الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (1)» .
ومثال الفعل: ما نقله الصحابة من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال صدرت عن بعض أصحابه بسكوت منه مع دلالة الرضا.
وقد تطلق السنة عند الأصوليين على ما دل عليه دليل شرعي من الكتاب أو السنة أو اجتهاد الصحابة.
والسنة في اصطلاح الفقهاء ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم مما يدل على حكم شرعي وجوبا أو حرمة أو إباحة أو غير ذلك أو ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ولم يكن من باب الفرض أو الواجب.
(1) الحديث في: البخاري (كتاب البيوع 42، 44، 47، مسلم (كتاب البيوع 45) أبو داود (بيوع 51)، النسائي (بيوع 9)، الموطأ (بيوع 79) المسند 1/ 56.
جهود العلماء لصيانة السنة ومقاومة حركة الوضع
لقد بذل العلماء منذ عصر الصحابة إلى يومنا هذا جهودا عظيمة لتمييز صحيح الأحاديث متبعين في ذلك التحري في إسناد الحديث، فلا يقبلون منها إلا ما اطمأنوا فيه إلى ثقة الرواة وعدالتهم، وقد أشار الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن مسعود قوله: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: " سموا لنا رجالكم ".
ويقول الزهري،: الإسناد من الدين. ويقول ابن المبارك بيننا وبين القوم القوائم أي الإسناد. ويقول سعيد بن المسيب: إني كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد.
يقول الشيخ مناع القطان:
ومن الخطوات التي اتبعت أيضا: نقد الرواة، قال الغزالي في المستصفى والذي عليه سلف الأمة وجماهير الخلف أن عدالة الصحابة معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم، وثنائه عليهم في كتابه.
فلا يؤخذ حديث الذين يعرف عنهم الكذب، ولا أحاديث البدع ووضع العلماء أمارات للدلالة على أن الحديث موضوع كمخالفته لصريح القرآن، أو فساد معناه، ونشأ من ذلك علم الجرح والتعديل.
وكان لجهود أئمة الحديث وعلمائه في العصور المختلفة أثر كبير في الذب عن السنة النبوية. وفي تخريج الأحاديث، وبيان الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة.
وظهرت كتب كثيرة في هذا الشأن منها:
- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة للحافظ السخاوي.
- ونصب الراية لأحاديث الهداية للحافظ الزيلعي.
- والمغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار للحافظ العراقي.
- وتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للحافظ ابن حجر العسقلاني.
- وتخريج أحاديث الكشافة للحافظ ابن حجر.
- والمنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن قيم الجوزية.
- وتخريج أحاديث الشفاء للسيوطي.
- والموضوعات لابن الجوزي.
- واللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي.
- وذيل اللآلئ للسيوطي أيضا.
- والموضوعات الكبرى للشيخ علي القاري الهروي.
- والموضوعات الصغرى له أيضا.
- والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني.
- وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للشيخ محمد ناصر الدين الألباني وقد رد الدكتور مصطفى السباعي في كتابة السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي على ما كتبه أبو رية في كتابه (أضواء على السنة المحمدية)، وكذلك رد على مطاعن بعض المستشرقين في السنة.
وقد اهتم العلماء بالرد على من أنكر حجية السنة وأنها لم تدون إلا في عصر متأخر فتجد هذه الردود على الهجمات الشرسة من المستشرقين ومن ذوي النفوس المريضة الذين يهدفون إلى توهين الثقة في الأحكام الشرعية وحجية السنة تجد هذه الردود في كتاب دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه للدكتور محمد مصطفى الأعظمي.
الأعذار في ترك بعض الأحاديث في الاستدلال:
وقد بين لنا شيخ الإسلام ابن تيمية أعذار الأئمة في ترك بعض الأحاديث النبوية أثناء اجتهاداتهم ووضح أنها ثلاثة أصناف: (1).
أحدها: عدم اعتقاد المجتهد من الأئمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث.
الثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.
الثالث:: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.
وهذه الأعذار الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة.
- السبب الأول: أن لا يكون الحديث قد بلغه، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالما بموجبه.
وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفا لبعض الأحاديث.
