الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل هذا دليل على محاسن الشهادة وأهميتها ومكانتها.
والشريعة السمحاء بعد أن أجازت القضاء بالحجة الظنية - شهادة الشهود - المبنية على المعاينة والمشاهدة لم تقتصر على ذلك، بل يسرت للأمة، فأجازت الشهادة بالتسامع، والشهادة على الشهادة، وشهادة الرجل الواحد من غير يمينه في مواضع وأحوال مخصوصة، وشهادة الصبيان في مواضع تضيع فيها الحقوق لو لم تقبل شهادتهم فيها، وذلك لصيانة حقوق الناس متى غلب على الظن صدق هؤلاء الشهود.
ومن هذا تتجلى الحكمة من مشروعية الشهادة، ويتضح أنها من الأهمية بمكان حيث تدعو الحاجة الماسة إليها في مختلف الأمصار والأعصار ما وجد الإنسان على ظهر الأرض.
ثالثا: أركان الشهادة:
الركن في اللغة: جانب الشيء الأقوى (1):
أما في اصطلاح الفقهاء: فقد عرفه الحنفية بأنه: ما توقف عليه وجود الشيء، وكان جزءا منه، وداخلا في تركيبه. أما ما يتوقف وجود الشيء عليه، ولكنه لا يكون جزءا منه، فهو الشرط عندهم، فهم إذن يفرقون بين الركن والشرط من حيث حقيقة كل منهما.
أما من حيث الأثر الذي يترتب على عدم وجود الركن، أو الشرط،، فيقولون: إنه لا فرق بينهما في العبادات على معنى أن العبادة التي يفوت ركنها، أو يتخلف شرطها تكون باطلة، فالركن والشرط إذن لا بد من وجودهما لصحة العبادة، وفوات أي منهما يبطلها، ويجعلها غير صالحة لأداء ما هو المقصود بها شرعا. وهذا لا خلاف فيه بين جميع الفقهاء.
(1) المصباح المنير جـ1 ص 255، مختار الصحاح ص 255 ط الأولى.
أما في المعاملات فإنهم يفرقون بين ما فقد ركنه منها، فيكون باطلا، وما تخلف شرطه حيث يكون فاسدا، بخلاف الجمهور الذين يرون بطلان كل ما تخلف ركنه أو فقد شرطه؛ لأن الركن: ما لا بد للشيء منه في وجود صورته عقلا، إما لدخوله في حقيقته، أو لاختصاصه به.
وعلى ضوء ما تقدم يمكن القول بأن تعريف الركن في اصطلاح الحنفية أقرب إلى معناه اللغوي، وإن كان العلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح.
وقد ترتب على الخلاف في معنى الركن الخلاف في أركان الشهادة، وذلك على قولين:
القول الأول: أن ركن الشهادة هو قول الشاهد: "أشهد" بلفظ المضارع؛ لتضمنه معنى المشاهدة والقسم والإخبار للحال، فكأن الشاهد يقول: أقسم بالله لقد اطلعت على ذلك وأخبر به.
وهذا قول جمهور فقهاء الحنفية.
ويرى بعضهم أن الركن: هو الصيغة المتمثلة في حكاية الشاهد بقوله: "أشهد بكذا وكذا" وأن لفظ: "أشهد" شرط في كل ما يشهد به أمام القاضي، أي شرط في الركن.
وقد أخذ بهذا المتأخرون من الحنفية، وهو الراجح عندهم.
القول الثاني: أن أركان الشهادة خمسة وهي: شاهد، ومشهود له، ومشهود عليه، ومشهود به، وصيغة.