المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زهد الإمام أحمد: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ يكتبون آيات من القرآن على لوح أسود ويغسلون الكتابة بالماء ويشرب

- ‌ توفي رجل عن ابنين وبنتين وزوجة وأخ شقيق وأخت شقيقة، فما نصيب كل واحد منهم

- ‌ وطء الحائض في الفرج

- ‌ أصول الشرائع التي جاء بها الأنبياء والمرسلون واحدة

- ‌ المرأة لا تنجس بحيض ولا نفاس، ولا تحرم مؤاكلتها ولا مباشرتها فيما دون الفرج

- ‌ حكم التصوير في الإسلام

- ‌من فتاوى:سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ بيع كيس السكر ونحوه بمبلغ مائة وخمسين ريالا إلى أجل

- ‌ تسلسل جرح البينة

- ‌هل صلاتي لا تنفع طالما أنني جاهل بالتوحيد وغير كافر بالطاغوت

- ‌ المسلم إذا فعل شيئا من الشرك كالذبح والنذر لغير الله جاهلا

- ‌ التوسل بجاه فلان أو حق فلان

- ‌ من يتحاكم إلى القوانين العرفية، والقوانين القبلية، هل حققوا معنى لا إله إلا الله

- ‌ النكاح بنية الطلاق

- ‌بيان معنى لا إله إلا الله

- ‌من مظاهر موالاة الكفار:

- ‌ مظاهر موالاة المؤمنين:

- ‌أقسام الناس فيما يجب في حقهم من الولاء والبراء:

- ‌القسم الأول: من يحب محبة خالصة لا معاداة معها

- ‌القسم الثاني: من يبغض ويعادي بغضا ومعاداة خالصين لا محبة ولا موالاة معهما

- ‌القسم الثالث: من يحب من وجه ويبغض من وجه، فيجتمع فيه المحبة والعداوة

- ‌حكم الشهادة والحكمة من مشروعيتها وأركانها

- ‌أولا: حكم الشهادة:

- ‌ثانيا: الحكمة من مشروعية الشهادة:

- ‌ثالثا: أركان الشهادة:

- ‌الركن الأول: الشاهد

- ‌الركن الثاني والثالث: المشهود له وعليه:

- ‌الركن الرابع: المشهود به:

- ‌الركن الخامس: الصيغة:

- ‌المطلب الأولتحرير محل النزاع

- ‌المطلب الثالثتحرير الأقوال وذكر أدلتها ومناقشتها

- ‌المطلب الرابعالموازنة والترجيح

- ‌المطلب الخامسسبب الخلاف

- ‌المطلب السادس*ثمرة الخلاف

- ‌المطلب السابعمقدار البحث عن القائلين به

- ‌تعدد الزوجات وأهميته للمجتمع المسلم

- ‌فوائد تعدد الزوجات وأهميته للمجتمع

- ‌أولا: أن نسبة النساء في أي مجتمع من المجتمعات البشرية تفوق نسبة الرجال وتزيد عليها

- ‌ثانيا: أن الرجل يتأخر نضجه الجنسي والاجتماعي واستعداده للزواج

- ‌ثالثا: أن رغبة المرأة إلى الجماع أقل من رغبة الرجل

- ‌رابعا: المرأة معرضة للعقم والإياس، والمرض الذي يفوت على الرجل الاستمتاع بها

- ‌خامسا: الزواج المتعدد فيه نبل وتضحية من الرجل وتحمل للمشقات والتبعات

- ‌شروط تعدد الزوجات

- ‌حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌موضوع الفتيا:

- ‌النسخ الأصول

- ‌منهج التحقيق:

- ‌الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومسنده

- ‌الوضع القائم في عصره:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌حفظه:

- ‌ثناء الأئمة عليه:

- ‌احترام العلماء له:

- ‌زهد الإمام أحمد:

- ‌فقه الإمام أحمد:

- ‌الإمام أحمد والجرح والتعديل:

- ‌محنة الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌آثار الإمام أحمد:

- ‌الحكمة من قطع يد السارق

- ‌حكمة التشريع الإلهي

- ‌الحكمة من إقامة الحدود

- ‌حرمة التعدي على المال وأثر قطع يد السارق

- ‌من قرارات المجمع الفقهي الإسلامي

- ‌القرار الأولحكم الماسونية والانتماء إليها

- ‌القرار الثانيمناشدة حكام الدول العربية والإسلاميةبتطبيق الشريعة الإسلامية

- ‌القرار الثالثحكم الشيوعية والانتماء إليها

- ‌نداء لجميع المسلمين وغيرهمللوقوف في صف حكومة السودان وشعبها

- ‌اعتذار. . وتصويب

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌زهد الإمام أحمد:

والذهلي (1)، وأبو عبيد القاسم بن سلام (2)، وقتيبة بن أحمد (3)، وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن (4)، وغيرهم (5).

(1) مناقب الإمام (ص125) والنبلاء (11/ 198).

(2)

مناقب الإمام (ص109) والمنهج الأحمد (1/ 70).

(3)

تاريخ الإسلام (ص12) والتهذيب (1/ 74).

