الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعدد الزوجات وأهميته للمجتمع المسلم
الدكتور
ناصر بن عقيل الطريفي
الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها، وجعل بيننا مودة ورحمة، والصلاة والسلام على رسولنا وهادينا محمد بن عبد الله الذي أرسل رحمة للعالمين، فأمر بالتناكح والتزاوج للتناسل وتكثير هذه الأمة للمباهاة والمكاثرة بها الأمم يوم القيامة.
وبعد:
فإن الله تعالى جعل بقاء الإنسان وطريقة تكاثره وتناسله عن طريق التزاوج بين المرأة والرجل، وركب في الزوجين الرجل والمرأة غريزة الشهوة الجنسية؛ ليحصل المقصود من تناسل الإنسان لبقائه، ثم إنه سبحانه وتعالى نظم طريقة إرواء غرائز الإنسان تنظيما يكفل إرواءها ويحد من جماحها؛ إذ لو ترك للإنسان إرواء رغباته حسب ما يحلو له، لدبت الفوضى، ولجنح عن الصراط المستقيم، وتنكب الجادة كما هو مشاهد في عالم البشر الذين لا يؤمنون بالله تعالى، أو لا يطبقون شريعة الإسلام، فنجد أن ظاهرة الجنس تسيطر على حياتهم، وكأن الإنسان خلق من أجل التمتع الجنسي؛ لذا دبت الفوضى واستشرى الفساد، وأصبحت العلاقات البهيمية المحمومة هي المسيطرة بين الرجال والنساء، وأصبحت المرأة سلعة يتاجر بها الرجل ويلوح بها في كل حين، وظهرت الحياة عند بعض الشعوب حياة جنسية شبيهة بحياة الحيوانات الخالية من كل قيد وتنظيم.
أما نظام إرواء الرغبة الجنسية في الإسلام فهو عن أحد طريقين:
الزواج أو الاسترقاق. ولا ثالث لهما، وأي طريق غير هذين فهو اعتداء على حرمات الله وتشريعه، يعاقب عليه في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (1){إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (2){فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (3).
وتشريع الله للعلاقة بين الرجل والمرأة هو التشريع السليم؛ لأنه من عند خالق البشر، العالم بما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم، فالزواج المشروع هو الذي ينتج العلاقة الصالحة التي تقوى فيها العاطفة والمحبة والألفة والحنان بين الزوجين، وتروى فيها الرغبة الجنسية والوطر، ويولد فيها الأولاد في جو من المحبة والسعادة، ويتربون في كنف هذه الحياة الزوجية أسوياء يشاركون بعد ذلك في بناء المجتمع.
أما ترك الإنسان يجمح في إرواء رغبته كلما سنحت له الفرصة مع أي امرأة، وبأي طريقة، فهذا يولد القلق والأمراض، وينتج أولادا غير شرعيين يتربون في الملاجئ، ومن ثم يحرمون الحنان والعاطفة، فيشبون مجردين عن الحب، بل ربما يخرجون وهم يحملون الحقد على المجتمع.
وتعدد الزوجات الذي أباحه الله تعالى بقوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (4).
يرعى تحقيق مصالح كثيرة تظهر لنا أحيانا، وتخفى علينا أحيانا أخرى، وهذا الشأن في تشريعات الله وأحكامه، فالله سبحانه وتعالى لم يسن أي أمر عبثا، وإنما سنه لحكمة يعلمها، ومصالح كثيرة تعود على الإنسان بالنفع العميم والخير الكثير. فهذا التعدد فيه إعفاف للرجال والنساء عن الحرام وقضاء على الفساد، ودفع للشرور والآثام، وتكثير
(1) سورة المعارج الآية 29
(2)
سورة المعارج الآية 30
(3)
سورة المعارج الآية 31
(4)
سورة النساء الآية 3
للنسل، وطاقات المجتمع البشرية التي يحتاج إليها للبناء والتنمية، حتى إن بعض العلماء لا يرى أن تعدد الزوجات مجرد إباحة، وإنما هو مندوب إليه ومرغب فيه شرعا. قال ابن قدامة في معرض حديثه عن النكاح وأمر الله به وحث عليه:(ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك أصحابه، ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بالأفضل، ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى)(1) اهـ.
