الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن: الخلوة والسفر بالزوجة وذوات المحارم
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: في حكم الخلوة والسفر بالزوجة وذوات المحارم
.
يصح للرجل أن يخلو ويسافر بزوجته وذوات محارمه وبهذا قال جميع العلماء: فيصبح خلوة الرجل بأي امرأة من ذوات محارمه بنسب كالأمهات والجدات والأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت وكل امرأة محرمة عليه بالقرابة على التأبيد والمحرمة بالرضاع أو بالمصاهرة وأن يسافر بهن (1) وفي الدر المختار: (والخلوة بالمحرم مباحة إلا الأخت رضاعا والصهرة الشابة) وفي حاشية ابن عابدين: وينبغي لأخ من الرضاع أن لا يخلو بأخته من الرضاع؛ لأن الغالب هناك الوقوع في الجماع. قال العلامة البيري: إن ينبغي معناه الوجوب) (2).
(1) المبسوط للسرخسي 10/ 150.
(2)
ابن عابدين 6/ 369.
والمالكية يرون أن لا بأس للرجل أن يسافر بأخته من الرضاع فحكمها حكم ذوي المحارم (1) وهو ما ذهب إليه الشافعية (2) والحنابلة (3) والصحيح: أن الأخت من الرضاع تعد من المحارم لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة (4)» .
«ولحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن أفلح أخا أبي القعيس يدخل علي وأنا في ثياب فضل فقال: ليلج عليك أفلح فإنه عمك من الرضاعة (5)» ففي هذين الحديثين دلالة على أن القرابة من الرضاع تأخذ حكم القرابة من النسب، مما يدل على حل الخلوة والسفر بالأخت من الرضاعة.
غير أنه إن خاف الرجل على نفسه من الخلوة بامرأة ذات محرم بنسب أو نكاح فلا يحل له أن يسافر بها أو يخلو فيها، ولا ينبغي للمرأة إن خافت ذلك منه أن تخلو معه في بيت ولا تسافر معه.
قال محمد صاحب أبي حنيفة: " وإن أمن على نفسه فلا بأس أن يسافر بها ويكون محرما لها وتسافر معه ولا محرم معها غيره، فإن كان يخاف على نفسه فلا يسافرن معها ولا يخلون معها ولا ينبغي لها إن خافت ذلك منه أن تخلو به في بيت ولا تسافر معه، فأما إذا أمنا ذلك أو كان
(1) هامش مواهب الجليل 1/ 500.
(2)
فتح الجواد 1/ 314.
(3)
المغني 3/ 239.
(4)
أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع، صحيح البخاري 6/ 160 وأخرجه مسلم في كتاب الرضاع / صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 18.
(5)
رواه البخاري في كتاب النكاح باب لبن الفحل (صحيح البخاري ج 6 ص 126) وأخرجه مسلم في كتاب الرضاع / صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 18 فما بعدها.
عليه أكبر رأيهما فلا بأس بالخلوة معها والسفر بها " (1).
والبنت المنفية باللعان محرم على نافيها الزواج منها عند الشافعية وتتعدى الحرمة إلى سائر محارمه، لكن هذا لا يعني حل الخلوة بها فالخلوة محرمة احتياطيا (2) وقيل: يصح عندهم الخلوة والسفر بها (3) أما الحنابلة فقالوا: ليست من محارم الرجل وألحقوا بها في الحرمة أم المزني بها وابنتها وبنت الموطوءة بشبهة وأمها (4).
وكذا قال الشافعية في الموطوءة بشبهة فتحرم على الواطئ أمهاتها وبناتها وتحرم على آبائه وأبنائه تحريما مؤبدا بالإجماع لتنزيله منزلة عقد النكاح غير أن هذا التحريم لا يحل الخلوة بهن أو المسافرة بهن.
والشافعية يحرمون أي خلوة ولو كانت مع ذي محرم متضمنة وجود الشهوة من أي منهما سواء رجل مع رجل، أو امرأة مع امرأة (5).
ولا يشترط في المحرم العدالة، بل يكفي أن يكون مراهقا له وجاهة وفطنة بحيث تأمن معه، وتشترط مصاحبتها لها بحيث يمنع تطلع الفجرة إليها، وإن كان قد يبعد عنها قليلا في بعض الأحيان (6) بخلاف الصبي والمعتوه فليسا بمحرمين، أما الكبير الذي يعق فهو محرم (7) قلت: ويعنون بذلك الكبير المحرم فإن كبر سنه لا يمنع من محرميته.
ودليل مشروعيته جواز الخلوة والسفر بالزوجة وذوات المحرم ما يلي:
(1) الأصل 3/ 49 والفتاوى الهندية 5/ 328.
(2)
انظر مغني المحتاج 3/ 175 ونهاية المحتاج 6/ 172.
(3)
انظر الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/ 130.
(4)
المغني لابن قدامة 6/ 556.
(5)
انظر الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/ 121.
(6)
انظر فتح الجواد 1/ 314، 315 وإعانة الطالبين 2/ 283.
(7)
الفتاوى الهندية 5/ 366.
1 -
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان (1)» .
ففي هذا الحديث نهي عن الخلوة بالمرأة من غير ذوات المحارم مما يدل على إباحته في ذوات المحارم (2).
2 -
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها (3)» .
ففي هذا الحديث نهي عن سفر المرأة بدون محرم، والنهي يقتضي التحريم، مما يدل على جواز سفر المرأة مع محرمها، وبدلالة الاستثناء الوارد في الحديث.
3 -
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ببيت إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم (4)» .
ففي هذا نهي عن المبيت عند الأجنبية لغير الناكح، والمحرم، والإذن لهما يدل على خلوتهما، أو أحدهما بها.
فمما سبق نعلم أن الخلوة والسفر بالزوجة وذوات المحارم أمر جائز بضوابطه الشرعية كخوف مواقعة المحظور.
(1) سبق تخريج.
(2)
انظر المبسوط للسرخسي 10/ 150 وتبيين الحقائق 6/ 19 ونصاب الاحتساب للسنامي 241.
(3)
رواه مسلم في كتاب الحج باب سفر المرأة مع محرم إلى حج أو عمرة / صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 108.
(4)
رواه مسلم في كتاب السلام باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها / صحيح مسلم بشرح النووي 14/ 153.