المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أئمة الحديث والفقه واختلاف ميولهم - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الخلاصة

- ‌قتل الغيلة

- ‌الخلاف بين الفقهاء فيما يوجبه قتل الغيلة:

- ‌الفتاوى

- ‌ حكم الله فيمن يستغيث بالأولياء عند نزول حادث به

- ‌ هل يجوز لمسلم أن يقول في دعائه: " أجيبوا وتوكلوا يا خدام هذه الأسماء الحسنى بقضاء حاجتي

- ‌ شخص عبد غير الله أو دعا غير الله أو ذبح لشيخ، هل يعذر بجهله أم لا يعذر

- ‌ هل هناك أحد غير الله يستطيع تفريج الهم والغم ودفع المصائب

- ‌ هل الدعاء يرد القضاء

- ‌ النذر لغير الله تعالى

- ‌ حكم النذر لغير الله

- ‌ حكم الإسلام في وقوف الطلبة لمدرسيهم أثناء دخولهم الفصول

- ‌ حكم الذبح للميت الذي يدعى أنه ولي لله ويبنى عليه الجدران

- ‌ الذبح لمن مات من الأنبياء والأولياء رجاء بركتهم

- ‌ حكم الله فيمن يذبح على الأضرحة، ويطلب منها الغوث والعون في النفع والضر

- ‌ حكم الطواف حول أضرحة الأولياء

- ‌(الذبح على عتبة المنزل الجديد)

- ‌ حكم ذبح الذبيحة للضيف

- ‌ حكم الصلاة خلف رجل يأكل ما ذبح لغير الله

- ‌حكم إقامة الولائم عند موت الميت

- ‌حكم قراءة الفاتحة للميت

- ‌حكم أخذ أجرة قراءة القرآن على الأموات

- ‌حكم الصلاة خلف المتمسك بالبدعة، وحكم صلاةالجمعة لاثني عشر رجلا

- ‌حكم الكتابة على القبور

- ‌زيارة القبور والتوسل بالأضرحة وأخذ أموال التوسل

- ‌حكم الصلاة خلف من يستغيث بغير الله

- ‌عدم جواز الطلب إلى الميت

- ‌جهاد الفلسطينين

- ‌لا يجوز التبرك بالأموات

- ‌مع النبي صلى الله عليه وسلم المهاجر المجاهد:

- ‌السفير النبوي

- ‌الثقة

- ‌جهاده

- ‌الإنسان

- ‌ العالم:

- ‌ القاضي

- ‌ الحكم

- ‌الإداري

- ‌الورع

- ‌الرجل

- ‌القائد

- ‌السفير

- ‌أبو موسى في التاريخ

- ‌فصل الجوابعن استحقاق المتأخرفضل الصحاب

- ‌موضوع الرسالة:

- ‌أهمية الرسالة:

- ‌أسرته:

- ‌شيوخه:

- ‌أعماله:

- ‌وفاته:

- ‌أولاده:

- ‌آثاره العلمية:

- ‌وصف النسخ:

- ‌عنوان الرسالة:

- ‌التوثيق:

- ‌منهج التحقيق:

- ‌ فضل القائم بالسنة ومضاعفة الأجر له عند فساد الزمان

- ‌الخلوةوما يترتب عليهامن أحكام فقهية

- ‌مقدمةفي أهمية المحافظة على أعراض المسلمين وسد باب الفساد الموصل إليها

- ‌الفصل الأول: تعريف الخلوة وبيان المراد بها

- ‌الفصل الثاني: أحكام الخلوة والسفر بالمرأة الأجنبية

- ‌المطلب الأول: الخلوة بالأجنبية

- ‌المبحث الأول: المراد بالمرأة الأجنبية

- ‌المبحث الثاني: في حكم الخلوة بالمرأة الأجنبية

- ‌المطلب الثاني: السفر بالمرأة الأجنبية:

- ‌الفصل الثالث: الخلوة بالأمرد

- ‌الفصل الرابع: الخلوة بالخنثى المشكل والسفر به

- ‌الفصل الخامس: خلوة المرأة بمملوكها والسفر معه

- ‌الفصل السادس: الخلوة بإماء الغير:

