندوه) خلاف السرور، ويجيئان مصدرين من كلا البابين.

وقوله: (يوسوس) الوسوسة: حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير، كالوسواس بالكسر، والاسم بالفتح، كذا في (القاموس)(2)، و (وسوس) لازم، أي:

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1233).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 536).

ص: 278

قَالَ عُثْمَانُ: وَكُنْتُ مِنْهُم، فَبَيْنَا أَنا جَالِسٌ من مَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَشْعُرْ بِهِ، فَاشْتَكَى عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، ثُمَّ أَقْبَلَا حَتَّى سَلَّمَا عَلَيَّ جَمِيعًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا حَمَلَكَ ألَّا تَرُدَّ عَلَى أَخِيكَ عُمَرَ سَلامَهُ؟ قُلْتُ: مَا فَعَلْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلَى، وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتَ، قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ أَنَّكَ مَرَرْتَ وَلَا سَلَّمْتَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ عُثْمَانُ، قَدْ شَغَلَكَ عَنْ ذَلِكَ أَمْرٌ، فَقُلْتُ: أَجَلْ، قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: تَوَفَّى اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ نسْأَلَهُ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الأَمْرِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قد سَأَلْتُهُ عَن ذَلِكَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ لَهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنْتَ أَحَقُّ بِهَا،

ــ

وقع في الوسوسة.

فقوله: (يوسوس) بكسر الواو الثانية، أي: يقع في الوسوسة، والفتح لحن.

وقوله: (مر علي عمر وسلم) عرف ذلك بعد الإفاقة وتحقيق الحكاية فاشتكى عمر، لعل الشكاية لأجل فوات هذا الواجب من عثمان رضي الله عنه، وهو رد السلام، أو لأجل فوات بركة دعائه.

وقوله: (قلت: ما فعلت) أي ما تركت رد السلام عليه، عبر بالفعل إشارة بأنه لم يقع ذلك منه باختياره ليكون فعلًا صادرًا منه يؤاخذ عليه، أو يقال: إن الترك أيضًا فعل، فافهم.

وقوله: (صدق عثمان) وكيف يصدر ذلك منه مع شعوره، ثم خاطب عثمان رضي الله عنه وقال: قد شغلك عن ذلك أمر عظيم نشأ من وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يتم الكلام بـ (صدق)، والضمير فيه لـ (عمر)، ويكون عثمان رضي الله عنه منادى بحذف حرف النداء، وذلك وجه، واللَّه أعلم.

ص: 279

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجَاةُ هَذَا الأَمْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَبِلَ مِنِّي الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُ عَلَى عَمِّي فَرَدَّهَا [عَلَيَّ]؛ فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ". رَوَاهُ أَحْمد. [حم: 1/ 6].

ــ

وقوله: (ما نجاة هذا الأمر) قال الطيبي (1): يجوز أن يكون المراد بالأمر ما عليه المؤمنون من الدين، أي: نسأله عما يتخلص به من النار، وأن يراد به ما عليه الناس من غرور الشيطان وحب الدنيا والتهالك فيها والركون إلى شهواتها وركوب المعاصي وتبعاتها، أي: نسأله عن نجاة هذا الأمر الهائل، وهذه الكلمة سبب النجاة من النار، والنجاة من الغفلة وصداء القلب، ولهذا التزمه السائرون إلى اللَّه العارفون به، انتهى ملخصًا.

ويتوجه على الوجه الأول أن عثمان رضي الله عنه هو الذي روى الحديث الذي في الفصل السابق من حديث مسلم، وهو:(من مات وهو يعلم أن لا إله إلا اللَّه دخل الجنة)، فكيف يصح قوله:(توفى اللَّه تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن نسأله عن نجاة هذا الأمر)؟ اللهم إلا أن يقال: إنه نسي الحديث لما دهشه من المصيبة والحيرة، هذا والصواب أن يقال: إن المراد النجاة عن حديث النفس ووسواس الشيطان كما جاء في رواية محمد بن جبير: أن عمر مرّ على عثمان فسلّم عليه، فلم يردّ عليه، فدخل على أبي بكر رضي الله عنه فاشتكى ذلك إليه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما منعك أن تردّ على أخيك السلام؟ قال: واللَّه ما سمعته وأنا أحدث نفسي، قال أبو بكر رضي الله عنه: فماذا تحدث نفسك؟ قال: خلا بي الشيطان، فجعل يلقي في نفسي أشياء ما أحب أني تكلمت بها وأن لي ما على الأرض، قلت في نفسي حين ألقي الشيطان ذلك: يا ليتني سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما ينجينا من

(1)"شرح الطيبي"(1/ 178).

