الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحتويات
الافتتاحية:
نصيحة عامةلأئمة المسلمين وعامتهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 7
موضوع العدد:
كيفية الإمساك والإفطار في رمضان وضبط أوقات الصلاة في بعض البلدان اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 11
الفتاوى:
فتاوى اللجنة الدائمة 35
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 79
البحوث:
بيان معنى لا إله إلا الله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 91
الولاء والبراء في الإسلام الدكتور / صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان 115
حكم الشهادة والحكمة من مشروعيتها وأركانها الدكتور / عبد الله بن محمد الزين 129
حكم العمل بالعام قبل البحث عن المخصص الدكتور / عياضة بن نامي السلمي 151
تعدد الزوجات وأهميته للمجتمع المسلم الدكتور / ناصر بن عقيل الطريفي 177
تحقيق مخطوطة "فتيا في حكم السفر إلى بلاد الشرك" للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب تحقيق الشيخ الوليد بن عبد الرحمن الفريان 201
الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومسنده الشيخ /أحمد بن عبد الرحم بن سليمان الصويان 221
الحكمة من قطع يد السارق الشيخ / عبد الله بن حمد العبودي 303
كلمة حول عدم جواز وصف الميت بالمغفور له أو المرحوم لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 330
تعليق على كلمة محيي الدين الصافي سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 331
من قرارات المجمع الفقهي الإسلامي 337
نداء لجميع المسلمين وغيرهم للوقف في صف حكومة السودان وشعبها بسبب الكارثة التي نزلت بهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 346
صفحة فارغة
الافتتاحية
نصيحة عامة لأئمة المسلمين وعامتهم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يبتلي عباده بالخير والشر، والصحة والمرض، والفقر والغنى، والقوة والضعف؛ لينظر كيف يعملون، وهل يكونون مطيعين له في حال الرخاء والشدة، قائمين بحقوقه سبحانه في كل الأوقات والأحوال، قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (1). وقال سبحانه وتعالى: {المَ} (2){أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (3){وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (4).
إذا علم هذا فإن الله سبحانه يختبر العباد ويمتحن شكرهم وصبرهم؛ لينالوا الجزاء منه كل حسب حاله وما صدر منه. فالواجب على المسلم إذا أنعم الله عليه بنعمة المال أن يتذكر أخاه الفقير فيواسيه من ماله، ويعينه على تحمل أعباء الحياة ويؤدي حق الله الواجب في المال، وأن يتذكر دائما قوله سبحانه وتعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (5).
وإذا كان المسلم معافى في بدنه، قويا في جسمه، فينبغي له أن يتذكر إخوانه وجيرانه المرضى والضعفاء العاجزين، فيعينهم على قضاء حوائجهم، ويبذل ما يستطيع لتخفيف وطأة المرض عليهم. ومثل ذلك إذا كان قويا
(1) سورة الأنبياء الآية 35
(2)
سورة العنكبوت الآية 1
(3)
سورة العنكبوت الآية 2
(4)
سورة العنكبوت الآية 3
(5)
سورة القصص الآية 77
في علمه، فعليه أن ينفع عباد الله المسلمين الذين حرموا نعمة العلم، فيرشدهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، ويعلمهم ما أوجب الله عليهم، كما أن على المسلم الفقير أو المريض العاجز أن يصبر على ما أصابه، ويرجو الفضل من عند الله سبحانه، ويجتهد في فعل الأسباب المباحة التي يكشف الله بها ما أصابه، وليتذكر الجميع قول الرب سبحانه:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (1).
وما يقال بالنسبة للأفراد يقال بالنسبة للأمم المسلمة؛ إذ يجب على الأمة القوية في مالها أو رجالها أو سلاحها أو علومها، أن تمد الأمة المستضعفة، وأن تعينها على الحفاظ على نفسها ودينها، وتمنع عنها الذئاب من حولها المتسلطة عليها، وأن تؤتيها من مال الله الذي آتاها، فهذا هو مقتضى الأخوة الإسلامية التي عقدها الرب سبحانه بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ إذ يقول جل شأنه:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (2).
فيا أيها الزعماء والقادة، ويا أيها المسلمون في كل مكان، أدعوكم إلى تطبيق مقتضى الآية الكريمة، والعمل على إقامة الأخوة الحقيقية بين كل المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، وأن يكون المسلمون يدا على من سواهم، واعلموا وفقكم الله أن وسائل الابتلاء في هذا العصر أكثر منها في العصور الخالية؛ ذلك أن الله سبحانه أفاض أنواعا من النعم على طوائف من المسلمين، وابتلى طوائف أخرى بالفقر والجهل وتسلط الأعداء من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم، وابتلى الناس بمخترعات جديدة وآلات حديثة يسرت اطلاع بعضهم على أحوال بعض واتصالهم فيما بينهم، وجعلتهم أعظم مسؤولية وأكثر قدرة على النصر ومد يد العون إذا هم أرادوا ذلك. فالمسلمون اليوم يسمعون ويرون ما يحل بإخوانهم في
(1) سورة إبراهيم الآية 7
(2)
سورة الحجرات الآية 10
الفلبين وأفغانستان وأريتيريا والحبشة وفلسطين وبلدان أخرى كثيرة، بل إن هناك أقليات مسلمة في دول شيوعية كافرة والمسلمون قد فرطوا في حقها، ولم يقوموا بما يجب من نصرتها وتأييدها وإعانتها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر (1)» ، ويقول صلى الله عليه وسلم:«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. وشبك بين أصابعه (2)» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة (3)» ، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم:«من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه (4)» .
وهذه الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضح ما يجب أن يكون عليه المسلمون من التعاون والشعور بحاجة بعضهم إلى بعض.
ولقد قرر العلماء رحمهم الله أنه لو أصيبت امرأة مسلمة في المغرب بضيم لوجب على أهل المشرق من المسلمين نصرتها، فكيف والقتل والتشريد والظلم والعدوان والاعتقالات بغير حق كل ذلك يقع بالفئات الكثيرة من المسلمين، فلا يتحرك لهم إخوانهم ولا ينصرونهم إلا ما شاء الله من ذلك.
فالواجب على الدول الإسلامية والأفراد من ذوي الغنى والثروة أن ينظروا نظرة عطف ورحمة إلى إخوانهم المستضعفين، ويعينوهم بواسطة سفراء الدول الإسلامية الموثوق بهم أو بواسطة الوفود التي يجب أن ترسل بين حين وآخر باسم الدول الإسلامية؛ لتفقد أحوال المسلمين في تلك الدول الإسلامية أو الأقليات المسلمة في الدول الأخرى، وإذا كانت الأمم النصرانية واليهودية والشيوعية من الأمم
(1) صحيح البخاري الأدب (6011)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270).
(2)
صحيح البخاري الصلاة (481)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585)، سنن الترمذي البر والصلة (1928)، سنن النسائي الزكاة (2560)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 405).
(3)
صحيح البخاري المظالم والغصب (2442)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2580)، سنن الترمذي الحدود (1426)، سنن أبو داود الأدب (4893)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 68).
