الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (1).
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (2).
فالواجب أن يكون المسلمون سباقين إلى استغلال هذه المنافع وهذه الطاقات، ولا يستجدون الكفار في الحصول عليها، بل يجب أن تكون لهم مصانع وتقنيات.
9 -
ومن مظاهر موالاة الكفار التسمي بأسمائهم، بحيث يسمي بعض المسلمين أبناءهم وبناتهم بأسماء أجنبية ويتركون أسماء آبائهم، وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم والأسماء المعروفة في مجتمعهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن (3)» ، وبسبب تغيير الأسماء فقد وجد جيل يحمل أسماء غريبة، مما يسبب الانفصال بين هذا الجيل والأجيال السابقة، ويقطع التعارف بين الأسر التي كانت تعرف بأسمائها الخاصة.
10 -
من مظاهر موالاة الكفار الاستغفار لهم والترحم عليهم، وقد حرم الله ذلك بقوله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (4).
لأن هذا يتضمن حبهم وتصحيح ما هم عليه.
(1) سورة الجاثية الآية 13
(2)
سورة البقرة الآية 29
(3)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 178).
(4)
سورة التوبة الآية 113
2 -
مظاهر موالاة المؤمنين:
مظاهر موالاة المؤمنين قد بينها الكتاب والسنة ومنها:
1 -
الهجرة إلى بلاد المسلمين وهجر بلاد الكافرين، والهجرة هي
الانتقال من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين.
والهجرة بهذا المعنى ولأجل هذا الغرض واجبة وباقية إلى طلوع الشمس من مغربها عند قيام الساعة، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، فتحرم على المسلم الإقامة في بلاد الكفار، إلا إذا كان لا يستطيع الهجرة منها. أو كان في إقامته مصلحة دينية كالدعوة إلى الله ونشر الإسلام. قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (1){إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (2){فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (3).
2 -
مناصرة المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال واللسان فيما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم، قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (4)، وقال تعالى:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (5).
3 -
التألم لألمهم والسرور بسرورهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر (6)» وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم (7)» .
(1) سورة النساء الآية 97
(2)
سورة النساء الآية 98
(3)
سورة النساء الآية 99
(4)
سورة التوبة الآية 71
(5)
سورة الأنفال الآية 72
(6)
صحيح البخاري الأدب (6011)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270).
(7)
صحيح البخاري الصلاة (481)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585)، سنن الترمذي البر والصلة (1928)، سنن النسائي الزكاة (2560)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 405).
4 -
النصح لهم ومحبة الخير لهم، وعدم غشهم وخديعتهم، قال صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (1)» . وقال: «المسلم أخو المسلم، لا يحقره ولا يخذله، ولا يسلمه، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه (2)» . وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا (3)» .
5 -
احترامهم وتوقيرهم وعدم تنقصهم وعيبهم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (4){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} (5).
6 -
أن يكون معهم في حال العسر واليسر والشدة والرخاء، بخلاف أهل النفاق الذين يكونون مع المؤمنين في حالة اليسر والرخاء، ويتخلون عنهم في حال الشدة؛ قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (6).
7 -
زيارتهم ومحبة الالتقاء بهم والاجتماع معهم. وفي الحديث القدسي: «وجبت محبتي للمتزاورين في (7)» . وفي حديث آخر: «أن
(1) صحيح البخاري الإيمان (13)، صحيح مسلم الإيمان (45)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2515)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5016)، سنن ابن ماجه المقدمة (66)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 272)، سنن الدارمي الرقاق (2740).
(2)
صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2564)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 277).
(3)
صحيح البخاري الأدب (6066)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2563)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 394)، موطأ مالك الجامع (1684).
(4)
سورة الحجرات الآية 11
(5)
سورة الحجرات الآية 12
(6)
سورة النساء الآية 141
(7)
مسند أحمد بن حنبل (5/ 237)، موطأ مالك الجامع (1779).
رجلا زار أخا له في الله، فأرصد الله على مدرجته ملكا، فسأله: أين تريد؟ قال: أزور أخا لي في الله، قال: هل لك عليه من نعمة تربها عليه، قال: لا، غير أني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه (1)».
8 -
احترام حقوقهم، فلا يبيع على بيعهم، ولا يسوم على سومهم، ولا يخطب على خطبتهم، ولا يتعرض لما سبقوا إليه من المباحات. قال صلى الله عليه وسلم:«ألا لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته (2)» . وفي رواية: «ولا يسم على سومه» .
9 -
الرفق بضعفائهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا (3)» ، وقال عليه الصلاة والسلام:«هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم (4)» . وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (5).
10 -
الدعاء لهم والاستغفار لهم، قال تعالى:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (6).
وقال سبحانه: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (7).
(1) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2567)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 408).
(2)
صحيح البخاري النكاح (5142)، صحيح مسلم النكاح (1412)، سنن الترمذي البيوع (1292)، سنن النسائي النكاح (3243)، سنن أبو داود البيوع (3436)، سنن ابن ماجه التجارات (2171)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 42)، موطأ مالك النكاح (1112)، سنن الدارمي البيوع (2567).
(3)
سنن الترمذي البر والصلة (1920)، سنن أبو داود الأدب (4943)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 207).
(4)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2896)، سنن النسائي الجهاد (3178)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 173).
(5)
سورة الكهف الآية 28
(6)
سورة محمد الآية 19
(7)
سورة الحشر الآية 10
تنبيه:
وأما قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (1).
فمعناه أن من كف أذاه من الكفار فلم يقاتل المسلمين ولم يخرجهم
(1) سورة الممتحنة الآية 8
من ديارهم فإن المسلمين يقابلون ذلك بمكافأته بالإحسان والعدل معه في التعامل الدنيوي، ولا يحبونه بقلوبهم؛ لأن الله قال:
{أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} (1)
ولم يقل: توالونهم وتحبونهم. ونظير هذا قوله تعالى في الوالدين الكافرين:
وقد «جاءت أم أسماء إليها تطلب صلتها وهي كافرة، فاستأذنت أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال لها: صلي أمك (3)» . وقد قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} (4).
فالصلة والمكافأة الدنيوية شيء، والمودة شيء آخر، ولأن في الصلة وحسن المعاملة ترغيبا للكافر في الإسلام، فهما من وسائل الدعوة، بخلاف المودة والموالاة، فهما يدلان على إقرار الكافر على ما هو عليه، والرضى عنه، وذلك يسبب عدم دعوته إلى الإسلام.
وكذلك تحريم موالاة الكفار لا تعني تحريم التعامل معهم بالتجارة المباحة واستيراد البضائع والمصنوعات النافعة والاستفادة من خبراتهم ومخترعاتهم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم استأجر ابن أريقط الليثي ليدله على الطريق وهو كافر، واستدان من بعض اليهود، وما زال المسلمون يستوردون البضائع والمصنوعات من الكفار، وهذا من باب الشراء منهم بالثمن وليس لهم علينا فيه فضل ومنة. وليس هو من أسباب محبتهم وموالاتهم؛ فإن الله أوجب محبة المؤمنين وموالاتهم وبغض الكافرين ومعاداتهم.
(1) سورة الممتحنة الآية 8
(2)
سورة لقمان الآية 15
(3)
صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (2620)، صحيح مسلم الزكاة (1003)، سنن أبو داود الزكاة (1668)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 355).
(4)
سورة المجادلة الآية 22