المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آثار الإمام أحمد: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ يكتبون آيات من القرآن على لوح أسود ويغسلون الكتابة بالماء ويشرب

- ‌ توفي رجل عن ابنين وبنتين وزوجة وأخ شقيق وأخت شقيقة، فما نصيب كل واحد منهم

- ‌ وطء الحائض في الفرج

- ‌ أصول الشرائع التي جاء بها الأنبياء والمرسلون واحدة

- ‌ المرأة لا تنجس بحيض ولا نفاس، ولا تحرم مؤاكلتها ولا مباشرتها فيما دون الفرج

- ‌ حكم التصوير في الإسلام

- ‌من فتاوى:سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ بيع كيس السكر ونحوه بمبلغ مائة وخمسين ريالا إلى أجل

- ‌ تسلسل جرح البينة

- ‌هل صلاتي لا تنفع طالما أنني جاهل بالتوحيد وغير كافر بالطاغوت

- ‌ المسلم إذا فعل شيئا من الشرك كالذبح والنذر لغير الله جاهلا

- ‌ التوسل بجاه فلان أو حق فلان

- ‌ من يتحاكم إلى القوانين العرفية، والقوانين القبلية، هل حققوا معنى لا إله إلا الله

- ‌ النكاح بنية الطلاق

- ‌بيان معنى لا إله إلا الله

- ‌من مظاهر موالاة الكفار:

- ‌ مظاهر موالاة المؤمنين:

- ‌أقسام الناس فيما يجب في حقهم من الولاء والبراء:

- ‌القسم الأول: من يحب محبة خالصة لا معاداة معها

- ‌القسم الثاني: من يبغض ويعادي بغضا ومعاداة خالصين لا محبة ولا موالاة معهما

- ‌القسم الثالث: من يحب من وجه ويبغض من وجه، فيجتمع فيه المحبة والعداوة

- ‌حكم الشهادة والحكمة من مشروعيتها وأركانها

- ‌أولا: حكم الشهادة:

- ‌ثانيا: الحكمة من مشروعية الشهادة:

- ‌ثالثا: أركان الشهادة:

- ‌الركن الأول: الشاهد

- ‌الركن الثاني والثالث: المشهود له وعليه:

- ‌الركن الرابع: المشهود به:

- ‌الركن الخامس: الصيغة:

- ‌المطلب الأولتحرير محل النزاع

- ‌المطلب الثالثتحرير الأقوال وذكر أدلتها ومناقشتها

- ‌المطلب الرابعالموازنة والترجيح

- ‌المطلب الخامسسبب الخلاف

- ‌المطلب السادس*ثمرة الخلاف

- ‌المطلب السابعمقدار البحث عن القائلين به

- ‌تعدد الزوجات وأهميته للمجتمع المسلم

- ‌فوائد تعدد الزوجات وأهميته للمجتمع

- ‌أولا: أن نسبة النساء في أي مجتمع من المجتمعات البشرية تفوق نسبة الرجال وتزيد عليها

- ‌ثانيا: أن الرجل يتأخر نضجه الجنسي والاجتماعي واستعداده للزواج

- ‌ثالثا: أن رغبة المرأة إلى الجماع أقل من رغبة الرجل

- ‌رابعا: المرأة معرضة للعقم والإياس، والمرض الذي يفوت على الرجل الاستمتاع بها

- ‌خامسا: الزواج المتعدد فيه نبل وتضحية من الرجل وتحمل للمشقات والتبعات

- ‌شروط تعدد الزوجات

- ‌حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌موضوع الفتيا:

- ‌النسخ الأصول

- ‌منهج التحقيق:

- ‌الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومسنده

- ‌الوضع القائم في عصره:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌حفظه:

- ‌ثناء الأئمة عليه:

- ‌احترام العلماء له:

- ‌زهد الإمام أحمد:

- ‌فقه الإمام أحمد:

- ‌الإمام أحمد والجرح والتعديل:

- ‌محنة الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌آثار الإمام أحمد:

- ‌الحكمة من قطع يد السارق

- ‌حكمة التشريع الإلهي

- ‌الحكمة من إقامة الحدود

- ‌حرمة التعدي على المال وأثر قطع يد السارق

- ‌من قرارات المجمع الفقهي الإسلامي

- ‌القرار الأولحكم الماسونية والانتماء إليها

- ‌القرار الثانيمناشدة حكام الدول العربية والإسلاميةبتطبيق الشريعة الإسلامية

- ‌القرار الثالثحكم الشيوعية والانتماء إليها

- ‌نداء لجميع المسلمين وغيرهمللوقوف في صف حكومة السودان وشعبها

- ‌اعتذار. . وتصويب

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌آثار الإمام أحمد:

نكون مثل أحمد بن حنبل، لا والله لا نقدر على أحمد ولا على طريق أحمد ".

وعندما قيل لبشر بن الحارث يوم ضرب الإمام أحمد: " قد وجب عليك أن تتكلم! قال: تريدون مني مقام الأنبياء؟! ليس هذا عندي. حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه ". وقال رحمه الله بعدما ضرب أحمد: "لقد أدخل الكير فخرج ذهبة حمراء".

وما أجمل ما قاله الإمام علي بن المديني واصفا ثبات أحمد: "أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة".

ص: 247

‌آثار الإمام أحمد:

كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى لشدة ورعه وتمسكه بالأثر، يكره تدوين الكتب؛ لأنه يريد من الناس أن يعتمدوا على ذلك المعين الصافي، والمنهل العذب الذي:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (1)(سورة فصلت آية 42).

كما يعتمدوا على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (2){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3)(سورة النجم آية 3 و4).

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به،

(1) سورة فصلت الآية 42

(2)

سورة النجم الآية 3

(3)

سورة النجم الآية 4

ص: 247

فلن تضلوا أبدا: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم (1)».

وكان الإمام أحمد يربي تلاميذه على هذا الاتجاه، فقد قال عثمان بن سعيد: قال لي أحمد بن حنبل: "لا تنظر في: كتب أبي عبيد، ولا فيما وضع إسحاق، ولا سفيان، ولا الشافعي، ولا مالك، وعليك بالأصل"(2).

وقال ابن هانئ: سألت أحمد بن حنبل عن كتب أبي ثور؟ فقال: "كتاب ابتدع فهو بدعة". ولم يعجبه وضع الكتب، وقال:"عليكم بالحديث"(3).

ولكن الله سبحانه وتعالى حفظ لنا شيئا كثيرا من مسائل الإمام أحمد، قال ابن الجوزي رحمه الله:"وكان ينهى الناس عن كتابة كلامه، فنظر الله إلى حسن قصده فنقلت ألفاظه وحفظت. فقل أن تقع مسألة إلا وله فيها نص من الفروع والأصول، وربما عدمت في تلك المسألة نصوص الفقهاء الذين صنفوا وجمعوا"(4).

وقال ابن القيم الجوزية: " وكان أحمد شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريد الحديث ويكره أن يكتب كلامه، ويشتد عليه جدا. فعلم الله حسن نيته وقصده، فكتب من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سفرا، ومن الله سبحانه وتعالى علينا بأكثرها، فلم يفتنا منها إلا القليل. وجمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير فبلغ نحو: عشرين سفرا أو أكثر، ورويت فتاواه ومسائله وحدث بها قرنا بعد قرن، فصارت إماما وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى إن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلدين لغيره، يعظمون نصوصه وفتاواه، ويعرفون لها حقها وقربها من

(1) أخرجه: الحاكم في كتاب العلم (1/ 93) من حديث ابن عباس وإسناده لا بأس به، وأخرجه: مالك في الموطأ: كتاب القدر (2/ 899) بلاغا. وانظر: السلسلة الصحيحة رقم (1761).

(2)

مناقب الإمام أحمد (ص192).

(3)

مناقب الإمام أحمد (ص192). وانظر: إعلام الموقعين (4/ 206).

(4)

مناقب الإمام أحمد (ص191).

ص: 248

النصوص وفتاوى الصحابة " (1).

ومن آثار الإمام أحمد:

(1) إعلام الموقعين (4/ 206).

ص: 249

1 -

المسند:

وقد تساءل ابنه عبد الله بن أحمد: كيف يكره أبوه وضع الكتب وقد عمل المسند؟! فأجابه الإمام أحمد: "عملت هذا الكتاب إماما، إذا اختلف الناس في سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إليه".

وصدق الإمام أحمد رحمه الله فإن هذا الكتاب الجليل من أكبر كتب السنة التي وصلت إلينا، وأعظمها نفعا، وأغزرها مادة، وقد قال أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني:"هذا الكتاب أصل كبير، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث. انتقي من أحاديث كثيرة، ومسموعات وافرة، فجعل إماما ومعتمدا، وعند التنازع ملجأ ومستندا"(1).

طريقة ترتيبه:

المسانيد هي: الكتب التي جمع فيها مؤلفوها أحاديث كل صحابي على حدة، بدون النظر إلى موضوعات هذه الأحاديث.

قال الصنعاني: " وشرط أهلها - أي: أهل المسانيد - أن يفردوا أحاديث كل صحابي على حدة - بكسر المهملة -. . . ". ثم قال: "من غير نظر إلى الأبواب التي تلائم الحديث، كما يصنعه غيرهم من المؤلفين على الكتب والأبواب، ويستقصون جميع حديث ذلك الصحابي كله "(2).

قلت: وهذا ما عمله الإمام أحمد في مسنده، حيث أفرد أحاديث كل

(1) خصائص المسند (ص21) وطبقات الشافعية (2/ 31).

(2)

توضيح الأفكار للصنعاني (1/ 228).

ص: 249

صحابي على حدة، من غير نظر إلى موضوعاتها، فقد تجد حديثا في غسل الجمعة، ثم يتبعه بحديث في حكم لبس الحرير، ثم يتبعه بحديث في المواريث. . . وهكذا (1).

وقد رتب الإمام أحمد مسنده بطريقة لم يسبق إليها، وهي:

1 -

بدأ بمسانيد العشرة المبشرين بالجنة. في الجزء الأول من: (ص2) إلى (ص196).

2 -

ثم مسانيد: عبد الرحمن بن أبي بكر، وزيد بن خارجة، والحارث بن خزمة، ثم سعد مولى أبي بكر. في الجزء الأول من:(ص197) إلى (ص199).

3 -

مسانيد أهل البيت رضي الله عنهم. في الجزء الأول من: (ص199) إلى (ص206).

4 -

مسانيد بني هاشم رضي الله عنهم. في الجزء الأول من: (ص206) إلى (ص374).

5 -

مسانيد المشهورين من الصحابة. في الجزء الأول من: (ص374) إلى نهايته، والجزء الثاني كله، والجزء الثالث إلى (ص400).

6 -

مسند المكيين: في الجزء الثالث من: (ص400) إلى نهاية الجزء.

7 -

مسند المدنيين: في الجزء الرابع من: (ص2) إلى (ص88).

8 -

مسند الشاميين: في الجزء الرابع من: (ص88) إلى (ص239).

9 -

مسند الكوفيين: في الجزء الرابع من: (ص239) إلى

(1) انظر: مسند أحمد بن حنبل (1/ 46).

ص: 250

(ص419).

10 -

مسند البصريين: في الجزء الرابع من: (ص419) إلى نهايته، ومن بداية الجزء الخامس إلى (ص113).

11 -

مسند الأنصار: في الجزء الخامس من: (ص113) إلى نهايته، وفي الجزء السادس من: أوله إلى (ص29).

12 -

مسند النساء: في الجزء السادس من: (ص29) إلى (ص382). ومن: (ص402) إلى آخر الجزء السادس.

13 -

مسند القبائل: في الجزء السادس من: (ص383) إلى (ص403).

هذا الأسلوب من الترتيب للمسند يكلف الباحث جهدا وعناء للبحث عن حديث واحد، لهذا قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى:

"ومع جلالة قدر هذا الكتاب، وحسن موقعه عند ذوي الألباب، فالوقوف على المقصود منه متعسر، والظفر بالمطلوب منه بغير تعب متعذر؛ لأنه غير مرتب على أبواب السنن، ولا مهذب على حروف المعجم لتقريب السنن، وإنما هو مجموع على مسانيد الرواة من الرجال والنساء، لا يسلم من طلب منه حديثا من نوع من الملل والعناء؛ إذ قد خلط فيه بين أحاديث الشاميين والمدنيين، ولم يحصل التمييز في جميعه بين روايات الكوفيين والبصريين، بل قد امتزج في بعضه أحاديث الرجال بأحاديث النسوان. . . "(1).

عدد الصحابة في المسند:

بين أبو موسى المديني في خصائص المسند أن عدد الصحابة في مسند الإمام أحمد: "سبعمائة رجل"(2). بينما ذكر الجزري عن أبي موسى المديني أن عدد الصحابة نحو سبعمائة رجل، ومن النساء مائة

(1) ترتيب أسماء الصحابة للحافظ ابن عساكر (ص 1 ب).

(2)

خصائص المسند لأبي موسى المديني (ص23).

ص: 251

ونيف، ثم قال:"قد عددتهم لما أفردتهم في كتابي المسند فبلغوا: ستمائة ونيفا وتسعين سوى النساء الصحابيات. وعددت النساء الصحابيات فبلغن: ستا وتسعين. واشتمل المسند على نحو: ثمانمائة من الصحابة، سوى ما فيه ممن لم يسم من الأبناء والمبهمات وغيرهم"(1).

وبلغ عدد الصحابة في مسند أحمد بن حنبل على حسب فهرس الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي وضعه المكتب الإسلامي في مقدمة الجزء الأول للمسند: "أربعة وتسعمائة صحابي، بمن فيهم من النساء أو الذين لم ترد تسميتهم"(2).

