الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهاده
1 -
في حرب الردة:
أ- اسم الأسود العنسي: عيهلة بن كعب بن عوف العنسي، وعنس بطن من مذحج، وكان يلقب: ذا الخمار، لأنه كان معتما متخمرا أبدا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع لباذان حين أسلم وأسلم أهل اليمن عمل اليمن جميعه، وأمره على جميع مخاليفه، فلم يزل عاملا عليه حتى مات، فلما مات باذان فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراءه في اليمن، ومنهم -كما ذكرنا- أبو موسى، وكان معاذ بن جبل يتنقل في عمالة كل عامل باليمن وحضرموت.
ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، وتمرض من السفر غير مرضه الأخير، بلغ الأسود ذلك، فادعى النبوة، وكان مشعبذا يريهم الأعاجيب، فاتبعته مذحج، وكانت ردة الأسود أول ردة في الإسلام، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزا الأسود نجران، فأخرج عنها من قاومه من المسلمين، وسار عن نجران إلى صنعاء، فانحاز معاذ بن جبل إلى أبي موسى، فلحقا بحضرموت.
واستتب الأمر للأسود في اليمن، ولحق أمراء اليمن بجبال عك وجبال صنعاء، وغلب الأسود على ما بين مفازة حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والإحساء وعدن، واستطار أمره كالحريق واستغلظ.
وكان الأسود قد تزوج امرأة شهر بن باذان بعد قتله، وخاف من بحضرموت من المسلمين أن يبعث إليهم جيشا أو يظهر بها كذاب آخر، فتزوج معاذ إلى السكون، فعطفوا عليه.
وجاء إليهم وإلى من باليمن من المسلمين، كتب النبي صلى الله عليه وسلم، يأمرهم بقتال الأسود، فقام معاذ بن جبل في ذلك، وقويت نفوس المسلمين، وعاونه أمراء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في اليمن، فقتل فيروز (1) الأسود في بيت زوجته التي كانت امرأة شهر بن باذان وتزوجها الأسود من بعده، وهي ابنة عم فيروز وتراجع المسلمون إلى أعمالهم، وعاد أبو موسى إلى عمله، وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبره، وذلك في حياته الكريمة، ولكن رسل أهل اليمن قدمت المدينة، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول أمر العنسي إلى آخره ثلاثة أشهر، وقيل قريب من أربعة أشهر، وكان قدوم البشير بقتله في آخر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة الهجرية بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أول بشارة أتت أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو في المدينة (2).
وهكذا انتهت فتنة الأسود العنسي بالإخفاق الذريع، وعادت الأمور في اليمن إلى مجراها الطبيعي.
ب - ولما هلك الأسود العنسي، بقي طائفة من أصحابه يترددون بين صنعاء ونجران، لا يأوون إلى أحد. ومات النبي صلى الله عليه وسلم، فارتد الناس. وكان العك أول منتقض، ثم تجمع عك والأشعريون، فصاولهم من ثبت على الإسلام من عك وانتصروا عليهم.
وأما أهل نجران فلما بلغهم موت النبي صلى الله عليه وسلم، أرسلوا وفدا ليجددوا عهدهم مع أبي بكر، فكتب بذلك كتابا.
(1) انظر سيرته في أسد الغابة (4/ 186).
(2)
انظر التفاصيل في: الطبري (3/ 227 - 240) وابن الأثير (2/ 336 - 341).
وأما بجيلة، فإن أبا بكر رد جرير بن عبد الله البجلي، وأمره أن يستنفر من قومه من ثبت على الإسلام، ويقاتل بهم من ارتد عن الإسلام فخرج جرير وفعل ما أمره به أبو بكر، فلم يقم له أحد إلا نفر يسير، فقتلهم وتتبعهم.
