المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفتاوى إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في هذه الزاوية تجيب اللجنة الدائمة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ يكتبون آيات من القرآن على لوح أسود ويغسلون الكتابة بالماء ويشرب

- ‌ توفي رجل عن ابنين وبنتين وزوجة وأخ شقيق وأخت شقيقة، فما نصيب كل واحد منهم

- ‌ وطء الحائض في الفرج

- ‌ أصول الشرائع التي جاء بها الأنبياء والمرسلون واحدة

- ‌ المرأة لا تنجس بحيض ولا نفاس، ولا تحرم مؤاكلتها ولا مباشرتها فيما دون الفرج

- ‌ حكم التصوير في الإسلام

- ‌من فتاوى:سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ بيع كيس السكر ونحوه بمبلغ مائة وخمسين ريالا إلى أجل

- ‌ تسلسل جرح البينة

- ‌هل صلاتي لا تنفع طالما أنني جاهل بالتوحيد وغير كافر بالطاغوت

- ‌ المسلم إذا فعل شيئا من الشرك كالذبح والنذر لغير الله جاهلا

- ‌ التوسل بجاه فلان أو حق فلان

- ‌ من يتحاكم إلى القوانين العرفية، والقوانين القبلية، هل حققوا معنى لا إله إلا الله

- ‌ النكاح بنية الطلاق

- ‌بيان معنى لا إله إلا الله

- ‌من مظاهر موالاة الكفار:

- ‌ مظاهر موالاة المؤمنين:

- ‌أقسام الناس فيما يجب في حقهم من الولاء والبراء:

- ‌القسم الأول: من يحب محبة خالصة لا معاداة معها

- ‌القسم الثاني: من يبغض ويعادي بغضا ومعاداة خالصين لا محبة ولا موالاة معهما

- ‌القسم الثالث: من يحب من وجه ويبغض من وجه، فيجتمع فيه المحبة والعداوة

- ‌حكم الشهادة والحكمة من مشروعيتها وأركانها

- ‌أولا: حكم الشهادة:

- ‌ثانيا: الحكمة من مشروعية الشهادة:

- ‌ثالثا: أركان الشهادة:

- ‌الركن الأول: الشاهد

- ‌الركن الثاني والثالث: المشهود له وعليه:

- ‌الركن الرابع: المشهود به:

- ‌الركن الخامس: الصيغة:

- ‌المطلب الأولتحرير محل النزاع

- ‌المطلب الثالثتحرير الأقوال وذكر أدلتها ومناقشتها

- ‌المطلب الرابعالموازنة والترجيح

- ‌المطلب الخامسسبب الخلاف

- ‌المطلب السادس*ثمرة الخلاف

- ‌المطلب السابعمقدار البحث عن القائلين به

- ‌تعدد الزوجات وأهميته للمجتمع المسلم

- ‌فوائد تعدد الزوجات وأهميته للمجتمع

- ‌أولا: أن نسبة النساء في أي مجتمع من المجتمعات البشرية تفوق نسبة الرجال وتزيد عليها

- ‌ثانيا: أن الرجل يتأخر نضجه الجنسي والاجتماعي واستعداده للزواج

- ‌ثالثا: أن رغبة المرأة إلى الجماع أقل من رغبة الرجل

- ‌رابعا: المرأة معرضة للعقم والإياس، والمرض الذي يفوت على الرجل الاستمتاع بها

- ‌خامسا: الزواج المتعدد فيه نبل وتضحية من الرجل وتحمل للمشقات والتبعات

- ‌شروط تعدد الزوجات

- ‌حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌موضوع الفتيا:

- ‌النسخ الأصول

- ‌منهج التحقيق:

- ‌الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومسنده

- ‌الوضع القائم في عصره:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌حفظه:

- ‌ثناء الأئمة عليه:

- ‌احترام العلماء له:

- ‌زهد الإمام أحمد:

- ‌فقه الإمام أحمد:

- ‌الإمام أحمد والجرح والتعديل:

- ‌محنة الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌آثار الإمام أحمد:

