الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحب بدعة وإن لم تخرج عن إطار الإسلام، وذلك لأمرين:
الأول: غلط البدعة في الدين في نفسها.
الثاني: أن البدع تجر إلى الردة الصريحة، كما وجد من كثير من أهل البدع (1).
ولما فرط المسلمون في هذا الأصل الأصيل، اشتدت غربة الإسلام، وتفشت الكثير من البدع والخرافات. فانقلبت المحبة إلى عداء ونفور وتقاطع، وحل الخصام محل التفاهم والتراحم، وتشتت المسلمون إلى فرق وطوائف. وما زالوا مع الأسف يعيشون تحت وطأة هذا الانحراف الشديد، ولم يعدموا من بائس يرفع عقيرته بالدعوة إلى تقديس القبور وعبادتها، وإلى إحياء المواد والعادات البالية، ويسعى في انقسام الأمة وتفتيتها، والعودة إلى الجاهلية الأولى.
والمؤلم أنه يجاهر بدعوته إلى البدعة في كل محفل بين ظهراني المسلمين، وفي عقر دار التوحيد دون خوف ولا حياء.
(1) الإمام محمد بن عبد الوهاب: مفيد المستفيد 34.
موضوع الفتيا:
الأصل أن الإقامة في بلاد المشركين والسفر إليها لا يجوز بأي حال من الأحوال؛ لوجوب معاداتهم ومقاطعتهم وفريضة البراءة منهم، ولكن إذا حتمت الضرورة ذلك، كأن يرغمه جور حاكم إلى النزوح عن بلاده خوفا من بطشه وظلمه، أو يسافر للعلاج مثلا، أو يحتاج إلى جلب بضاعة أو تخليص حق - بناء على أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة (1) - فإنه يرخص فيه بقدر الحاجة.
لأن الرخصة: ما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلى يقتضي
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم 100.
المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه (1). فمتى زالت الضرورة عاد التحريم إلى الجريان.
وهذه خاصة من خواص الرخصة، وهو الفاصل بين ما شرع من الحاجيات الكلية وما شرع من الرخص (2).
غير أنه لا بد من التنبه إلى قضية في غاية الأهمية تتوقف عليها هذه الرخصة، وترتبط بها وجودا وعدما، وهي الأمن من الفتنة في الدين، والتمكن من إقامته والمجاهرة به بحرية تامة.
وواضح أن المراد لا ينحصر في مجرد القدرة على النطق بالشهادتين والصلاة والعبادات البدنية الأخرى، وإلا لما استثنى الله المستضعفين في قوله:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (3){إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (4).
ولو حمل على مجرد العبادة لتساوى المستثنى والمستثنى منه - لأنه لا يتصور في المستضعف أنه يترك عبادة ربه - وبالتالي سوف يؤدي إلى بطلان فائدة تعلق الوعيد بالقادر على الهجرة دون من لم يقدر (5) وهذا عبث ينزه القرآن الكريم عنه. ومما يزيد المقام بيانا سبب النزول.
فقد روى ابن عباس، قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بإسلامهم، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم
(1) الموافقات للشاطبي (1/ 301).
(2)
الموافقات للشاطبي (1/ 303).
(3)
سورة النساء الآية 97
(4)
سورة النساء الآية 98
(5)
ينظر الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن: الدرر السنية (9/ 381).
فنزلت الآية.
ولما قام النبي صلى الله عليه وسلم بالنذارة لكفار قريش عن الشرك وأمرهم بضده وهو التوحيد، لم يكرهوا ذلك واستحسنوه وحدثوا أنفسهم فيه. . إلى أن صرح بسبب دينهم وتجهيل علمائهم، فحينئذ شمروا له ولأصحابه عن ساق العداوة. . فإذا عرفت هذا عرفت أن الإنسان لا يستقيم له إسلام - ولو وحد الله وترك الشرك - إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض (1).
(1) الإمام محمد بن عبد الوهاب: شرح ستة مواضع من السيرة. مجموع مؤلفات محمد بن عبد الوهاب (1/ 354).
المؤلف:
هو الحافظ المفسر المحدث الفقيه: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي الوهيبي التميمي، ولد في بلدة الدرعية سنة 1200هـ.
وقد هيأ الله له أسرة علمية وبيتا من أشهر البيوتات الضاربة في صميم نجد.
فوالده الأدنى الشيخ عبد الله بن محمد من جلة العلماء صنف ودرس وولي القضاء في الدرعية (1) منذ عهد الإمام الراشد، عبد العزيز بن محمد بن سعود (2).
وجده الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رائد الدعوة السلفية (3) مما دفعه إلى طلب العلم والحرص عليه. واستطاع بما حباه الله من ذهن
(1) توفي رحمة الله سنة 1243هـ في مصر بعيدا عن بلاده وأسرته.
(2)
قتل رحمه الله غدرا سنة 1218هـ
(3)
توفي رحمه الله في الدرعية سنة 1206هـ.