وكان مصير من ارتد من أهل اليمن مصير من ارتد من بجيلة وعك والأشعريين، فعاد المرتدون إلى الإسلام بعد أن تكبدوا خسائر فادحة بالأرواح والأموال (1)، وكان ذلك سنة إحدى عشرة الهجرية وكان لثبات أبي موسى وأمراء النبي صلى الله عليه وسلم الآخرين مع من ثبت على الإسلام أثر كبير في انتصار المسلمين على أهل الردة من أهل اليمن وعودتهم إلى الإسلام.
وبقي أبو موسى على زبيد ورمع وعدن والساحل طيلة أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه (2).
2 -
في الفتوح:
أ- آثر أبو موسى بعد وفاة أبي بكر الصديق، أن يصبح غازيا على أن يبقي واليا. فحقق له عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أراد.
وكان ميدان جهاد أبي موسى، هو ميدان العراق، بقيادة سعد بن أبي وقاص، وفي سنة سبع عشرة الهجرية، كتب عمر إلى سعد:"إذا فتح الله الشام والعراق، فابعث جندا إلى الجزيرة، وأمر عليه خالد بن عرفطة أو هاشم بن عتبة أو عياض بن غنم (3) "فقال سعد: ما أخر أمير المؤمنين عياضا إلا لأن له فيه هوى، وأنا موليه"، فبعثه وبعث معه جيش فيه أبو موسى الأشعري.
(1) انظر التفاصيل في: الطبري (3/ 318 - 342) وابن الأثير (2/ 374 - 383).
(2)
الطبري (3/ 427) وابن الأثير (2/ 421).
(3)
انظر سيرة خالد بن عرفطة وهاشم بن عتبة وعياض بن غنم في: قادة فتح العراق والجزيرة.
وصار عياض ونزل بجنده على الرهاء (1)، فصالحه أهله على مثل صلح حران، وبعث أبا موسى إلى نصيبين فافتتحها (2).
ولا تعلم بالضبط متى سمح عمر بن الخطاب لأبي موسى بالتخلي عن ولايته في اليمن والإقبال على الجهاد في ساحاته، فقد توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأبو موسى أحد عماله باليمن، وكانت وفاة أبي بكر في شهر ذي القعدة من سنة ثلاث عشرة الهجرية، (3) ولم يذكر أبو موسى في سوح الجهاد إلا في سنة سبع عشرة، فهل بقي في اليمن هذه المدة أم غادرها دون أن يذكر المؤرخون عن تاريخ مغادرته شيئا؟
كما أن أبا موسى لم يفتح نصيبين، ولم يكن مع عياض بن غنم فاتح الجزيرة، وقد ذكرنا ذلك لإحقاق الحق، وفتح الجزيرة مبسوط في كتاب: قادة فتح العراق والجزيرة.
ولم يلتحق أبو موسى بأبي عبيدة بن الجراح بأرض الشام بعد فتح الجزيرة، فشهد بعض فتوحات الشام تحت لواء أبي عبيدة (4)، كما لم يكن مع أبي عبيدة حين مات بالطاعون (5) لأنه كان سنة سبع عشرة الهجرية وثماني عشرة الهجرية واليا على البصرة وفي الفتوح في مناطق شرق العراق كما سنذكر ذلك وشيكا، إذ كان أبو موسى حينذاك في
(1) الرهاء: مدينة تقع على أحد روافد نهر البليخ، وكانت مدينة محصنة.
(2)
ابن الأثير (2/ 533)، وانظر الطبري (4/ 53).
(3)
العبر (1/ 16)
(4)
الإصابة (4/ 120).
(5)
الطبرى (4/ 61) وأسد الغابة (3/ 246).
البصرة ولم يكن في الشام، ولقد ذكرنا ما ذكرنا لننبه عليه (1).
ب - ولما عزل عمر بن الخطاب المغيرة بن شعبة (2) عن البصرة، استعمل أبا موسى الأشعري عليها، وذلك سنة سبع عشرة الهجرية (3)، وكانت البصرة حين ذاك من أكبر القواعد الإسلامية في المشرق الإسلامي، منها تسير الجيوش لفتوح المشرق.
