الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغيلة أن يكون على مال فهو بعض المتأخرين (1) ومقتضى استدلال ابن تيمية التعميم، حيث علل ذلك بقوله: لتعذر الاحتراز كالقتل مكابرة، فيمكن أن يحمل ما نقل عنه من ذكر المال ونحوه على التمثيل. وكذا تسمية العلماء ما جاء في أثر عمر من قتل الجماعة للغلام خشية أن يفضحهم قتل غيلة. ولم يكن ذلك على مال ولا لأخذ شيء من الغلام، وقد استدل المالكية بهذا الأثر على مطلوبهم من أن من قتل غيره غيلة يقتل حدا، ولم ينكر من خالفهم أنه غيلة وإنما تأولوا الأثر بما يتفق مع ما ذهبوا إليه من أن قتلهم كان قصاصا.
هذا ومهما يكن من الاختلاف في ضابط قتل الغيلة، فلا أثر له بالنسبة لمن لم يفرق بين نوع القتل العمد العدوان في إيجابها القصاص دون الحد، وقبول عفو أولياء الدم في ذلك، إنما يظهر أثر الاختلاف في ضابط قتل الغيلة لمن فرق بين جزاء من قتل غيلة ومن قتل عمدا غير غيلة، فقط يكون قتل غيلة تترتب عليه آثاره عند بعضهم ما لا يكون غيلة عند آخرين فلا تترتب عليه آثاره.
(1) ص17 من الإعداد
الخلاف بين الفقهاء فيما يوجبه قتل الغيلة:
اختلف الفقهاء فيما يوجبه قتل الغيلة، فقال الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية: إنه يوجب القتل قصاصا كسائر أنواع القتل عمدا عدوانا، وعليه يكون الحق في قتل الجاني لأولياء الدم من ورثة القتيل أو عصبته، فيجب تنفيذه إن اتفقوا على ذلك، ويسقط بعفوهم أو عفو بعضهم. وقال أبو الزناد ومالك وابن تيمية وابن القيم ومن وافقهم: إنه يوجب قتل الجاني حدا لا قودا، فيتولى تنفيذه السلطان أو نائبه، ولا يسقط بعفو أحد، لا السلطان ولا غيره.
استدل من قال: إنه يقتل قصاصا بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.
أما الكتاب فعموم قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (1) قالوا: جعل الله سبحانه الحق في الدم لأولياء القتيل من ورثة أو عصبة دون غيرهم، وعمم في ذلك فلم يخص قتلا دون قتل، والأصل بقاء النص على عمومه حتى يرد ما يصلح لتخصيصه.
وأيضا عموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسََانٍ} (2) فحكم تعالى في عموم القتلى بوجوب القصاص إلا ما خصه الدليل، فأوجب فيه الدية أو لم يوجب فيه شيئا، كما عمم تعالى في العفو بقوله:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (3) فلم يخص به قتلا دون قتل، فوجب تعميمه في كل قتل عمد عدوان غيلة كان أم غير غيلة.
ونوقش الاستدلال بالآيتين بأنهما وإن كان ظاهرهما العموم، إلا أنه قد ورد ما يصلح لتخصيص عمومهما، وسيأتي مناقشة المخصص عند الاستدلال به للقول الثاني. ونوقش الاستدلال بالآية الثانية بأنها نزلت في مقاصة بين قتلى بالفعل في حرب فتنة بين المسلمين، فمن بقي له قتلى بعد المقاصة أخذ ديتهم، وليست في القصاص من جان معين لقتيله، ممن اختار تفسيرها بذلك ابن تيمية رحمه الله.
(1) سورة الإسراء الآية 33
(2)
سورة البقرة الآية 178
(3)
سورة البقرة الآية 178
وأما السنة فعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين، إما أن يأخذوا العقل أو أن يقتلوا (1)» . فجعل عليه الصلاة والسلام الخيرة لأهل القتيل بين العقل والقصاص في كل قتل غيلة كان أم غير غيلة.
ونوقش بما تقدم من وجود مخصص لعمومه، وسيأتي مناقشة المخصص إن شاء الله.