- ‌الحكمة من قطع يد السارق

- ‌حكمة التشريع الإلهي

- ‌الحكمة من إقامة الحدود

- ‌حرمة التعدي على المال وأثر قطع يد السارق

- ‌من قرارات المجمع الفقهي الإسلامي

- ‌القرار الأولحكم الماسونية والانتماء إليها

- ‌القرار الثانيمناشدة حكام الدول العربية والإسلاميةبتطبيق الشريعة الإسلامية

- ‌القرار الثالثحكم الشيوعية والانتماء إليها

- ‌نداء لجميع المسلمين وغيرهمللوقوف في صف حكومة السودان وشعبها

- ‌اعتذار. . وتصويب

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌الفتاوى إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في هذه الزاوية تجيب اللجنة الدائمة

‌الفتاوى

إعداد

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

في هذه الزاوية تجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما يرد إليها من أسئلة واستفتاءات تهم المسلمين في شئونهم الدينية والاجتماعية.

ص: 35

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

فتوى برقم 992 وتاريخ 4/ 4 / 1395هـ

السؤال الأول: ما حكم حمل آيات قرآنية في الجيب كالمصاحف الصغيرة بقصد الحماية من الحسد والعين أو أي شر، باعتبار أنها آيات الله الكريمة، على اعتبار أن الاعتقاد في حمايتها للإنسان هو الاعتقاد الصادق بالله، وكذلك وضعها في السيارة أو أي أداة أخرى لنفس الغرض. وكذلك السؤال الثاني الذي هذا نصه:

ما حكم حمل الحجاب المكتوب من آيات الله بقصد الحماية من العين أو الحسد أو لأي سبب آخر من الأسباب كالمساعدة على النجاح أو الشفاء من المرض أو السحر إلى غير ذلك من الأسباب؟

وكذلك السؤال الثالث الذي هذا نصه: ما حكم تعليق آيات قرآنية بالرقبة في سلاسل ذهبية أو خلافه للوقاية من السوء؟

الجواب: أنزل الله سبحانه القرآن ليتعبد الناس بتلاوته ويتدبروا معانيه، فيعرفوا أحكامه ويأخذوا أنفسهم بالعمل بها، وبذلك يكون لهم موعظة وذكرى تلين به قلوبهم، وتقشعر منه جلودهم، وشفاء لما في الصدور من الجهل والضلال، وزكاة للنفوس وطهارة لها من أدران الشرك، وما ارتكبته من المعاصي والذنوب، وجعله سبحانه هدى ورحمة لمن فتح له قلبه أو ألقى السمع وهو شهيد، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (1).

(1) سورة يونس الآية 57

ص: 36

وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} (1).

وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (2).

وجعل سبحانه القرآن معجزة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وآية باهرة على أنه رسول من عند الله إلى الناس كافة ليبلغ شريعته إليهم، ورحمة بهم، وإقامة للحجة عليهم، قال تعالى:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} (3){أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (4). وقال تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} (5). وقال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (6).

إلى غير ذلك من الآيات. فالأصل في القرآن أنه كتاب تشريع وبيان للأحكام. وأنه آية بالغة ومعجزة باهرة، وحجة دامغة أيد الله بها رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي نفسه بالقرآن، فكان يقرأ على نفسه المعوذات الثلاث:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (7){قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (8){قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (9) وثبت أنه أذن في الرقية بالقرآن، وأباح لهم ما أخذوا على ذلك من الأجر، فعن عوف بن مالك أنه قال:«كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (10)» . رواه مسلم في صحيحه. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: «انطلق نفر

(1) سورة الزمر الآية 23

(2)

سورة ق الآية 37

(3)

سورة العنكبوت الآية 50

(4)

سورة العنكبوت الآية 51

(5)

سورة يوسف الآية 1

(6)

سورة يونس الآية 1

(7)

سورة الإخلاص الآية 1

(8)

سورة الفلق الآية 1

(9)

سورة الناس الآية 1

(10)

صحيح مسلم السلام (2200)، سنن أبو داود الطب (3886).