وكتب كسرى يزدجرد إلى أهل فارس، وهو يومئذ بـ (مرو) يذكرهم الأحقاد ويؤنبهم، "أن قد رضيتم يا أهل فارس، أن قد غلبتكم العرب على السواد وما والاه، والأهواز، ثم لم يرضوا بذلك حتى توردوكم في بلادكم وعقر داركم!! "، فتحركوا وتعاهدوا وتواثقوا على النصر.
وجاءت الأخبار إلى عمر بن الخطاب والمسلمين في كل مكان، فكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص في الكوفة: "أن ابعث إلى الأهواز بعثا كثيفا مع النعمان بن مقرن (4)، وعجل. وابعث سويد بن مقرن (5)، وعبد الرحمن بن ذي السهمين، وجرير بن عبد الله الحميري (6)،
(1) ابن الأثير (2/ 560).
(2)
انظر سيرته المفصلة في كتاب: قادة فتح العراق والجزيرة (431 - 455).
(3)
الطبري (4/ 69) وابن الأثير (2/ 540)، وانظر طبقات ابن سعد (4/ 109) والإصابة (4/ 119).
(4)
انظر سيرته المفصلة في: قادة فتح بلاد فارس (97 - 107).
(5)
انظر سيرته المفصلة في: قادة فتح بلاد فارس (195 - 201).
(6)
جرير بن عبد الله الحميري: انظر سيرته في أسد الغابة (1/ 279) والإصابة (1/ 243).
وجرير بن عبد الله البجلي (1)، فلينزلوا بإزاء الهرمزان حتى يتبينوا أمره".
وكتب إلى أبي موسى في البصرة: أن ابعث إلى الأهواز جندا كثيفا، وأمر عليهم سهل بن عدي (2) - أخا سهيل بن عدي (3) - وابعث معه البراء بن مالك (4)، وعاصم بن عمرو (5)، ومجزأة بن ثور (6)، وكعب بن سور (7)، وعرفجة بن هرثمة (8)، وحذيفة بن محصن (9)، وعبد الرحمن بن سهل (10)، والحصين بن معبد، وعلى أهل الكوفة وأهل البصرة جميعا سبرة بن أبي رهم (11)، وكل من أتاه فمدد له " (12).
(1) جرير بن عبد الله البجلي: انظر سيرته في: قادة فتح العراق والجزيرة (356 - 371).
(2)
سهل بن عدي: انظر سيرته في أسد الغابة (2/ 368) والإصابة (3/ 141).
(3)
سهيل بن عدي الأنصاري الخزرجي: انظر سيرته المفصلة في: قادة فتح العراق والجزيرة.
(4)
البراء بن مالك: انظر سيرته في أسد الغابة (1/ 172) والإصابة (1/ 147) والاستيعاب (1/ 153).
(5)
عاصم بن عمرو التميمي: انظر سيرته المفصلة في: قادة فتح فارس (279 - 289).
(6)
مجزأة بن ثور السدوسي: انظر سيرته في أسد الغابة (4/ 302) والإصابة (6/ 44).
(7)
كعب بن سور الأزدي: انظر سيرته في أسد الغابة (4/ 343) والإصابة (5/ 322).
(8)
عرفجة بن هرثمة البارقي: انظر سيرته المفصلة في قادة فتح العراق والجزيرة (387 - 394).
(9)
حذيفة بن محصن البارقي: انظر سيرته في أسد الغابة (1/ 389).
(10)
عبد الرحمن بن سهل الأنصاري: انظر سيرته في أسد الغابة (3/ 299) والإصابة (3/ 162 - 163).
(11)
أبو سبرة بن أبي رهم القرشي العامري. انظر سيرته المفصلة في: قادة فتح بلاد الفرس (155 - 160).
(12)
الطبري (4/ 83 - 84).