(4)

الحلية (9/ 176).

(5)

سوف يأتي سبب تسميته بإمام أهل السنة عند الحديث عن المحنة.

ص: 229

‌زهد الإمام أحمد:

عندما تدبر الدنيا عن الإنسان، ويدعى الزهد فيها، فهو وإن كان صادقا في زهده هذا، إلا أن هذا الزهد سهل المنال.

أما حينما تقبل الدنيا بخيلها ورجلها، وتقف بين يدي الإنسان ثم يزهد فيها، فلا شك أن هذا هو الزهد الحقيقي، الذي تتضاغر عنده النفوس، ولا يطيقه إلا القلة الصابرة المحتسبة، الناظرة لنعيم الآخرة، المعرضة عن نعيم الدنيا.

والإمام أحمد رحمه الله تعالى من النوع الثاني، وصدق ابن النحاس حينما قال في الإمام أحمد بن حنبل:" رحمه الله، عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه. عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها "(1).

قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى على قول ابن النحاس: " وهذه حال أئمة المتقين، الذين وصفهم الله في كتابه بقوله:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (2)(سورة السجدة آية 24).

فبالصبر تترك الشهوات، وباليقين تدفع الشبهات، قال تعالى:{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3)(سورة العصر آية 3). وقوله تعالى:

{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} (4)(سورة ص آية 45)(5).

(1) تاريخ دمشق (7/ 252) وتاريخ الإسلام (ص15).

(2)

سورة السجدة الآية 24

(3)

سورة العصر الآية 3

(4)

سورة ص الآية 45

(5)

إعلام الموقعين (1/ 137) وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 103).

ص: 229

والحديث عن زهد الإمام أحمد رحمه الله باب يطول، نقتصر على القليل منه: قال صالح بن أحمد: " ربما رأيت أبي يأخذ الكسر، ينفض الغبار عنها، ويصيرها في قصعة، ويصب عليها ماء، ثم يأكلها بالملح، وما رأيته اشترى رمانا ولا سفرجلا، ولا شيئا من الفاكهة، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها بخبز وعنبا وتمرا "(1).

قلت: وهذا من شدة خوفه من الله سبحانه وتعالى، فقد قال المروذي:" كان الإمام أحمد إذا ذكر الموت خنقته العبرة، وكان يقول: الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب "(2).

وقال صالح بن أحمد: " قال لي أبي: كانت والدتك في الظلام تغزل غزلا دقيقا، فتبيع الأستار بدرهمين أقل أو أكثر، فكان ذلك قوتنا. وكنا إذا اشترينا الشيء نستره عنه كيلا يراه فيوبخنا. وكان ربما خبز له، فيجعل في فخارة عدسا وشحما وتمرات ولهريز (3)، فيجيء الصبيان فيصوت ببعضهم، فيدفعه إليهم، فيضحكون ولا يأكلون. وكان يأتدم بالخل كثيرا "(4).

وأما عن بيته فيصفه لنا الميموني بقوله: " كان منزل أبي عبد الله ضيقا صغيرا، وينام في الحر في أسفله "(5).

لذلك لما دخل أحمد بن عيسى المصري ومعه قوم من المحدثين على أبي عبد الله أحمد بن حنبل بالعسكر، فقال له أحمد بن عيسى:"يا أبا عبد الله، ما هذا الغم؟ الإسلام حنيفية سمحة، وبيت واسع!! فنظر إليهم وكان مضطجعا، فلما خرجوا، قال أبو عبد الله: "ما أريد أن يدخل علي

(1) النبلاء (11/ 208).

(2)

تاريخ الإسلام (ص21) والنبلاء (11/ 215) وطبقات الحنابلة (1/ 12).

(3)

نوع من التمر.

(4)

النبلاء (11/ 208).

(5)

النبلاء (11/ 325).

ص: 230

هؤلاء! " (1).

قلت: لما قرأت هذا الخبر تذكرت قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في صفة الطائفة المنصورة: «لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم (2)» . . ".

وكان الإمام أحمد بن حنبل يرفض التزلف تحت أعتاب السلطان، ويرفض عطايا الولاة بنفس أبية عزيزة، فقد قال إسحاق بن موسى الأنصاري:"دفع إلي المأمون مالا فقال: اقسمه على أصحاب الحديث فإن فيهم ضعفا. فما بقي أحد إلا أخذ، إلا أحمد بن حنبل فإنه أبى "(3).

بل كان رحمه الله يغضب على أولاده حينما يقبلون جوائز الأمراء، فقد ذكر أحمد بن محمد التستري:" أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها، فبعث إلى صديق له، فاقترض منه دقيقا، فجهزوه بسرعة، فقال: كيف ذا؟! قالوا: تنور صالح مسجر فخبزنا فيه، فقال: ارفعوا، وأمر بسد باب بينه وبين صالح "(4).

قال الحافظ الذهبي: لكونه أخذ جائزة المتوكل.