عدد أحاديث المسند:

اختلف في عدد أحاديث مسند الإمام أحمد اختلافا كثيرا، فمن قائل بأنه ثلاثون ألف حديث (3)، ومن قائل بأنه أربعون ألف حديث (4). ويقول الحافظ ابن عساكر:"والكتاب كبير العدد والحجم، مشهور عند أرباب العلم، تبلغ عدد أحاديثه ثلاثين ألفا سوى المعاد، وغير ما ألحق به ابنه عبد الله من عالي الإسناد"(5). ويقول الأستاذ أحمد شاكر: "هو على اليقين أكثر من ثلاثين ألفا، وقد لا يبلغ الأربعين ألفا"(6).

وقدرها جولد تسيهر بما يتراوح بين: (28) إلى (29) ألف حديث (7). وتابعه على هذا التقدير: نالينو المستشرق الإيطالي.

(1) المصعد الأحمد للجزري (ص34).

(2)

سقط من فهرس الألباني بعض الأسماء مثل: أبي سيارة المتعي. انظر: طرق تخريج حديث الرسول (ص144).

(3)

انظر: مناقب الإمام أحمد (ص191).

(4)

انظر: الفهرست لابن النديم (ص320) وخصائص المسند (ص23).

(5)

ترتيب أسماء الصحابة للحافظ ابن عساكر (ص1 أ).

(6)

انظر: خصائص المسند (ص 23)(الهامش).

(7)

انظر: دائرة المعارف الإسلامية (1/ 199، 200) النسخة الفرنسية، مادة: أحمد بن حنبل.

ص: 252

وقد قام أخي الفاضل: عادل عبد الشكور الزرقي بترقيم أحاديث المسند حديثا حديثا، وبلغ عدد الأحاديث على حسب ترقيمه:(27517) حديثا، مع المكرر. وبلغ عدد زوائد عبد الله بن أحمد بن حنبل:(642) حديثا.

قلت: ويحتوي المسند على أحاديث متكررة في أماكن مختلفة، بل قد تجد أن الحديث الواحد يتكرر في الصفحة الواحدة. وينفي الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى أن يكون هذا التكرار من عمل الإمام أحمد بن حنبل، حيث قال:"ولست أظن ذلك إن شاء الله وقع من جهة أبي عبد الله رحمه الله؛ فإن محله في هذا العلم أوفى، ومثل هذا على مثله لا يخفى"(1). ثم يبرر ذلك بسببين:

الأول: أن الإمام أحمد عاجلته المنية ولما يعمل على ترتيبه، لذلك لما أحس الإمام بدنو أجله أسرع بقراءته على أهل بيته.

الثاني: أن هذا قد يكون ناتجا من رواة الكتاب كالقطيعي مثلا.

قلت: ومن خلال التتبع والاستقراء لكثير من أحاديث مسند الإمام أحمد وجدت أن معظم الأحاديث المتكررة يكون فيها زيادة علم في الإسناد، أقله أن يختلف شيوخ الإمام أحمد بن حنبل، أو يكون زيادة علم في المتن. ومثال ذلك:

1 -

حديث: الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنه «أنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من جمع - يعني: المزدلفة - فما زال يلبي حتى رمى الجمرة (2)» .

هذا الحديث تكرر: (20) مرة، أو يزيد، ومع ذلك لا يوجد حديث كالذي قبله. فإما أن يختلف شيخ الإمام أحمد - وهذا

(1) ترتيب أسماء الصحابة للحافظ ابن عساكر (ص2 أ).

(2)

انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل (1/ 210 - 211).

ص: 253

أكثره - وإما أن يختلف أكثر الإسناد أو المتن.

2 -

قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن عمرو، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت (1)» .

قلت: وهذا حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد في مكان آخر بزيادة في متنه، وإليك لفظه:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، الضيافة ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فهو صدقة، لا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه (2)» .

ورواه الإمام أحمد في مكان آخر بلفظ: «الضيافة ثلاث، وجائزته يوم وليلة، ولا يحل لأحد أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه. قالوا: يا رسول الله، ما يؤثمه؟! قال: يقيم عنده ولا يجد شيئا يقوته (3)» .

قلت: فكما ترى تكرر الحديث في أماكن متعددة، ولكن في كل مكان نحصل على فائدة جديدة. والأمثلة من هذا النوع في المسند كثيرة أكتفي بما ذكر.

انتقاء المسند:

انتقى الإمام أحمد مسنده من عدد كبير من الأحاديث النبوية التي وقف عليها. وجاء نتيجة عمل شاق، ورحلات طويلة وبعيدة، لاقى فيها

(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/ 384).

(2)

مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/ 385).

(3)

مسند أحمد (6/ 486). والحديث أخرجه البخاري (10/ 531) رقم (6135) ومسلم (1/ 69) وغيرهم.

ص: 254

ما لاقى من التعب والإجهاد والتنقل، والسهر ليال طوال: نسأل الله عز وجل أن يرفعه بكل حرف من حروف مسنده درجات.

قال عبد الله بن الإمام أحمد: "خرج أبي المسند من سبعمائة ألف حديث"(1).

وقال حنبل بن إسحاق: " جمعنا عمي - يعني الإمام أحمد - لي ولصالح ولعبد الله، وقرأ علينا المسند وما سمعه منه - يعني تاما - غيرنا. وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا ليس بحجة ".

قال الإمام ابن قيم الجوزية: "هذه الحكاية قد ذكرها حنبل في تاريخه، وهي صحيحة بلا شك"(2).

مناقشة العبارة السابقة:

تأمل قول الإمام أحمد بن حنبل السابق: "فإن كان فيه وإلا ليس بحجة". فماذا يقصد الإمام أحمد بقوله هذا؟!

يجيب على هذا التساؤل ابن الجزري رحمه الله فيقول: "يريد أصول الأحاديث، وهو صحيح فإنه ما من حديث غالبا إلا وله أصل في هذا المسند، والله أعلم"(3).

وقال ابن قيم الجوزية: "وقد استشكل بعض الحفاظ هذا من أحمد وقال: في الصحيحين أحاديث ليست في المسند. وأجيب عن هذا بأن تلك الألفاظ بعينها وإن خلا المسند عنها فلها فيه أصول، ونظائر،

(1) خصائص المسند (ص22) والمصعد الأحمد (ص31) وطبقات الشافعية (2/ 31).

(2)

الفروسية لابن القيم ب (ص69).

(3)

المصعد الأحمد (ص31).

ص: 255

وشواهد. وأما أن يكون متن صحيح لا مطعن فيه ليس له في المسند أصل ولا نظير، فلا يكاد يوجد البتة" (1).

وهناك إشكال آخر ألا وهو: أن هناك أحاديث صحاح ليست في مسند الإمام أحمد كحديث عائشة الطويل المعروف بحديث: أم زرع.

فأجيب عن ذلك: "أن الإمام أحمد شرع في جمع المسند فكتبه في أوراق مفردة ومفرقة في أجزاء منفردة، على نحو ما تكون المسودة، ثم جاء حلول المنية قبل حصول الأمنية، فبادر بإسماعه لأولاده وأهل بيته، ومات قبل تنقيحه وتهذيبه فبقي على حاله. ثم إن ابنه عبد الله ألحق به ما يشاكله، وضم إليه من مسموعاته ما يشابهه ويماثله، فسمع القطيعي من كتبه تلك النسخة على ما يظفر به منها فوقع الاختلاط من المسانيد، والتكرار من هذا الوجه قديم، فبقي كثير من الأحاديث في الأوراق والأجزاء لم يظفر بها، فما لم يوجد فيه من الأحاديث الصحاح من هذا القبيل (2).

قلت: وبهذا يتبين أن المسند مشتمل على أصول الأحاديث النبوية الشريفة، ولذلك عندما سئل أبو الحسين اليونيني:"أنت تحفظ الكتب الستة؟! فقال: أحفظها وما أحفظها!! فقيل له: كيف هذا؟ فقال: أنا أحفظ مسند أحمد وما يفوت المسند من الكتب الستة إلا قليل. أو قال: وما في الكتب هو في المسند - يعني إلا قليل - وأصله في المسند، فأنا أحفظها بهذا الوجه، أو كما قال رحمه الله "(3).

شرط الإمام أحمد في المسند:

قبل أن أبدأ بشرط الإمام أحمد في مسنده، أود أن أذكر شرط أهل

(1) الفروسية لابن قيم الجوزية (ص69).

(2)

المصعد الأحمد (ص30 - 31).

(3)

المصعد الأحمد (ص32).

ص: 256

المسانيد عموما، لكي تتضح لنا الصورة.

يقول الحافظ ابن الصلاح: "فهذه عادتهم - أي: أصحاب المسانيد - أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه، غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به"(1).

ويقول النووي: "وأما مسند أحمد بن حنبل، وأبي داود الطيالسي، وغيرهما من المسانيد، فلا تلتحق بالأصول الخمسة، وما أشبهها في الاحتجاج بها، والركون إلى ما فيها"(2).

ويعلل السيوطي ذلك بقوله: "لأن المصنف على الأبواب إنما يورد أصح ما فيه ليصلح للاحتجاج"(3).

وقال العراقي في ألفيته:

"

ودونها في رتبة ما جعلا

على المسانيد فيدعى الجفلا

كمسند الطيالسي وأحمدا

وعده الدارمي انتقدا

" (4).

ويقول السخاوي في شرحه لهذه الأبيات: "ودونها في رتبة، أي: رتبة الاحتجاج الذي هو أصل بقية المبوبين، ما جعلا على المسانيد التي موضوعها جعل حديث كل صحابي على حدة، من غير تقييد بالمحتج به"(5).

والخلاصة في ذلك: أن أهل المسانيد عموما لا يشترطون الرواية عن من يحتج به فقط، بل يروون حديث من لا يحتج به أيضا.

والآن أعود لمسند الإمام أحمد فأقول: هل هذا هو شرط الإمام أحمد في مسنده؟ وللإجابة على هذا السؤال أقول: إن هذا ليس على إطلاقه، بل ثبت لدينا أن الإمام أحمد قام بتنقيح المسند من كثير من الرجال الذين

(1) مقدمة ابن الصلاح (ص35).

(2)

تقريب النووي مع شرحه تدريب الراوي (1/ 170 - 172).

(3)

تدريب الراوي للسيوطي (1/ 172).

(4)

فتح المغيث شرح ألفية الحديث (1/ 63).

(5)

فتح المغيث (1/ 87).

ص: 257

يرى عدم الاحتجاج بحديثهم، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:

روى أبو موسى المديني بسنده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: "سألت أبي عن عبد العزيز بن أبان فقال: لم أخرج عنه في المسند شيئا، قد أخرجت عنه على غير وجه الحديث لما حدث بحديث المواقيت تركته"(1).

وقال ابن المديني: "أخبرنا ابن الحصين بإسناده: حدثنا عبد الله،، حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن محمد بن سالم، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء العشر، وما يسقى بالغرب والدالية ففيه نصف العشر (2)». قال أبو عبد الرحمن - يعني: عبد الله بن أحمد -: فحدثت أبي بحديث عثمان عن جرير فأنكره جدا، وكان أبي لا يحدثنا عن محمد بن سالم لضعفه عنده، وإنكاره حديثه"(3).

كما ضرب الإمام أحمد رحمه الله تعالى على حديث عمرو بن خالد وغيره (4).

نتيجة لهذه الأمثلة وما يشبهها ظن أبو موسى المديني أن الإمام أحمد لم يورد في مسنده إلا ما صح عنده، لذلك قال رحمه الله:"ولم يخرج إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته"(5). وقال أيضا: "ومن الدليل على أن ما أودعه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده قد احتاط فيه إسنادا ومتنا ولم يورد فيه إلا ما صح عنده"(6) ثم ساق بعض الأدلة التي ذكرت آنفا.

(1) خصائص المسند (ص22) والمصعد الأحمد (ص34) وطبقات الشافعية (2/ 31).

(2)

صحيح البخاري الزكاة (1483)، سنن الترمذي الزكاة (640)، سنن النسائي الزكاة (2488)، سنن أبو داود الزكاة (1596)، سنن ابن ماجه الزكاة (1817).

(3)

خصائص المسند (ص25).

(4)

انظر: خصائص المسند (ص24 - 27).

(5)

انظر: خصائص المسند (ص22).

(6)

انظر: خصائص المسند (ص24).

ص: 258

قلت: وهذا غير مسلم به لأبي موسى المديني، حيث إن مسند الإمام أحمد يحتوي على عدد لا بأس به من الأحاديث الضعيفة، وقد عمل الشيخ أحمد شاكر إحصاء لعدد الأحاديث الصحيحة والضعيفة، بلغت في نهاية تحقيقه للمجلد الخامس عشر:(7246) حديثا صحيحا وحسنا، و (853) حديثا ضعيفا (1).

وقد ناقش الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى رأي المديني بشيء من التفصيل، في معرض الرد على من قال بأن كل ما سكت عنه أحمد في المسند فهو صحيح عنده، فقال رحمه الله تعالى: "فإن هذه المقدمة لا مستند لها البتة، بل أهل الحديث كلهم على خلافها. والإمام أحمد لم يشترط في مسنده الصحيح ولا التزمه. وفي مسنده عدة أحاديث سئل هو عنها فضعفها بعينها وأنكرها كما روى حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة يرفعه:«إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان (2)» .