وخرج النعمان بن مقرن في أهل الكوفة، فأخذ وسط السواد حتى قطع دجلة بحبال ميسان، ثم أخذ البر إلى الأهواز على البغال يجنبون (1) الخيل، وسار قدما نحو الهرمزان - والهرمزان يومئذ برامهرمز - فلما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه، بادره بالهجوم عليه، ورجا أن يهزمه، وطمع في نصر أهل فارس، وقد أقبلوا نحوه، ونزلت أوائل إمداداتهم قريبا منه، والتقى النعمان والهرمزان، بـ: أربك (2)، فانتصر النعمان على الهرمزان، وأخلى رامهرمز وتركها، ولحق بـ (تستر)(3). وسار النعمان من أربك حتى نزل برامهرمز، ثم صعد لأيذج، فصالحه قائدها عليها، فقبل منه وتركه ورجع إلى رامهرمز وأقام بها.
ولما سار النعمان في أهل الكوفة وسبق سهل بن عدي في أهل البصرة، قصد سهل ومن معه تستر للقضاء على قوات الهرمزان فيها، ومال النعمان إلى تستر أيضا، ونزلوا جميعا: أهل البصرة، وأهل الكوفة، على تستر، وقصدها معهم المسلمون الذين كانوا في الأهواز، وبها الهرمزان وجنوده من أهل فارس وأهل الجبال والأهواز في الخنادق. وكتب المسلمون بذلك إلى عمر بن الخطاب واستمده أبو سبرة، فأمدهم بأبي موسى.
(1) يقال: جنب الدابة، إذا قادها إلى جنبه.
(2)
أربك: بلد وناحية ذات قرى ومزارع من نواحي الأهواز، انظر التفاصيل في معجم البلدان (1/ 172).
(3)
تستر: أعظم مدينة في الأهواز، وهي شوشتر، انظر التفاصيل في معجم البلدان (2/ 286).
وكان على أهل الكوفة النعمان، وعلى أهل البصرة أبو موسى، وعلى الفريقين أبو سبرة، فحاصروهم أشهرا، وأكثروا فيهم القتل. وزاحفهم الفرس في أيام تستر ثمانين زحفا في حصارهم: يكون عليهم مرة، ولهم أخرى.
وأخيرا هزمهم المسلمون حتى أدخلوهم خنادقهم، ثم اقتحموها عليهم، وطوقوا مدينتهم تطويقا كاملا، حتى فتحوا المدينة وأسروا الهرمزان.
وخرج أبو سبرة في أثر المنهزمين من الفرس من تستر يطاردهم، وكانت فلول الفرس قد قصدت السوس، وخرج بالنعمان وأبى موسى ومعهما الهرمزان، حتى طوقوا السوس، وكتبوا بذلك إلى عمر، فكتب عمر إلى أبي موسى فرده إلى البصرة، فانصرف أبو موسى إلى البصرة (1).
وقبل فتح تستر، كان قد قدم وفد من وجوه أهل فارس إلى أبي موسى لمفاوضته، فقال رئيس الوفد لأبى موسى:"إنا قد رغبنا في دينكم فنسلم على أن نقاتل معكم العجم، ولا نقاتل معكم العرب، وإن قاتلنا أحد من العرب منعتمونا منه، وننزل حيث شئنا، ونكون فيمن شئنا منك، وتلحقونا بأشراف العطاء، ويعقد لنا الأمير الذي فوقك بذلك"، فقال أبو موسى:"بل لكم ما لنا، وعليكم ما علينا! "، قالوا:"لا نرضى! ". وكتب أبو موسى بذلك إلى عمر، فكتب عمر إلى أبي موسى:"أعطهم ما سألوك"، فكتب أبو موسى لهم، فأسلموا وشهدوا معه ومع المسلمين الآخرين حصار تستر، فألحقهم أبو موسى على قدر البلاء في أفضل العطاء، وأكثر شيء أخذه أحد من العرب، ففرض لمائة منهم في ألفين ألفين، وستة
(1) انظر التفاصيل في الطبري (4/ 83 - 89) وابن الأثير (2/ 545 - 550).