- ‌الفصل السابع: الخلوة بالمطلقة ثلاثا

- ‌الفصل الثامن: الخلوة والسفر بالزوجة وذوات المحارم

- ‌المطلب الأول: في حكم الخلوة والسفر بالزوجة وذوات المحارم

- ‌المطلب الثاني: حكم مباشرة الزوجة من غير خلوة

- ‌المطلب الثالث: أثر الخلوة بالزوجة على المهر والعدة

- ‌المطلب الرابع: أثر الخلوة بالمطلقة طلاقا رجعيا على الرجعة

- ‌الخاتمة

- ‌كشاف المراجع

- ‌الدفاع عن السنة النبويةوطرق الاستدلال

- ‌جهود العلماء لصيانة السنة ومقاومة حركة الوضع

- ‌أئمة الحديث والفقه واختلاف ميولهم

- ‌الاستدلال بالإجماع والقياس

- ‌الأخذ بالآثار وهو موافق للأصول

- ‌تصويب واعتذار

الفصل: ‌أئمة الحديث والفقه واختلاف ميولهم

كان أئمة الحديث لم يصححوهما.

يعلق ابن تيمية ويقول:

وقد بينا هذا في رسالة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وبينا أن أحدا من أئمة الإسلام لا يخالف حديثا صحيحا بغير عذر، بل لهم نحو عشرين عذرا. مثل أن يكون أحدهم لم يبلغه الحديث، أو بلغه من وجه لم يثق به، أو لم يعتقد دلالته على الحكم، أو اعتقد أن ذلك الدليل قد عارضه ما هو أقوى منه كالناسخ أو ما يدل على الناسخ، وأمثال ذلك.

والأعذار يكون العالم فيها مصيبا فيكون له أجران ويكون فيها مخطئا فيثاب على اجتهاده، وخطؤه مغفور له.

لقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (1) البقرة 286 وقد ثبت في الصحيح أن الله استجاب هذا الدعاء وقال: «قد فعلت (2)» ولأن العلماء ورثة الأنبياء.

(1) سورة البقرة الآية 286

(2)

حديث (قد فعلت) ثبت في صحيح مسلم أن الله قال: (قد فعلت)(كتاب الإيمان، باب أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق)، المسند (ط. المعارف) 3/ 341 رقم 2070، والترمذي كتاب التفسير، سورة البقرة) انظر درء 1/ 59.

ص: 297

‌أئمة الحديث والفقه واختلاف ميولهم

من تدبر أصول الإسلام وقواعد الشريعة وجد أصول مالك وأهل المدينة أصح الأصول والقواعد.

وقد ذكر ذلك الشافعي وأحمد وغيرهما.

حتى إن الشافعي لما ناظر محمد بن الحسن حين رجح محمد لصاحبه على صاحب الشافعي، فقال له الشافعي: بالإنصاف أو المكابرة؟

فقال له: بالإنصاف.

فقال: ناشدتك الله صاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم؟

ص: 297

فقال: بل صاحبكم.

فقال: صاحبنا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم صاحبكم.

فقال: بل صاحبكم.

فقال: صاحبنا أعلم بأقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم صاحبكم.

فقال: بل صاحبكم.

فقال: ما بقي بيننا وبينك إلا القياس. ونحن نقول بالقياس. ولكن من كان بالأصول أعلم كان قياسه أصح.

ويعلق شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول:

والإمام أحمد كان يعلم أن مذهب أهل المدينة وعلمائها أقرب إلى الكتاب والسنة من مذهب أهل الكوفة وعلمائها.

وأحمد كان يحب الشافعي ويثني عليه ويدعو له ويذب عنه عندما يطعن في الشافعي، أو من ينسبه إلى بدعة. ويذكر تعظيمه للسنة واتباعه لها ومعرفته بأصول الفقه كالناسخ والمنسوخ. والمجمل والمفسر، ويثبت خبر الواحد ومناظرته عن مذهب أهل الحديث من خالفه بالرأي وغيره.