ص: 280

42 -

[41] وَعَنِ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ. . . . .

ــ

هذا الحديث الذي يلقي الشيطان في أنفسنا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: فإني واللَّه لقد اشتكيت إلى رسول اللَّه وسألته: ما الذي ينجينا من هذا الحديث الذي يلقي الشيطان في أنفسنا؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ينجيكم من ذلك أن تقولوا مثل الذي أمرت به عمي عند الموت فلم يفعل)(1)، رواه أبو يعلى في (مسنده)(2).

قال البوصيري في (زوائد العشرة)(3): سنده حسن، كذا في (جمع الجوامع) للسيوطي، وذكر شيخ شيوخنا ابن حجر المكي في سرح قوله (كاد بعضهم يوسوس) أي: يقع في نفسه انقضاء هذا الدين وانطفاء أنواره.

42 -

[41](المقداد) قوله: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر)، في (القاموس) (4): المدر محركة: قطع الطين اليابس، واحدته بهاء، والحجارة والمِدارة إتباعٌ، وفي (مجمع البحار) (5): المدر بفتح ميم ودال: الطين المجتمع الصلب، والوبر محركة: صوف الإبل والأرانب ونحوها، والجمع أوبار، والمراد ببيت المدر: المدن والقرى، مدرة الرجل: بلدته، وفي الحديث: (أما إن العمرة

(1) الغرض من السؤال ما يرد وساوس القلب، ولذا ترى الصوفية اخترعوا الأذكار المتضمنة على كلمة التوحيد لردّ الوساوس وصفاء القلب، فهذا الحديث من مستدلاتهم، كذا في "التقرير".

(2)

"مسند أبي يعلى"(133).

(3)

"إتحاف الخيرة المهرة"(1/ 3) وفيه: هذا إسناد فيه مقال، إلا أن التحسين كما ذكره المصنف هو من "جمع الجوامع" للسيوطي (11385).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 441).

(5)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 570).

ص: 281

إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الإِسِلَامِ بِعِزِّ عَزِيزٍ وَذُلِّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللَّهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا". قُلْتُ: فَيَكُونُ الدِّينُ كلُّهُ للَّهِ. رَوَاهُ أَحْمَد. [حم: 4/ 6].

43 -

[42] وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ قِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ،

ــ

من مدركم) أي: بلدكم، يقول: من أراد العمرة ابتدأ لها سفرًا جديدًا من منزله من غير سفر الحج، وهو مستحب لا واجب.

وببيت الوبر البوادي؛ لأنهم يسكنون فيها في الخيام، وهي من الوبر غالبًا.

وقوله: (إلا أدخله) أي: أدخل اللَّه، حذف للعلم ودلالة السياق، وقد ذكر في بعض النسخ صريحًا، والضمير المنصوب الراجع إلى البيت ظرف بتقدير (في) وإن كان مكانًا محدودًا لكونه بعد دخلت.

وقوله: (بعز عزيز) أي: ملتبسة بعز شخص يعزّه اللَّه بها، بأن يختار تلك الكلمة ويؤمن بها، وملتبسة بذل ذليل، أي: شخص يذلّه اللَّه بها، بأن لم يؤمن.

وقوله: (إما يعزهم اللَّه) بيان وتفصيل لدخول الكلمة كل بيت بعز وذل، فبالعز بأن يجعلهم أهلها، وبالذل بأن يدينوا وينقادوا الكلمة ويقبلوا الجزية، فتدخل الكلمة في الكل ويكون الدين كله للَّه، ويكون غالبًا على جميع الأديان طوعًا وكرها.

43 -

[42](وهب بن منبه) قوله: (له أسنان)(1) كنى بها عن الأعمال الصالحة

(1) قال القاري: الأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالأَسْنَانِ التصدِيقُ الْقَلْبِي، وَالإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَانْقِيَادٌ لِلأَحْكَامِ، انظر:"مرقاة المفاتيح"(1/ 117).

ص: 282

فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَة بَابٍ. [كتاب الجنائز، باب: 1].

44 -

[43] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشَرِ أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّه". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 42، م: 129].

45 -

[44] وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا الإيمَانُ؟ . . . . .

ــ

وأركان الإسلام، وفيه حث وترغيب على العمل وإن لم يكن جزءًا من أصل حقيقة الإيمان، فإن دخول الجنة مع السابقين والفوز بالدرجات والمراتب الرفيعة لا يكون إلا بالأعمال، وإن جاز أن يحصل أصل النجاة من خلود النار بالعفو والمغفرة.