منهم في ألفين، وخمسمائة لقسم منهم، فقال الشاعر:
ولما رأى الفاروق حسن بلائهم
…
وكان بما يأتي من الأمر أبصرا
فسن لهم ألفين فرضا وقد رأى
…
ثلاث مئين فرض عك وحميرا (1)
وهذا يدل على أن الذين يسلمون من العجم، ويقاتلون مع المسلمين يمكن أن ينالوا أوفر العطاء، وأن يحتلوا أرفع المراكز.
وكان ذلك سنة سبع عشرة الهجرية.
جـ - وفي سنة إحدى وعشرين الهجرية شهد أبو موسى معركة نهاوند الحاسمة تحت لواء النعمان بن مقرن المزني، فلما انتصر المسلمون وفتحوا نهاوند، بدأ أبو موسى مسيرته الظافرة الموفقة بالفتوح.
وكان المسلمون يسمون فتح نهاوند: فتح الفتوح، لأنه لم يكن للفرس بعده اجتماع، وملك المسلمون بلادهم.
وهذه المعركة الحاسمة التي حشد لها الفرس خير جيوشهم وأبرز قادتهم، قوبلت من المسلمين بحملة شديدة قادها النعمان بن مقرن من الأمام، فكان في مقدمة المهاجرين على الفرس، وانقضت رايته انقضاض العقاب عليهم فاقتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون بوقعة كانت أشد منها، فما كان يسمع إلا وقع الحديد. وصبر لهم المسلمون صبرا عظيما، وانهزم الأعاجم وقتل منهم ما بين الزوال والإعتام ما طبق أرض المعركة دما يزلق الناس والدواب.
(1) الطبري (4/ 90 - 91).
وزلق بالنعمان فرسه، فصرع، وقيل: بل رمي بسهم في خاصرته فقتله.
وسجاه أخوه نعيم بثوب، وأخذ الراية وناولها حذيفة بن اليمان (1).
وقتل من العجم ثمانون ألفا بالمطاردة وثلاثون ألفا بالمعركة، وتكبدوا خسائر فادحة بالأموال، وانهارت معنوياتهم وارتفعت معنويات المسلمين، وكان فتح نهاوند فتحا مبينا حقا (2).
د - ولما انصرف أبو موسى من نهاوند، مر بالدينور، فأقام عليها خمسة أيام، فصالحه أهلها على الجزية.
ومضى في طريقه، فصالحه أهل سيروان على مثل صلح الدينور.
وبعث السائب بن الأقرع الثقفي (3)، إلى الصيمرة مدينة مهرجان قذق ففتحها صلحا. وقيل: إنه وجه السائب من الأهواز، ففتح ولاية مهرجان قذق (4).
(1) انظر سيرته المفصلة في: قادة فتح بلاد فارس (108 - 117).
(2)
انظر التفاصيل في: الطبري (4/ 114 - 137) وابن الأثير (3/ 5 - 16).
(3)
السائب بن الأقرع الثقفي: انظر سيرته المفصلة في: قادة فتح بلاد فارس (118 - 122).
(4)
ابن الأثير (3/ 16) والبلاذري (430 - 431).
وأرجح الرواية الأولى، لأن ولاية مهرجان قذق في طريق عودته من نهاوند إلى البصرة.
وكان ذلك سنة إحدى وعشرين الهجرية.
هـ - وفي هذه السنة أيضا، أي سنة إحدى وعشرين الهجرية بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عبد الله بن عبد الله بن عتبان الأنصاري (1)، وكان شجاعا من أشراف الصحابة ومن وجوه الأنصار، وأمده بأبي موسى، فساروا إلى نهاوند، ثم سار منها عبد الله فيمن معه ومن تبعه من جند النعمان بن مقرن المزني بنهاوند نحو أصبهان وكانت مقدمة أهل فارس برستاق لأصبهان، فهاجمها المسلمون وأجبروها على الهزيمة، وفتحوا الرستاق الذي كانت فيه مقدمة قوات الفرس، فكان أول رستاق أخذ من أصبهان.