وكان الشافعي يقول: سموني ببغداد ناصر الحديث. . وقد رحل إلى مالك وأحذ عنه الموطأ.

واجتمع بمحمد بن الحسن وكتب كتبه وناظره، وعرف أصول أبي حنيفة وأصحابه (1).

(1) أصول الفقه لابن تيمية (ضمن الفتاوى) 2/ 328 - 331.

ص: 298

والبخاري (256) وأبو داود إمامان في الفقه من أهل الاجتهاد.

وأما مسلم (261)، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة وأبو يعلى (1) والبزار (2) ونحوهم، فهم على مذهب أهل الحديث ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء.

ولا هم من الأئمة المجتهدين على الإطلاق. . .

بل هم يميلون إلى قول أئمة الحديث، كالشافعي، وأحمد وإسحاق، وأبي عبيد، وأمثالهم.

ومنهم من له اختصاص ببعض الأئمة كاختصاص أبي داود ونحوه بأحمد بن حنبل وهم إلى مذاهب أهل الحجاز كمالك وأمثاله - أميل منهم إلى مذاهب أهل العراق - كأبي حنيفة والثوري.

وقبيل نهاية القرن الثاني وجدت شرذمة أنكرت حجية السنة كمصدر للتشريع ووجدت طائفة أخرى أنكرت حجية غير المتواتر منها.

فالإمام الشافعي ذكر في الأم: باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها، وباب حكاية قول من رد خبر الخاصة.

فالخوارج يأخذون بالسنة النبوية ويؤمنون بها مصدرا للتشريع الإسلامي إلا أنهم نقل عنهم رد ما روي بعض الصحابة، وخاصة بعد التحكيم.

قال الأستاذ السباعي: إن الخوارج على اختلاف فرقهم يعدلون الصحابة جميعا قبل الفتنة، ثم يكفرون عليا وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما.

وبذلك ردوا أحاديث جمهور الصحابة بعد الفتنة لرضاهم بالتحكيم.

(1) أبو يعلى محمد بن الحسين بن خلف انظر درء 1/ 16.

(2)

البزار أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق الأعلام 1/ 182 شذرات الذهب 2/ 109 توفي سنة 292هـ.

ص: 299

وقد استدرك الدكتور الأعظمي على الأستاذ السباعي في قوله بأن هذا الكلام يستدعي النظر.

فقال الأعظمي:

مما لا ريب فيه أن كتب الخوارج قد انعدمت بانعدام مذهبهم ما عدا الأباضية وهم فرقة من الخوارج وبمراجعة كتبهم نجدهم يقبلون الأحاديث النبوية: ويروون عن علي وعثمان وعائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك وغيرهم رضوان الله عيهم أجمعين.

ومما كتبوه في أصول الفقه تبين أنهم أخذوا بخبر الآحاد.

قال السالمي: إذا عارض الآحاد القياس ففي تقديم أيهما على الآخر مذاهب، ذكر المصنف منها ثلاثة أحدها وهو قول الأكثر من أصحابنا والمتكلمين وهو قول عامة الفقهاء من قومنا أن يقدم الخبر على القياس، فيكون العمل به أولى من العمل بالقياس.

ويقول الأعظمى:

استنتج الشيخ الخضري من كتابات الشافعي - ومال إلى ذلك السباعي أيضا - بأن الفرقة التي ردت الأخبار كلها هي المعتزلة.

ذكر السباعي نقولا عن الآمدي، وابن حزم، وابن القيم.

ثم قال: وهذه النقول - كما ترى - متضاربة لا تعطينا حكما صحيحا في المسألة ثم نقل مذهب النظام من: الفرق بين الفرق للبغدادي مبينا أنه أنكر المعجزات، وأنكر حجية الإجماع والقياس، وأنكر الحجة من الأخبار التي توجب العلم الضروري ثم ذكر أن أكثر المعتزلة متفقون على تكفير النظام.