(4)
صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699)، سنن الترمذي القراءات (2945)، سنن أبو داود الأدب (4946)، سنن ابن ماجه المقدمة (225)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 252).
الكافرة قد تحفظ حقوق أي فرد ينتسب إليها ولو كان يقيم في دولة أخرى بعيدة عنها، وتصدر الاحتجاجات وترسل الوعيد والتهديد أحيانا إذا لحق بواحد منهم ضرر، ولو كان مفسدا في الدولة التي يقيم في أراضيها، فكيف يسكت المسلمون اليوم على ما يحل بإخوانهم في حروب الإبادة وضروب العذاب والنكال في أماكن كثيرة من هذا العالم، ولتعلم كل طائفة أو أمة لا تتحرك لنصرة أختها بأنه يوشك أن تصاب هي بمثل ذلك البلاء الذي تسمع به أو تراه يقطع أوصال أولئك المسلمين، فلا تجد من ينصرهم أو يعمل على رفع الظلم والعذاب عنهم، فالله سبحانه المستعان، وهو المسئول بأن يوقظ قلوب العباد لطاعته، وأن يهدي ولاة أمور المسلمين وعامتهم إلى أن يكونوا يدا واحدة وصرحا متراصا للقيام بأوامر الله، والعمل بكتابه وسنة رسوله ونصرة المسلمين ومحاربة الظالمين المعتدين؛ عملا بقول الله سبحانه:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (1){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (2).
وقوله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3).
وقوله عز وجل: {وَالْعَصْرِ} (4){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (5){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (6).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(1) سورة الحج الآية 40
(2)
سورة الحج الآية 41
(3)
سورة المائدة الآية 2
(4)
سورة العصر الآية 1
(5)
سورة العصر الآية 2
(6)
سورة العصر الآية 3
كيفية الإمساك والإفطار في رمضان
وضبط أوقات الصلاة في بعض البلدان
إعداد: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الرسالة الواردة من معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بالمملكة بتاريخ 16/ 1 / 1398 هـ إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والتي يذكر فيها أنه تلقى كتابا من رئيس رابطة الجمعيات الإسلامية في مدينة (مالو) بالسويد يفيد بأن الدول الإسكندنافية يطول نهارها صيفا ويقصر شتاء؛ نظرا لوضعها الجغرافي، كما أن المناطق الشمالية منها لا تغيب عنها الشمس إطلاقا في الصيف، وعكسه في الشتاء، ويسأل المسلمون فيها عن كيفية الإمساك والإفطار في رمضان، وكذلك كيفية ضبط أوقات الصلاة في هذه البلدان، ويرجو إصدار فتوى في ذلك.
وبناء على ما اقترحه سماحة الرئيس العام من عرض هذا الموضوع على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الثانية عشرة؛ لما له من صفة العموم، وما رآه من إعداد اللجنة الدائمة بحثا في ذلك - ذكرت اللجنة نقولا عن الفقهاء تتضمن آراءهم في الموضوع، مع استدلال كل منهم لما ذهب إليه لينظره المجلس ويتخذ ما يراه حول هذا الموضوع، وفيما لي ذكر النقول مع الأدلة، والله الموفق.
قال الكمال ابن الهمام في فتح القدير (1): ومن لا يوجد عندهم وقت العشاء كما قيل يطلع الفجر قبل غيبوبة الشفق عندهم، أفتى البقالي بعدم الوجوب عليهم؛ لعدم السبب، وهو مختار صاحب الكنز، كما يسقط غسل اليدين من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين، وأنكره الحلواني ثم وافقه، وأفتى الإمام البرهاني الكبير بوجوبها. ولا يرتاب متأمل في ثبوت الفرق بين عدم محل الغرض وبين عدم سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر، وجواز تعدد المعرفات للشيء، فانتفاء الوقت انتفاء للمعرف، وانتفاء الدليل على الشيء لا يستلزم انتفاءه لجواز دليل آخر. وقد وجد وهو ما تواطأت عليه أخبار الإسراء من فرض الله الصلاة خمسا بعدما أمروا أولا بخمسين، ثم استقر الأمر على الخمس شرعا عاما لأهل الآفاق، لا تفصيل فيه بين أهل قطر وقطر - وما روي:«ذكر الدجال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلنا: ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. فقيل: يا رسول الله: اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم. قال: لا: اقدروا له (2)» . رواه مسلم. فقد أوجب فيه ثلاثمائة عصر قبل صيرورة الظل مثلا، أو مثلين، وقس عليه، فاستفدنا أن الواجب في نفس الأمر خمس على العموم، غير أن توزيعها على تلك الأوقات عند وجودها فلا يسقط بعدمها الوجوب - وكذا قال صلى الله عليه وسلم:«خمس صلوات كتبهن الله على العباد (3)» . ومن أفتى بوجوب العشاء يجب على قوله الوتر. اهـ. كلام الكمال ابن الهمام.
وقال الزيلعي في شرحه على الكنز (4):
من لم يجد وقت العشاء والوتر، بأن كان في بلد يطلع الفجر فيه كما تغرب الشمس، أو قبل أن يغيب الشفق، لم يجبا عليه؛ لعدم السبب، وهو الوقت، وذكر المرغيناني أن الشيخ برهان الدين الكبير أفتى بأن عليه صلاة
(1) ص 156 جـ 1.
(2)
صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2937)، سنن الترمذي الفتن (2240)، سنن أبو داود الملاحم (4321)، سنن ابن ماجه الفتن (4075)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 182).
(3)
سنن النسائي كتاب الصلاة (461)، سنن أبو داود الصلاة (1420)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1401)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 322)، موطأ مالك كتاب النداء للصلاة (270)، سنن الدارمي الصلاة (1577).
(4)
ص 81 جـ 1.
العشاء - ثم إنه لا ينوي القضاء في الصحيح؛ لفقد وقت الأداء، وفيه نظر؛ لأن الوجوب بدون السبب لا يعقل، وكذا إذا لم ينو القضاء يكون أداء ضرورة، وهو فرض الوقت، ولم يقل به أحد؛ إذ لا يبقى وقت العشاء بعد طلوع الفجر إجماعا. اهـ.
وكتب الشلبي في حواشيه على شرح الزيلعي: قوله (بأن كان في بلد يطلع الفجر فيه. . إلخ) قال العيني: (ويذكر أن بعض أهل بلغار لا يجدون في كل سنة وقت العشاء أربعين ليلة، فإن الشمس كما تغرب من ناحية المغرب يظهر الفجر من المشرق. اهـ.