ص: 37

من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء، لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكننا والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا. فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين، فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة. قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا. فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهما. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم (1)» رواه البخاري ومسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه نفث في كفيه، بقل هو الله أحد والمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه ما بلغت يداه من جسده، قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به (2)» . رواه البخاري.

وعن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما (3)» . رواه البخاري، إلى غير ذلك من الأحاديث التي ثبت منها أنه رقى بالقرآن وغيره، وأنه أذن في الرقية وأقرها ما لم تكن شركا.

(1) صحيح البخاري الإجارة (2276)، صحيح مسلم السلام (2201)، سنن الترمذي الطب (2063)، سنن أبو داود البيوع (3418)، سنن ابن ماجه التجارات (2156)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 50).

(2)

صحيح البخاري الطب (5748)، صحيح مسلم السلام (2192)، سنن أبو داود الطب (3902)، سنن ابن ماجه الطب (3529)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 114)، موطأ مالك الجامع (1755).

(3)

صحيح البخاري الطب (5743)، صحيح مسلم السلام (2191)، سنن ابن ماجه الطب (3520)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 44).

ص: 38

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي نزل عليه القرآن، وهو بأحكامه أعرف وبمنزلته أعلم، أنه علق على نفسه أو غيره تميمة من القرآن أو غيره، أو اتخذه أو آيات منه حجابا يقيه الحسد أو غيره من الشر، أو جعله أو شيئا منه في ملابسه أو في متاعه على راحلته لينال العصمة من شر الأعداء، أو الفوز والنصر عليهم، أو لييسر له الطريق ويذهب عنه وعثاء السفر، أو غير ذلك من جلب نفع أو دفع ضر، فلو كان مشروعا لحرص عليه وفعله، وبلغه أمته، وبينه لهم؛ عملا بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (1).

ولو فعل شيئا من ذلك أو بينه لأصحابه لنقلوه إلينا، ولعلموا به؛ فإنهم أحرص الأمة على البلاغ والبيان، وأحفظها للشريعة قولا وعملا، وأتبعها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يثبت شيء من ذلك عن أحد منهم، فدل ذلك على أن حمل المصحف أو وضعه في السيارة أو متاع البيت أو خزينة المال لمجرد دفع الحسد أو لحفظ أو غيرهما من جلب نفع أو دفع ضر لا يجوز، وكذا اتخاذه حجابا أو كتابته أو آيات منه في سلسلة ذهبية أو فضية مثلا لتعلق في الرقبة ونحوها لا يجوز، لمخالفة ذلك لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهدي أصحابه رضوان الله عليهم، ولدخوله في عموم حديثه:«من تعلق تميمة فلا أتم الله له (2)» . . . وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3)» . رواهما الإمام أحمد، وفي عموم قوله صلى الله عليه وسلم:«إن الرقى والتمائم والتولة شرك (4)» . إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى من الرقى ما لم يكن فيه شرك، فأباحه كما تقدم، ولم يستثن شيئا من التمائم، فبقيت كلها على المنع، وبهذا يقول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وجماعة من الصحابة وجماعة من التابعين منهم أصحاب عبد الله بن مسعود كإبراهيم بن يزيد النخعي.

(1) سورة المائدة الآية 67

(2)

مسند أحمد بن حنبل (4/ 154).

(3)

مسند أحمد بن حنبل (4/ 156).

(4)

سنن أبو داود الطب (3883)، سنن ابن ماجه الطب (3530)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 381).

ص: 39

وذهب جماعة من العلماء إلى الترخيص بتعليق تمائم من القرآن، ومن أسماء الله وصفاته؛ لقصد الحفظ ونحوه، واستثنوا ذلك من حديث النهي عن التمائم كما استثنيت الرقى التي لا شرك فيها؛ لأن القرآن كلام الله، وهو صفة من صفاته، فاعتقاد البركة والنفع فيه وفي أسمائه تعالى وصفاته ليس بشرك، فلا يمنع اتخاذ التمائم منها أو حمل شيء منها أو اصطحابه أو تعليقه رجاء بركته ونفعه، ونسب هذا القول إلى جماعة؛ منهم عبد الله بن عمرو بن العاص، لكنه لم تثبت روايته عنه، لأن في سندها محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، على أنها إن ثبتت لم تدل على جواز تعليق التمائم من ذلك؛ لأن الذي فيها أنه كان يحفظ القرآن للأولاد الكبار، ويكتبه للصغار في ألواح، ويعلقها في أعناقهم.

