الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: "أَمَا عَلِمْتَ يَا عَمْرُو أَنَّ الإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ"؟ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 121].
وَالْحَدِيثَانِ الْمَرْوِيَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ". وَالآخَرُ: "الْكِبْرِيَاء رِدَائِي"، سَنَذْكُرُهُمَا فِي بَابِ الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
*
الفصل الثاني:
29 -
[28] عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. . . . .
ــ
الوجوه الثلاثة الطيبي (1)، والوجه الثالث أوجه وألطف.
وقوله: (أن الإسلام يهدم ما قبله) مظلمة كانت أو غيرها، وأما الهجرة والحج فيهدمان ما عدا المظالم، هذا ما عليه الجمهور، وقيل: يهدم الحج المظالم أيضًا، وقد روي في ذلك حديث سنذكره وأقوال العلماء فيه في كتاب الحج، واللَّه أعلم.
وقوله: (وأن الهجرة. . . إلخ) زيادة على الجواب لدفع استبعاد هدم الإسلام الذي هو أصل الأصول ما قبلها بأن ذلك جارٍ فيما هو فرعه من الأعمال، وقوله:(أما علمت) في معنى (اعلم)، عبر بهذا الوجه تنبيهًا على أنه أمر مهم ينبغي أن يسبق العلم به لكل أحد، فافهم.
الفصل الثاني
29 -
[28](معاذ) قوله: (يدخلني الجنة) بالرفع صفة لـ (عمل)، وهو الأقوى
(1)"شرح الطيبي"(1/ 162).
وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ:"لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لِيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعالَى عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْت"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ،
ــ
والأوجه رواية ودراية، وكذا قوله:(يباعدني من النار).
وقال التُّورِبِشْتِي: الجزم فيها على جواب الأمر غير مستقيم رواية ومعنى.
وقوله: (لقد سألت عن عظيم) في شرح الشيخ: أي يتعسر جوابه، أو عن عظيم فعله.
وقوله: (وإنه ليسير) أي: جوابه على الأول، أو فعله على الثاني، وقال: يرجح الثاني قوله: (تعبد) لأنه استئناف لبيان ذلك الأمر العظيم.
أقول: بل قوله: (وإنه ليسير على من يسره اللَّه) أيضًا ظاهر في الثاني كما لا يخفى.
وقوله: (ألا أدلك على أبواب الخير): (ألا) يحتمل أن تكون للعرض، وأن تكون الهمزة للاستفهام دخلت على حرف النفي، والثاني هو الظاهر من الأحاديث الأخر، لوقوع (بلى) في جوابه، إلا أن يكون باعتبار الأصل؛ لأن أصل العرض أيضًا هو الهمزة الداخلة على لا النافية.
وقوله: (الصوم جنة. . . إلخ) الظاهر أن المراد بهذه المذكورات نوافلها، فإنه لما ذكر الفرائض التي هي الأركان الخمسة الكافية في دخول الجنة والنجاة عن النار؛ ذكر النوافل التي هي أسباب كمال الخيرات وأبواب مزيد البركات، فالصوم كالتُّرس يمنع وصول الخطيئة وصدورها من الصائم؛ لمنعه الشهوات ومداخل الشيطان.
وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوفِ اللَّيْل)، ثمَّ تَلَا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] حَتَّى بَلَغَ {يَعْمَلُونَ} ، ثُمَّ قَالَ:"أَلَا أَدُلُّكَ بِرَأْس الأَمرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ،
ــ
وقوله: (والصدقة تطفئ الخطيئة) الصادرة وإن كانت الحسنات يذهبن السيئات مطلقًا، ولكنه في الصدقة لوصول نفعها إلى الغير أتم واكمل فخص به، ثم قوله:(الصوم جنة) يحتمل أن يكون جملة واحدة يتضمن ذكر باب من الخير، وهو الصوم، وعلى هذا يقدر لقوله:(وصلاة الرجل في جوف الليل) خبر مثل كذلك، أي: تطفئ الخطيئة، أو من أبواب الخير، وأن يكون الصوم خبر مبتدأ محذوف، أي أحدها الصوم، وجنة خبر لمحذوف آخر، أي وهي جنة، وكذلك قوله:(والصدقة تطفئ)، وعلى هذا لا حاجة إلى تقدير خبر لقوله:(وصلاة الرجل).
وقوله: (ثم تلا) أي: لبيان فائدة الصلاة في جوف الليل، كذا قيل، والأظهر أن يكون فضيلة الصدقة والصلاة معا لشمول الآية إياهما، فافهم.
ثم انتخب من الأمور الدينية خلاصتها وأفضلها وقال: (ألا أدلك وأخبرك برأس الأمر) أي: بأصل أمر الدين الذي لا وجود له بدونه كالرأس بالنسبة إلى الجسد، وهو الإسلام المراد به ههنا كلمة الشهادة التي يحصل به أصل الدين.