وأما الإجماع فما رواه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي برجل قد قتل عمدا فأمر بقتله بعد عفو فقال ابن مسعود رضي الله عنه: كانت لهم النفس فلما عفا هذا أحيا النفس، فلا يستطيع أن يأخذ حقه حتى يأخذ غيره. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل الدية عليه في ماله، وترفع حصة الذي عفا. فقال عمر: وأنا أرى ذلك. فأجاز عمر وابن مسعود العفو من أحد الأولياء، ولم يسألا أقتل غيلة كان ذلك أم غيره، ولم يعرف لهما في ذلك مخالف فكان إجماعا.
ونوقش بأنه منقطع، لأن إبراهيم- هو ابن يزيد النخعي ولد سنة 50 هـ وعمر مات سنة 23 هـ، وعليه فما ادعى من الإجماع غير صحيح، لأنه سكوتي لا قولي ولا عملي، والسكوتي هنا فرع ثبوت القضية وهي لم تثبت.
ويمكن أن يناقش أيضا بأن عدم الاستفسار بناء على أن الأصل عموم القصاص في كل قتل عمد عدوان.
وأيضا ما روى عبد الرزاق عن سماك بن الفضل أن عروة كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل خنق صبيا على أوضاح له حتى قتله، فوجدوه والحبل في يده، فاعترف بذلك، فكتب أن ادفعوه لأولياء الصبي فإن شاءوا قتلوه. ولم يسأل عمر عن صفة القتل أهو غيلة أم لا، ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعا.
ونوقش بأن فيه عنعنة عبد الرزاق بن همام، وهو مدلس. ونوقش الأثران بأن كل منهما واقعة عين لا عموم لها، ودعوى ترك السؤال مجرد احتمال
(1) سنن الترمذي الديات (1406)، سنن أبو داود الديات (4504).
لا دليل عليه، إذ ليس في كل من الأثرين ثبوت السؤال ولا نفيه، ومع تساوي الاحتمالين يسقط الاستدلال.
أما القياس فقالوا فيه: إنه قتل في غير حرابة، فكان كسائر أنواع القتل في إيجاب القصاص وقبول العفو، لعدم الفارق. ونوقش بوجود الفارق، بأنه من الحرابة أو كالحرابة، ويتبين ذلك مما يأتي في الاستدلال للقول الثاني إن شاء الله.
واستدل من قال: إن قتل الغيلة يقتل فيه الجاني حدا لا قودا، فلا يسقط بالعفو من السلطان أو غيره بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.
أما الكتاب فإن قتل الغيلة نوع من الحرابة، فوجب به القتل حدا لا قودا لقوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} (1) الآية.
ونوقش بمنع كونه نوعا من الحرابة. وأما السنة (أ) ما ثبت «أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين، فسألوها: من صنع هذا بك؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهوديا، فأومات برأسها، فأخذ اليهودي فأقر، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضوا رأسه بالحجارة (2)» .
قالوا: قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل اليهودي ولم يجعل ذلك إلى أولياء الجارية، ولو كان القتل قصاصا لكان الحق لأوليائها، ولم يضرب عنهم صفحا، فدل ذلك على أنه قتله حدا لا قودا.
ب- ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل العرنيين الذين قتلوا الرعاء قتل حرابة وغيلة، ولم ينقل أنه جعل لأولياء الرعاء الخيار، ولو كان قتله إياهم قصاصا لشاورهم وطلب رأيهم، فدل على أنه قتلهم حدا لا قودا.
وبذلك يتبين أن قتل الغيلة له حكم خاص يختلف عن حكم سائر القتل العمد العدوان، ونوقش الاستدلال بالحديثين بأن عدم نقل مشورة النبي
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
صحيح البخاري الديات (6877)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1672)، سنن الترمذي كتاب الديات (1394)، سنن النسائي القسامة (4742)، سنن أبو داود الديات (4535)، سنن ابن ماجه الديات (2666)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 203)، سنن الدارمي الديات (2355).