وقد فات على كثير من العلماء بعض الأحاديث فلم يعلموا بها وكذلك أيضا إحاطة واحد من الصحابة بجميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فهذا لا يمكن ادعاؤه لأنهم بشر ولهم طاقة.
وهو صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان معه صاحباه أبو بكر وعمر في أوقات كثيرة، ثم مع ذلك لما «سئل أبو بكر عن ميراث الجدة قال: ما لك في كتاب الله من شيء، وما علمت لك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء، ولكن اسأل الناس فسألهم، فقام المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة فشهدا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس (2)» وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن يعلم بسنة الاستئذان حتى أخبره بها أبو موسى واستشهد بالأنصار.
(1) أصول الفقه لابن تيمية 2/ 232 وما بعدها (الفتاوى مجلد 20).
(2)
الحديث في الترمذي (كتاب الفرائض 10)، سنن ابن ماجه (كتاب الفرائض 4) والحديث " أن رسول الله صلى الله علي وسلم ورث جدة سدسا"، والموطأ (كتاب الفرئض).
ولم يكن عمر يعلم أيضا أن المرأة ترث من دية زوجها بل يرى أن الدية للعاقلة حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان وهو أمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض البوادي يخبره «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها (1)» ؛ فترك عمر رأيه لذلك وقال " لو لم نسمع بهذا لقضينا خلافه ".
ولما قدم سرغ وبلغه أن الطاعون بالشام، استشار المهاجرين الأولين الذين معه، ثم الأنصار، ثم مسلمة الفتح، فأشار كل عليه بما رأى، ولم يخبره أحد بسنة.
حتى قدم عبد الرحمن بن عوف فأخبره بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون وأنه قال «إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه (2)» .
وهكذا تجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقضي بما يعلم ولكن فاته بعض الأحاديث وذلك مثل ما قضى في دية الأصابع أنها مختلفة بحسب منافعها وقد كان عند أبي موسى وابن عباس - وهما دونه في كثير من العلم - علما بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال «هذه وهذه سواء (3)» يعني الإبهام والخنصر، فبلغت هذه السنة معاوية رضي الله عنه في إمارته فقضى بها، ولم يجد المسلمون بدا من اتباع ذلك. ولم يكن عيبا في عمر رضي الله عنه حيث لم يبلغه الحديث. وغير ذلك كثير.
ويواصل شيخنا ابن تيمية في توضيح الأعذار وأسبابها ويقول (4) فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأئمة أو إماما معينا فهو مخطئ خطأ فاحشا قبيحا.
(1) الحديث في سنن ابن ماجه (كتاب الديات 12).
(2)
حديث " إذا وقع بأرض. . . " في: الترمذي (كتاب الجنائز 66).
(3)
حديث " هذه وهذه. . . " في: النسائي (كتاب القسامة 45)، وفي الترمذي (كتاب الديات 4، سنن ابن ماجه (كتاب الديات 18).
(4)
أصول الفقه لابن تيمية 2/ 238.
ولا يقولن قائل: الأحاديث قد دونت وجمعت، فخفاؤها والحال هذه بعيد.
ولا نستنتج من كلام ابن تيمية أن الحديث لم يكتب في عهده، بل كان بعض كتاب الوحي يكتبون عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث أيضا إلا أن هذه الدواوين المشهورة في السنن إنما جمعت بعد انقراض الأئمة المتبوعين.
ومع هذا فلا يجوز أن يدعي انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في دوواين معينة بل الدوواين تكمل بعضها.
ثم لو فرض انحصارها فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم، ولا يكاد ذلك يحصل لأحد. وبين لنا ابن تيمية أيضا أنه لا يشترط في المجتهد أن يكون عالما بالأحاديث كلها فيقول: لا يقولن قائل: من لم يعرف الأحاديث كلها لم يكن مجتهدا.
وإنما غاية العالم أن يعلم جمهور ذلك ومعظمه، بحيث لا يخفى عليه إلا القليل من التفصيل.
السبب الثاني: في ترك بعض الأحاديث: أن يكون الحديث قد بلغه، لكنه لم يثبت عنده إما لأن محدثه أو محدث محدثه أو غيره من الإسناد مجهول عنده أو متهم، أو سيئ الحفظ.