وقوله: (رواه البخاري في ترجمة باب) على جهة التعليق، وتعليقات البخاري كلها متصلة صحيحة، لا سيما إذا ذكرت لا بصيغة التمريض كما علم في أصول الحديث، وقد مر في المقدمة.

44 -

[43](أبو هريرة) قوله: (إذا أحسن أحدكم إسلامه) أي أخلصه، والإحسان ضد الإساءة، وفي (القاموس) (1): الضعف بالكسر مثل الشيء، وضعفاه مثلاه، أو الضعف: المثل إلى ما زاد، ويقال: لك ضعفه يريدون مثليه وثلاثة أمثاله؛ لأنه زيادة غير محصورة.

45 -

[44](أبو أمامة) قوله: (ما الإيمان) أي: علامة صحته وصدقه.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 765).

ص: 283

قَالَ: "إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ"،

ــ

وقوله: (قال: إذا سرتك حسنتك. . . إلخ) فإن ذلك علامة وجود التصديق واليقين باللَّه وأحكامه واليوم الآخر وجزاء الأعمال، ومن مواضع اليقين الذي يجب أن يتيقن العبد به جزاء الأعمال، وهو أن يعلم يقينًا أن لكل عمل يعمله جزاء خيرًا كان أو شرًا.

قال شيخنا قدوة أرباب الصحو والتمكين الشيخ عبد الوهاب المكي المتقي في (كتاب الحبل المتين في تقوية اليقين): كل ما أخبر به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجب به اليقين، وهو مع كثرته وبلوغه إلى حد لا يحصى، يرجع إلى أربعة مواضع:

أحدها: التوحيد، بأن يعلم أن كل ما يقع في العالم إنما هو بقدرة الباري تعالى وإرادته، وهو الضار والنافع، والمعطي والمانع، وفائدته عدم الاستناد والالتفات إلى ما سوى الحق سبحانه.

وثانيها: التوكل والثقة بضمانية الحق تعالى رزق العباد، وفائدته الإجمال في الطلب مع ترك الأسف على ما فات.

وثالثها: جزاء الأعمال من الثواب والعقاب، وفائدته الإقبال على الطاعات والاجتناب عن المعاصي.

ورابعها: اطلاع الرب تعالى على أحوال العباد سرها وعلانيتها، وفائدته السعي والمبالغة في إصلاح الظاهر والباطن.

وقال الشيخ العارف باللَّه ابن عطاء اللَّه الإسكندري الشاذلي (1) في (كتاب الحكم):

(1) هو تَاج الدين أَبُو الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم، المعروف بابن عَطاء اللَّه الإسكندري الشاذلي المالكي، متصوف، توفي بالقاهرة، له تصانيف، منها "الحكم العطائية". انظر: =

ص: 284

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الإِثْمُ؟ ، قَالَ:"إِذَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ". رَوَاهُ أَحْمد. [حم: 5/ 256، 252].

ــ

علامة موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات، وترك الندم على ما فعلته من وجود الذلات، وقال سيدي أحمد بن زَرّوق (1) في (شرحه): دليل حياة القلب ثلاث: أولها: التأثر بالعوارض، فالقلب الذي يحسن الحسن ويقيح القبيح حيٌّ، وإلا فلا.

الثاني: التشوق للقوام، فالقلب الذي يطلب ما يقوم به وجوده، وهو التقوى حيٌّ وإلا فلا.

الثالث: تَطَعُّم الوقائع فيه من مستلذ وغيره، فالقلب الذي يستلذ الحسنة دون السيئة حي وإلا فلا، ثم القلب بعد تأثره بالعوارض، إما أن ينهض للعمل، فهو صحيح في حياته، وإلا فهو مريض، والقلوب ثلاثة: قلب مشروح، وهو قلب المؤمن المطيع، وقلب مذبوح، وهو قلب الكافر والمنافق، وقلب مجروح، وهو قلب المؤمن العاصي.

وقوله: (ذا حاك في نفسك شيء) في (القاموس)(2): حاك الشيء في صدري: رسخ، وحاك القول في القلب حَيْكًا: أخذ، والسيفُ: أَثّر، والشَّفْرَةُ: قطعت، كأحاك

= "الأعلام"(1/ 222)، و"البدر الطالع"(1/ 107).

(1)

هو أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرلسي شهاب الدين أبو العباس، المعروف بزروق، الفاسي المالكي، ولد سنة (846 هـ)، وتوفي سنة (899 هـ)، فقيه محدث صوفي، له تصانيف كثيرة، منها:"الفتوحات الرحمانية في حل ألفاظ الحكم العطائية". انظر: "هدية العارفين"(1/ 73)، و"الضوء اللامع"(1/ 141).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 864).