قلت: والأمثلة على رد الإمام أحمد جوائز الخلفاء كثيرة؛ وذلك لأنه آثر الباقية على الفانية، فقد قال صالح بن أحمد: "قلت لأبي: إن أحمد الدورقي أعطي ألف دينار، فقال: يا بني {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (5)(سورة طه: آية 131).

(1) النبلاء (11/ 325).

(2)

أخرجه من حديث معاوية رضي الله عنه: أحمد (4/ 93 و97 و99 و101) والبخاري (13/ 293) رقم (7312) ومسلم (3/ 1524) وابن ماجه (1/ 5). وأخرجه من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أحمد (4/ 244 و 248 و 252) والدارمي (2/ 132) رقم (2437) والبخاري (6/ 632) و (13/ 293) ومسلم (3/ 1523) والطبراني في المعجم الكبير (20/ 402 و403). والحديث رواه أيضا جمع كثير من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. ولهذا عده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من الأحاديث المتواترة. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 69) ت. العقل.

(3)

الحلية (9/ 181) وتاريخ دمشق (7/ 264).

(4)

النبلاء (11/ 214).

(5)

سورة طه الآية 131

ص: 231

رحم الله الإمام أحمد فقد حفظ العلم، وحفظ كرامة العلماء، فلم يجعل العلم عبثا.

رحم الله الإمام أحمد فقد قال: "إذا ذكر الموت هان علي كل شيء من أمر الدنيا، وإنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل، ما أعدل بالفقر شيئا".

ثم إن الإمام أحمد كان يرفض عطايا شيوخه، حتى لو كان محتاجا لها، فقد روى عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: " عرض علي يزيد بن هارون خمسمائة درهم أو أكثر أو أقل، فلم أقبل منه. وأعطى يحيى بن معين، وأبا مسلم المستملي فأخذا منه "(1).

قال إسحاق بن راهويه: " كنت أنا وأحمد باليمن عند عبد الرزاق، وكنت أنا فوق الغرفة وهو أسفل، وكنت إذا جئت إلى موضع اشتريت جارية، قال: فاطلعت على أن نفقته فنيت، فعرضت عليه فقلت: إن شئت قرضا، وإن شئت صلة، فأبى. فنظرت فإذا هو ينسج التكك ويبيع وينفق "(2).

كما رفض رحمه الله عطية شيخه عبد الرزاق بن همام الصنعاني لما كان عنده باليمن، مع أنه كان في أمس الحاجة إليها (3).

(1) انظر: الحلية (9/ 174، 175) وتاريخ دمشق (7/ 263) وتاريخ الإسلام (ص19) والنبلاء (1/ 193).

(2)

تاريخ دمشق (7/ 263) وتاريخ الإسلام (ص19) والنبلاء (11/ 193).

(3)

انظر: الحلية (9/ 174، 175) وتاريخ دمشق (7/ 263) وتاريخ الإسلام (ص19) والنبلاء (11/ 193).

ص: 232

كما امتنع عن قبول هدية ابن الجروي ومقدارها ثلاثة آلاف دينار، مع الإلحاح الشديد (1).

قلت: وهذا من تمام توكل الإمام أحمد رحمه الله على الخالق الرازق عز وجل، حيث سئل الإمام أحمد عن التوكل فقال:"قطع الاستشراف بالإياس من الخلق". فقيل له: فما الحجة فيه؟ قال: "قول إبراهيم عليه السلام لما وضع في المنجنيق ثم طرح في النار، اعترض له جبريل عليه السلام فقال: هل من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. قال: فسل من لك إليه حاجة. فقال: أحب الأمرين إلي أحبهما إليه"(2).

وقد وصف زهد الإمام أحمد جمع من معاصريه، من شيوخه وأقرانه وتلاميذه. فمن ذلك: قال يحيى الشامي: " ما رأيت أحدا أجمع لكل خير من أحمد، وقد رأيت سفيان بن عيينة ووكيعا وعدة من العلماء. فما رأيت مثل أحمد في: علمه، وفقهه، وزهده، وورعه "(3).

وقال يحيى بن معين: " كان في أحمد خصال ما رأيتها في عالم قط، كان محدثا، وكان حافظا، وكان عالما، وكان ورعا، وكان زاهدا، وكان عاقلا "(4).

ومن أجمل ما رأيت في وصف زهد الإمام أحمد قول تلميذه: سليمان بن الأشعث السجستاني - صاحب السنن -: " لقيت مائتين من مشايخ العلم، فما رأيت مثل أحمد بن حنبل، لم يكن يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا. فإذا ذكر العلم تكلم "(5).

وقال أبو داود أيضا: "كانت مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة

(1) الحلية (9/ 178) ومن طريقه تاريخ دمشق (7/ 264) والنبلاء (11/ 206، و214).

(2)

تاريخ دمشق (7/ 267، 268) ومناقب الإمام (ص198).

(3)

الحلية (9/ 174) ومن طريقه تاريخ دمشق (7/ 245).

(4)

تاريخ دمشق (7/ 243) والبداية والنهاية (10/ 336).

(5)

الحلية (9/ 164) وتاريخ دمشق (7/ 252).

ص: 233