يعلق الدكتور الأعظمي على الشيخ السباعي فيقول: وبوب الحسين البصري المعتزلي في كتابه في أصول الفقه (المعتمد) بقوله: باب في أن خبر الواحد لا يقتضي العلم. قال أكثر الناس: إنه لا يقتضي العلم، وقال آخرون يقتضي العلم، واختلف هؤلاء فلم يشترط قوم من أهل العلم اقتران قرائن به

ص: 300

وقيل إنه يشترط ذلك في التواتر أيضا، ومثل ذلك بأن نخبر بموت زيد. . . .

وترى الجنازة على بابه، مع علمنا بأنه ليس في داره مريض سواه. . . كما أورد أبو الحسين المعتزلي في كتابه أبوابا أخرى مثل باب في جواز ورود التعبد بأخبار الآحاد، وباب في التعبد بخبر الواحد.

فهذه النصوص تعطي فكرة واضحة عن مذهب المعتزلة بأنهم كانوا يأخذون بالأحاديث النبوية وما يقال عن النظام فهو مضطرب. وإن ثبت عنه رد السنة فهو مذهبه.

وهو في هذا لا يمثل جمهور المعتزلة.

يقول الأعظمي: والذي نميل إليه - بعد هذه الشواهد - أن المعتزلة كانوا مع جمهور الأمة في الأخذ بالأحاديث النبوية وربما طعنوا في صحة بعض الأحاديث عندما وجدوها تقف في سبيل نظرياتهم، لكنه لم يكن من مذهبهم رد الأحاديث جملة.

ويوضح لنا ذلك الدكتور الأعظمي يقول:

في عهد الاستعمار بدأ المستعمرون ينشرون أفكارهم الخبيثة للقضاء على مقومات الإسلام، ومنها ترك الأحاديث النبوية ففي العراق وجد من دعا إلى نبذ السنة وفي مصر حدث مثل ذلك فالدكتور توفيق صدقي كتب مقالتين في مجلة المنار بعنوان (الإسلام هو القرآن وحده) واستدل بالآيات القرآنية لعدم الحاجة إلى السنة النبوية حسب زعمه.

وأيد السيد رشيد رضا الدكتور توفيق صدقي بكتاباته إلى حد كبير إذ قسم الأحاديث النبوية إلى قسمين: المتواتر وغير المتواتر وكان يرى رشيد رضا أن ما نقل إلينا بالتواتر كعدد ركعات الصلاة، والصوم، وما شاكل ذلك فهذا يجب قبوله ويسميه الدين العام أما ما نقل بغير هذه الصفة فهو دين خاص لسنا ملزمين بالأخذ عنه.

ص: 301

ويبدو أنه رجع عن موقفه في آخر عمره كما يذكر الأستاذ مصطفى السباعي رحمه الله.

ويذكر الشيخ الأعظمي أن الأستاذ أحمد أمين كتب فصلا عن السنة النبوية في كتابه (فجر الإسلام) خلط فيه الحق بالباطل، وكذلك نشر إسماعيل أدهم رسالة سنة 1353 عن تاريخ السنة وقال:

الأحاديث الموجودة حتى في الصحيحين ليست ثابتة الأصول والدعائم بل هي مشكوك فيها ويغلب عليها صفة الوضع.

بعد هؤلاء تسلم الراية أبو رية في كتابه أضواء على السنة المحمدية وخلط ما قال كل من إسماعيل أدهم وتوفيق صدقي ورشيد رضا، وذكر أبو رية أن السنة العملية للرسول صلى الله عليه وسلم هي السنة المعترف بها.