ص: 285

46 -

[45] وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا الأَمْرِ؟ قَالَ: "حُرٌّ وَعَبْدٌ"، قُلْتُ: مَا الإِسْلَامُ؟ قَالَ: "طِيبُ الْكَلَامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ"، قُلْتُ: مَا الإِيْمَانُ؟ قَالَ: "الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ"، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الإِيْمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: . . . . .

ــ

فيهما، وفي (مختصر النهاية) (1): حاك في نفسه يحيك: أَثَّر، والمعنى إذا حاك في نفسك، أي: أَثَّر فيها ورسخ فاترك، فإن ذلك علامة كونه إثمًا، يعني ما يؤثر في النفس الشريفة القدسية المتحلية بحلية التقوى ونور الإيمان تأثيرًا بالنفرة والكراهة، أي: ما لا ينشرح له صدر من شرح اللَّه صدره دون عموم المؤمنين، وعلى هذا يحمل قوله:(استفت قلبك) وذلك فيما إذا لم يوجد دليل شرعي من الكتاب والسنة، ويتعارض أقوال العلماء، فحيئنذ يستفتي من القلب لترجيح بعض الأقوال على بعض، كما تقرر في أصول الفقه، وروي (حاكّ) بالتشديد من المحاكة بمعنى المباراة، مجرَّدُه الحكُّ بمعنى النحت، والأول هو الأصح.

46 -

[45]: (عمرو بن عبسة) قوله: (حر وعبد) أي: أبو بكر وبلال، وقيل: زيد بن حارثة، وقيل: الوجه هو الأول، فإن في إحدى روايات مسلم:(ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما)، وقيل: المراد كل الناس من الأحرار والعبيد، إخبار عما يتقرر عليه أمر الإسلام في الاستقبال، وفيه ما فيه، وإلا فقد قيل في ترجمة عمرو بن عبسة: إنه رابع أربعة أو ثالث ثلاثة في الإسلام.

وقوله: (قلت: ما الإسلام؟ قال: طيب الكلام وإطعام الطعام) إلى قوله (قال:

(1)(1/ 268).

ص: 286

"خُلُقٌ حَسَنٌ"،

ــ

خلق حسن) توجيه الحديث لا يخلو عن شيء، فإنه سأل إما عن حقيقة الإسلام ومفهومه، ولا شك أنه عبارة عن الأركان الخمسة التي بني عليها كما مر تفسيره في حديث (1) جبرئيل عليه السلام، أو عن خصاله ولوازمه وروادفه وهي كثيرة، فما معنى أنه طيب الكلام وإطعام الطعام، وأفضله من سلم المسلمون من لسانه ويده؟ وكذا الكلام في الإيمان، فإن حقيقته أن تؤمن باللَّه وملائكته إلى آخر ما ذكر في الحديث المذكور، وخصاله وشعبه كثيرة، فما معنى أن الإيمان الصبر والسماحة وأفضله خلق حسن؟

والذي يفهم من كلام الطيبي (2) في توجيهه أن جوابه عن الإسلام أنه طيب الكلام وإطعام الطعام بعث له على مكارم الأخلاق، أي: ما الإسلام إلا مكارم الأخلاق، ومن ثم سأل أيً الإسلام أفضل؟ أَيْ: أَيُّ الأخلاق أفضل، كأنه يريد أن المسؤول خصال الإسلام، فأشار بها بأنها مكارم الأخلاق، لكنه اكتفى بذكر شيئين منهما هما العمدة، وهي التواضع والسخاوة الواصل أثرهما إلى خلق اللَّه سبحانه، أو لأنهما أدخل وأصلح بحال السائل، ثم سأل أفضل الأخلاق الذي لا يصح الإسلام ولا يتم إلا به، وهي كف النفس عن إيذاء الخلق، فالأول تحلية، والثاني تخلية، قدم ذكر التحلية لكونها المقصودة من التزكية، فصار حاصل الجواب: أن الإسلام تخلية النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل، وأجاب بأن محصل خصال الإيمان وشعبه الصبر والسماحة إشارة إلى ترك ما نهي عنه وفعل ما أمر به، كما فسر الحسن البصري رضي الله عنه بقوله: الصبر عن معصية اللَّه، والسماحة على أداء فرائض اللَّه، والخلق الحسن أفضل خصاله؛ لكونه حاصل أصل

(1) انظر: الحديث (2)

(2)

"شرح الطيبي"(1/ 181).