قوله: أفتى بأن عليه صلاة العشاء. . إلخ. وردت هذه الفتوى من بلغار على شمس الأئمة الحلواني، فأفتى بقضاء العشاء، ثم وردت بخوارزم على الشيخ الكبير سيف السنة البقالي، فأفتى بعدم الوجوب، فبلغ جوابه الحلواني، فأرسل من يسأله في عامته بجامع خوارزم: ما تقول فيمن أسقط من الصلوات الخمس واحدة، هل يكفر؟ فأحس به الشيخ فقال: ما تقول فيمن قطع يداه من المرفقين أو رجلاه من الكعبين، كم فرائض وضوئه؟ قال: ثلاث لفوات محل الرابع. قال: وكذلك الصلاة الخامسة. فبلغ الحلواني جوابه فاستحسنه ووافقه فيه. اهـ. من المجتبى.
قال العلامة كمال الدين ابن الهمام رحمه الله تعالى: ولا يرتاب متأمل في ثبوت الفرق بين عدم محل الغرض، وبين عدم سببه الجعلي الذي جعل علامة الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر. . . إلخ.
وقال العلامة ابن عابدين في حواشيه على الدر المختار (1): لم أر من تعرض عندنا لحكم صومهم فيما إذا كان يطلع الفجر عندهم كما تغيب الشمس أو بعده بزمان لا يقدر فيه الصائم على أكل ما يقيم بنيته، ولا يمكن أن يقال بوجوب موالاة الصوم عليهم؛ لأنه يؤدي إلى الهلاك، فإن قلنا
(1) ص 339 جـ1.
بوجوب الصوم يلزم القول بالتقدير، وهل يقدر ليلهم بأقرب البلاد إليهم كما قال الشافعية أم يقدر لهم بما يسع الأكل والشرب، أم يجب عليهم القضاء فقط دون الأداء، كل محتمل، فليتأمل. ولا يمكن القول هنا بعدم الوجوب أصلا كالعشاء عند القائل به فيها؛ لأن علة عدم الوجوب فيها عند القائل به عدم السبب، وفي الصوم قد وجد السبب وهو شهود جزء من الشهر، وطلوع فجر كل يوم. هذا ما ظهر لي، والله أعلم.
وقال في إمداد الفتاح: وكذلك يقدر لجميع الآجال كالصوم والزكاة والحج والعدة وآجال البيع والسلم والإجارة، وينظر ابتداء اليوم فيقدر كل فصل من الفصول الأربعة بحسب ما يكون كل يوم من الزيادة والنقص، كذا في كتب الشافعية، ونحن نقول بمثله؛ إذ أصل التقدير مقول به إجماعا في الصلوات اهـ. نقله عنه ابن عابدين في ص 338 جـ 1.
قال الشيخ محمد عرفة الدسوقي في أوقات الصلاة (1): ما ذكره المصنف من أن مبدأ المختار للظهر من زوال الشمس إلى هنا كله بالنسبة لغير زمن الدجال، وأما في زمنه فيقدر للظهر وغيرها بالنسبة لغير زمانه، ثم إن بعض البلاد السنة فيها يوم وليلة، وحينئذ فيقدرون لكل صلاة كزمن الدجال، وفي بعض البلاد الليل من المغرب للعشاء، فيخرج الفجر وقت العشاء، فعند الحنفية تسقط عنهم العشاء، وعند الشافعية يقدرون بأقرب البلاد إليهم، ولا نص عندنا، ولكن استظهر بعضهم الرجوع في ذلك لمذهب الشافعي. كذا قرر شيخنا.
وقال الشيخ أحمد الدردير في شرحه الكبير على مختصر خليل: وإن التبست عليه الشهور فلم يعرف رمضان من غيره. عرف الأهلة أم لا (وظن شهرا) أنه رمضان (صامه وإلا) يظهر بل تساوت عنده الاحتمالات (تخير) شهرا وصامه، فإن فعل ما طلب منه فله أحوال أربعة، أشار لأولها
(1) ص 156 جـ 1 من حاشية الدسوقي على الشرح الكبير.
بقوله: (وأجزأ ما بعده) أي إن تبين أن ما صامه في صورتي الظن والتخيير هو ما بعد رمضان أجزأ، ويكون قضاء عنه وثابت نية الأداء عن القضاء، ويعتبر في الإجزاء مساواتهما (بالعدد)، فإن تبين أن ما صامه شوال، وكان هو ورمضان كاملين أو ناقصين، قضى يوما عن يوم العيد، وإن كان الكامل رمضان فقط قضى يومين وبالعكس لا قضاء، وإن تبين أن ما صامه ذو الحجة فإنه لا يعتد بالعيد وأيام التشريق، ولثانيها وثالثها بقوله:(لا) إن تبين أن ما صامه (قبله)، ولو تعددت السنون (أو بقي على شكه) في صومه لظن أو تخيير، فلا يجزئ فيهما. وقال ابن الماجشون وأشهب وسحنون: يجزئه في البقاء على الشك؛ لأن فرضه الاجتهاد، وقد فعل ما يجب عليه، فهو على الجواز حتى ينكشف خلافه، ورجحه ابن يونس، ولرابعها بقوله:(وفي) الإجزاء عند (مصادفته) في صومه تخييرا، وهو المعتمد وعدمه (تردد)، فإن صادفه في صومه ظنا فجزم اللخمي بالإجزاء من غير تردد) (1).
وقال الحطاب في مواهب الجليل على مختصر خليل (2):
(الخامس) ورد في صحيح مسلم أن «مدة الدجال أربعون يوما، وإن فيها يوما كسنة ويوما كشهر ويوما كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا، فقال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره (3)» . قال القاضي عياض: في هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع. قال ولو وكلنا إلى اجتهادنا لاقتصرنا فيه على الصلوات عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام. ونقله عنه النووي وقبله، وقال بعده: ومعنى «اقدروا له قدره (4)» أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا
(1) ص 476 من جـ1.
(2)
ص 388 جـ1.
(3)
صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2937)، سنن الترمذي الفتن (2240)، سنن أبو داود الملاحم (4321)، سنن ابن ماجه الفتن (4075)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 182).
(4)
صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2937)، سنن الترمذي الفتن (2240)، سنن أبو داود الملاحم (4321)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 182).
الظهر ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر، فصلوا العصر، فإذا مضى بعدها قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب، وكذا العشاء والصبح، وهكذا إلى أن ينقضي ذلك اليوم، وقد وقع فيه صلوات سنة كلها فرائض مؤداة في وقتها، وأما اليوم الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة فقياس اليوم الأول أن يقدر لهما كاليوم الأول على ما ذكرنا، والله تعالى أعلم. انتهى.
ومثل ذلك الأيام الذي تحجب الشمس فيها عن الطلوع عند إرادة الله سبحانه وتعالى طلوعها من مغربها، ذكره ابن فرحون في الألغاز، وقال: هذا الحكم نص عليه الشارع. (قلت): ومثله ما ذكره القرافي في كتاب اليواقيت عن الشافعية في قطر يطلع فيه الفجر قبل غروب الشفق قال: فكيف يصنع بالعشاء، وهل تصلي الصبح قبل مغيب الشفق، وهل يحكم على العشاء بالقضاء، فذكر عن إمام الحرمين أنه قال: لا تصلي العشاء حتى يغيب الشفق، ولا تكون قضاء؛ لبقاء وقتها، ويتحرى بصلاة الصباح فجر من يليهم من البلاد، ولا يعتبر الفجر الذي لهم. انتهى باختصار، وكأنه ارتضاه.