-صلى الله عليه وسلم أولياء الجارية والرعاة لا يدل على عدم المشاورة ولا على ثبوتها، فلا يصح أن يخصص هذان الحديثان أدلة عموم القصاص بالقتل العمد العدوان، ثم إن العرنيين جمعوا بين جريمة القتل والسرقة والتمثيل أو الردة فقتلوا حدا، ولا يلزم منه أن يقتل حدا كل من لم يحصل منه إلا القتل وحده، وإن كان غيلة. ثم مراعاة المماثلة في تنفيذ العقوبة دليل على أن قتل اليهودي بالجارية كان قصاصا.
جـ - ما رواه الواقدي قال: حدثني اليمان بن معن عن أبي وجزة قال: دفن ثلاثة نفر يوم أحد في قبر، النعمان بن مالك ومجذر بن زياد وعبدة بن الحسحاس، ثم ذكر قصة قتل مجذر بن زياد، وفيها «أن الحارث بن سويد قتل مجذر بن زياد يوم أحد غيلة بأبيه سويد بن الصامت الذي قتله مجذر بن زياد في الجاهلية غدرا، وكان ذلك مما هيج وقعة بعاث، فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحارث قتل مجذرا غيلة وأمره بقتله، فلما جاء الحارث بن سويد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عويم ساعدة أن يضرب عنقه بقتله مجذرا غيلة» ، وبنو مجذر حضور عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستشر أحدا منهم، قال المستدلون بالقصة: دل ذلك على أن القاتل غيلة يقتل حدا لا قودا ولا عفو فيه لأولياء الدم والسلطان.
ونوقش بأن الواقدي مختلف فيه فوثقه جماعة، وضعفه آخرون، بل رماه جماعة بالكذب في الحديث، ووضعه منهم أحمد بن حنبل والنسائي، وأيضا في سنده اليمان بن معن، وهو مجهول، وأيضا في سنده انقطاع (1) وعلى ذلك لا تقوم به حجة ولا يصلح لتخصيص عموم أدلة القول الأول.
وأما الآثار فمنها أولا: ما ثبت أن عمر رضي الله عنه أمر بقتل جماعة اشتركوا في قتل غلام غيلة بصنعاء، وقال: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به، وفي رواية: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا) فهذا حكم الخليفة الراشد في قتل الغيلة، ولم ينقل أنه استشار أحدا من أولياء الدم ولو كان
(1) يرجع إلى الصفحة 31 من الأعداد.
لهم حق العفو لرد الأمر إليهم وطلب رأيهم، ولم ينقل أن أحدا من الصحابة أنكر عليه، فكان إجماعا.
ونوقش بأنه لا يلزم من عدم النقل عدم الاستشارة، ولا عدم وجود من ينكر، فلا يتم الاستدلال بالأثر على إسقاط حق أولياء الدم في العفو، ولا على ثبوت الإجماع. وتأول ابن قدامة قول عمر:(لأقدتهم به) على معنى لأمكنت الولي من استيفاء القود منهم.
ثانيا- ما روي أن عبد الله بن عامر كتب إلى عثمان بن عفان أن رجلا من المسلمين عدا على دهقان فقتله على ماله، فكتب إليه عثمان أن اقتله به. فإن هذا قتل غيلة.
ورد بأن في سنده عبد الملك بن حبيب الأندلسي، وهو ضعيف، وفي سنده أيضا مسلم بن جندب الهذلي، ولم يدرك عثمان، فكان الأثر منقطعا.
ثالثا- ما روي أن رجلا مسلما في زمن أبان بن عثمان أمر بالمسلم فقتل بالنبطي، لقتله إياه غيلة، فرأيته حتى ضربت عنقه، ولم ينقل أنه استشار أولياء الدم، ولا أن أحدا أنكر عليه فكان إجماعا.
ورد بأن في سنده عبد الملك بن حبيب، وهو ضعيف، كما أن فيه ما تقدم من مناقشة الاستدلال بأمر عمر.
