الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَليَّ، فَقَالَ لَهُ: امْضِ فِي صَلَاتِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ ذَلِكَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ وَأَنْتَ تَقُولُ: مَا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي. رَوَاهُ مَالِكٌ. [ط: 332].
* * *
3 - باب الإيمان بالقدر
ــ
وتَوَهَّمَ: ظن، والمراد ههنا الوسوسة، (فيكثر) بالمثلثة معلومًا ومجهولًا، أو بالموحدة معلومًا، وهو الأصح رواية ودراية، (فقال له) أي: قال القاسم بن محمد للسائل: إن علاج دفع وسوسة الشيطان أن تمضي في صلاتك ولا تصغي إلى قول الشيطان ووسوسته، فإنه لا يذهب ذلك الوهم عنك حتى تمضي في صلاتك وتنصرف عن الصلاة وأنت تقول للشيطان إرغامًا له: نعم ما أتممت صلاتي كما تقول، ولكن لا أتمها ولا أعيدها بقولك، اذهب فإن ربي كريم يقبل مني بكرمه، وهذا هو الأصل في دفع الوسواس كما مر في الفصل الأول في أحاديث أبي هريرة.
هذا ما ذكروه في توجيه الحديث، وهو صحيح، غير أن قوله:(ما أتممت صلاتي) لا يظهر منه ما ذكروه من قولهم: (نعم ما أتمصت صلاتي. . . إلخ)، والذي يتبادر إلى الفهم أن المقصود أنك لو أصغيت إلى ذلك يبقى فيك الوسواس حتى تنصرف، وأنك تشكّ في صلاتك فتعيدها، وهكذا فتبقى مبتلًى بالوسوسة، ولكن يظهر المعنى الذي ذكروه بالتأمل في سياق الحديث من قوله:(امض في صلاتك)، وقوله:(لن يذهب ذلك عنك) فتأمل، واللَّه أعلم.
3 -
باب الإيمان بالقدر
في (القاموس)(1): القدر محركة: القضاء والحكم ومبلغ الشيء، والقدرية:
(1)"القاموس المحيط"(ص: 428).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جاحدوا القدر. وفي (النهاية)(1): القدر محركة: ما قضاه اللَّه تعالى وحكم به من الأمور، وقد تُسَكّن داله، ومنه ليلة القدر وهي ليلة تقدر فيها الأرزاق وتقضى. وفي (الصراح) (2): قدر بسكون وحركت: انذازه كرده خداي بربنده أز حكم، وقال الطيبي (3): القدر بالفتح والسكون: ما يقدره اللَّه من القضاء، وبالفتح اسم لما صدر [مقدورًا] عن فعل القادر، كالهدم لما صدر عن فعل الهادم.
وقال النووي (4): قدر بالتخفيف والتشديد بمعنى قضاه، وعليه يحمل قوله تعالى:{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] بالتخفيف، ويروى حديث:(لئن قدر اللَّه علي ليعذبني) بالتخفيف والتشديد بمعنى قدر وقضى.
وبهذا ظهر أن القضاء والقدر في اللغة بمعنى واحد، وقد يفرق بينهما بأن القضاء هو الحكم الأزلي، والقدر وقوعه فيما لا يزال موافقًا لما سبق من القضاء، وإلى كليهما وقعت الإشارة بقوله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39]، فالمحو والإثبات إشارة إلى القدر، و (عنده أم الكتاب) إشارة إلى القضاء، وقد يجيء بيانهما على العكس، ويتم في شرح حديث عمران بن حصين (5) في أثناء الفصل الأول.
والمراد بالإيمان بالقدر (6) أن يؤمن بالقدر خيره وشره، وأن اللَّه تعالى قدر وقضى
(1)"النهاية"(4/ 22).
(2)
"الصراح"(ص: 207).
(3)
"شرح الطيبي"(1/ 215).
(4)
"شرح صحيح مسلم"(17/ 71).
(5)
انظر: الحديث (87).
(6)
قال القاري: وَالْقَدَرُ: سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهَا مَلَكًا مُقَرَّبًا، وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكائنات كلها في الأزل (1)، وأفعال العباد أيضًا بتمديره وقضائه وبخلقه، ومع ذلك جعل للعباد صفة الاختيار يكسب بها الأفعال، إن كانت طاعة يثاب بها، وإن كانت معصية يعاقب عليها، فالفعل واقع بخلق اللَّه، ولكسب العبد واختياره مدخل فيه، وتحقيقه أن في العبد صفة ترجح بها أحد طرفي الفعل والترك على الآخر بعد تصوره وانبعاث الشوق إليه إن كان ملائمًا، أو النفرة عنه إن كان منافرًا، ووجود هذه الصفة فيه معلوم قطعًا كوجود السمع والبصر وغيرهما من الصفات لضرورة التفرقة بين حركة المرتعش وغيره.
