المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ يكتبون آيات من القرآن على لوح أسود ويغسلون الكتابة بالماء ويشرب

- ‌ توفي رجل عن ابنين وبنتين وزوجة وأخ شقيق وأخت شقيقة، فما نصيب كل واحد منهم

- ‌ وطء الحائض في الفرج

- ‌ أصول الشرائع التي جاء بها الأنبياء والمرسلون واحدة

- ‌ المرأة لا تنجس بحيض ولا نفاس، ولا تحرم مؤاكلتها ولا مباشرتها فيما دون الفرج

- ‌ حكم التصوير في الإسلام

- ‌من فتاوى:سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ بيع كيس السكر ونحوه بمبلغ مائة وخمسين ريالا إلى أجل

- ‌ تسلسل جرح البينة

- ‌هل صلاتي لا تنفع طالما أنني جاهل بالتوحيد وغير كافر بالطاغوت

- ‌ المسلم إذا فعل شيئا من الشرك كالذبح والنذر لغير الله جاهلا

- ‌ التوسل بجاه فلان أو حق فلان

- ‌ من يتحاكم إلى القوانين العرفية، والقوانين القبلية، هل حققوا معنى لا إله إلا الله

- ‌ النكاح بنية الطلاق

- ‌بيان معنى لا إله إلا الله

- ‌من مظاهر موالاة الكفار:

- ‌ مظاهر موالاة المؤمنين:

- ‌أقسام الناس فيما يجب في حقهم من الولاء والبراء:

- ‌القسم الأول: من يحب محبة خالصة لا معاداة معها

- ‌القسم الثاني: من يبغض ويعادي بغضا ومعاداة خالصين لا محبة ولا موالاة معهما

- ‌القسم الثالث: من يحب من وجه ويبغض من وجه، فيجتمع فيه المحبة والعداوة

- ‌حكم الشهادة والحكمة من مشروعيتها وأركانها

- ‌أولا: حكم الشهادة:

- ‌ثانيا: الحكمة من مشروعية الشهادة:

- ‌ثالثا: أركان الشهادة:

- ‌الركن الأول: الشاهد

- ‌الركن الثاني والثالث: المشهود له وعليه:

- ‌الركن الرابع: المشهود به:

- ‌الركن الخامس: الصيغة:

- ‌المطلب الأولتحرير محل النزاع

- ‌المطلب الثالثتحرير الأقوال وذكر أدلتها ومناقشتها

- ‌المطلب الرابعالموازنة والترجيح

- ‌المطلب الخامسسبب الخلاف

- ‌المطلب السادس*ثمرة الخلاف

- ‌المطلب السابعمقدار البحث عن القائلين به

- ‌تعدد الزوجات وأهميته للمجتمع المسلم

- ‌فوائد تعدد الزوجات وأهميته للمجتمع

- ‌أولا: أن نسبة النساء في أي مجتمع من المجتمعات البشرية تفوق نسبة الرجال وتزيد عليها

- ‌ثانيا: أن الرجل يتأخر نضجه الجنسي والاجتماعي واستعداده للزواج

- ‌ثالثا: أن رغبة المرأة إلى الجماع أقل من رغبة الرجل

- ‌رابعا: المرأة معرضة للعقم والإياس، والمرض الذي يفوت على الرجل الاستمتاع بها

- ‌خامسا: الزواج المتعدد فيه نبل وتضحية من الرجل وتحمل للمشقات والتبعات

- ‌شروط تعدد الزوجات

- ‌حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌موضوع الفتيا:

- ‌النسخ الأصول

- ‌منهج التحقيق:

- ‌الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومسنده

- ‌الوضع القائم في عصره:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌حفظه:

- ‌ثناء الأئمة عليه:

- ‌احترام العلماء له:

- ‌زهد الإمام أحمد:

- ‌فقه الإمام أحمد:

- ‌الإمام أحمد والجرح والتعديل:

- ‌محنة الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌آثار الإمام أحمد:

- ‌الحكمة من قطع يد السارق

- ‌حكمة التشريع الإلهي

- ‌الحكمة من إقامة الحدود

- ‌حرمة التعدي على المال وأثر قطع يد السارق

- ‌من قرارات المجمع الفقهي الإسلامي

- ‌القرار الأولحكم الماسونية والانتماء إليها

- ‌القرار الثانيمناشدة حكام الدول العربية والإسلاميةبتطبيق الشريعة الإسلامية

- ‌القرار الثالثحكم الشيوعية والانتماء إليها

- ‌نداء لجميع المسلمين وغيرهمللوقوف في صف حكومة السودان وشعبها

- ‌اعتذار. . وتصويب

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم

من إحداهن، فدخل على حفصة فاحتبس أكثر مما كان يحتبس (1)».

«وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا (2)» . رواه البخاري.

«وكان صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه في الليلة الواحدة في غسل واحد (3)» - رواه البخاري.

وعماد القسم بين الزوجات في الحضر هو الليل لمن معاشه وعمله بالنهار، أما في السفر فعماد القسم فيه النزول والمبيت، وأما حالة السير فليس فيه قسما لا ليلا ولا نهارا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير مع عائشة ويتحدث معها في السفر دون حفصة.

(1) صحيح البخاري، كتاب النكاح - باب دخول الرجل على نسائه في اليوم، رقم الحديث 5216 - فتح الباري (9/ 316).

(2)

صحيح البخاري، كتاب الطلاق - باب لم تحرم ما أحل الله لك - رقم الحديث 5267 - فتح الباري (9/ 374).

(3)

صحيح البخاري، كتاب النكاح - باب من طاف على نسائه في غسل واحد، رقم الحديث 5215. فتح الباري (9/ 316).

ص: 194

‌حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم

لقد عدد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بعد أن هاجر إلى المدينة، ولم يكن بهذا التعداد بدعا من الناس. فأمم الأرض وكل الناس يعددون نساءهم. بل كانوا يبالغون في التعداد حتى وصل ببعضهم إلى أكثر من سبعمائة زوجة دون الإماء. فالعرب يتزوجون بأكثر من عشر نساء، فهذا غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة، وقال له صلى الله عليه وسلم:«اختر منهن أربعا وفارق سائرهن (1)» .

(1) رواه الترمذي وابن ماجه وأبو داود. سنن الترمذي - كتاب النكاح رقم الباب 33، جـ3، ص435 رقم الحديث 1128. سنن ابن ماجه - كتاب النكاح - رقم الباب 40 ورقم الحديث 1953 جـ1، ص628. سنن أبي داود - كتاب الطلاق، باب من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع جـ1، ص519.

ص: 194

وقد كان الأثنيون والصينيون والبابليون والأشوريون والمصريون وغيرهم يعددون الزوجات.

كما أن اليهود يعددون النساء، فهذا نبي الله سليمان لديه سبعمائة من الحرائر وثلاثمائة من الإماء، وقد روى البخاري في صحيحه «أن سليمان بن داود قال: لأطوفن الليلة بمائة امرأة، تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله، فقال الملك: قل إن شاء الله، فلم يقل ونسي. فأطاف بهن ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان أرجى لحاجته (1)»، وكانت الكنيسة النصرانية تأذن في التعدد ولا تعارض فيه.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينما عدد نساءه وتزوج بتسع، فكن في عصمته في آن واحد إنما فعل هذا بأمر الله تعالى وحكمته:

{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (2){مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} (3).

وقال تعالى مبينا أن الله هو الذي أحل لرسوله تعدد الزوجات:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} (4).

ثم بعد عدد التسع منع الله تعالى رسوله من أن يزيد عليهن، أو أن يطلقهن، فقال جل وعلا:

{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} (5).

(1) صحيح البخاري، كتاب النكاح - باب قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائي - رقم الحديث 5242 فتح الباري (9/ 339).

(2)

سورة الأحزاب الآية 37

(3)

سورة الأحزاب الآية 38

(4)

سورة الأحزاب الآية 50

(5)

سورة الأحزاب الآية 52

ص: 195

فزواج الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو زواج بأمر الله تعالى. فالأمر رباني لا يجوز القياس عليه، فهو خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد من أمته صلى الله عليه وسلم أن يزيد على أربع نساء، مدعيا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج تسعا.

والذين ينتقدون نبي الإسلام ويصفون المسلمين بأنهم شهوانيون هؤلاء مخطئون كل الخطأ، والأفظع من ذلك أننا نجد من بين أبناء المسلمين من يحمل أفكار الكفر ويتندر بزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو عمر الإيمان قلبه وكان مسلما حقا لما سمح لنفسه بأن يخوض في مثل هذا الأمر. ثم إنه لو ألقى نظرة على من تزوج بهن صلى الله عليه وسلم لوجد أن لكل زواج ظروفه. إما ليؤوي أرملة، أو ليجبر قلبا تحطم بقتل ذويه، وإما ليتألف قلوب أهلهن، وإما ليكرم امرأة نفذت أمر الله فخالفت ما كان عليه المجتمع مبتغية رضوان الله تعالى عليها من الزواج بالسادة دون العبيد والموالي.