وقال حرب: سمعت أحمد يقول: هذا حديث منكر، ولم يحدث العلاء بحديث أنكر من هذا. وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث به" ثم ساق ابن القيم أمثلة كثيرة من هذا النوع، إلى أن قال: "وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء كتابا كبيرا، والمقصود أنه ليس كل ما رواه وسكت عنه يكون صحيحا عنده، حتى لو كان صحيحا عنده وخالفه غيره في تصحيحه لم يكن قوله حجة على نظيره. وبهذا يعرف وهم الحافظ أبي موسى المديني في قوله: إن ما خرجه الإمام أحمد في مسنده فهو صحيح عنده. فإن أحمد لم يقل ذلك قط ولا قال ما يدل عليه، بل قال ما يدل على خلاف ذلك" (3).

(1) انظر: المسند (15/ 247) ت. أحمد شاكر.

(2)

أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 442).

(3)

الفروسية لابن القيم (ص64 - 69).

ص: 259

درجة أحاديث المسند:

انطلاقا من المبحث السابق اختلف بعض العلماء في درجة أحاديث المسند، فمنهم من قال: إن فيه أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومنهم من قال بأنه صحيح، وتوسط أناس منهم فقالوا بأن فيه أحاديث ضعيفة، ولكنها قليلة مقارنة بعدد أحاديث الكتاب، وينفون وجود الأحاديث الموضوعة فيه.

فمن العلماء الذين قالوا بأنه صحيح: أبو موسى المديني كما تقدم، وقد رد عليه الحافظ ابن كثير فقال:"وأما قول الحافظ أبي موسى عن مسند الإمام أحمد: إنه صحيح فقول ضعيف؛ فإن فيه أحاديث ضعيفة، بل وموضوعة، كأحاديث فضائل مرو (1)، وعسقلان (2)، والبرث الأحمر عند حمص (3)، وغير ذلك، كما بينه عليه طائفة من الحفاظ"(4).

وقد ذكر الحافظ العراقي أيضا أن في المسند أحاديث موضوعة (5). فألف الحافظ ابن حجر العسقلاني كتابا أسماه: "القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد ". ذكر فيه الأحاديث التي ذكرها العراقي ورد عليه وهي تسعة أحاديث. وأضاف إليه خمسة عشر حديثا أوردها ابن الجوزي في كتابه: "الموضوعات". ورد عليها.

ثم جاء السيوطي وألف كتابا أسماه: "الذيل الممهد" ذكر فيه أحاديث فاتت الحافظ ابن حجر في القول المسدد، وهي في موضوعات ابن الجوزي، وذب عنها رحمه الله تعالى، وعدتها أربعة عشر حديثا (6). فيكون مجموع ما انتقد بالوضع في المسند:(38) حديثا.

(1) مسند أحمد من حديث بريدة رضي الله عنه (5/ 357).

(2)

مسند أحمد من حديث أنس رضي الله عنه (3/ 225).

(3)

مسند أحمد من حديث عمر رضي الله عنه (1/ 19).

(4)

اختصار علوم الحديث مع شرحه الباعث الحثيث (ص29).

(5)

في شرحه لمقدمة ابن الصلاح المسمى التقييد والإيضاح (ص57).

(6)

ذكر ذلك السيوطي في كتابه: تدريب الراوي (1/ 172).

ص: 260

وقد رد أبو العلاء الهمداني رحمه الله على ابن الجوزي حينما علم أن ابن الجوزي حكم على بعض أحاديث المسند بالوضع (1). وقد حقق هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية تحقيقا علميا طيبا، حيث قال بعد أن ذكر أن الإمام أحمد لا يروي عمن يتعمد الكذب:"ولهذا تنازع أبو العلاء الهمداني والشيخ أبو الفرج بن الجوزي: هل في المسند حديث موضوع؟ فأنكر الحافظ أبو العلاء أن يكون في المسند حديث موضوع. وأثبت ذلك أبو الفرج. وبين أن فيه أحاديث قد قام دليل على أنه باطل، وإن كان المحدث به لم يتعمد الكذب، بل غلط فيه، ولهذا روى في كتابه الموضوعات أحاديث كثيرة من هذا النوع. وقد نازعه طائفة من العلماء في كثير مما ذكره، وقالوا: إنه ليس مما يقوم دليل على أنه باطل، بل بينوا ثبوت بعض ذلك. لكن الغالب على ما ذكره في الموضوعات أنه باطل باتفاق العلماء. وأما الحافظ أبو العلاء وأمثاله، فإنما يريدون بالموضوع: المختلق المصنوع الذي تعمد صاحبه الكذب، والكذب كان قليلا في السلف"(2).

كما بين شيخ الإسلام في موضع آخر: أنه لا يروي عن المعروفين بالكذب فقال: "وليس كل ما رواه أحمد في المسند وغيره، يكون حجة عنده، بل يورد ما رواه أهل العلم. وشرطه في المسند: أن لا يروى عن المعروفين بالكذب، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف. وشرطه في المسند أمثل من شرط أبي داود في سننه"(3).

وقد بين الذهبي أن في المسند أحاديث موضوعة قليلة فقال: "ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها. وفيه أحاديث معدودة شبه موضوعة، ولكنها قطرة في بحر. وفي غضون

(1) انظر: صيد الخاطر لابن الجوزي (ص245، 246).

(2)

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية (ص81).

(3)

منهاج السنة النبوية لابن تيمية (4/ 27).

ص: 261

المسند زيادات جمة لعبد الله بن أحمد " (1).

وقال ابن حجر: "ومسند أحمد ادعى قوم فيه الصحة، كذا في شيوخه، وصنف الحافظ أبو موسى المديني في ذلك تصنيفا. والحق أن أحاديثه غالبها جياد، والضعاف منها إنما يوردها للمتابعات، وفيه القليل من الضعاف الغرائب الأفراد، أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئا فشيئا وبقي منها بعده بقية"(2).

وقال أيضا: "ليس في المسند حديث لا أصل له إلا: ثلاثة أحاديث أو أربعة، منها حديث: عبد الرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة زحفا. قال: والاعتذار عنه: أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهوا، أو ضرب وكتب من تحت الضرب".

كما قال السخاوي: "والحق أن فيه أحاديث كثيرة ضعيفة، وبعضها أشد في الضعف من بعض، حتى إن ابن الجوزي أدخل كثيرا منها في موضوعاته، ولكن قد تعقبه في بعضها الشارح - يعني: نفسه - وفي سائرها شيخنا - يعني: ابن حجر العسقلاني - وحقق كما سمعته منه نفي الوضع عن جميع أحاديثه، وأنه أحسن انتقاء وتحريرا من الكتب التي لم تلتزم الصحة في جمعها.

وقال: ليست الأحاديث الزائدة فيه على ما في الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائدة في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما" (3).

ومن جهة أخرى بين الحافظ العراقي رحمه الله تعالى: أن بعض هذه

(1) سير أعلام النبلاء (11/ 329).

(2)

مقدمة تعجيل المنفعة لابن حجر العسقلاني (ص6).

(3)

فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي (1/ 89).

ص: 262

الموضوعات من زيادات عبد الله بن أحمد بن حنبل فقال: " ولعبد الله بن أحمد في المسند أيضا زيادات فيها الضعيف والموضوع.

فمن الموضوع: حديث سعد بن مالك، وحديث ابن عمر في: سد الأبواب إلا باب علي. ذكرهما ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: إنهما من وضع الرافضة" (1).

الخلاصة:

الخلاصة التي تترجح بعد هذا العرض: أن في المسند أحاديث ضعيفة، وما كان فيه من حديث موضوع فهو مما أمر الإمام أحمد بالضرب عليه، ولكن غفل عنه أو كتب بعد الضرب، أو من زوائد عبد الله ابن الإمام أحمد. أما الحديث الضعيف فغالبه من الحديث الذي ينجبر بغيره، والله تعالى أعلم (2).

ومن الأمثلة على أن الإمام أحمد بن حنبل أمر بالضرب على بعض الأحاديث، لكن ابنه عبد الله كتبها بعد الضرب:

1 -

ذكر عبد الله بن أحمد أنه وجد عند أبيه حديثين من طريق: فائد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه ثم ذكر الحديثين - ثم قال عبد الله: "لم يحدثنا أبي بهذين الحديثين، ضرب عليهما من كتابه لأنه لم يرض حديث: فائد بن عبد الرحمن،

(1) التقييد والإيضاح للعراقي (ص43). وانظر: الموضوعات لابن الجوزي (1/ 363 - 367).

(2)

انظر: نيل الأوطار للشوكاني (1/ 12) وتحفة الأحوذي (1/ 88 - 90).

ص: 263

أو كان عنده، متروك الحديث" (1).

2 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يهلك أمتي هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم (2)» .

قال عبد الله: قال أبي في مرضه الذي مات فيه: اضرب على هذا الحديث؛ فإنه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني قوله:«اسمعوا وأطيعوا واصبروا (3)» .

3 -

وقال الإمام أحمد: ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق وهوذة بن خليفة، قالا: ثنا عوف عن ميمون بن أستاذ، قال هوذة الهزاني قال: قال عبد الله بن عمرو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس الذهب من أمتي فمات وهو يلبسه لم يلبس من ذهب الجنة (4)» . وقال هوذة: «حرم الله عليه ذهب الجنة، ومن لبس الحرير من أمتي فمات وهو يلبسه حرم الله عليه حرير الجنة (5)» .

قال عبد الله: ضرب أبي على هذا الحديث فظننت أنه ضرب عليه لأنه خطأ، وإنما هو: ميمون بن أستاذ، عن عبد الله بن عمرو ليس فيه عن

(1) انظر: مسند أحمد بن حنبل (4/ 382).

(2)

صحيح البخاري الفتن (7058)، صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2917)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 301).

(3)

مسند أحمد (2/ 301). وقال ابن القيم في هذا الحديث: "وضربه على هذا الحديث مع أنه صحيح أخرجه أصحاب الصحيح، لكونه عنده خلاف الأحاديث والثابت المعلوم من سنته صلى الله عليه وسلم في الأمر بالسمع والطاعة ولزوم الجماعة وترك الشذوذ والانفراد كقوله صلى الله عليه وسلم: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي" وقوله: "من فارق الجماعة فمات، فميتته جاهلية". إلى أن قال:"فلما رأى أحمد هذا الحديث الواحد يخالف هذه الأحاديث وأمثالها، أمر عبد الله بضربه عليه. وأما من جزم بصحته فقال: هذا في أوقات الفتن والقتال على الملك، ولزوم الجماعة في وقت الاتفاق والتئام الكلمة. وبهذا تجتمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي رغب فيها في العزلة والقعود عن القتال، ومدح فيها من لم يكن مع إحدى الطائفتين، وأحاديثه التي رغب فيها في الجماعة والدخول مع الناس فإن هذا حال اجتماع الكلمة وترك الفتنة والقتال، والله أعلم". الفروسية لابن القيم (ص68). والحديث صححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند (15/ 162) وانظر تعليقه عليه.

(4)

مسند أحمد بن حنبل (2/ 209).

(5)

مسند أحمد بن حنبل (2/ 166).

ص: 264

الصدفي، ويقال: إن ميمون هذا هو الصدفي لأن سماع يزيد بن هارون من الحريري آخر عمره، والله أعلم.

ثم قال عبد الله: حدثني أبي، ثنا يزيد بن هارون، (أنا الجريري، عن ميمون بن أستاذ، عن الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات من أمتي وهو يشرب الخمر (1)». . . ".

ترجمة رواة المسند:

قد تقدم قبل قليل أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى لم يسمع المسند كاملا إلا لثلاثة رجال وهم:

1 -

صالح بن أحمد بن حنبل.

2 -

عبد الله بن أحمد بن حنبل.

3 -

حنبل بن إسحاق.

ولم ينقل المسند إلينا كاملا إلا: عبد الله بن أحمد بن حنبل: ورواه عن عبد الله بن أحمد مجموعة، منهم:

1 -

أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، وهو أشهر رواة المسند عن عبد الله.

2 -

أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر بن أبان العبدي اللنباني، سمع المسند كاملا من ابن الإمام أحمد (2).

3 -

أبو علي بن الصواف. وسمع منه كثيرا من المسند: الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (3).

قال الدارقطني: "ما رأت عيني مثل أبي علي بن الصواف "، وقال

(1) مسند أحمد بن حنبل (2/ 209).

(2)

انظر: أخبار أصبهان لأبي نعيم (1/ 137) والنبلاء (15/ 311).

(3)

انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 524). والتقييد لأبي بكر بن نقطة (1/ 286).

ص: 265

ابن أبي الفوارس: "كان أبو علي ثقة مأمونا"(1).

ورواه عن أبي بكر مجموعة من الرواة، منهم:

1 -

أبو عبد الله الحاكم (2).

2 -

أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، وعنه يرويه حافظ المغرب: ابن عبد البر القرطبي (3).

3 -

أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الوهراني، وعنه يرويه: ابن عبد البر، وأبو القاسم الطرابلسي (4).

4 -

أبو علي الحسن بن علي بن المذهب التميمي. وهو: "آخر من روى المسند كاملا عن القطيعي - سوى نزر قليل منه أسقط من النسخ"(5). وهو أشهر الرواة عن القطيعي.

5 -

أبو محمد الجوهري، وهو خاتمة أصحاب القطيعي. حدث عن القطيعي بمسند العشرة، ومسند أهل البيت من المسند (6). قال الخطيب البغدادي:"كان ثقة أمينا، كتبنا عنه"(7).

قلت: ولقد وصل إلينا المسند برواية: " هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين، عن الحسن بن علي التميمي، عن أبي بكر أحمد بن جعفر القطيعي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه أحمد بن حنبل ".

وهذه هي أشهر روايات المسند، وسوف أترجم لرواتها:

(1) سير أعلام النبلاء (16/ 184).

