الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو يسعد بزواجه من الأخرى، ولو لم يبح التعدد فماذا تعمل النساء الأخريات؛ إذ كل امرأة أخذت نصيبها من الرجال، وماذا يعمل الرجل في قضاء وطره وتتوق نفسه إلى النساء؟
وليس معنى هذا أن التعدد نعمة على الجميع - الرجل وزوجاته - ولكن عدم التعدد أشد ضررا، فيدفع التعدد - الذي هو ضرر - ما هو أعظم منه، إذ لوجدت المرأة رجلا ليس عنده زوجات أخر لم تفضل عليه غيره.
وإذا كانت الزوجة الأولى ينالها ضرر من الزواج بالثانية، فإن الثانية ينالها ضرر أشد وأعظم بالحرمان؛ إذ تموت أنوثتها أو تنجرف فتكون ضياعا بين الرجال - والضرر الكبير يدفع الضرر اليسير - ثم إن الحياة الزوجية المتعددة فيها ما فيها من المنغصات والكبد والمشقة، شأنها شأن الحياة كلها؛ إذ الحياة كلها عنت ومشقة، والإنسان يعيش في داخل الكبد والمشقة، قال الله تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (1).
حتى الرجل مع زوجته الواحدة عنده من المشكلات الشيء الكثير.
هذه بعض فوائد التعدد، وقد يكشف الزمن مستقبلا غير هذه الفوائد.
(1) سورة البلد الآية 4
شروط تعدد الزوجات
لما شرع الله تعدد الزوجات لم يتركه بدون قيد ولا شرط، وإنما سن له حدودا واشترط له شروطا، فيما يلي أتحدث عن هذه الشروط فأقول:
هناك ثلاثة شروط لجواز تعدد الزوجات، هي:
1 -
أن لا يزيد عدد الزوجات عن أربع نساء.
2 -
أن يستطيع الإنفاق على الزوجات جميعا.
3 -
أن يستطيع العدل بين زوجاته.
أما الشرط الأول: وهو أن لا يزيد عدد النساء اللاتي يتزوج بهن عن أربع زوجات، فقد ذكره الله تعالى في كتابه الكريم حيث قال:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (1).
وقد روى الترمذي (2). وابن ماجه (3) وأبو داود (4): «أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اختر منهم أربعا وفارق سائرهن» . وهذا الشرط مجمع عليه بين المسلمين. قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على هذا، ولا نعلم أحدا خالفه إلا شيئا يحكى عن ابن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعا لقوله تعالى:
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (5)
والواو للجمع، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مات عن تسع، وهذا ليس بشيء؛ لأنه خرق للإجماع وترك للسنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة: أمسك أربعا وفارق سائرهن (6)» «وقال نوفل بن معاوية: أسلمت وتحتي خمس نسوة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فارق واحدة منهن» . رواهما الشافعي في مسنده، وإذا منع من استدامة زيادة عن أربع فالابتداء أولى، فالآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع كما قال:{أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (7)
ولم يرد أن لكل ملك تسعة أجنحة، ولو أراد ذلك لقال: تسعة، ولم يكن للتطويل معنى، ومن قال غير هذا فقد جهل اللغة العربية. . وأما النبي صلى الله عليه وسلم فمخصوص بذلك) (8).
(1) سورة النساء الآية 3
(2)
سنن الترمذي في كتاب النكاح رقم الباب 33 (3/ 435) رقم الحديث 1128.
(3)
سنن ابن ماجه، في كتاب النكاح - رقم الباب 40، رقم الحديث 1953 (1/ 628).
(4)
سنن أبي داود، كتاب الطلاق - باب من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع (1/ 519).
(5)
سورة النساء الآية 3
(6)
سنن الترمذي النكاح (1128)، سنن ابن ماجه النكاح (1953)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 83)، موطأ مالك الطلاق (1243).
(7)
سورة فاطر الآية 1
(8)
المغني (6/ 539، 540).
الشرط الثاني لتعدد الزوجات: أن يستطيع الإنفاق على جميع زوجاته اللاتي في عصمته. قال الله تعالى:
فالنفقة على الزوجة واجبة بالإجماع، وكذلك الزوجات. قال الله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف (3)» . عوان: أي محبوسات.
قال ابن قدامة:
"وأما الإجماع فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن "(4).
(1) سورة النساء الآية 34
(2)
سورة الطلاق الآية 7
(3)
رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه. صحيح مسلم، كتاب الحج - باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 147، صحيح مسلم بشرح النووي (8/ 183 - 184). سنن أبي داود، كتاب المناسك - باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 442). سنن ابن ماجه، كتاب المناسك - باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 3074 (2/ 1025).
(4)
المغني (7/ 564) ط: الثالثة، أصدرتها دار المنار، سنة 1367هـ.
الشرط الثالث لتعدد الزوجات: استطاعة العدل بين زوجاته في المبيت والسكن والنفقة، قال الله تعالى:
فاشترط العدل وعدم الجور في المعاملة.