أما بالنسبة لأحاديث الآحاد فيقول: " ومن صح عنده شيء منها رواية ودلالة عمل به ولا تجعل تشريعا عاما تلزمه الأمة إلزاما تقليدا لمن أخذ به " واتهم أبو رية الشيخ محمد عبده أيضا بأنه قال:

إن المسلمين في هذا العصر ليس لهم إمام إلا القرآن، وفي الهند أنتجت الروح الانهزامية رجالا مثل السيد أحمد خان وعبد الله الجكر الوي وأحمد الدين الأهرتري وآخرين وغلام أحمد برويز الذي يقلد توفيق صدقي تقليدا تاما. مع دعوى الاجتهاد والانفراد لأنه ينكر إنكارا تاما أن يكون للأحاديث أية قيمة تشريعية، فلا يرفض أخبار الآحاد فحسب بل يرفض ما نقل إلينا بالتواتر مثل الصلوات الخمس وعدد ركعاتها إلى آخره.

ثم استعرض الدكتور الأعظمي في صفحات عدة حجج منكري السنة قديما وحديثا وقد رد على هذه الحجج وفندها (1).

(1) انظر دراسات في الحديث 1/ 29 وما بعدها

ص: 302

ويقول الأعظمي: أما الشيعة فيهم فرق كثيرة يكفر بعضهم بعضا كما بين ذلك النوبختي في كتابه فرق الشيعة.

والموجود من الشيعة حاليا في العالم الإسلامي أكثرهم من الاثني عشرية، وهم يذهبون إلى الأخذ بالسنة النبوية وانظر كتبهم في الأحاديث كالكافي للكليني وغير ذلك.

لكن الاختلاف بيننا وبينهم في طريق إثبات السنة نفسها.

وبما أنهم يحكمون بالردة على كافة الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عدا عدة أشخاص يتراوح عددهم بين ثلاثة إلى أحد عشر.

لذلك لا يقبلون الأحاديث المروية عن هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. بل يعمدون إلى روايات منقولة عن أهل البيت فقط - حسب نظرهم - ويجمل الشيخ الأعظمي الهدف من تعليقاته فيقول:

وخلاصة القول: أجمعت الأمة الإسلامية من سالف الدهر حتى الآن على الأخذ بالسنة النبوية، وأنها مصدر التشريع، والمسلمون ملزمون بها.

ووجد قديما بعض الأشخاص أو بعض الفرق التي طعنت في السنة النبوية، ولكنها انتهت بنهاية القرن الثاني.

أو على الأكثر بنهاية القرن الثالث وما بقي لهم وجود.

وقد استيقظت الفتنة مرة أخرى في القرن الماضي بتأثير من الاستعمار الغربي (1).

(1) السابق 25

ص: 303

لا فرق بين السنة والكتاب في الحلال والحرام:

يقول الدكتور صبحي الصالح رحمه الله تعالى: لكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم استشف حجاب الغيب فرأى في القرون من بعده، قوما يفرقون بين كتاب الله وسنة رسوله ولا يعملون إلا بما نص عليه القرآن وحده. فإذا هو يصور لنا هؤلاء تصويرا ينبئنا عن فداحة خطئهم.

ص: 303

وضلالهم عن الصراط المستقيم فيقول صلى الله عليه وسلم «ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، فإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله (1)» .

ويفسر الإمام الشافعي اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بضم سنته إلى كتاب الله في الحلال والحرام، وفي كل أمر تشريعي ذي بال بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولم يحرم إلا ما حرم الله في كتابه ثم يؤكد (الشافعي) بلهجة جازمة حاسمة أن جميع ما تقوله الأئمة شرح للسنة، وجميع السنة شرح للقرآن.

ويقول الدكتور صبحي الصالح: ويكاد غير الشافعي يغلو في تفسير هذه الظاهرة حين يعد السنة " وحيا ينزل به جبريل على رسول الله كما ينزل عليه القرآن، ويعلمه إياه كما يعلمه القرآن، ويصرح أبو البقاء بهذا التفسير حين يقول في كلياته دون تجوز ولا اتساع:

والحاصل أن القرآن والحديث يتحدان في كونهما وحيا منزلا من عند الله بدليل قوله تعالى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (2) إلا أنهما يتفارقان من حيث إن القرآن هو المنزل للإعجاز والتحدي به بخلاف الحديث، وأن ألفاظ القرآن مكتوبة في اللوح المحفوظ وليس لجبريل عليه السلام ولا للرسول عليه الصلاة والسلام أن يتصرفا فيه أصلا.