وسار المسلمون إلى أصبهان، وحاصروها وقاتلوا المدافعين عنها، فصالحهم قائدهم على أصبهان، وأن على من أقام فيها الجزية، وأن يجري من أخذت أرضه عنوة مجرى من يدفع الجزية، ومن أبي وذهب كان للمسلمين أرضه.
وقدم أبو موسى على عبد الله بن عبد الله من ناحية الأهواز وقد صالح، فدخل عبد الله وأبو موسى أصبهان فاتحين، وكتبوا بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2)
(1) انظر سيرته المفصلة في: قادة فتح العراق والجزيرة (486 - 492).
(2)
انظر التفاصيل في: الطبري (4/ 139 - 143) وابن الأثير (3/ 18 - 20).
وبعد فتح أصبهان، فتح أبو موسى قم وقاشان قبل عودته إلى البصرة (1)، وفي سنة اثنتين وعشرين عاد أبو موسى إلى البصرة بأمر عمر بن الخطاب (2)، ولكن عمر بن الخطاب أمره على الكوفة بطلب من أهلها بعد عمار بن ياسر (3)، فأقام على الكوفة سنة واحدة، ثم عزله عمر وصرفه إلى البصرة (4) من جديد في سنة اثنتين وعشرين الهجرية (5)، مما يدل على أنه بقي على الكوفة أقل من سنة كاملة، وليس سنة كاملة كما ذكروا.
وفي سنة ثلاث وعشرين الهجرية، فتح أبو موسى وعثمان بن أبي العاص الثقفي (6) مدينة شيراز (7) وأرجان وفتحا سينيز (8) على الجزية والخراج (9).
(1) ابن الأثير (3/ 20) والبلاذري (436).
(2)
ابن الأثير (3/ 28).
(3)
عمار بن ياسر: انظر سيرته في: طبقات ابن سعد (3/ 246) وأسد الغابة (4/ 43) والإصابة (4/ 273).
(4)
ابن الأثير (3/ 32).
(5)
ابن الأثير (3/ 38).
(6)
عثمان بن أبي العاص الثقفي: انظر سيرته المفصلة في: قادة فتح بلاد فارس (262 - 269).
(7)
شيراز: مدينة في وسط بلاد فارس، انظر التفاصيل في معجم البلدان (5/ 320).
(8)
سينيز: بلد على ساحل الخليج العربي أقرب إلى البصرة من سيراف، انظر معجم البلدان (5/ 201).
(9)
ابن الأثير (3/ 40) والبلاذري (546 - 547).
وكان عثمان بن أبي العاص الثقفي قد فتح مدينة سابور سنة ثلاث وعشرين الهجرية، إلا أنها انتقضت وغدرت، فاستعاد أبو موسى فتحها عنوة سنة ست وعشرين الهجرية، وكان على مقدمته عثمان بن أبي العاص الثقفي (1).
لقد أبلى أبو موسى بلاء حسنا في جهاده جنديا وقائدا، وكانت غايته الجهاد، ولا يعتبر المنصب إلا وسيلة لتحقيق غايته، فلم يكن يكترث أن يجاهد جنديا أو قائدا، ورئيسا أو مرءوسا، ما دام يحقق غايته في الجهاد من موقعة قائدا أو مقودا، لذلك أثمر جهاده ثمرات يانعة في ساحة بلاد فارس بخاصة، وحسبنا أن نذكر له، أنه فاتح الأهواز والسوس وأصبهان والدينور وماسبذان وقم وقاشان، واستعاد فتح سابور من جديد، هذا بالإضافة إلى المعارك الكثيرة التي شهدها بقيادة غيره، مثل معركة فتح الفتوح في نهاوند، وبالإضافة إلى المناطق الشاسعة الكثيرة التي وجه إليها قادته لفتحها أو وجه إليها رجاله من أهل البصرة لفتحها. أو المعاونة على فتحها. لقد كان جهاد أبي موسى بحق عظيما.
(1) البلاذري (547).