(السادس) قال القرافي في كتاب اليواقيت: مسألة من نوادر أحكام الأوقات إذا زالت الشمس ببلد من بلاد المشرق وفيها ولي فطار إلى بلد من بلاد المغرب، فوجد الشمس كما طلعت، فقال بعض العلماء: إنه مخاطب بزوال البلد الذي يوقع فيها الصلاة؛ لأنه صار من أهلها. انتهى. (قلت): وانظر على هذا لو صلى الظهر في البلد الذي زالت عليه فيه الشمس، ثم جاء إلى البلد الآخر، والظاهر أنه لا يطالب بإعادة الصلاة؛ لأنه كان مخاطبا بزوال البلد الذي أوقع فيها الصلاة، وسقط عنه الوجوب بإيقاعها فيه، ولم يكلف الله بصلاة في يوم واحد مرتين، فانظره.
وقال أيضا: (ومن لا تمكنه رؤية ولا غيرها كأسير كمل الشهور) ابن بشير.
لا شك أن الأسير إذا كان مطلقا أنه يبني على الرؤية أو العدد، وإن كان في مهواة لا يمكنه التوصل إلى الرؤية بنى على العدد، فأكمل كل شهر ثلاثين يوما (وإن التبست وظن شهرا صامه) ابن بشير إن التبست عليه الشهور اجتهد وبنى على ظنه (وإلا تحرى) ابن عبدون وابن القاسم وعبد الملك وأشهب.
إن أشكل رمضان على أسير أو تاجر ببلد حرب تحراه، اللخمي صام أي شهر أحب (وأجزأ ما بعده) من المدونة إن التبست الشهور على أسير أو تاجر أو غيره في أرض العدو فصام شهرا ينوي به رمضان فإن كان قبله لم يجزه وإن كان بعده أجزأه، وإن لم يدر أصام قبله أو بعده، فكذلك يجزئه حتى ينكشف أنه صام قبله. قاله أشهب وعبد الملك وسحنون، وقال ابن القاسم: يعيد؛ إذ لا يزول فرض بغير يقين (ابن يونس، وقول أشهب أبين؛ لأنه صار فرضه إلى الاجتهاد، وهو قد اجتهد وصام فهو على الجواز حتى ينكشف خلافه أصله من اجتهد في يوم غيم وصلى فلم يدر أصلى قبل الوقت أو بعده (بالعدد) من النكت. من كتاب أحكام القرآن لابن عبد الحكم إذا صام شوالا فليقض يوم الفطر إن كان رمضان الذي أفطره مثل عدد شوال الذي صامه من الأيام، وإن كان شوال الذي صامه ثلاثين يوما ورمضان تسعة وعشرين يوما فلا شيء عليه، وليس عليه قضاء يوم الفطر لأنه قد صام تسعة وعشرين يوما، وليس عليه إلا عدة الأيام (التي أفطر)(لا قبله) تقدم نص المدونة إن كان قبله لم يجزئه (أو بقي على شكه) تقدم قول ابن القاسم قبل قوله بالعدد (وفي مصادفته تردد) ابن رشد إذا صام على التحري ثم خرج وعلم أنه أصابه بتحريه فلا يجزئه على مذهب ابن القاسم، ويجزئه على مذهب أشهب وسحنون "ابن عرفة " ولم أجد ما ذكره عن ابن القاسم وأخذه من سماع عيسى بعيد، وما ذكر اللخمي إلا الأجزاء خاصة، وساقه كأنه المذهب ولم يعزه.
قال الشيرازي في المهذب (1):
وإن اشتبهت الشهور على أسير لزمه أن يتحرى ويصوم، كما يلزمه أن يتحرى في وقت الصلاة وفي القبلة، فإن تحرى وصام فوافق الشهر أو ما بعده أجزأه، فإن وافق شهرا بالهلال ناقصا وشهر رمضان الذي صامه الناس تاما ففيه وجهان: أحدهما: يجزئه. وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفراييني رحمه الله تعالى؛ لأن الشهر يقع على ما بين الهلالين، ولهذا لو نذر صوم شهر فصام شهرا ناقصا بالأهلة أجزأه.
والثاني: أنه يجب عليه صوم يوم، وهو اختيار شيخنا القاضي أبي الطيب، وهو الصحيح عندي؛ لأنه فاته صوم ثلاثين وقد صام تسعة وعشرين يوما فلزمه صوم يوم.
وإن وافق صومه شهرا قبل رمضان. قال الشافعي: لا يجزئه. ولو قال قائل: يجزئه كان مذهبنا. قال أبو إسحاق المروزي: لا يجزئه، قولا واحدا. وقال سائر أصحابنا: فيه قولان بالفعل قبل الوقت عند الخطأ كالوقوف بعرفة إذا أخطأ الناس ووقفوا قبل يوم عرفة. والثاني لا يجزئه، وهو الصحيح؛ لأنه تعين له يقين الخطأ فيما يأمن مثله في القضاء. فلم يعتد له بما فعله. كما لو تحرى في وقت الصلاة قبل الوقت.
قال النووي: قوله: (عبادة تفعل في السنة مرة) احتراز من الخطأ في الصلاة قبل الوقت، والاحتراز في قوله: تعين له يقين الخطأ فيما يأمن مثله في القضاء. سبق بيانه في استقبال القبلة. وهذا الذي قاسه على الوقوف بعرفة قبل يوم عرفة تفريع على الضعيف من الوجهين، وهو أنه يجزئهم، وبه قطع المصنف، والأصح أنه لا يجزئهم كما سنوضحه في بابه إن شاء الله تعالى.
أما أحكام هذا الفصل فقال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى:
(1) ص 315 إلى 319 جـ.
إذا اشتبه رمضان على أسير أو محبوس في مطمورة أو غيرهما، وجب عليه الاجتهاد؛ لما ذكره المصنف، فإن صام بغير اجتهاد ووافق رمضان لم يجزئه بلا خلاف. كما قلنا فيمن اشتبهت عليه القبلة فصلى إلى جهة بغير اجتهاد ووافق أو اشتبه عليه وقت الصلاة، فصلى بلا اجتهاد ووافق، فإنه لا يجزئه بلا خلاف، ويلزمه الإعادة في الصوم وغيره بلا خلاف، وإن اجتهد وصام فله أربعة أحوال:
(أحدها) أن يستمر الإشكال ولا يعلم أنه صادف رمضان أو تقدم أو تأخر، فهذا يجزئه بلا خلاف، ولا إعادة عليه، وعلله الماوردي وغيره بأن الظاهر من الاجتهاد الإصابة.
(الحال الثاني) أن يوافق صومه رمضان، فيجزئه بلا خلاف عندنا. قال الماوردي: وبه قال العلماء كافة، إلا الحسن بن صالح فقال: عليه الإعادة؛ لأنه صام شاكا في الشهر. قال: ودليلنا إجماع السلف قبله، وقياسا على من اجتهد في القبلة ووافقها، وأما الشك فإنما يضر إذا لم يعتضد باجتهاد بدليل القبلة.