وإما لأنه لم يبلغه مسندا بل منقطعا.
أو لم يضبط لفظ الحديث.
السبب الثالث:
اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره وتحته كلام كثير لا يتسع المقام لذكره.
السبب الرابع: في ترك بعض الأحاديث عند المجتهد أنه يشترط في خبر الواحد العدل الحافظ شروطا يخالفه فيها غيره.
مثل اشتراط بعضهم عرض الحديث على الكتاب والسنة واشتراط بعضهم أن يكون المحدث فقهيا إذا خالف قياس الأصول.
واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان فيما يعم به البلوى.
وتجد توضيح ذلك في كتب الأصول.
السبب الخامس:
أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده، لكن نسيه كما حدث ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك مثل الحديث المشهور «عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يجنب في السفر فلا يجد الماء فقال: لا يصلي حتى يجد الماء - فقال عمار: يا أمير المؤمنين أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل فأجنبنا فأما أنا فتمرغت كما تمرغ الدابة، وأما أنت فلم تصل، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم:(إنما يكفيك هكذا) وضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه؟ فقال له عمر: اتق الله يا عمار!! فقال إن شئت لم أحدث به.
فقال: بل نوليك من ذلك ما توليت (1)».
فهذه سنة شهدها عمر ثم نسيها حتى أفتى بخلافها وذكره عمار فلم يذكر وهو لم يكذب عمارا بل أمره أن يحدث بها.
وأبلغ من هذا أنه خطب الناس فقال " لا يزيد رجل على صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته إلا رددته ". فقالت امرأة: يا أمير المؤمنين: " لم تحرمنا شيئا أعطانا الله إياه؟ ".
ثم قرأت {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (2) سورة النساء (آية 20) فرجع عمر إلى قولها وكان حافظا للآية ولكن نسيها.
ويواصل شيخنا ابن تيمية في بيان الأعذار وتوضيح الأسباب في ترك بعض الأحاديث في الاستدلال فيقول (3).
(1) الحديث في: البخاري (كتاب التيمم 5، 8، 35)، مسلم (كتاب الطهارة)، النسائي (الطهارة 195) أبو داود (كتاب الطهارة).
(2)
سورة النساء الآية 20
(3)
أصول الفقه لابن تيمية 2/ 244 (فتاوى).
السبب السادس:
عدم معرفته بدلالة الحديث، تارة لكون اللفظ الذي في الحديث غريبا عنده.
مثل لفظ المزابنة، والمحاقلة، والمخابرة والملامسة والمنابزة، والغرر، إلى غير ذلك من الكلمات الغريبة التي قد يختلف العلماء في تفسيرها. وإن كان لها معان مشهورة.
وكالحديث المرفوع «(لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) (1)» فإنهم فسروا الإغلاق بالإكراه ومن يخالفه لا يعرف هذا التفسير.
كما سمع بعضهم آثارا في الرخصة في النبيذ فظنوه بعض أنواع المسكر، لأنه لغتهم، وإنما هو ما ينبذ لتحلية الماء قبل أن يشتد.
وتارة لكون اللفظ مشتركا، أو مجملا، أو مترددا بين حقيقة ومجاز فيحمله على الأقرب عنده، وإن كان المراد هو الآخر.
كما حمل جماعة من الصحابة الخيط الأبيض، والخيط الأسود على الحبل. وهذا باب واسع أيضا.
السبب السابع: في ترك بعض الأحاديث:
اعتقاده ألا دلالة في الحديث.
السبب الثامن أيضا:
اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل على أنها ليست مراده، مثل معارضة العام بالخاص، أو المطلق بالمقيد وهكذا.
(1) حديث " لا طلاق. . . " في البخاري (كتاب الطلاق11)، ابن ماجه (كتاب الطلاق 16) أبو داود (كتاب الطلاق 8)، المسند 2/ 276.
السبب التاسع والعاشر:
اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه، أو تأويله إن كان قابلا للتأويل.
كمعارضة كثير من الكوفيين الحديث بظاهر القرآن، واعتقادهم أن ظاهر القرآن مقدم على نص الحديث.