وأما القياس فإن القتل غيلة لما كان في الغالب عن ختل وخداع وأخذ على غرة تعذر التحفظ منه، فكان كالقتل حرابة ومكابرة في أن عقوبة كل منهما من الحدود لا القود والقصاص، وأيضا في ذلك سد لذريعة الفساد والفوضى في الدماء والقضاء على الاحتيال والخديعة وسائر طرق الاغتيال، وبذلك يخصص عموم النص في وجوب القتل قصاصا، فيحمل على ما عدا قتل الغيلة.
وهنا إيراد على كلا الفريقين، وهو أن ما ادعاه كل منهما من الإجماع على ما أورده من القضايا في الآثار مردود بأنه مجرد سكوت ممن بلغه ذلك عند المعارضة في حكم صدر من ولي الأمر العام أو نائبه في قضايا أعيان المسائل الاجتهادية، ومثل ذلك يتعين حمله على الموافقة، فقد يكون من
سمع ذلك أو بلغه من العلماء مخالفا فيه لكنه لم ينكر، لما تقرر عند العلماء من أن حكم الحاكم في واقعة عين اجتهادية يرفع الخلاف ويجب إمضاؤه، وعلى هذا لا تصح دعاوى الإجماع فيما تقدم ذكره في الآثار من الأحكام، ولهذا أمثلة كثيرة، منها قضاء عمر في المشركة أولا بحرمان الأشقاء، لاستغراق الفروض كل التركة، وقضاؤه في مثلها ثانيا بتشريك الأشقاء مع الإخوة من الأم في سهمهم، ولم يكن سكوت الصحابة عن حكمه الأول إجماعا، وكذا لم يكن سكوتهم عن حكمه الثاني إجماعا، ولذا استمر الخلاف بين العلماء حتى اليوم في حكم هذه المسألة، فمنهم من رأى الصواب في حكمه الأول، ومنهم من رأى الصواب في حكمه الثاني.
ومن ذلك ما ورد في المدونة مسألة الغيلة من أن سحنونا قال لابن القاسم: أرأيت من قتل قتل غيلة ورفع إلى قاض من القضاة فرأى ألا يقتله، وأن يمكن أولياء المقتول منه. ففعل فعفوا عنه، ثم استقضى غيره فرفع إليه، أفترى أن يقتله القاضي الثاني أم لا يقتله؛ لأنه قد حكم به قاض قبله؟ في قول مالك، قال:(لا أرى أن يقتله؛ لأنه مما اختلف الناس فيه) 1هـ (1).
فهذا ابن القاسم مع كونه يرى أن عقوبة القتل غيلة من باب الحدود لا القصاص منع أن يحكم قاض بحد من قتل غيلة بعد أن حكم قبله قاض يخالفه في الرأي بقبول العفو. فكيف يصح مع ذلك وأمثاله دعوى الإجماع بمجرد السكوت على حكم في قضايا الأعيان.
هذا ما تيسر، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع
…
عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
(1) المدونة جـ 16 ص 104 تحت عنوان: الذين يسقون السيكران.
قرار رقم (38) وتاريخ11/ 8 / 1395 هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد،
فبناء على ما تقرر في الدورة (السادسة) لهيئة كبار العلماء، بأن تعد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا في الغيلة، وقد أعدته وأدرج في جدول أعمال الهيئة في الدورة السابعة المنعقدة في الطائف من 2/ 8 / 1395 هـ إلى 11/ 8 / 1395هـ، وقد عرض البحث على الهيئة، وبعد قراءته في المجلس ومناقشة المجلس لكلام أهل العلم في تعريف الغيلة وعند الفقهاء، وما ذكر من المذاهب والأدلة والمناقشة في عقوبة القاتل قتل غيلة هل هو القصاص أو الحد، وتداول الرأي، وحيث إن أهل العلم ذكروا أن قتل الغيلة ما كان عمدا عدوانا على وجه الحيلة والخداع أو على وجه يأمن معه المقتول من غائله القاتل سواء كان على مال أو لانتهاك عرض أو خوف فضيحة وإفشاء سرها أو نحو ذلك، كأن يخدع إنسان شخصا حتى يأمن منه ويأخذه إلى مكان لا يراه فيه أحد، ثم يقتله، وكأن يأخذ مال رجل بالقهر ثم يقتله خوفا من أن يطالبه بما أخذ، وكأن يقتله لأخذ زوجته أو ابنته، وكأن تقتل الزوجة زوجها في مخدعه أو منامه - مثلا - للتخلص منه أو العكس ونحو ذلك.