وأما الأحاديث فيحتمل أن يكون النازل على جبريل منها معنى صرفا فكساه حلة العبارة.

ثم يدلي الدكتور صبحي الصالح برأيه في هذه المسألة إذ يقول:

(1) حديث (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه. . .) في: سنن أبي داود (كتاب السنة باب 5) المسند 4/ 131

(2)

سورة النجم الآية 4

ص: 304

ولقد نكون أشد ميلا - من ناحية الوحي - إلى التفرقة بين نزول القرآن على قلب النبي وإلهامه النطق ببعض الأحاديث ثم نجنح - بسبب هذه التفرقة إلى استقلال القرآن وحده بظاهرة الوحي على النحو الذي أوضحناه في كتابنا مباحث علوم القرآن: إذ كان عليه السلام يفرق بوضوح بين الوحي الذي ينزل عليه وبين أحاديثه الخاصة التي كان يعبر عنها بإلهام من الله فمما يجول في نفسه من خواطر وأفكار كان ذا صفة إنسانية محضة لا يمكن أن يختلط بالكلام الرباني. وإنما السنة هي حكمة كما سميت في القرآن في قوله تعالى {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (1) فقد اختار معظم العلماء المحققين أن الحكمة في الآية هي شرح آخر غير القرآن، وهي مجموعة ما اطلع الله عليه رسوله من مقاصد الشرع وتعاليمه وأسراره التي لا يمكن أن تكون غير سنة الرسول القولية والفعلية.

ومنذ عامين اكتشفت جماعة تنكر السنة النبوية بزعامة الدكتور أحمد صبحي منصور أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وذلك من خلال كتاب له باسم (الأنبياء في القرآن الكريم)، الذي تضمن هجوما صارخا على السنة النبوية، وقد تبين أن المذكور له آراء مخالفة لأهل السنة منها أن المسلم العاصي مخلد في النار وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا شفاعة له، وأنكر قصة المعراج وقال: إن القرآن لم يذكر إلا قصة الإسراء، واعتبر أحاديث المعراج باطلة، وأنكر حكم القتل على المرتد. وقال إن القرآن لم يشتمل على ذلك.

(1) سورة الجمعة الآية 2

ص: 305

وأول من فند آراء الدكتور صبحي وأبطلها الدكتور عبد الجليل شلبي الأمين العام السابق لمجمع البحوث الإسلامية إذ يقول إن الدكتور صبحي منصور شكك في مسائل إسلامية كثيرة بعضها متعلق بالعقيدة وبعضها متعلق بشخصية الرسول، وعميد كلية اللغة العربية الدكتور سعد ظلام غضب لهذه الآراء وقدم الكتاب الذي يتضمن هذه الآراء عن الرسول وعن السنة إلى مجمع البحوث الإسلامية الذي بدوره حوله إلى لجنة خاصة لمناقشته وتفنيد ما في الكتاب، ومن العلماء الذين قدموا تقريرا في هذا الكتاب الذي يشكك في السنة النبوية الدكتور الطيب النجار ونشرت صور من التقارير بينت بطلان آراء الدكتور صبحي منصور الذي اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بكتمان الوحي وكذلك أيضا كان رأي الدكتور محمد سيد طنطاوي مفتي مصر بأن هذا الرجل وجماعته ينكرون السنة، وكذلك أيضا رأي الشيخ عبد الله المشد رئيس لجنة الفتوى بالأزهر ببطلان هذه الآراء، وكذلك الدكتور عبد الصبور مرزوق قال إن الدكتور صبحي منصور لن يكون الأول والأخير في محاولات النيل من السنة المطهرة، والأستاذ فهمي هويدي بين أن السنة كانت هدفا منذ بعيد لسهام هؤلاء المغرضين وقد فند آراء الدكتور صبحي كثير من العلماء والمفكرين وردوا عليها (1).