أما محبة القلب وميله فلا يستطيع الإنسان أن يعدل فيه.
(1) سورة النساء الآية 3
قال الله تعالى:
فهذه الآية يخبر الله فيها عن فطرة الإنسان التي فطره عليها - وهو سبحانه أعلم بما ركب في النفس البشرية من فطرة، فيعلم سبحانه أن نفس الإنسان ذات ميول واتجاهات لا يملكها الإنسان، ومن ثم أعطاها لهذه الميول خطاما لينظم حركتها، لا ليعدمها ويقتلها.
ومن هذه الميول أن يميل القلب إلى إحدى الزوجات دون سواها أو أكثر من غيرها لسبب من الأسباب، وهذا الميل لا حيلة له فيه، ولا قدرة له عليه، ولا يملك محوه ولا قتله وإزالته، فالقلوب ليست ملكا لأصحابها، إنما هي بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. فبين الله سبحانه في هذه الآية أنه لا يحاسب الزوج عليه، ما دام في قلبه لم يتعد إلى معاملته وأفعاله وسلوكه، بل يصارح الناس بأنهم لن يستطيعوا أن يعدلوا بين النساء في محبة القلب ليرفع عنهم الحرج؛ إذ الأمر خارج عن إرادتهم.
ولكن عليهم أن لا يميلوا كل الميل فيؤثر على المعاملة الظاهرة ويحرم الأخرى حقوقها، فلا تكون زوجة ولا تكون مطلقة. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في فعله يحقق الواقع البشري، فيقسم بين نسائه فيما يملك ويعدل في هذه القسمة، حتى إنه إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ليأخذ من تقع عليها القرعة معه لتصحبه في السفر. ولكن محبة القلب لا يملكها
(1) سورة النساء الآية 129
ولا يستطيع أن يعدل فيها فيقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك (1)» . وقد أخرج البيهقي بسنده عن ابن عباس في قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا} (2) الآية. قال: "في الحب والجماع".
ولا يخص بالقسم أحدا دون أحد، فيقسم بين نسائه الصحاح والمرضى، والطاهرات والحيض. قال ابن قدامة:(ويقسم للمريضة والرتقاء والحائض والنفساء والمحرمة والصغيرة الممكن وطؤها، وكلهن سواء في القسم، وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، وكذلك التي ظاهر منها؛ لأن القصد الإيواء والسكن والأنس، وهو حاصل لهن. . وأما المجنونة فإن كانت لا يخاف منها فهي كالصحيحة، وإن خاف منها فلا قسم لها لأنه لا يأمنها على نفسه، ولا يحصل لها أنس ولا بها)(3).
وقال ابن حجر: " المراد بالعدل: التسوية بينهن بما يليق بكل منهن، فإذا وفى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها، لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب، أو تبرع بتحفة "(4). اهـ.
(1) رواه أبو داود والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي. سنن أبي داود، كتاب النكاح - باب في القسم بين النساء (1/ 492). سنن الترمذي، كتاب النكاح - باب ما جاء في التسوية بين الضرائر. رقم الحديث 1140 (3/ 446). سنن النسائي: كتاب النساء - باب ميل الرجل إلى بعض نسائه (7/ 64). سنن ابن ماجه، كتاب النكاح - باب القسمة بين النساء، رقم الحديث 197، (1/ 634). السنن الكبرى، كتاب القسم والنشور - باب ما جاء في قوله الله عز وجل:(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) جـ7، ص298. وقال ابن حجر: "وقد روى الأربعة وصححه ابن حبان، والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة، فتح الباري (9/ 313).
(2)
سورة النساء الآية 129
(3)
المغني (7/ 28) ط: الثالثة، أصدرتها دار المنار، سنة 1367هـ.
(4)
فتح الباري، جـ9، ص313.
وقال ابن قدامة: "وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن. قال أحمد في الرجل له امرأتان: له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسى، إذا كانت الأخرى في كفاية، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه، وتكون تلك في كفاية. وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج فسقط وجوبه كالتسوية في الوطء "(1).
وإذا تنازلت الزوجة عن حقها في القسم سقط حقها، وصار لمن وهبت له. روى البخاري بسنده «عن عائشة رضي الله عنها أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة (2)» .
قال ابن حجر: " وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت، لكن فيما يستقبل، لا فيما مضى "(3).
وقد أذن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها صلوات الله وسلامه عليه.
كما أن القسم لا يلزم في الدخول على النساء، والحديث معهن والأكل عندهن. روى البخاري بسنده «عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو
(1) المغني (7/ 32) ط: الثالثة، أصدرتها دار المنار، سنة 1367هـ.
(2)
صحيح البخاري، كتاب النكاح - باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها رقم الحديث 5212 - فتح الباري (9/ 312).
(3)
فتح الباري (9/ 312).