وأصدق دليل على فضل النكاح وتعدد الزوجات هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خير هذه الأمة، وقد عدد زوجاته. روى البخاري بسنده عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا. قال: فتزوج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء (2).
قال ابن حجر في بيان معنى هذا الحديث: (قيل: المعنى: خير أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما عدا ذلك من الفضائل. والذي يظهر: أن مراد ابن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وسلم وبالأمة أخصاء أصحابه، وكأنه أشار إلى أن ترك التزويج مرجوح؛ إذ لو كان راجحا ما آثر النبي صلى الله عليه وسلم غيره، وكان مع كونه أخشى الناس صلى الله عليه وسلم وأعلمهم به يكثر التزويج لمصلحة تبليغ الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال)(3) اهـ.
وقد قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: (لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأنا أعلم أني أموت في آخرها يوما، ولي طول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة)(4).
(1) المغني (6/ 447). ط: الثالثة، أصدرتها دار المنار سنة 1367هـ.
(2)
صحيح البخاري - كتاب النكاح، باب كثرة النساء، رقم الحديث 5069. فتح الباري (9/ 113).
(3)
فتح الباري (9/ 114).
(4)
المغني (6/ 446) ط: الثالثة، أصدرتها دار المنار، سنة 1367هـ.
كما أن الآية أمرت بالنكاح اثنتين، أو ثلاثا، أو أربعا، فإن خاف الإنسان عدم العدل بين الزوجات فيلجأ إلى عدم التعدد، فيقتصر على واحدة أو على ملك اليمين من الإماء، والأمر أقل درجاته الندب والاستحباب، روى البخاري بسنده «عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن قوله تعالى:.
فقالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن ينتقص صداقها، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن. قالت: واستفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فأنزل الله تعالى: إلى. . فأنزل الله لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ونسبها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها وأخذوا غيرها من النساء. قالت: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها، إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق (4)».
ومع هذه الفوائد الجمة لتعدد الزوجات من تكثير أفراد الأمة، وإعفاف الرجال والنساء عن الحرام والزنا والعلاقات المشبوهة، نجد أعداء الإسلام يهاجمون الإسلام ويطعنون فيه بإباحته للتعدد، ويصفونه بأنه يهضم المرأة حقها، ويعطي الرجل فرصا أفضل من الفرص التي يعطيها للمرأة في إشباع مطالبه ورغباته، بينما يقيد دائما دور المرأة، ويجعلها
(1) صحيح البخاري، كتاب النكاح - باب الأكفاء في المال وتزويج المقل المثرية، رقم الحديث 5092. فتح الباري (9/ 136 - 137).
(2)
(3)
سورة النساء الآية 127 (2){وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ}
(4)
سورة النساء الآية 127 (3){وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}
مغلوبة على أمرها، كما أن إباحة التعدد لا يستفيد منه جميع طبقات المجتمع، وإنما يستفيد منه ذوو الثراء والجاه وحدهم؛ إذ هم القادرون على التعدد والإنفاق، ودفع تكلفة الزواج، وهم القادرون على تحقيق مطالب الزوجات والأولاد.
وللأسف نجد بعض المسلمين يزهد في التعدد ويحاول تصويره بأنه كله مشكلات وأعباء، وما ذلك إلا لعدم ثقته بالله تعالى المشرع والمنظم، ولضعف إيمانه بأحكام دينه.
بل إن بعضهم يحاول أن يجعل من النصوص الشرعية ما يؤيد رأيه ووجهته في منع التعدد، فيجعل قول الله تعالى:
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (1). وقوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} (2).
دليلا له على منع التعدد في الظروف العادية؛ إذ شرط التعدد هو العدل، وهو متعذر وغير مستطاع؛ لذا يمنع التعدد، لأنه إذا امتنع الشرط الذي هو العدل امتنع المشروط الذي هو التعدد، وليس الأمر كذلك؛ لأن العدل المنفي في قوله:
{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} (3)
هو المحبة القلبية؛ لأن القلوب ليست ملكا لأصحابها، فلا يملك المرء التحكم في قلبه، فهو بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل بين زوجاته في القسم والنفقة والمبيت والسكنى ويقول:
(1) سورة النساء الآية 3
(2)
سورة النساء الآية 129
(3)
سورة النساء الآية 129