(الحال الثالث) أن يوافق صومه ما بعد رمضان، فيجزئه بلا خلاف، نص عليه الشافعي رضي الله عنه، واتفق عليه الأصحاب رحمهم الله تعالى؛ لأنه صام بنية رمضان بعد وجوبه، ولا يجيء فيه الخلاف في اشتراط نية القضاء المذكور في الصلاة، وفرق الأصحاب بأن هذا موضع ضرورة، ولكن هل يكون هذا الصوم قضاء أم أداء؟ فيه وجهان مشهوران عند الخراسانيين وغيرهم. وحكاهما جماعة منهم قولين (أصحهما) قضاء؛ لأنه خارج وقته، وهذا شأن القضاء. (والثاني) أداء للضرورة. قال أصحابنا: ويتفرع على الوجهين ما إذا كان ذلك الشهر ناقصا وكان رمضان تاما. وقد ذكر المصنف فيه الوجهين.
قال أصحابنا: إن قلنا قضاء لزمه صوم يوم آخر، وإن قلنا أداء فلا يلزمه كما لو كان رمضان ناقصا (والأصح) أنه يلزمه، وهذا هو مقتضى التفريع على القضاء والأداء. وصرح
بتصحيحه القاضي أبو الطيب والمصنف والأكثرون، وقطع به الماوردي.
ولو كان بالعكس فصام شهرا تاما وكان رمضان ناقصا، فإن قلنا قضاء فله إفطار اليوم الأخير، وهو الأصح، وإلا فلا. ولو كان الشهر الذي صامه ورمضان تامين أو ناقصين أجزأه بلا خلاف. هذا كله إذا وافق غير شوال وذي الحجة. فإن وافق شوالا حصل منه تسعة وعشرون يوما إن كمل، وثمانية وعشرون يوما إن نقص؛ لأن صوم العيد لا يصح. فإن جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا فلا شيء عليه إن تم شوال. ويقضي يوما إن نقص بدل العيد. وإن كان رمضان تاما قضى يوما إن تم شوال وإلا فيومين، وإن جعلناه أداء لزمه قضاء يوم على كل تقدير بدل يوم العيد، وإن وافق ذا الحجة حصل منه ستة وعشرون يوما إن تم، وخمسة وعشرون يوما إن نقص؛ لأن فيه أربعة أيام لا يصح صومها العيد وأيام التشريق، فإن جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا قضى ثلاثة أيام إن تم ذو الحجة، وإلا فأربعة أيام، وإن كان رمضان ناقصا قضى ثلاثة أيام إن تم ذو الحجة وإلا فأربعة أيام، وإن كان رمضان تاما قضى أربعة إن تم ذو الحجة وإلا فخمسة، وإن جعلناه أداء قضى أربعة أيام بكل حال. هكذا ذكر الأصحاب، وهو تفريع على المذهب أن أيام التشريق لا يصح صومها. فإن صححناها لغير المتمتع فذو الحجة كشوال كما سبق.
(الحال الرابع) أن يصادف صومه ما قبل رمضان، فينظر إن أدرك رمضان بعد بيان الحال لزمه صومه بلا خلاف لتمكنه منه في وقته. وإن لم يبن الحال إلا بعد مضي رمضان فطريقان مشهوران، ذكرهما المصنف بدليلهما، (أحدهما) القطع بوجوب القضاء، وأصحهما وأشهرهما فيه قولان (أصحهما) وجوب القضاء (والثاني) لا قضاء. قال الخراسانيون: هذا الخلاف مبني على أنه إذا صادف ما بعد رمضان هل هو أداء أم قضاء؟ إن قلنا أداء للضرورة أجزأه هنا، ولا قضاء؛ لأنه كما جعل أداء بعد وقته للضرورة كذا قبله. وإن قلنا قضاء لم يجزئه؛ لأن القضاء لا يكون قبل
دخول الوقت.
والصحيح أنه قضاء، فالصحيح وجوب القضاء هنا. وهذا البناء إنما يصح على طريقة من جعل الخلاف في القضاء والأداء قولين.
وأما من حكاه وجهين فلا يصح بناء قولين على وجهين، ولو صام شهرا ثم بان له الحال في بعض رمضان لزمه صيام ما أدركه من رمضان بلا خلاف. وفي قضاء الماضي منه طريقان:(أحدهما) القطع بوجوبه. وأصحهما وأشهرهما أنه على الطريقين فيما إذا بان له بعد مضي جميع رمضان، والله أعلم.
(فرع) إذا صام الأسير ونحوه بالاجتهاد، فصادف صومه الليل دون النهار، لزمه القضاء بلا خلاف؛ لأنه ليس وقتا للصوم فوجب القضاء، كيوم العيد، وممن نقل الاتفاق عليه البندنيجي.
(فرع) ذكر المصنف في قياسه أنه لو تحرى في وقت الصلاة فصلى قبل الوقت، أنه يلزمه الإعادة، يعني قولا واحدا - ولا يكون فيه الخلاف الذي في الصوم إذا صادف ما قبل رمضان. وهذا على طريقته وطريقة من وافقه من العراقيين. وإلا فالصحيح أن الخلاف جار في الصلاة أيضا، وقد سبق بيانه في باب مواقيت الصلاة، وفي باب الشك في نجاسة الماء. وذكرنا هناك أن منهم من طرد الخلاف في المجتهد في الأواني إذا تيقن أنه توضأ بالماء النجس وصلى، هل تلزمه إعادة الصلاة، ويقرب منه الخلاف في تيقن الخطأ في القبلة. وفي الصلاة بنجاسة جاهلا أو ناسيا. أو نسي الماء في رحله وتيمم، أو نسي ترتيب الوضوء أو نسي الفاتحة في الصلاة، أو صلوا صلاة شدة الخوف لسواد رأوه فبان أنه ليس عدوا، أو بان بينهم خندق، أو دفع الزكاة إلى من ظاهره الفقر من سهم الفقراء فبان غنيا، أو أحج عن نفسه لكونه معضوبا فبرأ، أو غلطوا ووقفوا بعرفات في اليوم الثامن. وفي كل هذه الصور خلاف بعضه كبعض، وبعضه مرتب على بعض أو أقوى من بعض. والصحيح في الجميع أنه
لا يجزئه. وكل هذه المسائل مقررة في مواضعها مبسوطة، وقد سبقت مجموعة أيضا في باب طهارة البدن، والله أعلم.
(فرع) قد ذكرنا أن الأسير ونحوه إذا اشتبهت عليه الشهور يتحرى ويصوم بما يظهر بالعلامة أنه رمضان. فلو تحرى فلم يظهر له شيء قال ابن الصباغ: قال الشيخ أبو حامد: يلزمه أن يصوم على سبيل التخمين. ويلزمه القضاء كالمصلي إذا لم تظهر له القبلة بالاجتهاد فإنه يصلي ويقضي.