وقوله: (وبعمود الأمر) بفتح العين: الذي يحصل به قوة وكمال كالعمادة بالنسبة إلى البيت، وهو الصلاة التي تحصل بإقامتها قوة في الدين.
وقوله: (وبذروة سنامه) والذروة بكسر الذال وضمها: أعلى الشيء، كذروة الجبل، و (السنام) بفتح السين بالفارسية: كوهان شتر، وهو الجهاد مع الكفار يحصل
قَالَ: "رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ"، ثُمَّ قَالَ:"أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ:"كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا"،
ــ
به علو ورفعة في الدين.
وقوله: (قلت: بلى يا نبي اللَّه) لما زادت رغبة السائل وشوقه إلى استماع ذلك الأمر العظيم ودركه في هذه المرتبة باستماع صفاته العظيمة؛ زاد كلمة الإجابة وناداه صلى الله عليه وسلم زيادة في الإجابة والإقبال، وكذا في الثالثة مع تفنن نشأ من كثرة الشوق في العبادة، وقال:(يا نبي اللَّه) مع ما في هذا العنوان ومعنى الإخبار والرفعة من المناسبة، ثم قال:(ألا أخبرك بملاك ذلك كله) وملاك الشيء بالكسر والفتح: قوام الشيء ونظامه، وما يُعتمد عليه فيه، وفي (مختصر النهاية) للسيوطي (1): الملاك بالكسر والفتح: ما يقوم به الأمر، يقال: القلب ملاك الجسد، وفي (القاموس) (2): ملاك الأمر بالفتح ويكسر: قوامه الذي يُملك به، وقال التُّورِبِشْتِي: أهل اللغة يكسرون الميم ويفتحونها والرواية بكسر الميم.
وقوله: (كله) أما تأكيد للأمر أو للملاك.
وقوله: (كف عليك هذا) أي: لسانك، فلا تتكلم بما يضرك وبما لا يعنيك، ولما كان السكوت كف اللسان في الظاهر ضررًا وثقيلًا على صاحبه؛ استعمله بكلمة (على).
(1) انظر: "الدر النثير"(2/ 962)، وعبارة السيوطي في "مختصره" هي:"الملاك" بالكسر والفتح: قوام الشيء ونظامه وما يعتمد عليه فيه.
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 879).
فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! . . . . .
ــ
وقوله: (وإنا لمؤاخذون) يقال: آخذه بذنبه مؤاخذة، ولا يقال: واخذه، والمؤاخذة: أن يأخذ أحد أحدًا بذنب.
وقوله: (ثكلثك) بكسر الكاف، في (القاموس) (1): الثكل بالضم: الموت والهلاك، وفقدان الحبيب أو الولد، ويُحرَّك، وقد ثَكِلَ كفرح فهو ثَاكل وثكلانُ، وهي ثاكل وثَكلانَةٌ قليلة، وثَكولٌ وثَكْلَى.
وفي (النهاية)(2): (ثكلتك أمك): أي فَقَدَتْكَ، والثُّكل: فقد الولد، وامرأة ثاكل وثَكْلَى، ورجل ثاكل وثكلان، كأنه دعاء عليه بالموت لسوء فعله أو قوله، والموت يعم كل أحد، فإذن الدعاء عليه كلا دعاء عليه، أو أراد إذا كنت هكذا فالموت خير لك لئلا تزداد سوءًا، ويجوز كونه مما يجري على ألسنتهم ولا يراد به الدعاء؛ كتربت يداك، وهو الأظهر.
وقال التُّورِبِشْتِي: ثكلته أمه، وقتلته السيول، وقاتله اللَّه، ونظائرها كلمات يستعملونها عند التعجب والحث على التيقظ في الأمور، ولا يريدون بها الوقوع ولا الدعاء على المخاطب بها، لكنهم أخرجوها عن أصلها للتأكيد مرة، وللتعجب والاستحسان تارة، وللإنكار والتعظيم أخرى، وقد جاء واثكلياه، وهو إما مصدر واللام مكسورة، وإما صفة واللام مفتوحة، وجاء واثكل أمياه بضم ثاء وسكون كاف وبفتحهما.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 895).
(2)
"النهاية"(1/ 217).
وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ،
ــ
وقوله: (وهل يكب الناس): (يكب) بفتح الياء وضم الكاف مضارع كبه بمعنى صرعه وأسقطه، وأَكَبَّ من الإفعال بمعنى سقط، فمجرده متعد ومزيده لازم، على عكس المعهود في الإفعال، وهذا هو المشهور، وفي (القاموس) (1): كبّه: قَلَبَه، وصرعه، كأكبّه، وكبكبه فأكب، وهو لازم متعد، وأَكَبّ عليه: أقبل ولزم، انتهى.