ص: 287

قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "طُولُ الْقُنُوتِ"، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ"، قَالَ: فَقُلْتُ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ"، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ السَّاعَاتِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "جَوْفُ اللَّيلِ الآخِرِ". رَوَاهُ أَحمد. [حم: 4/ 385].

ــ

العمل وأصعبه، هذا تقرير كلام الطيبي وتحقيقه في توجيه الحديث، فافهم.

وقوله: (طول القنوت) يطلق على معان متعددة؛ كالطاعة والخشوع، والصلاة والدعاء، والقيام والسكوت، فيصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه، كذا قال الطيبي (1)، والظاهر حمله على القيام، وقد تمسك به من قال: طول القيام أفضل من كثرة السجود، حيث اختلفوا في أن أيهما أفضل (2)، فتدبر.

وقوله: (أن تهجر ما كره ربك) قد مر تفسيره في الأحاديث السابقة.

وقوله: (عقر جواده) الجواد بالفتح فَرَسٌ بَيِّنُ الجُودة بالضم، الذكر والأنثى سواء.

وقوله: (أهريق دمه) أي: أريق، والإراقة: صب المائع من ماء أو دم أو غيرهما، وأصله أراق يريق إراقةً، ثم أبدلت الهاء، وهذه الكلمة لا يخلو بيان بنائه من قلق وخفاء في كلامهم، وأجمع كلام فيه كلام (الصحاح)(3) فاكتفينا به، قال: هراق الماء

(1)"شرح الطيبي"(1/ 182).

(2)

في "التقرير": اختلفت الحنفية والشافعية في أن طول القيام أفضل أو كثرة السجود؟ وحمل الشافعية هذا الحديث على الخشوع كي لا يخالف المذهب، ولفظ الطول يؤيد القيام، أي: مذهب الحنفية، فتأمل.

(3)

"الصحاح" للجوهري (ص: 1096)، وانظر:"تاج العروس"(27/ 10).

ص: 288

47 -

[46] وَعَن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَيُصَلِّي الْخَمْسَ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ، غُفِرَ لَهُ"، قُلْتُ: أَفَلَا أُبَشِّرُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "دَعْهُمْ يَعْمَلُوا". رَوَاهُ أَحْمد. [حم: 5/ 233].

ــ

ويهريقه بفتح الهاء هِراقة بالكسر، وأصله أراق يُرِيقُ إراقة، وهو في الأصل أَرْيَقَ يُرْيِقُ، وأصل مضارعه يُأَرْيِقُ فأبدلوا الحركة والسكون بين الراء والياء فصار يَأْرِيقُ، واستثقلوا الهمزتين في قولهم: أنا أُأَريقه فقالوا: أهريقه مبدلة بالهاء، وفيه: لغة أخرى يقال: أهرق الماءَ يُهْرِقه إهراقًا، قال سيبويه: أبدلوا من الهمزة الهاء، ثم ألزمت فصارت كأنها من نفس الكلمة، ثم أدخلت الألف بعده على الهاء وتركت الهاء عوضًا من حذفهم العين؛ لأن أصل أهرق أريق، وفيه: لغة ثالثة: أَهْراقَ يُهْرِيقُ إهراقًا فهو مُهْرِيقٌ، وذلك مُهْراقٌ بالحركة والسكون، وهذا شاذ، ونظيره: أسطاع يُسطيع اسطياعًا بفتح الهمزة في الماضي وضم الياء في المضارع لغة في أطاع يُطيع، فجعلوا السين عوضًا من ذهاب حركة عين الفعل، وكذلك حكم الهاء في يهريق، ويهريق مثل يُهَفْعِلُ ومُهَرَاق مُهَفْعَلٌ، وأما مثال يهريق بسكون الهاء لا يمكن أن ينطويه؛ لأن الهاء والفاء جميعا ساكنان، وكذا مُهْرَاق، ويقال: مطر مُهْرَوْرِقٌ من باب افعيعال.

47 -

[46](معاذ بن جبل) قوله: (كفر له) أي: ذنوبه التي ارتكبها، إما كله بأن لا يعذبه أصلًا، أو بعضه بأن يعذبه على بعضها ويعفو عن بعض، والظاهر هو الأول، ولذا منع عن تبشيرهم، وتخصيص الصلاة والصوم إما لأنه لم يفرض حينئذ سواهما من الزكاة والحج، أو لأنهما عمدة العبادات، أو لأن سنة اللَّه جرت بالمغفرة لمن أتى بهما، وإن أذنب وترك الفرائض الأخر، وهي بعد في مشيئة اللَّه، يعذب من

ص: 289