(2)

سير أعلام النبلاء (13/ 524).

(3)

فهرسة ما رواه عن شيوخه للإشبيلي (ص139).

(4)

فهرسة ما رواه عن شيوخه للإشبيلي (ص140).

(5)

سير أعلام النبلاء (13/ 524). وسوف يأتي تفصيل ترجمته إن شاء الله.

(6)

سير أعلام النبلاء (18/ 69).

(7)

تاريخ بغداد (7/ 393).

ص: 266

أولا: عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل:

ولد سنة: ثلاث عشرة ومئتين، وتوفي سنة: تسعين ومئتين.

سمع: أباه، ويحيى بن معين، وأبا بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة، وأبا خيثمة زهير بن حرب، وسلمة بن شبيب، وعبيد الله القواريري، وغيرهم.

حدث عنه: النسائي، والبغوي، وأبو عوانة، وأحمد القطيعي، وسليمان الطبراني، وقاسم بن أصبغ، والنجاد، وابن الصواف، وغيرهم.

قال عباس الدوري: "كنت يوما عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فدخل علينا عبد الله ابنه، فقال لي أحمد: يا عباس، إن أبا عبد الرحمن - يعني عبد الله - قد وعى علما كثيرا".

وقال أبو الحسين بن المنادي: "وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث، والأسماء والكنى، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون عن أسلافهم الإقرار بذلك، حتى إن بعضهم أسرف في تقريظه إياه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث على أبيه".

وقال ابن أبي حاتم: "وكتب إلي بمسائل أبيه وبعلل الحديث، وكان صدوقا ثقة"(1).

وقال ابن الصواف: قال عبد الله بن أحمد: "كل شيء أقول: قال أبي، فقد سمعته مرتين وثلاثة، وأقله مرة"(2).

(1) الجرح والتعديل (5/ 7) والتهذيب (5/ 142).

(2)

تاريخ بغداد (9/ 376) والنبلاء (13/ 520) والتذكرة (2/ 666) والتهذيب (5/ 142) والطبقات (1/ 184).

ص: 267

وقال الإمام النسائي: "ثقة"(1).

وقال بدر بن أبي بدر البغدادي: " عبد الله بن أحمد جهبذ بن جهبذ"(2).

وقال أبو بكر الخلال: "كان عبد الله رجلا صالحا صادق اللهجة كثير الحياء"(3).

وقال السلمي: سألت الدارقطني عن عبد الله بن أحمد بن حنبل وحنبل بن إسحاق فقال: "ثقتان نبيلان"(4).

وقال الخطيب البغدادي: "وكان ثقة ثبتا فهما"(5).

وقال الذهبي: "كان صينا دينا، صاحب حديث واتباع وبصر بالرجال، لم يدخل في غير الحديث"(6).

ثانيا: أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي:

سمع من: عبد الله بن أحمد بن حنبل، وبشر بن موسى، وأحمد بن علي الأبار، وإبراهيم الحربي، وإدريس الحداد، وعبد الله الطيالسي، وجعفر الفريابي، وغيرهم.

وروى عنه: الدارقطني، وابن شاهين، وأبو نعيم الأصبهاني، وابن رزقويه، والحاكم، والبرقاني، والحسن الخلال، وابن المذهب، وبشرى الفاتني، وغيرهم.

ولد سنة: أربع وسبعين ومائتين، ومات سنة: ثمان وستين وثلاثمائة.

قال القطيعي: "كان عبد الله بن أحمد يجيئنا، فيقرأ عليه أبو

(1) تهذيب التهذيب (5/ 143).

(2)

سير أعلام النبلاء (13/ 523) والتهذيب (5/ 143) والمصعد الأحمد (ص39).

(3)

تهذيب التهذيب (5/ 143).

(4)

تهذيب التهذيب (5/ 143).

(5)

تاريخ بغداد (9/ 375).

(6)

سير أعلام النبلاء (13/ 524).

ص: 268

عبد الله بن الجصاص، عم أمي، فيقعدني في حجره، حتى يقال له: يؤلمك؟ فيقول: إني أحبه".

وقال الحاكم: "ثقة مأمون"(1).

وقال السلمي: "سألت الدارقطني عنه، فقال: ثقة زاهد قديم، سمعت أنه مجاب الدعوة"(2).

جرحه:

جرح القطيعي بأمرين:

الأول: غرق كتبه:

قال أبو بكر البرقاني: "كان شيخا صالحا، وكان لأبيه اتصال ببعض السلاطين، فقرئ لابن ذلك السلطان على عبد الله بن أحمد المسند، وحضر ابن مالك - يعني القطيعي - سماعه. ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة"(3).

وقال البرقاني أيضا: "كنت شديد التنقير على حال ابن مالك! حتى ثبت عندي أنه: صدوق لا يشك في سماعه، وإنما كان فيه بله فلما غرقت القطيعة بالماء الأسود غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتاب لم يكن فيه سماعه. ولما اجتمعت مع الحاكم بن عبد الله بن البيع بنيسابور، ذكرت ابن مالك ولينته!! فأنكر علي وقال: ذاك شيخي، وحسن حاله".

(1) ميزان الاعتدال (1/ 87) والمصعد الأحمد (ص42) والكواكب النيرات (ص18).

(2)

سير أعلام النبلاء (16/ 212) والمصعد الأحمد (ص41) والكواكب النيرات (18).

(3)

تاريخ بغداد (4/ 74) ومن طريقه ابن نقطة في التقييد (1/ 139). والنبلاء (16/ 212).

ص: 269

وقال محمد بن أبي الفوارس: " أبو بكر بن مالك كان مستورا صاحب سنة، ولم يكن في الحديث بذاك، له في بعض المسند أصول فيها نظر، ذكر أنه كتبها بعد الغرق"(1).

قلت: وغرق كتبه، ثم نسخها من أصول ليس له عليها سماع لا يوجب تركه على الإطلاق، ولهذا قال الخطيب البغدادي:"وكان بعض كتبه غرق فاستحدث نسخها من كتاب لم يكن فيه سماع، فغمزه الناس. إلا أنا لم نر أحدا امتنع من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به".

الثاني: الاختلاط:

قال الخطيب البغدادي: حدثت عن أبي الحسن بن الفرات: "كان ابن مالك القطيعي مستورا، صاحب سنة كثير السماع، سمع من عبد الله بن أحمد وغيره، إلا أنه خلط في آخر عمره، وكف بصره وخرف حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه"(2).

ولعل ابن الصلاح قد اعتمد على هذه الرواية حينما قال في: "فصل معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات": " وأبو بكر بن مالك القطيعي راوي مسند أحمد وغيره، اختل في آخر عمره وخرف، حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه"(3).

ولكن الحافظ الذهبي تعقب ابن الصلاح بقوله: "فهذا غلو وإسراف، وقد كان أبو بكر أسند أهل زمانه"(4).

كما تعقبه الحافظ العراقي بقوله: "وفي ثبوت هذا عن القطيعي نظر، وهذا القول تبع فيه المصنف - يعني ابن الصلاح - مقالة حكيت عن

(1) تاريخ بغداد (4/ 74) والنبلاء (16/ 212) والميزان (1/ 88).

(2)

تاريخ بغداد (4/ 74). وانظر: النبلاء (16/ 212).

(3)

مقدمة ابن الصلاح (ص357).

(4)

ميزان الاعتدال (1/ 88).

ص: 270

أبي الحسن بن الفرات لم يثبت إسنادها إليه، ذكرها الخطيب في التاريخ فقال: حدثت عن أبي الحسن بن الفرات. . " (1).

ولكن الحافظ ابن حجر العسقلاني تعقب الذهبي وأثبت اختلاط القطيعي حيث قال: "وإنكار الذهبي على ابن الفرات عجيب، فإنه لم ينفرد بذلك؛ فقد حكى الخطيب في ترجمة أحمد بن أحمد المسيبي يقول: قدمت بغداد وأبو بكر بن مالك حي، وكان مقصودنا درس الفقه والفرائض. فقال لنا ابن اللبان الفرضي (2): لا تذهبوا إلى ابن مالك فإنه قد ضعف واختل، ومنعت ابني السماع منه. قال: فلم نذهب إليه"(3).

قلت: والرواية التي ذكرها ابن حجر عن ابن اللبان الفرضي صحيحة الإسناد إليه، ولهذا لما ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء الرواية عن ابن الفرات واتبعها برواية ابن اللبان الفرضي سكت ولم يرد ذلك.

ولكن يجب أن يعلم أن: القطيعي روى مسند الإمام أحمد قبل اختلاطه، حيث قال الحافظ ابن حجر:"كان سماع أبي علي بن المذهب منه لمسند الإمام أحمد قبل اختلاطه، أفاده شيخنا أبو الفضل بن الحسن "(4).

وقال الحافظ العراقي: "وعلى تقدير ثبوت ما ذكره أبو الحسن بن الفرات من التغير، وتبعه المصنف - أي ابن الصلاح - فممن سمع منه في الصحة: أبو الحسن الدارقطني، وأبو حفص بن شاهين، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو بكر البرقاني، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو علي بن المذهب روى المسند

(1) التقييد والإيضاح (ص413) ونقله عن سبط بن العجمي في الاغتباط بمن رمي بالاختلاط (ص39).

(2)

وثقه الخطيب البغدادي في تاريخه (2/ 472).

(3)

لسان الميزان (1/ 145).

(4)

لسان الميزان (1/ 145).

ص: 271

عنه فإنه سمعه عليه في سنة ست وستين. والله أعلم".

ص: 272

الخلاصة:

أبو بكر القطيعي محدث جليل ثقة، لا يوجد فيه شيء يوجب تركه. روى عنه جمع من الأئمة قبل اختلاطه منهم: أبو علي بن المذهب راوي المسند عنه.

ثالثا: أبو علي، الحسن بن علي بن محمد ابن المذهب التميمي:

ولد سنة: خمس وخمسين وثلاثمائة.

سمع من: أبي بكر القطيعي، وأبي محمد بن ماسي، وأبي سعيد الحرفي، وأبي الحسن بن لؤلؤ الوراق، وأبي بكر بن شاذان، وغيرهم.

وسمع منه: الخطيب البغدادي، وابن خيرون، وابن ماكولا، وأبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، ومحمد بن مكي بن دوست، وغيرهم.

قال ابن الجوزي: "ولا يعرف فيه إلا الخير والدين"(1).

وقال ابن كثير: "وكان خيرا دينا"(2).

وقد عابه الخطيب البغدادي بأمرين:

الأول:

قال الخطيب البغدادي: "كتبنا عنه، وكان يروي عن ابن مالك القطيعي مسند أحمد بن حنبل بأسره، وكان سماعه صحيحا إلا في أجزاء منه، فإنه ألحق اسمه فيها. وكذلك فعل في أجزاء من فوائد ابن مالك، وكان يروي عن ابن مالك أيضا كتاب الزهد لأحمد بن حنبل، ولم يكن له

(1) المنتظم لابن الجوزي (8/ 155).

(2)

البداية والنهاية لابن كثير (12/ 63).

ص: 272

به أصل عتيق، وإنما كانت النسخة بخطه، كتبها بأخرة، وليس بمحل للحجة".

وقول الخطيب: "وكان سماعه صحيحا إلا في أجزاء منه" علق عليه الحافظ ابن نقطة بقوله: "ولم ينبه الخطيب من أي مسند هي، ولو فعل ذلك لكان قد أتى بالفائدة. وقد ذكرنا في صدر هذه الترجمة: أن مسندي " فضالة بن عبيد " و" عوف بن مالك " لم يكونا في كتاب أبي علي، وكذلك: أحاديث من مسند: " جابر بن عبد الله، لم توجد في نسخته رواها الحراني عن أبي بكر بن مالك، ولو كان يلحق اسمه كما زعم لألحق ما ذكرناه أيضا" (1).

الثاني:

قال الخطيب البغدادي: "حدثني ابن المذهب، حدثنا محمد بن إسماعيل الوراق، وعلي بن عمر الحافظ، وأبو عمر بن مهدي، قالوا: حدثنا الحسين بن إسماعيل. . . هكذا حدثنيه ابن المذهب من لفظه فأنكرته عليه، وأعلمته أن هذا الحديث لم يكن عند أبي عمر بن مهدي، فأخذ القلم وضرب على اسم ابن مهدي. وكان كثيرا يعرض علي أحاديث في أسانيدها قوم غير منسوبين ويسألني عنهم، فأذكر له أنسابهم، فيلحقها في تلك الأحاديث، ويزيدها في أصوله موصولة بالأسماء، وكنت أنكر عليه هذا الفعل فلا ينثني عنه"(2).

هذه هي جملة انتقادات الخطيب البغدادي على ابن المذهب التميمي، ولكن ابن الجوزي رحمه الله تعالى شدد في الرد على الخطيب، حيث قال: "وقد ذكر الخطيب عنه أشياء لا توجب القدح عند الفقهاء،

(1) التقييد لابن نقطة (1/ 280). وانظر: النبلاء (17/ 642) والميزان (1/ 511) واللسان (2/ 237).

(2)

تاريخ بغداد (7/ 391). وانظر: النبلاء (17/ 642) والميزان (1/ 511) واللسان (2/ 237).

ص: 273

وإنما يقدح بها عوام المحدثين". ثم قال ردا على القدح الأول: "وهذا لا يوجب القدح، لأنه إذا تيقن سماعه للكتاب جاز أن يكتب سماعه بخطه لإجلال الكتب، والعجب من عوام المحدثين كيف يجيزون قول الرجل: أخبرني فلان، ويمنعون إن كتب سماعه بخط نفسه، أو إلحاق سماعه فيها بما يتيقنه. . " (1).