وقوله: (أو على مناخرهم) شك من الراوي، وهو جمع منخر بفتح الميم وكسر خاء وفتحها: ثقبة الأنف، والمراد ههنا الأنف نفسه، كذا في شرح الشيخ (2).
وفي (النهاية)(3): أخذ بنُخْرة الصبي، أي: بأنفه، ونُخْرتا الأنف: ثقباه، والنَّخَرَة بالحركة: مقدم الأنف، والمنخر والمنخران أيضًا ثقبا الأنف، انتهى.
وقال الكرماني (4): المنخر بفتح الميم وكسر خاء، وقد تكسر ميمه اتباعًا للخاء، وفي (القاموس) (5): نَخَرَ يَنْخِرُ: مَدَّ الصوت في خياشيمه، والمنخر بفتح الميم والخاء وبكسرهما وضمهما، وكمجلس ومُلْمُولٍ (6): الأنف، ونُخْرة الأنف: مقدمُه، أو خَرْقُه، أو ما بين المنخرين، أو أرنبته، انتهى.
وقد جاء في الحديث: (أتي السكران في رمضان، فقال: للمنخرين)(7) أي:
(1)"القاموس المحيط"(ص: 132).
(2)
انظر: "مرقاة المفاتيح"(1/ 255).
(3)
"النهاية"(5/ 32).
(4)
"شرح الطيبي"(9/ 108).
(5)
"القاموس المحيط"(ص: 447).
(6)
في الأصل: "مملوك"، والتصويب من "القاموس".
(7)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (8/ 321)، و"مصنف عبد الرزق"(13557).
إِلَّا حَصَائدُ أَلْسِنَتِهِمْ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْنُ مَاجَه. [حم: 5/ 231، ت: 2616، جه: 3969].
30 -
[29] وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ؛ فَقَدِ اسْتكْمَلَ الإِيمَانَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. [د: 4681].
ــ
كبه اللَّه لمنخريه، وجاء: لما خلق اللَّه إبليس نخر، والنخر صوت الأنف، وبالجملة المراد ههنا السقوط والدخول في النار على وجوههم، ولما كان الأنف أرفع أجزاء الوجوه ويقع السقوط عليه أولًا نسب إليه.
و(الحصائد) جمع حصيدة، والحصد: قطع الزرع، شبه إطلاق المتكلم لسانه بما يقتضيه الطبع من الكلام من غير تمييز بين الخير والشر ما يعني وما لا يعني بفعل الحاصد الذي لا يميز بين شوكة وزرع، وهذا باعتبار الأغلب، فإن أكثر ما يقع الإنسان في البلاء من جهة اللسان، وذكر التُورِبِشْتِي أنه ذكر في بعض الروايات (حصاد ألسنتهم) وذهب في معناه إلى حصاد اللسان وهي رزانته، قال: وذلك ليس بشيء لأنه يخالف رواية الجمهور، والظاهر أن بعض الكلمة سقط عن الكاتب على ما وجد في النسخة، انتهى. ولقد ضيع هذا الراوي وحرم عن إدراك بلاغة هذه الاستعارة اللطيفة البليغة الصادرة من أفصح فصحاء العرب والعجم صلى الله عليه وسلم، فهذه الرواية مما لا ينبغي أن تروى وتسمع، واللَّه أعلم.
30 -
[29](أبو أمامة) قوله: (من أحب للَّه، وأبغض للَّه، وأعطى للَّه، ومنع للَّه؛ فقد استكمل الإيمان) يعني من كان جميع أفعاله لوجه اللَّه لا لحظ نفسه وميل إلى ما سوى اللَّه ورضاه سبحانه، فقد جعل إيمانه كاملًا تامًّا، وهذا توحيد الإخلاص
31 -
[30] وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ مَعَ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ، وَفِيه:"فقد اسْتكْمَل إيمَانَهُ". [ت: 2520].
32 -
[31] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. [د: 4599].
33 -
[32] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ،
ــ
وتجريد الذي لا يتيسر إلا للكُمَّلِ من الصديقين، رزقنا اللَّه، واستكمل وأكمل وكمل بمعنى أتم وجمل.
31 -
[30](معاذ بن أنس) قوله: (مع تقديم وتأخير) لفظ (المصابيح) هو الأول.
32 -
[31](أبو ذر) قوله: (أفضل الأعمال (1) الحب في اللَّه والبغض في اللَّه) معناه معنى حديث أبي أمامة، و (في) أجلية بمعنى اللام كقولهم:(عذبت امرأة في هرة)(2)، وقولهم: المتفكر في معرفة اللَّه، ونحو ذلك، وأمثال هذه الأحاديث من جوامع الكلم التي تجمع معنى الإسلام والإيمان والإحسان، ويتضمن أحكام الشريعة وآداب الطريقة وأسرار الحقيقة.