والحملات على السنة النبوية لها جذور قديمة عند المعتزلة والرافضة والخوارج وإن البغدادي قد ذكرها ورد عليها في كتابه (الفرق بين الفرق)، وابن حزم قد تصدى لها في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) ومن قبله الإمام الشافعي قد فندها ورد عليها.

وهذه الآراء الباطلة قد رددها كثير من المستشرقين وروجوها في كتبهم وفي مقدمتهم (جولد تسهير وشبرنجر وفون كريمر) وغيرهم.

(1) انظر جريدة (المسلمون) الدولية بتاريخ 13 ربيع الآخر سنة 1408 وجريدة الأهرام 29/ 12 / 87.

ص: 306

وقد سار على نهجهم الأستاذ أحمد أمين في كتابه المشهور فجر الإسلام الصادر في سنة 1928 حيث أفرد في هذا الكتاب ست عشرة صفحة عن قضية (الموضوعات) وعدم التدوين وعرض الأقوال التي تنتقد أبا هريرة ويشكك فيه، وقد سار على منوال المستشرقين أيضا الشيخ محمود أبو رية في كتابه (أضواء على السنة).

وشن حملة جارحة على أبي هريرة أشهر رواة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومثل هذه الحملات على السنة النبوية قد أثارت الغضب عند العلماء الذين فندوا هذه الآراء الباطلة وكانت ردودهم حاسمة أمثال الشيخ عبد الغني عبد الخالق في كتابه (حجية السنة).

وهو مرجع نفيس أنجزه في بداية الأربعينات والشيخ الدكتور مصطفى السباعي في كتابه المشهور (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)، والشيخ الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه الذي نال به جائزة الملك فيصل.

ص: 307

(دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه).

وهكذا مازال الدفاع مستمرا عن السنة النبوية المطهرة إلى يوم الدين. واتجه بعض الكتاب الباحثين في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تقسيم السنة إلى سنة تشريعية وسنة غير تشريعية، يقول الدكتور فتحي عبد الكريم:" إن أحدث ما كتب في هذا الموضوع - فيما نعلم - هو مقال الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا في العدد الافتتاحي من مجلة المسلم المعاصر تحت عنوان السنة التشريعية وغير التشريعية (في مجلة المسلم المعاصر، العدد الافتتاحي ص29). . وقد سبق ذلك المقال بحث آخر في نفس الموضوع للدكتور عبد الحميد متولي في كتابه (مبادئ نظام الحكم في الإسلام) كتب يقول: " في مؤلفات فقهاء الشريعة الإسلامية نجد بصدد الكلام عن السنة مبحثا خاصا وهو: بما يعد من السنة تشريعا عاما وما لا يعد كذلك ".

ص: 307

واستخلص الدكتور متولي من ذلك أن السنة القولية وحدها هي التي تعد تشريعا دون السنة الفعلية والسنة التقريرية.

وينتهي صاحب البحث إلى القول بأن ثمة أحاديث كثيرة صدرت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تكن تشريعا أصلا، أي لا تعد تشريعا أبديا أو وقتيا.

" والبحثان المتقدمان متأثران بما كتبه كل من فضيلة الشيخ محمود شلتوت في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) وما كتبه الشيخ أحمد المعروف بشاه ولي الله الدهلوي في كتابه (حجة الله البالغة) ".

" فقد كتب فضيلة الشيخ محمود شلتوت بحثا تحت عنوان: السنة تشريع وغير تشريع ".

" وكتب الدهلوي في المبحث السابع ما يأتي:

اعلم أن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ودون في كتب الحديث على قسمين، أحدهما: ما سبيله تبليغ الرسالة وفيه قوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)

ثانيا: ما ليس من باب تبليغ الرسالة.

مما سبق يتبين أن الأبحاث المتقدمة تشترك في إثارة قضية هامة هي أن السنة ليست كلها تشريعا لازما ".

وبناء على ذلك فإن كتاب (السنة تشريع لازم ودائم) فقد خصصه مؤلفه للرد على هذه القضايا ردا شافيا وافيا، وقد أوجزنا ما قاله.