والظاهر أنه فعل ذلك معهم ليكرروا قراءة ما كتب حتى يحفظوه، لا أنه فعل ذلك معهم حفظا لهم من الحسد أو غيره من أنواع الضرر، فليس هذا من التمائم في شيء.

وقد اختار الشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتابه فتح المجيد ما ذهب إليه عبد الله بن مسعود وأصحابه من المنع من التمائم من القرآن وغيره، وقال: إنه هو الصحيح، لثلاثة وجوه:

الأول: عموم النهي ولا مخصص للعموم، الثاني: سد الذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك. الثالث: أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك. والله أعلم.

السؤال الثاني: ما حكم القراءة على ماء زمزم من قبل أشخاص معينين، لإعطائه شخصا ما؛ لتحقيق أي غرض منه أو لشفائه؟

الجواب: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب من ماء زمزم، وأنه كان يحمله، وأنه حث على الشرب منه وقال:«ماء زمزم لما شرب له (1)» ، فعن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من

(1) سنن ابن ماجه المناسك (3062)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 357).

ص: 40

عندها، فقال: اسقني. فقال: يا رسول الله، إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: اسقني. فشرب، ثم أتى زمزم وهم يستقون ويعملون فيه، فقال: اعملوا فإنكم على عمل صالح، ثم قال: لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل. يعني على عاتقه، وأشار إلى عاتقه (1)». رواه البخاري. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته ليشبعك أشبعك الله به، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله، وهي هزمة جبريل وسقيا إسماعيل (2)» . رواه الدارقطني وأخرجه الحاكم. وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم يحمله. رواه الترمذي، إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في فضل ماء زمزم وخواصه.

وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها مقال، إلا أن بعض العلماء صححها، وعمل بها الصحابة، واستمر العمل بمقتضاها إلى يومنا. ويؤيد ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في ماء زمزم:«إنها مباركة، وإنها طعام طعم (3)» . وزاد أبو داود بإسناد صحيح: «وشفاء سقم (4)» . ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في ماء زمزم لأحد من أصحابه ليشربه أو يتمسح به تحقيقا لغرض، أو رجاء الشفاء من مرض، مع عظم بركته، وعلو درجته، وعميم نفعه، وحرصه على الخير لأمته، ومع كثرة تردده على زمزم قبل الهجرة وفي اعتماره مرات، وحجه للبيت الحرام بعد الهجرة، ولم يثبت أيضا أنه أرشد أصحابه إلى القراءة عليه مع وجوب البلاغ عليه والبيان للأمة، فلو كان ذلك مشروعا لفعله وبينه للأمة، فإنه لا خير إلا دلهم عليه، ولا شر إلا حذرهم منه. لكن لا مانع من القراءة فيه للاستشفاء به كغيره من المياه، بل من باب أولى؛ لما فيه من البركة والشفاء للأحاديث المذكورة.

السؤال الثالث: ما حكم كتابة الأوراق القرآنية في براويز وتعليقها في

(1) صحيح البخاري الحج (1636).

(2)

سنن ابن ماجه المناسك (3062)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 357).

(3)

صحيح البخاري المناقب (3522)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2473)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 175).

(4)

أخرجه الطيالسي في المسند برقم457 وأخرجه مسلم في الصحيح 16/ 30 (نووي) وأحمد في المسند 5/ 175 بلفظ (إنها مباركة وإنها طعام طعم) من حديث أبي ذر رضي الله عنه، والطبراني في الصغير رقم295.