وقال ردا على القدح الآخر: "هذا كله فقه من الخطيب، فإني إذا انتقيت في الرواية عن ابن عمر أنه عبد الله، جاز أن أذكر اسمه، ولا فرق بين أن أقول: حدثنا ابن المذهب، وبين أن أقول: الحسن بن علي بن المذهب. وقد كان في الخطيب شيئان: أحدهما الجري على عادة عوام المحدثين من قبله من قلة الفقه، والثاني: التعصب في المذهب، ونحن نسأل الله السلامة"(2).

قلت: والخلاصة أن: سماع الحسن بن علي بن المذهب للمسند من أبي بكر القطيعي سماع صحيح كما قال الخطيب، إلا أجزاء منه فإنه ألحق اسمه فيها، وهذا لا يضر لأنه قد تيقن سماعه للمسند، والله أعلم.

والعجيب أن الحافظ الذهبي قال: "الظاهر من ابن المذهب أنه شيخ ليس بالمتقن، وكذلك شيخه ابن مالك، ومن ثم وقع في المسند أشياء غير محكمة المتن ولا الإسناد. والله أعلم"(3).

وأخشى أن يكون هذا سبق قلم من الحافظ الذهبي - على جلالته وعلمه - فقد تقدم حال ابن مالك القطيعي، وأما ابن المذهب فقد سمع كتبا وأداها كما سمعها، ولم يجرحه أحد بشيء معتبر. ثم: ما هي

(1) المنتظم (8/ 155).

(2)

المنتظم (8/ 155 - 156).

(3)

الميزان (1/ 512). وانظر: لسان الميزان (2/ 237).

ص: 274

الأشياء غير المحكمة في المسند؟! والله تعالى أعلم.

رابعا: أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين:

ولد في: ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وتوفي في: شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة.

سمع من: ابن المذهب المسند كاملا، ومن أبي الطيب الطبري، وأبي القاسم التنوخي، وأبي محمد الحسين بن المقتدر، وغيرهم.

وسمع منه: أبو طاهر السلفي، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المديني، وأبو الفرج بن الجوزي، وحنبل بن عبد الله الرصافي، وأبو الفضل بن ناصر، وغيرهم.

قال أبو سعد السمعاني: "شيخ ثقة دين، صحيح السماع، واسع الرواية، تفرد وازدحموا عليه، وحدثني عنه معمر بن الفاخر، وأبو القاسم بن عساكر، وعدة، وكانوا يصفونه بالسداد والأمانة والخيرية"(1).

وقال تلميذه ابن الجوزي: "عمر حتى صار سيد أهل عصره، فرحل إليه الطلبة، وازدحموا عليه، وكان ثقة صحيح السماع، وسمعت منه مسند الإمام أحمد، والغيلانيات جميعها وأجزاء المزكي، وهو آخر من حدث بذلك. . . "(2).

وقال الحافظ الذهبي: "الشيخ الجليل، المسند الصدوق، مسند الآفاق"(3).

قال الذهبي أيضا: "كان دينا صحيح السماع"(4).

(1) سير أعلام النبلاء (19/ 538).

(2)

المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (10/ 24). وانظر: مشيخة ابن الجوزي (ص53).

(3)

سير أعلام النبلاء (19/ 536).

(4)

العبر في خبر من غبر (4/ 66).

ص: 275

وقال الحافظ ابن كثير: "كان ثقة ثبتا، صحيح السماع"(1).

وقال ابن العماد الحنبلي: "كان دينا صحيح السماع".

عناية العلماء بالمسند:

سبق أن ذكرت أن مسند الإمام أحمد بن حنبل ديوان عظيم من دواوين السنة النبوية، يحتوي على مادة علمية كبيرة من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولكن الطريقة التي تم فيها ترتيب الكتاب طريقة متعبة، تأخذ جهد الإنسان ووقته، وقد أحس بهذا قديما الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، وتمنى أن يعاد إخراج الكتاب بصورة أفضل، فقال:"فلعل الله يقيض لهذا الديوان العظيم من يرتبه ويهذبه، ويحذف ما كرر فيه، ويصلح ما تصحف، ويوضح حال كثير من رجاله، وينبه على مرسله، ويوهن ما ينبغي من مناكيره، ويرتب الصحابة على المعجم، وكذلك أصحابهم على المعجم، ويرمز على رؤوس الحديث بأسماء الكتب الستة، وإن رتبه على الأبواب فحسن جميل، ولولا أني قد عجزت عن ذلك لضعف البصر، وعدم النية، وقرب الرحيل، لعملت ذلك"(2).

ويقول الشيخ أحمد شاكر في وصف المسند: "فوجدته بحرا لا ساحل له، ونورا يستضاء به، ولكن تنقطع الأعناق دونه، بأنه رتب على مسانيد الصحابة، وجمعت فيه أحاديث كل صحابي متتالية دون ترتيب، فلا يكاد يفيد منه إلا من حفظه، كما كان القدماء الأولون يحفظون، وهيهات، وأنى لنا ذلك. . "(3).

وقد انتبه لهذا عدد من علماء الأمة فعملوا على إعادة إخراجه ليسهل

(1) البداية والنهاية (12/ 203).

(2)

سير أعلام النبلاء (13/ 525). وانظر: المصعد الأحمد (ص39).

(3)

انظر: مقدمة المسند لأحمد شاكر (1/ 4).

ص: 276

البحث فيه، ومن هذه الأعمال:

1 -

ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد في المسند على ترتيب المعجم لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر، المتوفى سنة (571هـ). في هذا الكتاب رتب الحافظ ابن عساكر أسماء الصحابة ترتيبا هجائيا، وبين أمام كل صحابي موقع حديثه في المسند.

2 -

قام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن المحب الصامت، بترتيب المسند على معجم الصحابة، ورتب الرواة كذلك، كترتيب كتاب الأطراف. قال الجزري:"تعب فيه تعبا كثيرا"(1).

3 -

استفاد الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، المتوفى سنة (774هـ) من الكتاب السابق، وأضاف إليه أحاديث الكتب الستة، ومعجم الطبراني الكبير، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى الموصلي. ورتبه على طريقة الكتاب السابق. قال الجزري يصف عمل ابن كثير:"وأجهد نفسه كثيرا وتعب فيه تعبا عظيما، فجاء لا نظير له في العالم، وأكمله إلا بعض مسند أبي هريرة، فإنه مات قبل أن يكمله، إنه عوجل بكف بصره"(2).

4 -

ترتيب مسند أحمد على حروف المعجم لأبي بكر محمد بن عبد الله بن عمر المقدسي الحنبلي المتوفى سنة (820هـ)(3).

5 -

الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب

(1) انظر: المصعد الأحمد (ص39).

(2)

انظر: المصعد الأحمد (39، 40).

(3)

انظر: تاريخ الأدب العربي (3/ 311) وتاريخ التراث العربي (3/ 1 / 221).

ص: 277

البخاري، لعلي بن الحسين بن زكبون، المتوفى سنة (837هـ)(1).

6 -

وضع الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852هـ) كتابا في أطراف المسند سماه: "أطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي، في مجلدين. أفرده ابن حجر من كتابه المسمى: "إتحاف المهرة بأطراف العشرة" (2).

كتب حول المسند:

1 -

خصائص المسند. لأبي موسى المديني، المتوفى سنة (557هـ).

2 -

المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد، لشمس الدين الجزري. المتوفى سنة (833هـ). وحقق هذين الكتابين الشيخ أحمد شاكر في مقدمة تحقيقه للمسند.

ومن الكتب التي ألفت في الذب عن مسند أحمد:

1 -

القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد. لابن حجر المتوفى سنة (852هـ)، طبع عدة طبعات.

2 -

الذيل الممهد، لجلال الدين السيوطي. المتوفى سنة (911هـ)(3).

3 -

ذيل القول المسدد، لمحمد صبغة الله المدراسي. كتبه عام (1281هـ) وهو مطبوع.

(1) انظر: المصعد الأحمد (ص40) وتاريخ الأدب العربي (3/ 311) وتاريخ التراث العربي (3/ 1 / 221).

(2)

انظر: لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ (ص333). والرسالة المستطرفة (ص127).

(3)

ذكره السيوطي في كتابه: تدريب الراوي (1/ 172).

ص: 278

وفي زوائد مسند الإمام أحمد:

ألف الحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي كتابا في زوائد المسند أسماه: "غاية المقصد في زوائد المسند". وقد كان الحافظ الهيثمي قد

ص: 278

ألف كتبا مفردة في: زوائد مسند أبي يعلى الموصلي. ومعاجم الطبراني الثلاثة، فأشار عليه شيخه: الحافظ العراقي بأن يجمع هذه الكتب في مؤلف واحد، ويحذف أسانيدها، ويرتبها على الأبواب، فعمل الحافظ الهيثمي رحمه الله تعالى كتابه الجليل:"مجمع الزوائد، ومنبع الفوائد"(1). وهو كتاب مطبوع ومتداول.

وفي رجال المسند:

قال شمس الدين الجزري: "وأما رجال المسند: فما لم يكن في تهذيب الكمال، أفرده المحدث الحافظ: شمس الدين محمد بن المحب فيما قصر، وما فاته فإني استدركته وأضفته إليه في كتاب سميته: (المقصد الأحمد في رجال مسند أحمد). وقد تلف بعضه في الفتنة، فكتبته بعد ذلك مختصرا "(2).

شروحه ومختصراته:

1 -

ثلاثيات المسند: أخرج أكثرها الحافظ محب الدين المقدسي. المتوفى سنة (613هـ)، وقد شرح هذه الثلاثيات العلامة محمد السفاريني رحمه الله تعالى. وطبع الكتاب في دمشق سنة (1380هـ).

2 -

عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد. لجلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى، وهو عبارة عن شرح لغوي.

(1) انظر: مقدمة مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/ 7).

(2)

المصعد الأحمد (ص40).

ص: 279

3 -

صنف زين الدين عمر بن أحمد الشماع الحلبي مختصرا للمسند أسماه "الدر المنتقد من مسند أحمد "(1).

4 -

ذكر حاجي خليفة أن أبا الحسن بن عبد الهادي السندي صنف شرحا كبيرا لمسند الإمام أحمد جاء في خمسين كراسة (2).

5 -

المنتقى من مسند العشرة المبشرة (3).

عناية العلماء المعاصرين بالمسند:

أولا: عمل الشيخ أحمد البنا رحمه الله تعالى كتابا أسماه: "الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني ". عمل على ترتيب المسند على حسب الأبواب، كما حذف سلاسل الإسناد مكتفيا بذكر اسم الصحابي على الأغلب. وقد شرح رحمه الله تعالى عمله في الأحاديث المكررة، وبين أنه إذا جاء الحديث من عدة طرق لصحابي واحد اكتفى بذكر أصحها إسنادا، وحذف الباقي إلا أن يكون فيه زيادة فائدة، فإنه يثبتها في مكانها اللائق. ويقول:"وفي رواية كذا وكذا" وإذا كانت الزيادة كبيرة أو لا تصلح أن توضع بهذا الشكل قال في نهاية الحديث: (وعنه في أخرى، أو: وعنه من طريق آخر بنحوه). هذا إذا كان الصحابي واحدا.

أما إذا كان الحديث مرويا عن غير واحد من الصحابة فإنه يثبت الأصح إسنادا، وإذا كان في الحديث الآخر أحكام زائدة فإنه يثبت الحديث، ويشير إلى البقية بقوله:"وعن فلان من الصحابة مثله" وهو بذلك قد استوعب أحاديث المسند جميعها (4).

ثم ذيل الشيخ البنا الكتاب بشرح لطيف موجز أسماه: "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني". أثبت فيه أسانيد الأحاديث، وخرجها بإيجاز،

(1) كشف الظنون (2/ 1680).

(2)

كشف الظنون (2/ 1680).

(3)

ذكره فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي (3/ 1 / 221)، ولم يذكر مؤلفه.

(4)

انظر: مقدمة الفتح الرباني (1/ 15 - 16).

ص: 280

ونقل أحكام العلماء عليها من تصحيح أو تضعيف، كما شرح غريب اللغة وبين أبرز الفوائد المستمدة من الحديث.

فخرج الكتاب بصورة جيدة ومفيدة جدا سهل للباحثين، وطلبة العلم الاستفادة من هذا الكتاب الجليل.

وقد ظهر الكتاب بأربعة وعشرين جزءا، بدأه بـ:"كتاب التوحيد"، ثم:"كتاب الإيمان والإسلام"، ثم:"كتاب القدر"، ثم:"كتاب العلم"، ثم:"كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة"، ثم:"كتاب الطهارة". . وهكذا، ختمه بـ:"أبواب ذكر النار والجنة وما جاء فيهما".

ولكن الشيخ أحمد البنا توفي رحمه الله تعالى ولما يكمل كتابه: "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني"، حيث وصل إلى الجزء الثاني والعشرين".

فجاء من بعده الشيخ محمد بحيري وأكمل الجزء الثاني والعشرين بنفس طريقة البنا رحمه الله. ثم كونت لجنة من أبناء الشيخ البنا مع الأستاذ حامد إبراهيم، ومحمد الحسيني، والشيخ التيجاني، فأكملوا الجزء الثالث والعشرين، والرابع والعشرين، بنفس طريقة المؤلف السابقة.

ملاحظات على الكتاب:

1 -

بذل الشيخ أحمد البنا جهدا كبيرا، وأسدى خدمة جليلة لهذا الديوان العظيم، وسهل الاستفادة من هذا البحر الزاخر.