ولو كان صلى الله عليه وسلم شهوانيا لتزوج وهو في عز شبابه، حينما كانت الرغبة إلى النساء قوية، ولكنه لم يعدد إلا بعد أن كبر وضعفت فيه الرغبة إلى النساء، وقد كان في شبابه مكتفيا بخديجة بنت خويلد - رضي الله تعالى عنها - التي تكبره بخمس عشرة سنة. فقد كان عمرها أربعين سنة، بينما كان عمره صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة، وظل معها حتى ماتت رضي الله تعالى عنها.

ثم إن النساء اللاتي تزوج بهن كلهن ثيبات عدا عائشة. وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم هن:

1 -

سودة بنت زمعة بن قيس القرشية. تزوج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت زوجها السكران بن عمرو بن عبد شمس، وبعد موت زوجته خديجة بنت خويلد في مكة قبل الهجرة إلى المدينة، وبعد

ص: 196

كبر سنها وهبت يومها وليلتها لعائشة رضي الله تعالى عنها.

2 -

عائشة بنت الصديق. عقد عليها قبل سودة، ولكنه دخل عليها بعد أن دخل على سودة، وهي الزوجة الوحيدة التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بكر، وتزوجها ليزيد قربه من أبي بكر الصديق - أول من أسلم من الرجال وآزر دعوة الرسول وصدقه في كل ما يقول، وبذل ما يملك في سبيل الله.

3 -

حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، وهذه تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ثيب، وليست ذات جمال؛ لمكانة أبيها منه صلى الله عليه وسلم.

4 -

أم سلمة هند بنت سهيل المخزومية. تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد موت زوجها أبي سلمة بن عبد الأسد، ليؤوي أولادها، وقد قالت له حين خطبها: ما مثلي ينكح. أما أنا فلا يولد لي، وأنا غيور، ذات عيال. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله، وأما العيال فإلى الله ورسوله (1)» . فتزوجها (2).

5 -

زينب بنت جحش، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد طلاق زوجها زيد بن حارثة - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكافئها على امتثال أمر الله تعالى، وليقرر الله حكما يصعب على المجتمع تنفيذه في ذلك الزمن، وهو زواج زوجة المتبنى. قال الله تعالى:

{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (3).

6 -

أم حبيبة بنت أبي سفيان، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ارتد زوجها عبيد الله بن جحش، وأعرضت عنه إلى أن مات، ولها من

(1) صحيح مسلم الجنائز (918)، سنن النسائي النكاح (3254)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 307).

(2)

الإصابة في تمييز الصحابة. لابن حجر (4/ 459).

(3)

سورة الأحزاب الآية 37

ص: 197

العمر بضع وثلاثون سنة. تزوجها رسول الله وهي في أرض الحبشة مهاجرة، وقد عهد للنجاشي بعقد نكاحه عليها، ووكلت هي خالد بن سعيد بن العاص، فأصدقها النجاشي من عنده أربعمائة دينار، وذلك سنة سبع من الهجرة.

7 -

جويرية بنت الحارث، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زوجها مسانع بن صفوان الذي قتل يوم المريسيع، وذلك ليشرف قومها بمصاهرته لهم، وبخاصة بعد سبيه لهم في غزوة بني المصطلق.

8 -

صفية بنت حيي بن أخطب، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبر قلبها بعد قتل أبيها وعمها وزوجها.

9 -

ميمونة بنت الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت زوجها أبي رهم بن عبد العزى العامري. وذلك سنة سبع من الهجرة، وعمرها يقرب من الأربعين سنة. رضي الله عنها.

ص: 198

وقد التمس العلماء - رحمهم الله تعالى - عدة حكم من استكثار رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء، فقال ابن حجر: والذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النساء عشرة أوجه:

أحدها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة، فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك.

ثانيها: لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.

ثالثها: للزيادة في تأليفهم لذلك.

رابعها: للزيادة في التكليف، حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ للرسالة.

خامسها: لتكثير عشيرته من جهة نسائه، فتزداد أعوانه على من يحاربه.

سادسها: نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال؛ لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.

ص: 198

سابعها: الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوج أم حبيبة وأبوها إذ يعاديه، وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن.

ثامنها: خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب، وكثرة الصيام والوصال. وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم.

تاسعها: تحصينهن وقصر طرفهن عليه، فلا يتطلعن إلى غيره، بخلاف العزبة، فإن العفيفة تتطلع بالطبع البشري إلى التزويج، وذلك هو الوصف اللائق بهن.

عاشرها: القيام بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن (1).

نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يجنبنا الشبهات، وأن يرزقنا العدل في الغضب والرضا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(1) فتح الباري، جـ9، ص115.

ص: 199

صفحة فارغة

ص: 200

فتيا في حكم السفر إلى بلاد الشرك

تأليف

سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب

1200 -

1233هـ

بتحقيق

الوليد بن عبد الرحمن الفريان

تمهيد

جبل الله تعالى النفس البشرية على الشغف بكل مظهر يعبر عن المحبة والارتياح إلى كل تصرف ينبض بالود.

وما من إنسان سوى إلا وهو بطبعه ينشد ذلك في قسمات الوجوه ويتلمسه في طوايا الحديث وبين الكلمات ويتلهف إليه في كل حين.

ومن أجل هذا كانت المحبة قمة العلاقات الإنسانية.

فمنها ينبثق التسامح، ومن معينها تفيض جميع الصفات النبيلة، وعن طريقها تتفجر الأحاسيس وتسمو العواطف.

والإسلام حين أشرق نوره، فاكتسح بأشعته ظلام الجهل والشرك، كانت الحياة اللاهثة تتقطع بضوضائها في ظل تفكك أخلاقي، وطغيان عارم لمبدأ القوة والعنف.

فبسط جناحه الحاني، وامتد إلى الناس يزرع الحب والود.

وأعاد روح الأخوة والتضامن التي افتقدوها سنين طويلة، فأبدل الله العداوة المستحكمة إلى محبة وتآلف مثالي. قال تعالى:

ص: 201

{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (1).

{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} (2).

وهكذا تحول المجتمع الإسلامي إلى خلية واحدة: يسودها الوئام، ويشع في جنباتها الانسجام والتجانس. بعد أن صبغهم الإسلام بالتوحيد، وشكلهم كأحسن ما تكون المجتمعات.

ورغبة في بقاء هذه السمة بمظرها الخلاق وتأثيرها العميق على النفوس: اتخذ الإسلام بعض الاحتياطات الكفيلة، للمحافظة عليها، وتمثلت في سبيلين اثنين:

أحدهما: التأكد على وجوب محبة المؤمنين بعضهم لبعض، قال صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده لا تتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا (3)» ووجوب تولي بعضهم لبعض، كما قال الله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (4).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (5).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} (6).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} (7).

(1) سورة آل عمران الآية 103

(2)

سورة الأنفال الآية 63

(3)

أخرجه مسلم في الصحيح (54) وأبو داود في السنن رقم 5193 والترمذي في الجامع رقم 2689 وابن ماجه في السنن رقم 68، 3692 وأحمد في المسند جـ 2 صفحة 391، 442، وابن أبي شيبة في المصنف رقم 5793، والبخاري في الأدب المفرد رقم 980، ووكيع في الزهد رقم 331 من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

سورة التوبة الآية 71

(5)

سورة الممتحنة الآية 1

(6)

سورة النساء الآية 144

(7)

سورة المائدة الآية 51

ص: 202

وتحريم موادة الكفار أو محبتهم.

ولم يستثن قرابة أو ذا رحم شفيق، قال تعالى:

{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (1).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (2).

وبلغ الأمر أن حكم على المتعدي لوصاياه بالكفر، قال تعالى:

{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (3).

ولم يقف النهي عن موالاة المشركين عند حدود الموالاة فقط، بل جاوره إلى النهي عن المشابهة، حتى استقرت كقاعدة عامة، وغدت من الأركان الأساسية التي امتدت إلى الكثير من تفاصيل الأحكام، لوفرة ما دل عليها من الكتاب والسنة.

والسبب كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أن المشاركة في الهدي الظاهر، تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين، يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال، وتدفع إلى المشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدرج الخفي. فينتج عنه نوع مودة ومحبة (4)، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من تشبه بقوم فهو منهم (5)»

ولا تقتصر المعاداة لأهل الشرك فحسب، وإنما تتخطاه أيضا إلى كل

(1) سورة المجادلة الآية 22

(2)

سورة التوبة الآية 23

(3)

سورة المائدة الآية 51

(4)

الإمام ابن تيمية: الاقتضاء 1/ 79، 488

(5)

أخرجه أبو داود في السنن رقم 4031 وأحمد في المسند (2/ 50) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بإسناد جيد، كما قال ابن تيمية في الاقتضاء (1/ 236) والفتاوى (25/ 331)، وقال الحافظ: وله شاهد مرسل بإسناد حسن. فتح الباري (6/ 98). وانظر بقية التخريج في بقية كتاب سبيل النجاة والفكاك (52).

ص: 203