33 -
[32](أبو هريرة) قوله: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)
(1) أَيِ الْبَاطِنِيَّةُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى حَقَائِقِ الْمَعْرِفَةِ وَالشُّهُودِ، فَـ "أَلْ" لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ؛ إِذِ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ مُطْلَقًا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَتَيْنِ. "مرقاة المفاتيح"(1/ 107).
(2)
أخرجه البخاري (3265)، ومسلم (2242).
وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. [ت: 2629، س: 4995].
ــ
وقد سبق بيانه في حديث عبد اللَّه بن عمرو (1).
وقوله: (والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)(2) أَمِنَ كفرح أمنة، فأنا آمن، أي: لم يخافوه على أموالهم وأنفسهم، والأعراض جعلها داخلة في الدماء بكمال تعلقها بنفس الإنسان كأنها جزؤه، ثم ظاهر سياق الكلام يوهم بمغايرة الإيمان والإسلام والمؤمن والمسلم ومغايرة أحكامهما ولكنهما واحد، والفقرة الثانية تأكيد وتقرير للأولى، ورتب من سلم على المسلم ومن أمنه على المؤمن رعاية للمطابقة في مادة الاشتقاق تفننًا غير أنه اقتصر في الثاني على مأثم اليد على ما هو الظاهر اكتفاءً، أو لأن آفة اللسان ظاهرة شائعة لا حاجة إلى تكرارها، بخلاف آفة اليد فإنها مفتقرة إلى البيان والتقرير، هكذا وجهه الطيبي (3).
ويمكن أن يقال: الإيمان من حيث إنه فعل القلب أكمل من الإسلام وهو الانقياد في الظاهر، والأمن أيضًا أتم وأقوى من السلامة، فإن السلامة أن لا يصيب منه ضرر وآفة مع توهم حصوله واحتماله، والأمن أن لا يبقى التوهم والاحتمال أيضًا، فافهم.
(1) انظر: الحديث (6).
(2)
هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَكُنْ بِهَذَا السِّيَاقِ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، بَلْ هُوَ مَقْطَعٌ فِيهَا، لَكِنَّ الْحَدِيثَ بِجُمْلَتِهِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" (ح: 34) بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدِ، وَسَاقَهُ بِلَفْظِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْمُؤْمِنَ فِي رِوَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَهُوَ حَدِيثٌ جَلِيلٌ اشْتَمَلَ عَلَى أُصُولٍ كَثِيرَةِ فِي الدِّين. "مرقاة المفاتيح"(1/ 107 - 108).
(3)
"شرح الطيبي"(1/ 171).
34 -
[33] وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ" بِرِوَايَةِ فَضَالَةَ: "وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا والذُّنُوبَ". [هب: 549].
35 -
[34] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَ: . . . . .
ــ
34 -
[33](فضالة) قوله: (والمجاهد من جاهد نفسه)(1) أي المجاهد الحقيقي الذي ينبغي أن يسمى مجاهدًا من حارب نفسه لكونها أعدى الأعداء وملازمًا للشخص دائمًا به كيدها، ويدق دركه ويصعب علاجه.
وقوله: (المهاجر من هجر الخطايا والذنوب) لأن المقصود من الهجرة التمكن من الطاعات بلا مزاحمة الأغيار، وتشوش القلب بمصاحبة الأشرار، ففي الحقيقة الهجرة ترك الذنوب والخطايا، فمن هو في الوطن تارك الخطايا والمأثم، فهو مهاجر حقيقة، ومن خرج منه ولم يترك الذنوب فلا هجرة له نافعة، فالمهاجر الحقيقي من هجر الخطايا والذنوب، وقد مر في حديث عبد اللَّه بن عمرو (2).
35 -
[34](أنس) قوله: (قلما خطبنا)(ما) مصدرية، والفعل بتأويل المصدر فاعل (قلَّ) أي: خطبتُه، أو كافّة، فيكون (قلما) بمعنى (ما) النافية، ويحتمل أن يكون (ما) عبارة عن زمان موصولة أو موصوفة، والعائد محذوف، وأما إن كانت مقحمة كما قال الطيبي (3) فلعل الفعل مؤول بالمصدر، أو منزل منزلته ليكون فاعل (قل)، فتدبر.
(1) إِذْ هُوَ الْجِهَادُ الأَكْبَرُ، وَيَنْشَأُ مِنْهُ الْجِهَادُ الأَصْغَرُ. "مرقاة المفاتيح"(1/ 108).
(2)
انظر: الحديث (6).
(3)
"شرح الطيبي"(1/ 172).