وأما القول بأن السنة قد تأخر تدوينها فزالت الثقة بضبطها وأصبحت مجالا للظن والظن لا يجوز في دين الله.

فهذا قول من لم يقف على ما بذله الصحابة رضوان الله عليهم وخاصة كتاب الوحي في عصر النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) سورة الحشر الآية 7

ص: 308

فقد نقلت السنة بالضبط والحفظ، والكتابة أحيانا من عصر الصحابة إلى نهاية القرن الأول حيث دون الزهري السنة بأمر عمر بن عبد العزيز.

أما ما دس على السنة من كذب فقد تصدى له العلماء وبينوه بما لا يترك مجالا للشك حتى إن النفس لتطمئن إلى السنة إلى حد يكاد يصل إلى درجة اليقين.

انظر في ذلك (كتاب الوحي) للدكتور محمد مصطفى الأعظمي، وانظر له أيضا (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه).

ص: 309

أخبار الرسول وحي كالقرآن:

وهل يخفى على ذي عقل سليم أن تفسير القرآن بهذه الطريق خير من أقوال أئمة الضلال وشيوخ التجهم والاعتزال كبشر المريسي، والجبائي، والنظام والعلاف وأضرابهم من أهل التفرق والاختلاف.

فإذا كانت أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم لا تفيد علما فجميع ما يذكره هؤلاء لا يفيد علما ولا ظنا.

والله سبحانه وتعالى أنزل على نبيه الحكمة كما أنزل عليه القرآن، والحكمة هي السنة كما قال غير واحد من السلف. فإن الله تعالى قال {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (1)

والمراد بالسنة ما أخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى القرآن، كما قال صلى الله عليه وسلم «ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه (2)» .

قال الأوزاعي عن حسان بن عطية كان جبرائيل ينزل بالقرآن والسنة يعلمه إياها، كما يعلمه القرآن.

فهذه الأخبار التي زعم هؤلاء أنه لا يستفاد منها علم، نزل بها جبريل من عند الله عز وجل.

(1) سورة الأحزاب الآية 34

(2)

الحديث في: سنن أبي داود (كتاب السنة 5) المسند 4/ 131

ص: 309

ومن الردود لابن القيم على هؤلاء الذين ينكرون حجية الأخبار قوله في مختصر الصواعق: (1).

إن الرجل لو قرأ بعض المصنفات في النحو أو الطب أو غيرهما أو قصيدة من الشعر كان من أحرص الناس على فهم معنى ذلك وكان من أثقل الأمور عليه قراءة كلام لا يفهمه.

فإذا كان السابقون يعلمون أن هذا كتاب الله وكلامه فكيف لا يكونون أحرص الناس على فهمه ومعرفة معناه. قال البخاري: كان الصحابة إذا جلسوا يتذاكرون كتاب ربهم وسنة نبيهم لم يكن بينهم رأي ولا تيأس مثل المتأخرين، ويوضح لنا أبو شامة الفرق الشاسع بين موقف الصحابة والسلف من العلم وموقف المتأخرين فيقول: إن العلم قد درست أعلامه، وقل في هذا الزمان إتقانه وإحكامه وأدى به الإهمال إلى عدم احترامه، وقل إجلاله وإعظامه وكاد يجهل حلاله وحرامه.

هذا مع حث الشارع عليه، ووصف العلماء القائمين بخشيتهم إياه، ورفعه درجاتهم قال تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (2)

وقد كان من مضى من الأئمة المجتهدين قائمين بنشر علوم الاجتهاد في جميع الآفاق، وهم في ذلك متفاضلون:

فمنهم المحكم لأمر الكتاب.

ومنهم القائم بأمر السنة.

ومنهم الممعن في استنباط الأحكام.

وقل من اجتمع فيه القيام بجميع ذلك.

قال المزني: سمعت الشافعي يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر.

قد كان العلماء في الصدر الأول معذورين في ترك ما لم يقفوا عليه من

(1) مختصر 460

(2)

سورة فاطر الآية 28

ص: 310