2 -

حبذا لو أن البنا راجع الكتاب على أحد المخطوطات الأصيلة لكي تتم مقارنتها بالنسخة المطبوعة، وفي هذا زيادة في التوثيق.

3 -

تخريج الأحاديث فيه ضعف ملموس، وفيه أوهام كثيرة، قد يعذر فيه المؤلف لكثرة أحاديث الكتاب.

ص: 281

4 -

يعتمد البنا في حكمه على الأحاديث على: المنذري والهيثمي غالبا، ولا شك أن الاستفادة بأحكام المتقدمين أمر مهم ومطلوب. لكن لا يخفى على طالب العلم أن الاعتماد على هذا وحده لا يكفي، حيث يجب دراسة الإسناد دراسة وافية على حسب ما هو مقرر في قواعد علم المصطلح.

5 -

حبذا لو أن الشيخ البنا أشار أمام كل حديث إلى موقعه في طبعة الحلبي؛ لأنها طبعة متداولة ومنتشرة بين طلاب العلم.

6 -

تقدم قبل قليل أن التكرار في مسند الإمام أحمد له فوائد متعددة، سواء في المتن أو في الإسناد. كثير من هذه الفوائد نفقدها عند مراجعة الفتح الرباني.

7 -

تمت طباعة الكتاب طباعة سيئة ومتعبة، وفيها أخطاء مطبعية كثيرة.

ثانيا: عمل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى على تحقيق المسند وترقيمه، وتخريج أحاديثه، والحكم عليها من حيث الصحة أو الضعف. وخرج الكتاب بصورة علمية رائعة تشهد للشيخ بعلمه وحسن اطلاعه، ولكنه رحمه الله لم يتمه؛ حيث بلغ ما حققه ثلث الكتاب تقريبا، حيث خطا شوطا لا بأس به من مسند أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فخرج الكتاب بستة عشر جزءا، وبلغ عدد أحاديثه:(7782) حديثا. ووضع فيه رحمه الله فهارس علمية قيمة لكل جزء على حدة، تسهل البحث فيه، وتجعل الباحث يجد ضالته فيها بسهولة.

وأثبت رحمه الله في المقدمة: كتاب: "خصائص المسند" لأبي موسى المديني، وكتاب:"المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد " لشمس الدين الجزري، وترجمة الإمام أحمد من:"تاريخ الإسلام" للحافظ الذهبي. وحقق هذه الكتب وعلق عليها.

ص: 282

واعتمد أحمد شاكر في تحقيقه للمسند على:

1 -

طبعة الحلبي: وهي الطبعة المتداولة حاليا، وهي ستة أجزاء. طبعت في المطبعة الميمنية بالقاهرة سنة (1313هـ) وبهامشها المنتخب من كنز العمال.

2 -

جزء صغير مطبوع في المطبعة الحيدرية في بمبي بالهند سنة (1308هـ)، وهذه الطبعة إلى مسند سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه، أي: نحو (190) صفحة من الجزء الأول من طبعة الحلبي السابقة الذكر.

3 -

نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية. وصفها أحمد شاكر بأنها: "نسخة صحيحة جيدة الضبط والإتقان، نادرة الغلط"(1).

4 -

وفي بداية الجزء السابع حصل أحمد شاكر على مخطوطة من أبناء الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ. وقال عنها شاكر: "ليست بقديمة، ولكنها صحيحة معتمدة، وفيها تصحيحات نفيسة"(2).

5 -

وفي بداية مسند أبي هريرة رضي الله عنه وجد أحمد شاكر مخطوطة فيها مسند أبي هريرة فقط. كتبت سنة: (837هـ)(3).

ملاحظات على التحقيق:

1 -

يمتاز الكتاب بجودة الترتيب، والإخراج والإعداد، بذل فيه أحمد شاكر جهدا مباركا.

2 -

رقم الأحاديث، وأشار إلى موقع الحديث في طبعة الحلبي.

3 -

يوجد في كل مجلد فهارس علمية جيدة تسهل البحث.

4 -

رجوعه إلى المخطوطات جيد، لكن حبذا لو وصف هذه

(1) انظر في ذلك كله: مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر (1/ 12).

(2)

انظر: مسند أحمد (7/ 5) تحقيق شاكر.

(3)

انظر: مسند أحمد (12/ 81) تحقيق شاكر.

ص: 283

المخطوطات وصفا كافيا، مع الإشارة إلى تاريخ نسخها.

5 -

تخريجه للأحاديث مفيد وجيد، لكن فيه نقصا أحيانا، وحكمه على الأحاديث ممتاز جدا، على تساهل في بعضها.

وبشكل عام خدم الشيخ أحمد شاكر مسند الإمام أحمد خدمة جليلة، قلما يعمل مثلها، نسأل الله عز وجل أن يجعله في موازين أعماله.

ثالثا: قام الدكتور: " الحسيني عبد المجيد هاشم " أستاذ الحديث بكلية أصول الدين - بجامعة الأزهر بمصر بتتمة عمل الشيخ أحمد شاكر، حيث بدأ الحسيني من حيث انتهى أحمد شاكر.

وصدر من عمله هذا حتى الآن أربعة أجزاء من: (17) إلى: (20). صدر الجزء السابع عشر عام (1395هـ)، والثامن عشر عام (1397هـ)، والتاسع عشر بدون تاريخ، والعشرون عام (1404هـ). وشاركه في إخراج الجزء العشرين الدكتور: أحمد عمر هاشم رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر.

لم يكتب الدكتور الحسيني مقدمة عند إخراجه للكتاب يشرح فيها عمله، إلا أنه - من حيث العموم - سار على نفس منهاج شاكر، مع وجود الفارق في التخريج والحكم على الحديث. والظاهر أن الحسيني لم يعتمد في إخراج الكتاب إلا على طبعة الحلبي التي صدرت في القاهرة عام (1313هـ).

رابعا: عمل الأستاذ عبد القادر أحمد عطا بالتعاون مع الدكتور محمد أحمد عاشور على تحقيق مسند الإمام أحمد من بدايته، وخرج من عملهما - فيما أعلم - ثلاثة أجزاء فقط. وبلغ عدد الأحاديث التي تم تحقيقها:(2109) حديثا. ولا أدري هل توقفا عن العمل - وهو الظاهر - أم أنهما لا زالا يعملان في بقية المسند!!

اعتمدا في تحقيقهما على:

1 -

طبعة الحلبي.

ص: 284

2 -

مخطوطة دار الكتب المصرية، وهي نسخة كاملة.

3 -

جزءان مخطوطان في المكتبة الأزهرية. ولم يذكرا شيئا عنها.

4 -

اعتمدا أيضا على الجزء الذي حققه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله.

5 -

كما اعتمدا على الكتب التي تكثر النقل من مسند الإمام أحمد، ومنها:

أ - البداية والنهاية، وتفسير القرآن العظيم. كلاهما الحافظ ابن كثير.

ب - ما أثبته بهاء الدين حيدر بن علي الجاشي في كتابه:

"المعتمد من المنقول فيما أوحي إلى الرسول".

جـ - منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية.

د - إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية.

6 -

كما اعتمدا على بعض كتب السنة الأخرى، منها:

أ - مصنف عبد الرزاق الصنعاني.

ب - مسند ابن الجارود.

جـ - الزهد لابن المبارك، والزهد لأحمد.

د - كتب الرجال كالميزان واللسان وغيرها.

ملاحظات على الكتاب:

تحقيقهما لا يقارن بتحقيق أحمد شاكر. والمحققان قد اطلعا على نسخة شاكر، ولو أنهما عملا عملا أفضل منه لقلنا: إنهما يريدان أن يخرجا الكتاب بالصورة الجيدة، أما حينما يريان نسخة شاكر ويخرجان عملا أقل منه - أو حتى أفضل منه بقليل - لا شك بأن هذا من تبديد الجهود، فلو أنهما شرعا في التحقيق من حيث انتهى أحمد شاكر لكان خيرا لهما ولطلبة العلم، خاصة أن مسند الإمام أحمد ديوان عظيم يحتوي على مادة علمية كبيرة، فيحتاج إلى جهد وتظافر وتكاتف. والذي يثبت

ص: 285

ذلك أنهما توقفا ولما يصلا إلى ما وصل إليه أحمد شاكر. هذا لا يعني أنهما لم يعملا شيئا طيبا، بل على العكس حيث خرجا الأحاديث تخريجا لا بأس به، لكن ينقصه الحكم على الحديث من حيث القوة أو الضعف. كما شرحا غريب اللغة وأثبتا بعض الفوائد القيمة.

كما وعدا بإخراج بعض الفهارس في نهاية الكتاب، لكن هذه الفهارس لم تظهر لعدم إتمامهما للكتاب.

خامسا: أخرج الشيخ عبد الله القرعاوي كتابا رتب فيه المسند على أبواب الفقه، معتمدا على:"الفتح الرباني" للشيخ أحمد البنا. ولكن الشيخ القرعاوي أثبت سلاسل الإسناد ولم يحذف من المسند شيئا.

ويعلل سبب ذلك بأنه يريد أن يثبت جميع الأحاديث وبجميع طرقها متجاورة في الباب الواحد، لكي يتسنى للباحث أن يعرف طرق الحديث والمتابعات والشواهد.

ورقم أحاديث كل باب على حدة، وسمى كتابه:"المحصل" ظهر منه حتى كتابة هذه السطور ثلاثة أجزاء فقط، بدأه "بكتاب التوحيد" ثم "بكتاب الإيمان والإسلام" وختم كل جزء بفهرس للموضوعات.

سادسا: عملت في الآونة الأخيرة بعض الأطروحات العلمية لتحقيق بعض أجزاء من مسند الإمام أحمد، ومنها:

1 -

مرويات بريدة الأسلمي رضي الله عنه في مسند أحمد.

2 -

مرويات سمرة بن جندب رضي الله عنه في مسند أحمد.

3 -

القسم الرابع من مسند الكوفيين في مسند أحمد.

4 -

القسم الثاني من مسند الأنصار في مسند أحمد.

5 -

مرويات زيد بن ثابت رضي الله عنه في مسند أحمد (1).

6 -

تخريج أحاديث أبي ذر رضي الله عنه في مسند أحمد (2).

(1) انظر: الأطروحات الإسلامية لمحيي الدين عطية (1402هـ).

(2)

إعداد: عبد الله علي الجهني في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.

ص: 286

7 -

تخريج أحاديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في مسند أحمد (1).

سابعا: عمل الأستاذ حمدي عبد المجيد السلفي فهرسا لأطراف أحاديث المسند سماه: "مرشد المحتار إلى ما في المسند من الأحاديث والآثار". خرج منه جزأين حتى الآن، وصل بهما إلى حرف الميم.

ثامنا: وفي نفس الوقت أخرج الأستاذ: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول فهرسا لأطراف أحاديث المسند.

يمتاز الأخير بأنه يحوي المسند في مجلد واحد بحيث يسهل تناوله والرجوع إليه.

بينما يمتاز فهرس السلفي بذكر اسم الصحابي الراوي للحديث. كما يحيل للأحاديث المتقاربة في اللفظ.

ومن آثار الإمام أحمد أيضا رحمه الله تعالى.

(1) إعداد: عبد العزيز بن عبد الرحمن العثيم في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.

ص: 287

(2)

فضائل الصحابة:

عمل الأستاذ " وصي الله بن محمد عباس " على تحقيق الكتاب لنيل شهادة الدكتوراة من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى، وأشرف على الرسالة: السيد أحمد صقر. وطبع الكتاب ضمن مطبوعات جامعة أم القرى عام (1403هـ) في جزأين لطيفين.

اعتمد المحقق على نسخة خطية فريدة. كتبت قبل سنة: أربع وأربعين وخمسمائة. كما وجد المحقق جزء فضائل علي من الكتاب، بنسخة خطية كتبت سنة (1027).

يبدأ الكتاب بفضائل أبي بكر الصديق، ثم بفضائل بقية الخلفاء الراشدين، ثم بفضائل بقية العشرة المبشرين بالجنة ما عدا سعيد بن زيد

ص: 287

رضي الله عنه، ثم ببقية الصحابة، وختم الكتاب بفضائل: عبد الله بن عباس رضي الله عنه.

احتوى الكتاب على (1962) نصا، بذل فيه المحقق جهدا طيبا. وأخرج الكتاب بصورة علمية رائعة، وذيله بفهارس علمية قيمة.

ص: 288

(3)

التفسير:

قال أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي:

"لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه من عبد الله بن أحمد؛ لأنه سمع منه: "المسند" وهو ثلاثون ألفا. و"التفسير" وهو مائة ألف وعشرون ألفا، سمع منه ثمانين ألفا، والباقي وجادة. وسمع الناسخ والمنسوخ، والتاريخ، وحديث شعبة. . ".

وذكر هذا الكتاب ابن النديم في: "الفهرست"(1)، والخطيب البغدادي في:"تاريخه"(2)، وابن الجوزي في:"مناقب الإمام أحمد "(3)، وابن حجر في "التهذيب"(4)، وغيرهم.

ولكن الحافظ الذهبي ينكر وجود هذا الكتاب إنكارا شديدا؛ حيث قال: "ما زلنا نسمع بهذا التفسير الكبير لأحمد على ألسنة الطلبة، وعمدتهم حكاية ابن المنادي هذه، وهو كبير قد سمع من جده وعباس الدوري، ومن عبد الله بن أحمد، لكن ما رأينا أحدا أخبرنا عن وجود هذا التفسير، ولا بعضه ولا كراسة منه، ولو كان له وجود، أو لشيء منه لنسخوه، ولاعتنى بذلك طلبة العلم، ولحصلوا ذلك، ولنقل إلينا، ولاشتهر، ولتنافس أعيان البغداديين في تحصيله، ولنقل منه ابن جرير فمن بعده في تفاسيرهم، ولا - والله - يقتضي أن يكون عند الإمام أحمد في التفسير

(1) الفهرست (ص320).