وللإمام الشافعي في هذه القاعدة كلام معروف، وللإمام أحمد في رسالته المشهورة في الرد على من يزعم الاستغناء بظاهر القرآن عن تفسير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد فيها من الدلائل ما يضيق هذا الموضوع عن ذكره (1).
كتب الحديث وأوائل المصنفات:
قال الشافعي يرحمه الله: ما تحت أديم السماء كتاب أكثر صوابا بعد كتاب الله من موطأ مالك.
وهو كما قال الشافعي رضي الله عنه، من حيث إنه أول كتاب ظهر، ويعلق شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول:
وهذا لا يعارض ما عليه أئمة الإسلام من أنه ليس بعد القرآن كتاب أصح من صحيح البخاري ومسلم.
مع أن الأئمة على أن البخاري أصح من مسلم.
ولا يشك أحد أن البخاري أعلم من مسلم بالحديث والعلل والتاريخ، وأنه أفقه منه.
وكتب الأحاديث التي بين أيدينا أيضا ليست على درجة واحدة في الرتبة إذ البخاري وأبو داود أفقه أهل الصحيح والسنن المشهورة كما يقول ذلك ابن تيمية ويعلل ذلك فيقول:
(1) السابق 2/ 249.
وإنما كان هذان الكتابان كذلك لأنه جرد فيها الحديث الصحيح المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الموطأ ونحوه فإنه صنف على طريقة العلماء المصنفين إذ ذاك.
وأول ما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم كان الاهتمام به أكثر فإن الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكتبون القرآن فقط فكان الرسول في أول نزول الوحي لا يشغلهم بغيره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهاهم أن يكتبوا عنه غير القرآن وقال:«من كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه (1)» .
ولكن الصحابة في عهده صلى الله عليه وسلم بدأوا يكتبون الأحاديث حيث أذن في الكتابة لعبد الله بن عمرو وقال: «اكتبوا لأبي شاه (2)» .
وكتب لعمرو بن حزم كتابا (قالوا: كان النهي أولا خوفا من اشتباه القرآن بغيره، ثم أذن لهم صلى الله عليه وسلم بكتابة الحديث عنه لما أمن منهم اختلاطه بالقرآن.
فكان الناس يكتبون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبوا أيضا غيره من الكتب والرسائل للملوك والأكاسرة والقياصرة وحكام البلاد.
ولم يكونوا يصنفون ذلك في كتب مصنفه إلى زمن تابع التابعين حتى صنف العلم بعد ذلك.
فأول من صنف ابن جريج شيئا في التفسير وشيئا في الأموات وصنف
(1) الحديث في: صحيح مسلم (كتاب الزهد 72) سنن الدارمي (مقدمة 42)، مسند الإمام أحمد 3/ 12، 21، 39، 56.
(2)
الحديث في البخاري (كتاب العلم 39)، سنن أبي داود (كتاب المناسك 89)، (كتاب الديات 4) الترمذي (كتاب العلم 12)، المسند (2/ 238).
سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة، ومعمر وأمثال هؤلاء يصنفون ما في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين.
وصنف بعد ذلك عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب ووكيع بن الجراح، عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور وغير هؤلاء.
فهذه الكتب التي كانوا يعدونها في ذلك الزمان هي التي أشار إليها الشافعي رحمه الله فقال: ليس بعد القرآن كتاب أكثر صوابا من موطأ مالك فإن حديثه أصح من حديث نظائره وكذلك الإمام أحمد لما سئل عن حديث مالك ورأيه، وحديث غيره ورأيهم، رجح حديث مالك ورأيه على حديث أولئك ورأيهم.
وهذا يصدق الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة (1)» .
فقد روى عن غير واحد، كابن جريح وابن عيينة وغيرهما أنهم قالوا هو مالك (2).
ومن ظن بأبي حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم. وتكلم إما بظن أو هوى.
فهذا أبو حنيفة يعمل بحديث التوضي بالنبيذ في السفر مخالفة للقياس وبحديث القهقهة في الصلاة مع مخالفته للقياس. لاعتقاده صحتهما، وإن
(1) حديث " يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل. . . " في الترمذي (كتاب العلم 18)، المسند 2/ 299.
(2)
أصول الفقه لابن تيمية 2/ 320.