قال ابن الصباغ: هذا عندي غير صحيح؛ لأن من لم يعلم دخول رمضان بيقين ولا ظن لا يلزمه الصيام كمن شك في وقت الصلاة فإنه لا يلزمه أن يصلي، هذا كلام ابن الصباغ.
وذكر المتولي في المسألة وجهين (أحدهما) قول الشيخ أبي حامد (والثاني) قال: وهو الصحيح: لا يؤمر بالصوم؛ لأنه لم يعلم دخول الوقت ولا ظنه فلم يؤمر به. كمن شك في دخول وقت الصلاة بخلاف القبلة. فإنه تحقق دخول وقت الصلاة وإنما عجز عن شرطها، فأمر بالصلاة بحسب الإمكان لحرمة الوقت. وهذا الذي قاله ابن الصباغ والمتولي هو الصواب، وهو متعين، ولعل الشيخ أبا حامد أراد إذا علم أو ظن أن رمضان قد جاء أو مضى ولم يعلم ولا ظن عينه. لكنه لو كان هذا لكان يصوم ولا يقضي؛ لأنه يقع صومه في رمضان أو بعده. والله أعلم. اهـ.
وقال النووي في روضة الطالبين (1): أما الساكنون بناحية تقصر لياليهم ولا يغيب عنهم الشفق فيصلون العشاء إذا مضى من الزمان قدر ما يغيب في أقرب البلاد إليهم. اهـ.
وفي المغني لابن قدامة (2): (مسألة) قال: وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير فإن صام شهرا يريد به شهر رمضان فوافقه أو ما بعده أجزأه
(1) ص 182 جـ1.
(2)
ص 96 جـ 3.
وإن وافق ما قبله لم يجزئه.
وجملته أن من كان محبوسا أو مطمورا أو في بعض النواحي النائية عن الأمصار لا يمكنه تعرف شهر رمضان صامه، ولا يخلو من أربعة أحوال:
(أحدها) أن لا يتكشف له الحال فإن صومه صحيح ويجزئه؛ لأنه أدى فرضه باجتهاد، فأجزأه كما لو صلى في يوم الغيم بالاجتهاد.
(الثاني) أن يتكشف له أنه وافق الشهر أو ما بعده فإنه يجزئه في قول عامة الفقهاء، وحكي عن الحسن بن صالح أنه لا يجزئه في هاتين الحالتين؛ لأنه صامه على الشك فلم يجزئه، كما لو صام يوم الشك فبان من رمضان، وليس بصحيح؛ لأنه أدى فرضه بالاجتهاد في محله، فإذا أصاب أو لم يعلم الحال أجزأه، كالقبلة إذا اشتبهت أو الصلاة في يوم الغيم إذا اشتبه وقتها وفارق يوم الشك فإنه ليس بمحل الاجتهاد؛ فإن الشرع أمر بالصوم عند أمارة عينها، فما لم توجد لم يجز الصوم.
(الحال الثالث) وافق قبل الشهر فلا يجزئه في قول عامة الفقهاء، وقال بعض الشافعية: يجزئه في أحد الوجهين، كما لو اشتبه يوم عرفة فوقفوا قبله.
ولنا أنه أتى بالعبادة قبل وقتها فلم يجزئه كالصلاة في يوم الغيم، وأما الحج فلا نسلمه إلا فيما إذا أخطأ الناس كلهم؛ لعظم المشقة عليهم، وإن وقع ذلك لنفر منهم لم يجزئهم، ولأن ذلك لا يؤمن مثله في القضاء بخلاف الصوم.
(الحال الرابع) أن يوافق بعضه رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه.
(فصل) وإذا وافق صومه بعد الشهر اعتبر أن يكون ما صامه بعدة أيام شهره الذي فاته، سواء وافق ما بين هلالين أو لم يوافق، سواء كان الشهران تامين أو ناقصين، ولا يجزئه أقل من ذلك، وقال القاضي: ظاهر
كلام الخرقي أنه إذا وافق شهرا بين هلالين أجزأه، سواء كان الشهران تامين أو ناقصين، أو أحدهما تاما والآخر ناقصا. وليس بصحيح؛ فإن الله تعالى قال:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) الآية (85) من سورة البقرة.
ولأنه فاته شهر رمضان، فوجب أن يكون صيامه لعدة ما فاته، كالمريض والمسافر، وليس في كلام الخرقي تعرض لهذا التفصيل، فلا يجوز حمل كلامه على ما يخالف الكتاب والصواب، فإن قيل: أليس إذا نذر صوم شهر يجزئه ما بين هلالين؟ قلنا: الإطلاق يحمل على ما تناوله الاسم. والاسم يتناول ما بين الهلالين، وهنا يجب قضاء ما ترك، فيجب أن يراعي فيه عدة المتروك، كما أن من نذر صلاة أجزأه ركعتان ولو ترك صلاة وجب قضاؤها بعدة ركعاتها، كذلك هنا الواجب بعدة ما فاته من الأيام، سواء كان ما صامه بين هلالين أو من شهرين، فإن دخل في صيامه يوم عيد لم يعتد به، وإن وافق أيام التشريق فهل يعتد بها على روايتين بناء على صحة صومها عن الفرض.
(فصل) وإن لم يغلب على ظن الأسير دخول رمضان فصام، لم يجزئه، وإن وافق الشهر؛ لأنه صامه على الشك، فلم يجزئه، كما لو نوى ليلة الشك إن كان غدا من رمضان فهو فرضي، وإن غلب على ظنه من غير أمارة فقال القاضي: عليه الصيام، ويقضي إذا عرف الشهر، كالذي خفيت عليه دلائل القبلة، ويصلي على حسب حاله ويعيد. وذكر أبو بكر فيمن خفيت عليه دلائل القبلة هل يعيد؟ على وجهين، كذلك يخرج على قوله هاهنا. وظاهر كلام الخرقي أنه يتحرى، فمتى غلب على ظنه دخول الشهر صح صومه، وإن لم يبن على دليل؛ لأنه ليس في وسعه معرفة الدليل، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وقد ذكرنا مثل هذا في القبلة.
قال ابن حزم في المحلى (2):
(1) سورة البقرة الآية 185
(2)
ص 261 - 262 جـ 6.
(مسألة) والأسير في دار الحرب إن عرف رمضان لزمه صيامه إن كان مقيما؛ لأنه مخاطب بصومه في القرآن، فإن سوفر به أفطر ولا بد؛ لأنه على سفر وعليه قضاؤه لما ذكرنا قبل، فإن لم يعرف الشهر وأشكل عليه سقط عنه صيامه، ولزمته أيام أخر إن كان مسافرا، وإلا فلا، وقال قوم: يتحرى شهرا ويجزئه. وقال آخرون: إن وافق شهرا قبل رمضان لم يجزئه، وإن وافق شهرا بعد رمضان أجزأه؛ لأنه يكون قضاء عن رمضان.