ص: 41

البيوت، أو كتابتها على جدران البيت بقصد بقاء الملائكة في البيت، أو تعليقها بقصد الزينة، أو احتراما لآيات الله وأسمائه الحسنى؟

الجواب: القرآن كتاب تشريع، أنزله الله تعالى ليبين للناس ما تنظم به أحوالهم وتستقيم حياتهم، ويصلح به أمرهم في معاشهم ومعادهم، وإنما يتم ذلك لهم إذا وجهوا همهم إلى تحقيق القصد الذي من أجله أنزل، فآمنوا به وقدروه قدره، وتدبروا آياته، وعملوا بما فيها من أحكام، فبذلك وحده يكون القرآن نورا في قلوبهم، وقوة لهم في إيمانهم وجهادهم وسائر أعمالهم، ومصدر هيبة ورهبة لهم في قلوب أعدائهم، وزينة لظواهرهم وبواطنهم، وبذلك وحده تغشاهم الملائكة وتحضر مجالسهم، وتنزل السكينة ويذكرهم الله فيمن عنده.

وقد علم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكانوا مثلا أعلى في الاعتصام بالقرآن والسير على منهاجه، فكانوا خير أمة أخرجت للناس، وأقاموا المثل العليا للإنسانية قولا وعملا واعتقادا، سلما وحربا، فسعدوا في دنياهم سعادة لم تحلم بها الدول المتحضرة قديما وحديثا، وما لهم عند الله خير وأبقى. قال الله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده (2)» . رواه أبو داود وغيره. وعن البراء قال: «كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين، فنفشته سحابة، فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن (3)» . أي لقراءته. رواه مسلم في صحيحه. إلى غير ذلك من الأحاديث. وليس

(1) سورة آل عمران الآية 110

(2)

صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699)، سنن الترمذي القراءات (2945)، سنن أبو داود الصلاة (1455)، سنن ابن ماجه المقدمة (225)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 252)، سنن الدارمي المقدمة (344).

(3)

صحيح البخاري تفسير القرآن (4839)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (795)، سنن الترمذي فضائل القرآن (2885)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 293).

ص: 42

احترام القرآن في مجرد كتابته أو كتابة آيات منه في براويز وتعليقها في البيوت، ولا في كتابة آياته على الجدران، وليس في ذلك ما تحضر الملائكة في البيوت أو تبقى فيها من أجله، وليس فيه الزينة التي قصد إليها الشرع، وإنما هي تقاليد أخذها بعض جهلة المسلمين حينما جهلوا حقيقة دينهم ومقاصده، وضعف عملهم به، فوقفوا عند المناظر والمظاهر، وزعموه احتراما للقرآن وزينة يرضاها الشرع، وما هي إلا الهوى وعشق الزخارف، ولذا لم يأبه له السلف ولم يقيموا له وزنا، بل أعرضوا عنه صفحا، ولا خير إلا في اتباع هديهم، وسلوك طريقهم؛ فإنها الطريقة المثلى التي ورثوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

نائب الرئيس

الرئيس

عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

إبراهيم بن محمد آل الشيخ

ص: 43

فتوى برقم 1184 وتاريخ 3/ 2 / 1396هـ

السؤال الأول: امرأة جاءها دم أثناء الحمل قبل نفاسها بخمسة أيام في شهر رمضان، هل يكون دم حيض أو نفاس؟ وما يجب عليها؟

الجواب: إذا كان الأمر كما ذكر من رؤيتها الدم وهي حامل قبل الولادة بخمسة أيام، فإن لم تر علامة على قرب الوضع كالمخاض وهو الطلق فليس بدم حيض ولا نفاس، بل دم فساد على الصحيح، وعلى ذلك لا تترك العبادات، بل تصوم وتصلي، وإن كان مع هذا الدم أمارة من أمارات قرب وضع الحمل من الطلق ونحوه، فهو دم نفاس تدع من أجله الصلاة والصوم، ثم إذا طهرت منه بعد الولادة قضت الصوم دون الصلاة.

السؤال الثاني: اجتمع جماعة في بيت للمذاكرة في القرآن الكريم، واتفقوا على أن يدفع كل منهم شهريا عشرة ريالات تنفق في أعمال البر،

ص: 43