(2)

تاريخ بغداد (9/ 375).

(3)

مناقب الإمام أحمد (ص248).

(4)

تهذيب التهذيب (5/ 142).

ص: 288

مائة ألف وعشرون ألف حديث، فإن هذا يكون في قدر مسنده، بل أكثر بالضعف.

وهذا التفسير لا وجود له، وأنا أعتقد أنه لم يكن، فبغداد لم تزل دار الخلفاء، وقبة الإسلام، ودار الحديث، ومحلة السنن. ولم يزل أحمد فيها معظما في سائر الأعصار، وله تلامذة كبار وأصحاب أصحاب، وهلم جرا إلى بالأمس، حين استباحها جيش المغول، وجرت بها من الدماء سيول، وقد اشتهر ببغداد تفسير ابن جرير وتزاحم على تحصيله العلماء، وسارت به الركبان، ولم نعرف مثله في معناه، ولا ألف قبله أكبر منه، وهو في عشرين مجلدة، وما يحتمل أن يكون عشرين ألف حديث، بل لعله خمسة عشر ألف إسناد، فخذه، فعده إن شئت" (1).

(1) انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 522) و (11/ 328).

ص: 289

(4)

الزهد:

وهو كتاب فريد في بابه، جيد في مضمونه، خال من قصص المتصوفة وأعمالهم المخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:". . ولكن كتاب الزهد للإمام أحمد، والزهد لابن المبارك، وأمثالهما، أصح نقلا من الحلية". وقال أيضا: ". . وأما الزهد للإمام أحمد ونحوه فليس فيه من الأحاديث والحكايات الموضوعة مثل ما في هذه - يعني: الحلية، وصفة الصفوة - فإنه لا يذكر في مصنفاته عمن هو معروف بالوضع، بل قد يقع فيها ما هو ضعيف بسوء حفظ ناقله، وكذلك الأحاديث المرفوعة ليس فيها ما يعرف أنه موضوع قصد الكذب فيه، كما ليس ذلك في مسنده، لكن فيه ما يعرف أنه غلط، غلط فيه رواته، ومثل هذا يوجد في غالب كتب الإسلام، فلا يسلم كتاب من الغلط إلا القرآن "(1).

وقال الحافظ ابن كثير: " وقد صنف أحمد في الزهد كتابا حافلا

(1) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (18/ 72).

ص: 289

عظيما لم يسبق إلى مثله ولم يلحقه أحد فيه " (1).

والكتاب بدأه الإمام أحمد بزهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بزهد الأنبياء، ثم بزهد الصحابة، ثم بزهد التابعين.

طبع الكتاب عدة طبعات بدون أي عناية علمية، إلى أن جاء الأستاذ محمد جلال شرف وحققه تحقيقا لا بأس به، ثم حققه ورقم نصوصه وفهرسها الأستاذ: محمد السعيد بن بسيوني زغلول.

(1) البداية والنهاية لابن كثير (10/ 329).

ص: 290

(5)

الرد على الزنادقة والجهمية:

نسبه للإمام أحمد: ابن النديم في "الفهرست"(1)، وابن الجوزي في:"مناقب الإمام أحمد "(2)، وبروكلمان (3)، وفؤاد سزكين (4).

ولكن يشكك في نسبته للإمام أحمد:

1 -

الحافظ الذهبي: وحجته: أن في سند الكتاب إلى الإمام أحمد: الخضر بن المثنى وهو مجهول (5).

2 -

زاهد الكوثري: في تعليقه على كتاب: "الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية"(6).

3 -

وهبي بن سليمان غاوجي الألباني: في كتابه: " أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء" ضمن سلسلة أعلام المسلمين.

لكن هناك من يصحح نسبة الكتاب للإمام أحمد بن حنبل، منهم: الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه الجليل: "اجتماع الجيوش الإسلامية"، ونسب ذكر ذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية، والقاضي: أبو الحسن بن

(1) الفهرست (ص320).

(2)

مناقب الإمام أحمد (ص248). وانظر: المنهج الأحمد (1/ 67).

(3)

تاريخ الأدب العربي (3/ 311).

(4)

تاريخ التراث العربي (3/ 1 / 206).

(5)

انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 286).

(6)

لابن قتيبة (ص55) مكتبة القدس. القاهرة 1349هـ.

ص: 290

القاضي أبي يعلي في كتابه: "إبطال التأويل" حيث قال: "قرأت في كتاب أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قرأت على أبي صالح بن أحمد هذا الكتاب فقال: هذا الكتاب عمله أبي في مجلسه ردا على من احتج بظاهر القرآن، وترك ما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يلزم اتباعه". وهذا يثبت طريقا آخر غير طريق: الخضر بن المثنى.

كما أن أبا بكر الخلال يروي الكتاب عن طريق الوجادة من طريق: عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه الإمام أحمد، وهذا يثبت طريقا ثالثا للكتاب.

وقال ابن القيم: "لم يسمع من أحد من متقدمي أصحاب الإمام أحمد، ولا متأخريهم طعن فيه، والله أعلم". وقد اقتبس شيخ الإسلام ابن تيمية من هذا الكتاب في عدة مواضع من كتابه الجليل: "درء تعارض العقل مع النقل" وغيره.

قلت: الكتاب بدأه الإمام أحمد بالرد على الزنادقة الذين يتتبعون متشابه القرآن، ويضربون آياته بعضها مع بعض. ثم بدأ بالرد على الجهمية المعطلة الذين يقولون بخلق القرآن، ثم رد عليهم حينما جحدوا نظر المؤمنين لله عز وجل يوم القيامة، ثم رد على عليهم إنكارهم: من أن يكون الله كلم موسى عليه الصلاة والسلام، ثم رد عليهم إنكارهم: أن يكون الله على العرش، ثم تكلم عن المعية وتفسير قوله تعالى:

{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} (1)(سورة المجادلة آية 7).

ثم عاد للرد عليهم في قضية خلق القرآن، وختم كتابه بالرد على

(1) سورة المجادلة الآية 7

ص: 291

الجهمية تأويلهم لقوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} (1)(سورة الحديد آية 3).

(1) سورة الحديد الآية 3

ص: 292

(6)

العلل ومعرفة الرجال:

وهو برواية: ابن الصواف عن عبد الله بن أحمد عن أبيه الإمام أحمد بن حنبل.

طبع الجزء الأول من الكتاب في أنقرة بتركيا سنة (1963م)، ثم توقف العمل بالكتاب حتى سنة (1987م) حيث طبع بقية الكتاب في جزء آخر. وكلا الجزأين بتحقيق: الدكتور طلعت قوج، وإسماعيل جراح أوغلي.

واعتمدا في التحقيق على نسخة خطية كاملة موجودة في أيا صوفيا بتركيا.

ويوجد للكتاب نسخة خطية جيدة في: المكتبة الظاهرية بدمشق (1). وقد بدأ بتحقيقه مرة أخرى الأستاذ وصي الله بن محمد عباس (2)، على اعتبار أن الكتاب لم يطبع منه إلا جزء واحد. والآن بعد أن تم إخراج الكتاب كاملا لا أدري هل سوف يستمر وصي الله بالتحقيق أم لا؟

(7)

الأشربة:

وهو مطبوع بتحقيق: السيد صبحي جاسم البدري سنة (1396هـ). تم طبع بتحقيق: عبد الله حجاج سنة (1401هـ).

(8)

الأسامي والكنى:

وهو من أوائل الكتب التي ألفت في علم الرجال، نشره وحققه: عبد الله بن يوسف الجديع، عام 1406هـ.

(1) انظر: تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (3/ 312) وتاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين (1/ 3 / 204).

(2)

انظر: مقدمة كتاب فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، تحقيق وصي الله عباس (1/ 25).

ص: 292

(9)

الورع:

طبع لأول مرة في القاهرة سنة (1340هـ) بدون عناية. ثم في عام 1403هـ حققته الدكتورة: زينب إبراهيم القاروط، اعتمادا على النسخة المطبوعة عام 1340هـ. ثم طبعه اعتمادا على هذه النسخة المطبوعة أيضا: محمد السعيد بن بسيوني زغلول عام 1406هـ.

(10)

رسالة الصلاة:

طبعت لأول مرة في القاهرة سنة (1322هـ)، وفي نسبتها للإمام أحمد نظر (1).

(11)

الإيمان:

قال أبو حاتم: "أول ما لقيت أحمد سنة ثلاث عشرة ومئتين، فإذا قد أخرج معه إلى الصلاة: "كتاب الأشربة" و"كتاب الإيمان" فصلى، ولم يسأله أحد. فرده إلى بيته. وأتيته يوما آخر، فإذا قد أخرج الكتابين. فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك؛ لأن كتاب الإيمان أصل الدين، وكتاب الأشربة صرف الناس عن الشر، فإن كل الشر من السكر"(2).

وكتاب الإيمان توجد منه نسخة خطية في: المتحف البريطاني (3).

(12)

كتاب أهل الردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض ونحو ذلك:

توجد منه نسخة خطية في: مكة المكرمة (4). ونسخة أخرى ضمن: "كتاب الجامع" للخلال في: دار الكتب المصرية (5).

(1) انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 287) و (11/ 330).

(2)

مناقب الإمام أحمد (ص249) وسير أعلام النبلاء (11/ 301).

(3)

تاريخ التراث العربي (1/ 3 / 226).

(4)

تاريخ التراث العربي (1/ 3 / 225).

(5)

انظر تعليق: محمد رشاد سالم على كتاب: "درء تعارض العقل مع النقل"(8/ 390).

ص: 293

(13)

كتاب الوقوف والوصايا:

توجد منه نسخة خطية في: مكة المكرمة (1). ونسخة أخرى ضمن: "كتاب الجامع" للخلال في: دار الكتب المصرية (2).

(14)

أحكام النساء:

توجد منه نسخة مخطوطة في: مكة المكرمة (3).

(15)

الترجل:

توجد منه نسخة مخطوطة في: مكة المكرمة (4).

ومما ذكره ابن النديم في الفهرست أيضا (5).

(16)

الناسخ والمنسوخ (6).

(17)

الفرائض.

(18)

المناسك (7).

(19)

طاعة الرسول.

ومما ذكره ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد (8).

(1) تاريخ التراث العربي (1/ 3 / 225).

(2)

تاريخ التراث العربي (1/ 3 / 225).

(3)

تاريخ التراث العربي (1/ 3 / 225).

(4)

تاريخ التراث العربي (1/ 3 / 225).

(5)

الفهرست (ص320).

(6)

وذكره أيضا: ابن الجوزي في مناقب الإمام (ص248).

(7)

وذكره أيضا: ابن الجوزي في مناقب الإمام (ص248).

(8)

مناقب الإمام أحمد (ص248).

ص: 294

(20)

التاريخ. .

(21)

حديث شعبة.

(22)

المقدم والمؤخر في القرآن.

(23)

جوابات القرآن.

(24)

نفي التشبيه.

(25)

الإمامة.

هذا بالإضافة إلى كتب المسائل والتي تضم إجابات الإمام أحمد بن حنبل على أسئلة تلاميذه في العلوم المختلفة. ذكر الحافظ الذهبي ما يقارب: (47) جامعا لها. كما ذكر الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه: "موارد ابن القيم في كتبه": (70) جامعا لها (1).

ومن أبرز هذه المسائل:

1 -

مسائل الإمام أحمد: لعبد الله بن أحمد بن حنبل.

2 -

مسائل الإمام أحمد: لأبي داود السجستاني.

3 -

مسائل الإمام أحمد: لابن هانئ.

4 -

مسائل الإمام أحمد: للأثرم.

5 -

مسائل الإمام أحمد: للميموني.

6 -

مسائل الإمام أحمد: للبغوي.

وغيرها.

ثم جمع أبو بكر الخلال سائر ما عند تلاميذه من أقواله وفتاويه. قال

(1) انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 330، 331). وانظر: موارد ابن القيم في كتبه (ص93 - 109).

ص: 295

الذهبي: "وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال أحمد، وفتاويه، وكلامه في العلل، والرجال والسنة والفروع، حتى حصل عنده من ذلك ما لا يوصف كثرة. ورحل إلى النواحي في تحصيله، وكتب عن نحو من مائة نفس من أصحاب الإمام. ثم كتب كثيرا من ذلك عن أصحاب أصحابه، وبعضه عن رجل، عن آخر عن الإمام أحمد. ثم أخذ في ترتيب ذلك، وتهذيبه، وتبويبه، وعمل كتاب "العلم" وكتاب "العلل" وكتاب "السنة" كل واحد من الثلاثة من ثلاث مجلدات.

ويروي في غضون ذلك من الأحاديث العالية عنده، عن أقران أحمد من أصحاب ابن عيينة ووكيع وبقية مما يشهد له بالإمامة والتقدم، وألف كتاب "الجامع" في بضعة عشر مجلدة، أو أكثر. . " (1).

أحاديث الإمام أحمد في كتب السنة:

أولا: في صحيح الإمام البخاري:

قال الحافظ الذهبي: "حدث عنه البخاري حديثا، وعن أحمد بن الحسن عنه حديثا آخر في المغازي"(2).

وقال الحافظ ابن حجر: "وليس للمصنف - أي: البخاري - في هذا الكتاب رواية عن أحمد إلا في هذا الموضع، وأخرج عنه في آخر المغازي حديثا بواسطة"(3).