قال علي: أما تحري شهر فيجزئه أو يجعله قضاء فحكم لم يأت به قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا إجماع ولا قول صاحب، وما كان هكذا فهو دعوى فاسدة لا برهان على صحتها، فإن قالوا: قسناه على من جهل القبلة قلنا: هذا باطل؛ لأن الله تعالى لم يوجب التحري على من جهل القبلة، بل من جهلها فقط سقط عنه فرضها، فيصلي كيف شاء، فإن قالوا: قسناه على من خفي عليه وقت الصلاة قلنا: وهذا باطل أيضا؛ لأنه لا تجزئه صلاة إلا حتى يوقن بدخول وقتها.
قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا: قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1).
فلم يوجب الله تعالى صيامه إلا على من شهده، وبالضرورة ندري أن من جهل وقته فلم يشهده، قال الله عز وجل:
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2).
وقال تعالى:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3).
فمن لم يكن في وسعه معرفة دخول رمضان فلم يكلفه الله تعالى صيامه بنص القرآن، ومن سقط عنه صوم الشهر فلا قضاء عليه؛ لأنه صوم غير ما أمر الله تعالى به.
(1) سورة البقرة الآية 185
(2)
سورة البقرة الآية 286
(3)
سورة الحج الآية 78
فإن صح عنده بعد ذلك أنه كان فيه مريضا أو مسافرا، فعليه ما افترض الله تعالى على المريض فيه والمسافر فيه، وهو عدة من أيام أخر، فيقضي الأيام التي سافر والتي مرض فقط ولا بد، وإن لم يوقن بأنه مرض فيه أو سافر فلا شيء عليه وبالله تعالى التوفيق.
قال الشيخ حسنين مخلوف في الفتاوى: صيام رمضان في شمال أوروبا:
(السؤال والجواب) تلقى فضيلة المفتي استفتاء من أعضاء البعثات المصرية عن حكم الشريعة الغراء في صيام رمضان للمسلمين المقيمين في شمال أوروبا، حيث تبلغ مدة الصوم فيه 19 ساعة، وقد تزيد إلى 22 ساعة أو أكثر. فأرسل فضيلته إليهم بالطائرة الفتوى الآتي نصها، ومهد فيها بما يحبب إليهم الصلاة والصوم؛ خوفا عليهم من الافتتان في هذه البلاد:
إن التشريع الإسلامي في العبادات قد بني على توثيق الصلات بين العبد وربه، وحسن قيام العباد بحق الله تعالى الذي أفاض عليهم نعمة الوجود، ومن عليهم بالفضل والجود، والخير والإحسان:
{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} (1).
فهي تربية وتهذيب ونظام وإصلاح، يرقى بالفرد والمجتمع إلى مراقي السعادة والفلاح. ورأسها وعمادها الصلاة، وهي مناجاة بالقلب واللسان بين العبد ومولاه، يشهد فيها العبد افتقاره لخالقه وإحسان الخالق إليه، مع استغنائه عنه، ويعلم عن يقين أن الأمر كله لله، وأن لا معبود بحق سواه، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
ومن أهمها الصيام، وهو رياضة روحية تعد النفوس البشرية للسمو
(1) سورة إبراهيم الآية 34
إلى معارج الكمال والتحليق في أجواء العلم والعرفان، وتعودها الصبر والثبات والقوة والعزة، وتصفيها من الشوائب المادية والعوائق الجسمية، وتبغض إليها المآثم والمنكرات، وتحبب إليها الفضائل والمكرمات. وقد بني تشريع الصوم كما بني التشريع الإسلامي عامة على السماحة والتيسير والطاقة والرفق بالناس، فلم يكن فيه إعنات ولا إرهاق، ولم يكن فيه حرج ولا عسر، قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1).
وقال في الصوم:
وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (3)» . وفي الحديث الصحيح: «سددوا وقاربوا (4)» .
هذه السماحة وهذا اليسر قد ظهرا جليا في فريضة الصوم في الترخيص بالفطر للمسافر، ولو كان صحيحا؛ لما يلازم السفر غالبا من المشقات والمتاعب، وللمريض لضعف احتماله وحاجته إلى الغذاء والدواء حتى لا تتفاقم علته، أو يبطئ برؤه، ولمن ماثلهما في الضرورة والاحتياج إلى الفطر؛ كالحامل التي تخاف على نفسها أو جنينها المرض أو الضعف، والمرضع التي تخشى ذلك على نفسها أو رضيعها، والطاعن في السن الذي لا يقدر على الصوم. فأباح الإسلام لهؤلاء فطر رمضان على أن يقضي كل من المسافر والمريض والحامل والمرضع ما أفطره في أيام أخر خالية من هذه الأعذار، وعلى أن يخرج الشيخ الفاني فدية الصوم عن كل يوم أفطره حسبما بين في الفقه.
(1) سورة الحج الآية 78
(2)
سورة البقرة الآية 185
(3)
صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288)، صحيح مسلم الحج (1337)، سنن الترمذي العلم (2679)، سنن النسائي مناسك الحج (2619)، سنن ابن ماجه المقدمة (2)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 508).
(4)
صحيح البخاري الرقاق (6463)، صحيح مسلم صفة القيامة والجنة والنار (2816)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5034)، سنن ابن ماجه الزهد (4201)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 514).
والصوم الشرعي يبتدئ من طلوع الفجر وينتهي بغروب الشمس كل يوم، فتختلف مدته باختلاف عروض البلاد، وكيفما كانت المدة فإن مجرد طولها لا يعد عذرا شرعيا يبيح الفطر، وإنما يباح إذا غلب على ظن الإنسان بأمارة ظهرت أو تجربة وقعت أو بإخبار طبيب حاذق أن صومه هذه المدة يفضي إلى مرضه، أو إلى إعياء شديد يضره، كما صرح به أئمة الحنفية، فيكون حكم المريض الذي يخشى التلف أو أن يزيد مرضه أو يبطئ شفاؤه إذا صام.
هذا هو المبدأ العام في رخصة الفطر وفي التيسير على المكلفين، وكل امرئ بصير بنفسه عليم بحقيقة أمره، يعرف مكانها من حل الفطر وحرمته.
فإذا كان صومه المدة الطويلة يؤدي إلى إصابته بمرض أو ضعف أو إعياء يقينا أو في غالب الظن بإحدى الوسائل العلمية التي أومأنا إليها، حل له الترخص بالفطر، وإذا كان لا يؤدي إلى ذلك حرم عليه الفطر. والناس في ذلك مختلفون، ولكل حالة حكمها، والله يعلم السر وأخفى.
وقال أيضا: صوم رمضان في الأقطار التي لا تطلع فيها الشمس أشهرا أو يطول النهار فيها كثيرا.