لذا قرر المجلس بالإجماع ما عدا الشيخ صالح بن غصون أن القاتل قتل غيلة يقتل حدا لا قصاصا، فلا يقبل ولا يصح فيه العفو من أحد، والأصل في
ذلك الكتاب والسنة والأثر والمعنى.
أما الكتاب فقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} (1) الآية، وقتل الغيلة نوع من الحرابة، فوجب قتله حدا لا قودا، وأما السنة فما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين على أوضاح لها أو حلي فأخذ واعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين (2)» .
فأمر صلى الله عليه وسلم بقتل اليهودي ولم يرد الأمر إلى أولياء الجارية، ولو كان القتل قصاصا لرد الأمر إليهم لأنهم أهل الحق، فدل أن قتله حدا لا قودا.
وأما الأثر فما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه غيلة، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا. فهذا حكم الخليفة الراشد في قتل الغيلة، ولا نعلم نقلا يدل على أنه رد الأمر إلى الأولياء، ولو كان الحق لهم لرد الأمر إليهم على أنه يقتل حدا لا قودا. وأما المعنى، فإن قتل الغيلة حق لله، وكل حق يتعلق به حق الله تعالى فلا عفو فيه لأحد كالزكاة وغيرها، ولأنه يتعذر الاحتراز منه كالقتل مكابرة.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. . .
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
صحيح البخاري الخصومات (2413)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1672)، سنن الترمذي كتاب الديات (1394)، سنن النسائي القسامة (4779)، سنن أبو داود الديات (4529)، سنن ابن ماجه الديات (2666)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 203)، سنن الدارمي الديات (2355).
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة السابعة
عبد الله بن محمد بن حميد
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد الله خياط
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عبد المجيد حسن
…
عبد العزيز بن صالح
…
محمد الحركان
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
…
سليمان بن عبيد
…
صالح بن غصون (له وجهة نظر)
عبد الله بن غديان
…
راشد بن خنين
…
محمد بن جبير
صالح بن لحيدان
…
عبد الله بن منيع
…
-
وجهة نظر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه وبعد، فبناء على إدراج موضوع قتل الغيلة في جدول أعمال الدورة السابعة لهيئة كبار العلماء، وبعد الاطلاع على البحث المعد من قبل اللجنة الدائمة ومناقشة المجلس للموضوع، أرى أن قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدا، وأنه لا يجوز العفو فيه، غير أنه لم يظهر لي أن ما يحدث من قتل بسبب خصومة أو عداوة أو ثائرة يعتبر قتل غيلة، وقد نص على ذلك غير واحد من علماء المالكية في كتبهم. كما وأن شيخ الإسلام ابن تيمية لما ذكر قتل الغيلة قال بعده ما نصه:(بخلاف من يقتل شخصا لغرض خاص مثل خصومة بينهما، فإن هذا حق لأولياء المقتول؛ إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا عفوا باتفاق المسلمين). اهـ. ص: 310 - 311جـ 28 من المجموع. وله كلام في هذا الموضوع ص 316، 317 من المجلد المذكور جاء في آخره:(واختلف الفقهاء أيضا فيمن يقتل السلطان، كقتلة عثمان وقاتل علي رضي الله عنهما هل هم كالمحاربين فيقتلوا حدا، أو يكون أمرهم إلى أولياء الدم؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره؛ لأن في قتله فسادا عاما). اهـ. وهذا واضح أنه رحمه
الله لم يعتبر قتل الإمام علي رضي الله عنه غيلة، رغم أنه قتل عمدا على سبيل الخفية كما هو معلوم. هذا ما تبين لي وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. . .
صالح بن علي بن غصون
عضو هيئة كبار العلماء