= وَلَا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِيهِ، وَالْبَحْثُ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةَ خَلَقَهُمْ لِلنَّعِيمِ فَضْلًا، وَفِرْقَةً لِلْجَحِيمِ عَدْلًا، وَسَأَلَ رَجُلٌ عَلِيَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْقَدَرِ؟ فَالَ: طَرِيقٌ مُظْلِمٌ لَا تَسْلُكْهُ، وَأَعَادَ السُّؤَالَ فَقَالَ: بَحْرٌ عَمِيقٌ لَا تَلِجْهُ، فَأَعَادَ السُّؤَالَ فَقَالَ: سِرُّ اللَّهِ قَدْ خَفِيَ عَلَيْكَ فَلَا تَفْتِشْهُ. "مرقاة المفاتيح"(1/ 147).
(1)
قال الإمام ولي اللَّه الدهلوي في "حجة اللَّه البالغة"(1/ 127): إن القدر وقع خمس مَرَّات، أولها: فِي الأَزَل، وَثَانِيها: قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة في خيال العرش، فصور هُنَالك جَمِيع الصُّور، وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِالذكر فِي الشَّرَائِع، وَثَالِثهَا: أَنه لما خلق آدم عليه السلام ليَكُون أَبَا الْبشر، وليبدأ مِنْهُ نوع الإِنْسَان أحدث فِي عَالم الْمِثَال صور بنيه، وَمثّل سعادتهم وشقاوتهم بِالنورِ والظلمة، وجعلهم بِحَيْثُ يكلفون، وَخلق فيهم مَعْرفَته والإخبات لَهُ، وَهُوَ أصل الْمِيثَاق المدسوس فِي فطرتهم، فيؤاخذون بِهِ، وَإِن نسوا الْوَاقِعَة. وَرَابِعهَا: حِين نفخ الرّوح فِي الْجَنِين، فَينكشف على الْمَلَائِكَة الْمُدبرَة الأَمرُ يَوْمئِذٍ فِي عمره ورزقه، وَهل يعْمل عمل من غلبت ملكيته على بهيميته، أَو بِالْعَكْسِ، وَأيّ نَحْو تكون سعادته وشقاوته. وخامسها: قبيل حُدُوث الْحَادِثَة، فَينزل الأَمرُ من حَظِيرَة الْقُدس إِلَى الأَرْض، وينتقل شَيْء مثالي، فتنبسط أَحْكَامه فِي الأَرْض. انتهى ملخصًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذه الصفة هي التي تسمى بالاختيار، وجعل اللَّه تعالى قصد العبد سببًا عاديًا لوجود الفعل بخلقه تعالى كسائر الأسباب العادية، مثل النار للإحراق، والماء للتبريد، وعلى السبب العادي ما جرت عادة اللَّه سبحانه بخلق شيء بواسطته، فاللَّه تعالى إنما يخلق الحرارة بعد استعماله النار، فاستعمال النار سبب عادي للإحراق، وخلقه تعالى سبب حقيق، فإذا استعملت النار تحت الماء خلق اللَّه الحرارة وأوجدها فيه، ولو شاء ما خلق الحرارة وإن استعملت النار، ولو شاء أوجدها بدون النار، وذلك خرق العادة، ولكن جرت العادة بأن يخلقها بوساطة النار، فالنار وحرارتها وإحراقها كلها بخلق اللَّه تعالى، وهو السبب الحقيقي للإحراق، والنار سبب عادي جعلها اللَّه سببًا للإحراق، فكذلك قصد العبد واختياره سبب عادي لوجود الفعل يوجده بعد وجود القصد من العبد كإيجاد الحراراة وخلقها بعد وجود النار.
وهذا معنى ما اشتهر بينهم أن إرادة الجزئية من العبد مقدم على خلق اللَّه، فصرف العبد اختياره وترجيحه أحد طرفي الفعل والترك يسمى بالكسب، وإيجاد اللَّه تعالى إياه بالخلق، فالكسب من العبد، والخلق من اللَّه، فكما أن إنكار وساطة النار وسببيتها العادية للإحراق جهل ومخالف لنفس الأمر، كذلك إنكار مدخلية كسب العبد في وجود الفعل، فليس قدرة العبد مستقلة في إيجاد الفعل، وليس وجود الفعل بقدرته، وكيف يكون كذلك وذات العبد وصفاته التي هي مبادئ أفعاله ليست منه وليس لقدرته مدخل فيها؟ فكيف يكون أفعاله صادرة بخلقه وقدرته؟ نعم له مدخل فيها، وهو فاعلها، فليس العبد مستقلًا في أفعاله خالقًا له كما يقول القدرية، وليس حركاته مثل حركات الجماد بحيث لا يكون له قصد واختيار فيها كما يقوله الجبرية، أما الثاني فالضرورة شاهدة له، وأما الأول فبإخبار الشارع بذلك كقوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وغير