(السؤال) تقيم كريمتي وزوجها الآن في ألمانيا، وقد كتبت إلي تستفهم عن الواجب عليها وعلى المسلمين هناك في شهر رمضان بالنسبة إلى الصيام؛ حيث تقول: إن الشمس تستمر طالعة 20 ساعة، وتختفي أربع ساعات، فهل يلزمهم الصيام قبل طلوع الشمس بساعة ونصف وهو وقت طلوع الفجر وعلى ذلك فيصومون إحدى وعشرين ساعة ونصفا ويفطرون ساعتين ونصفا، أم ماذا؟ وما حكم الصلاة أيضا في هذه البلاد، وكذلك في البلاد التي تستمر فيها الشمس طالعة نحو ستة أشهر، وتغيب نحو ستة أشهر.
هذا ما نريد الاستفهام عنه، فلعلنا نظفر في وقت قريب بما يزيل العقبات عن المقيمين في تلك البلاد ببيان حكم الله تعالى؛ تيسيرا عليهم وتبيانا لسماحة الدين.
(الجواب) اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد بأنه فيما يختص بالبلاد التي تغيب فيها الشمس ستة أشهر أو نحو ذلك، اختلف الفقهاء في وجوب الصلاة على المقيمين بها وعدم وجوبها فقال بعضهم: لا تجب عليهم الصلاة؛ لعدم وجود السبب وهو الوقت. وقال بعضهم: تجب عليهم الصلاة وعليهم أن يقدروا لها أوقاتها بالقياس على أقرب البلاد التي تطلع فيها الشمس وتغرب كل يوم. والقول الأخير قول الشافعية، وهو قول مصحح عند الحنفية، وهو الذي اخترناه للفتوى؛ مراعاة لحكمة تشريع الصلاة.
وفيما يختص بصوم أهل هذه البلاد فإنه واجب عليهم، وعليهم أن يتحروا عن دخول شهر رمضان، وعن مدة الصيام فيه بالقياس على أقرب البلاد التي شهد أهلها الشهر وعرفوا وقت الإمساك والإفطار فيه، وهو كذلك مذهب الشافعية الذي اخترناه للفتوى.
وأما البلاد التي تطلع فيها الشمس وتغرب كل يوم، إلا أن مدة طلوعها تبلغ نحو عشرين ساعة، فبالنسبة للصلاة يجب عليهم أداؤها في أوقاتها لتميزها تميزا ظاهرا. وبالنسبة للصوم يجب عليهم الصوم في رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هناك، إلا إذا أدى الصوم إلى الضرر بالصائم وخاف من طول مدة الصوم الهلاك أو المرض الشديد، فحينئذ يرخص له الفطر ولا يعتبر في ذلك مجرد الوهم والخيال، وإنما المعتبر غلبة الظن بواسطة الأمارات أو التجربة أو إخبار الطبيب الحاذق بأن الصوم يفضي إلى الهلاك أو المرض الشديد أو زيادة المرض أو بطء البرء، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فلكل شخص حالة خاصة. وعلى من أفطر في كل هذه الأحوال قضاء ما أفطره بعد زوال العذر الذي رخص له
من أجله الفطر. والله تعالى أعلم. والله الموفق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن قعود
…
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
القرار رقم (61) وتاريخ 12/ 4 / 1398هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فقد عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الثانية عشرة المنعقدة بالرياض في الأيام الأولى من شهر ربيع الآخر عام 1398هـ كتاب معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة رقم (555) وتاريخ 16/ 1 / 1398هـ المتضمن ما جاء في خطاب رئيس رابطة الجمعيات الإسلامية في مدينة (مالو) بالسويد الذي يفيد فيه بأن الدول الإسكندنافية يطول فيها النهار في الصيف ويقصر في الشتاء؛ نظرا لوضعها الجغرافي، كما أن المناطق الشمالية منها لا تغيب عنها الشمس إطلاقا في الصيف، وعكسه في الشتاء، ويسأل المسلمون فيها عن كيفية الإفطار والإمساك في رمضان، وكذلك كيفية ضبط أوقات الصلوات في هذه البلدان.
ويرجو معاليه إصدار فتوى في ذلك ليزودهم بها (اهـ).
وعرض على المجلس أيضا ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ونقول أخرى عن الفقهاء في الموضوع، وبعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:
أولا: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس، إلا أن نهارها يطول جدا في الصيف ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعا. لعموم قوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (1).
وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (2).
ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رجلا سأله عن وقت الصلاة، فقال له: صل معنا هذين. يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله. قال: وقت صلاتكم بين ما رأيتم (3)» . رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان (4)» . أخرجه مسلم في صحيحه.
(1) سورة الإسراء الآية 78
(2)
سورة النساء الآية 103
(3)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (613)، سنن الترمذي الصلاة (152)، سنن النسائي المواقيت (519)، سنن ابن ماجه الصلاة (667)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 349).
(4)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (612)، سنن النسائي المواقيت (522)، سنن أبو داود الصلاة (396)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 210).
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولا وفعلا، ولم تفرق بين طول النهار وقصره، وطول الليل وقصره، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان، فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعا وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيرا؛ فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1).
ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضا شديدا، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه، أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء، قال تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2).
وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (3).
وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (4).
ثانيا: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفا ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها
(1) سورة البقرة الآية 187
(2)
سورة البقرة الآية 185
(3)
سورة البقرة الآية 286
(4)
سورة الحج الآية 78
ستة أشهر مثلا، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها، معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض؛ لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من «أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف، حتى قال: (يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة (1)» . .) إلى آخره.
ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرهن، قال: لا إلا أن تطوع (2)» . . الحديث.
ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك. قال: صدق. إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال: صدق. قال فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم (3)» . . الحديث.
وثبت «أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال، فقالوا: ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، فقيل: يا رسول الله، اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له (4)» . فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوما واحدا يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع
(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3207)، صحيح مسلم الإيمان (162)، سنن النسائي الصلاة (448)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 149).
(2)
صحيح البخاري الإيمان (46)، صحيح مسلم الإيمان (11)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5028)، سنن أبو داود الصلاة (391)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 162)، موطأ مالك النداء للصلاة (425)، سنن الدارمي الصلاة (1578).
(3)
صحيح البخاري العلم (63)، صحيح مسلم الإيمان (12)، سنن الترمذي الزكاة (619)، سنن النسائي الصيام (2091)، سنن أبو داود الصلاة (486)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1402)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 168)، سنن الدارمي الطهارة (650).
(4)
صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2937)، سنن الترمذي الفتن (2240)، سنن أبو داود الملاحم (4321)، سنن ابن ماجه الفتن (4075)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 182).
وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتبارا بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار، وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة.
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم، فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب بلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعهما أربعا وعشرين ساعة؛ لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه؛ إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة، والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
رئيس الدورة
عبد العزيز بن صالح
الأعضاء
عبد الله خياط
…
عبد الله بن حميد
…
عبد العزيز بن باز
عبد المجيد حسن
…
محمد الحركان
…
عبد الرزاق عفيفي
محمد بن جبير
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
…
سليمان بن عبيد
عبد الله بن غديان
…
صالح بن غصون
…
راشد بن خنين
عبد الله بن قعود
…
عبد الله بن منيع
…
صالح بن لحيدان