وبهذا يتبين - من رأي الحافظين - أن للإمام أحمد حديثين فقط في: صحيح البخاري. ولكن ذكر ابن القيسراني - من قبلهما - حديثا ثالثا في كتاب الصدقات، حيث قال: "روى البخاري عن أحمد بن الحسن الترمذي عنه حديثا واحدا في آخر المغازي في مسند بريدة قوله:

(1) سير أعلام النبلاء (11/ 331).

(2)

سير أعلام النبلاء (11/ 181).

(3)

فتح الباري (9/ 124).

ص: 296

أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة. وقال في كتاب الصدقات: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا أبي، ثنا ثمامة الحديث، ثم قال عقبه: وزادني أحمد بن حنبل (1) عن محمد بن عبد الله الأنصاري.

وقال في كتاب النكاح: قال لنا أحمد بن حنبل رحمه الله. لم يقل: حدثنا ولا أخبرنا، وهو حديث الثوري عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حرم من النسب سبع. . الحديث" (2).

هكذا قال ابن القيسراني: "كتاب الصدقات". قلت: ولعل الصواب: "كتاب اللباس" وسوف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وإليك الآن أحاديث أحمد في صحيح البخاري:

1 -

قال البخاري: وقال لنا أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني: حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع. ثم قرأ:

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (3) الآية (النساء: 23).

فكما ترى قال البخاري: "قال لنا أحمد بن حنبل " ولم يقل: "حدثنا أو أخبرنا". قال أبو جعفر بن حمدان النيسابوري: "كل ما قال البخاري: قال لي فلان، فهو "عرض، ومناولة" (4).

ولكن ابن حجر يقول: "هذا فيما قيل أخذه المصنف عن الإمام أحمد في المذاكرة أو الإجازة، والذي ظهر لي بالاستقراء أنه إنما استعمل هذه الصيغة في الموقوفات، وربما استعملها فيما فيه تصور ما عن شرطه، والذي هنا من الشق الثاني"(5).

(1) الذي في صحيح البخاري: "وزادني أحمد" هكذا غير منسوب. وسوف يأتي بيانه.

(2)

الجمع بين رجال الصحيحين (1/ 5).

(3)

سورة النساء الآية 23

(4)

علوم الحديث لابن الصلاح (ص63).

(5)

فتح الباري (9/ 154).

ص: 297

2 -

وقال البخاري: حدثني ابن الحسن، حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن كهمس، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ست عشرة غزوة".

3 -

وقال البخاري: حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني أبي، عن ثمامة، عن أنس:"أن أبا بكر لما استخلف كتب له، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد: سطر، ورسول: سطر، والله: سطر".

قال أبو عبد الله: وزادني أحمد: حدثنا الأنصاري، قال: حدثني أبي، عن ثمامة، عن أنس قال:«كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، فلما كان عثمان جلس على بئر أريس، قال: فأخرج الخاتم يعبث به، فسقط. قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فننزح البئر، فلم نجده (1)» .

فكما ترى قال البخاري: "وزادني أحمد " هكذا غير منسوب، وقد تقدم جزم ابن القيسراني بأنه أحمد بن حنبل. قال الحافظ ابن حجر:" وأحمد المذكور جزم المزي في الأطراف أنه أحمد بن حنبل. لكن لم أر هذا الحديث في مسند أحمد من هذا الوجه أصلا".

قلت: ولهذا قال الذهبي، ومن بعده ابن حجر: إنه لا يوجد في صحيح البخاري عن أحمد إلا حديثين، كما تقدم قبل قليل. فلعله على اعتبار

(1) أخرجه: البخاري، كتاب اللباس، باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟ (10/ 328) رقم (5878، 5879). ولم أجد هذا الحديث في مسند الإمام أحمد.

ص: 298

أن أحمد هذا هو غير أحمد بن حنبل. والله أعلم.

ثانيا: في صحيح مسلم:

روى الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه (20) حديثا فقط عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

ومن الأمثلة على حديث الإمام أحمد في صحيح مسلم:

1 -

قال مسلم: حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا: معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر أحاديث منها، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما قرية أتيتموها، وأقمتم فيها، فسهمكم فيها. وأيما قرية عصت الله ورسوله، فإن خمسها لله ولرسوله. ثم هي لكم (1)» .

2 -

وقال مسلم: وحدثني أحمد بن حنبل، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (2)» .

ثالثا: في سنن أبي داود:

أكثر الإمام أبو داود عن الإمام أحمد بن حنبل حيث لازمه فترة طويلة، وبلغ عدد أحاديث الإمام أحمد في سنن أبي داود (220) حديثا. ولهذا

(1) أخرجه: أحمد (2/ 317) ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء (3/ 1376) رقم (1756). وأبو داود: كتاب الخراج والإمارة، باب في إيقاف أرض السواد وأرض العنوة (3/ 166) من طريق أحمد أيضا.

(2)

أخرجه: أحمد (2/ 455) ومن طرق أخرى (2/ 331 و517 و531) ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب كراهية الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن (1/ 493) رقم (710). كما أخرجه: ابن ماجه (1151) وأبو داود (1266) من طريق أحمد وغيره. والترمذي (421) والنسائي (2/ 116). أما مواضع حديث أحمد في صحيح مسلم فهي: (1/ 152 و197 و369 و409 و493) و (2/ 933 و944) و (3/ 1186 و1303 و1376 و1448 و1534 مرتين و1656) و (3/ 186 و1688 و1649) و (4/ 1804 و1882 و1903).

ص: 299

يعتبر أبو داود أكثر من روى عن الإمام أحمد بن حنبل من أصحاب الكتب الستة.

وإليك أمثلة على حديث الإمام أحمد في سنن أبي داود:

1 -

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا هشيم، أخبرنا سيار، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال:«كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما ذهبنا لندخل قال: أمهلوا حتى ندخل ليلا، لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة (1)» .

2 -

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«العين حق (2)» .

تنبيه: قال الحافظ الذهبي: "روى أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، عن رجل عنه".

قلت: جميع الأحاديث التي رواها أبو داود عن أحمد رواها بدون واسطة. والله تعالى أعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

(1) أخرجه: أحمد (3/ 303) وهو في سنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب في الطروق (3/ 90) رقم (2778). وأخرجه أيضا: البخاري رقم (5079) ومسلم (2/ 1088) و (3/ 1527).

(2)

الأحاديث التي ذكرت قبل قليل كأمثلة لحديث أحمد في صحيح مسلم تصلح أن تكون أيضا أمثلة لحديث أحمد في سنن أبي داود لأنه رواها من طريقه أيضا.

ص: 300

"

فهرس المصادر والمراجع

"

1 -

إعلام الموقعين عن رب العالمين: لابن القيم. ت. محمد محيي الدين عبد الحميد.

2 -

الاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاط: لسبط ابن العجمي. الدار العلمية - الهند 1406 هـ.

3 -

الأنساب: للسمعاني. دائرة المعارف العثمانية - حيدر أباد الدكن، الطبعة الأولى 1382هـ.

4 -

البداية والنهاية: لابن كثير. مكتبة المعارف - بيروت. الطبعة الرابعة 1982م.

5 -

التاريخ: ليحيى بن معين. ت. أحمد نور سيف. مركز البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز. الطبعة الأولى 1399هـ.

6 -

تاريخ الأدب العربي: لبروكلمان. دار المعارف بمصر. ترجمة عبد الحليم النجار.

7 -

تاريخ بغداد: للخطيب البغدادي. مطبعة السعادة - مصر. الطبعة الأولى 1349هـ.

8 -

تاريخ التراث العربي: لفؤاد سزكين. نشر جامعة الإمام محمد بن سعود. الطبعة الأولى 1403هـ.

9 -

تاريخ دمشق: لابن عساكر. نشر مجمع اللغة العربية - دمشق.

10 -

تحفة الأشراف: للمزي. الدار العلمية بالهند. الطبعة الأولى 1386هـ.

11 -

تدريب الراوي: للسيوطي. طبعة المكتبة العلمية - المدينة المنورة 1379 هـ.

12 -

تذكرة الحفاظ: للذهبي. حيدر آباد الدكن. الطبعة الثالثة 1375هـ.

13 -

ترتيب أسماء الصحابة: لابن عساكر. مخطوط في جامعة الإمام محمد بن سعود برقم (4919).

14 -

ترجمة الإمام من "تاريخ الإسلام": للذهبي. دار الوعي بحلب. بدون تاريخ.

15 -

توضيح الأفكار: للصنعاني. مطبعة السعادة - مصر. 1366هـ.

16 -

تعجيل المنفعة: لابن حجر. دار المحاسن للطباعة - القاهرة. الطبعة الأولى 1386هـ.

17 -

التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد: لابن نقطة - حيدر آباد الدكن. الطبعة الأولى 1404هـ.

18 -

التقييد والإيضاح: للعراقي. دار الحديث - بيروت. الطبعة الثانية 1405هـ.

19 -

تهذيب التهذيب: لابن حجر. حيدر آباد الدكن. الطبعة الأولى 1325هـ.

20 -

الجرح والتعديل: لابن أبي حاتم. حيدر آباد الدكن. الطبعة الأولى 1371هـ.

21 -

حلية الأولياء: لأبي نعيم. دار الكتب العلمية. بيروت.

22 -

خصائص المسند: لأبي موسى المديني. ت. أحمد شاكر في مقدمة المسند.

23 -

الرد على الزنادقة والجهمية: لأحمد بن حنبل. ت. عبد الرحمن عميرة.

24 -

الرسالة المستطرفة: للكتاني.

25 -

الزهد: للإمام أحمد بن حنبل. ت. محمد السعيد زغلول. دار الكتاب العربي. الطبعة الأولى 1406هـ.

26 -

سير أعلام النبلاء: للذهبي - مؤسسة الرسالة - بيروت. الطبعة الأولى 1401هـ.

27 -

شذرات الذهب: لابن العماد الحنبلي. مكتبة القدس. الطبعة الأولى 1350هـ.

28 -

شرح علل الترمذي: لابن رجب الحنبلي. ت. السامرائي. عالم الكتب. الطبعة الثانية 1405هـ.

29 -

طبقات الحنابلة: مطبعة السنة المحمدية 1371هـ. تحقيق محمد حامد الفقي.

30 -

طبقات الشافعية الكبرى: للسبكي. مطبعة عيسى البابي الحلبي - مصر - 1382هـ.

31 -

العبر في خبر من غبر: للذهبي. ت. صلاح الدين المنجد. دائرة المطبوعات والنشر بالكويت.

32 -

العلل: لعلي بن المديني. ت. محمد الأعظمي. المكتب الإسلامي - الطبعة الثانية 1980م.

ص: 301

33 -

العلل ومعرفة الرجال: لأحمد بن حنبل. ت. طلعت قوج. تركيا 1963 م.

34 -

علوم الحديث: لابن الصلاح. ت. نور الدين عتر - حلب 1386 هـ.

35 -

الفتاوى: لشيخ الإسلام ابن تيمية. مجموع ابن قاسم. نشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

36 -

فتح الباري: المكتبة السلفية - المدينة المنورة. ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي.

37 -

الفتح الرباني: أحمد البنا - دار الشهاب - القاهرة.

38 -

فتح المغيث: للسخاوي. مصورة دار الكتب العلمية - بيروت.

39 -

الفروسية: لابن القيم. مطبعة الأنوار - مصر - 1360هـ.

40 -

فضائل الصحابة: لأحمد بن حنبل. ت. وصي الله بن محمد عباس. جامعة أم القرى 1403هـ.

41 -

الفهرست: لابن النديم. دار المعرفة - بيروت - 1398هـ.

42 -

فهرست ما رواه عن شيوخه: للإشبيلي. دار الآفاق الجديدة. الطبعة الثانية 1399هـ.

43 -

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: لابن تيمية. إدارة ترجمان السنة. لاهور 1397 هـ.

44 -

القول المسدد في الذب عن مسند أحمد: لابن حجر - حيدر آباد الدكن 1319 هـ.

45 -

كشف الظنون: لحاجي خليفة - دار الفكر - بيروت 1402 هـ.

46 -

الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات: لابن كيال. ت - حمدي السلفي - 1401هـ.

47 -

لسان الميزان: لابن حجر. دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن 1329 هـ.

48 -

المحصل: للقرعاوي. دار العليان للنشر - بريدة. الطبعة الأولى 1405هـ.

49 -

المسند: لأحمد بن حنبل. الطبعة الميمنية بالقاهرة 1313 هـ. مصدرة المكتب الإسلامي.

50 -

المسند: لأحمد بن حنبل. ت. أحمد شاكر.

51 -

المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد: للجزري. ت. أحمد شاكر في مقدمة المسند.

52 -

المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: لابن الجوزي. دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد. الطبعة الأولى 1358هـ.

53 -

منهاج السنة النبوية: لابن تيمية مطبعة بولاق - مصر - 1321هـ.

54 -

المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد: للعليمي. مطبعة المدني - القاهرة 1383 هـ.

55 -

مناقب الإمام أحمد: لابن الجوزي. طبعة الخانجي - القاهرة 1349 هـ.

56 -

الموضوعات: لابن الجوزي. المكتبة السلفية - المدينة المنورة 1386 هـ.

57 -

ميزان الاعتدال: للذهبي. ت. علي البجاوي. الطبعة الاولى 1382هـ.

58 -

النجوم الزاهرة: لابن تغري بردي. نشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر. الطبعة الأولى 1393هـ.

59 -

وفيات الأعيان: لابن خلكان. ت. إحسان عباس. دار الثقافة بيروت. 1388هـ.

ص: 302