الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: في حكم الخلوة بالمرأة الأجنبية
.
اتفق جميع العلماء على حرمة خلو الرجل بامرأة ليست له زوجة، ولا ذات رحم محرم. وهذه الحرمة مطلقة، سواء أمنت الفتنة أو لم تؤمن، وسواء وجدت العدالة أو لم توجد.
قال السنامي في نصاب الاحتساب (1):
" ويحتسب على الرجل والمرأة إذا كانا في خلوة وكانا أجنبيين. . . إلا إذا كان له على المرأة حق، فله أن يلازمها ويجلس معها، ويقبض على ثيابها، وهذا ليس بحرام، فإن هربت وخلت الخربة فأراد الرجل أن يدخل تلك الخربة لا بأس به، إذا كان الرجل يأمن على نفسه من ذلك، فيكون بعيدا عنها يحفظها بعينه، لأن هذه الخلوة ضرورة ".
وقد أوجب العلماء نهي النساء عن اجتماعهن مع الرجال، اجتماع ملاصقة، لأن ذلك محرم، واستباحته كفر، وفعله مع الاعتقاد بتحريمه عصيان لله (2)، وأطلقوا حرمة الخلوة مع الشهوة فحرموا الخلوة بكل حيوان يشتهي المرأة وتشتهيه كالقرد (3) والخلوة بشهوة لرجل مع رجل أو امرأة مع امرأة (4)، ولذلك حرموا خلوة النساء بعضهن ببعض إذا خيف عليهن المساحقة انظر (5)
(1) ص135.
(2)
انظر المعيار المعرب ج11 ص228.
(3)
انظر الفروع 5/ 153 والإنصاف 8/ 30 وكشاف القناع 5/ 15، 16.
(4)
انظر الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/ 121.
(5)
إعلام الموقعين 4/ 378.
المبحث الثالث: الخلوة لغرض التعليم والعلاج.
طلب العلم يعد من الأمور المشروعة لكن إذا صاحبه أمر محرم حرم، لا لذاته وإنما للأمر المحرم المصاحب له.
ولذا نرى علماء المالكية يرون حرمة مباشرة الرجال للنساء لغرض تعليمهن، وقالوا: إن مسؤولية تعليم البنت على أبيها ثم على زوجها، ولا يجوز لهما إنابة الأجنبي في ذلك، لأن مثل هذه الإنابة لا تصح مطلقا، ولا يعني هذا منعهن من سؤال العلماء فالسؤال جائز لكن من وراء حجاب كما أمر الله تعالى (1) فالعالم لا بأس أن تأتيه الأجنبية إلى منزله، فتسأل بمحضر زوجته أو ابنته. فيجيبها بما عنده، وهو يكف بصره عن النظر إليها بشرط أن لا يسمع منها إلا ما لسماعه ضرورة من حديثها (2)، ويرى الشافعية حرمة الخلوة بالأجنبية لغرض التعليم مع الشهوة مطلقا وإن وجد محرم، وأجازوها بوجود محرم إذا أمنت الفتنة (3).
أما الخلوة للعلاج فحرام عندهم إذ قالوا بعدم جواز الخلوة بالمرأة للعلاج إلا بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة على القول الراجح عندهم بجواز خلوة أجنبي بامرأتين (4).
(1) انظر المعيار المعرب ج11/ 229.
(2)
المرجع السابق 1/ 159.
(3)
انظر الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ج2/ 121 والفتاوى الكبرى للهيثمي ج4/ 97.
(4)
انظر الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ج2/ 120 وفتح الجواد 2/ 68 وبجيرمي على الخطيب 3/ 320.
والحنابلة منعوا الخلوة بالمرأة لغرض التعليم أو العلاج (1) إلا بحضور محرم أو زوج لأنه لا يأمن مع الخلوة مواقعة المحظور لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه (2) مرفوعا: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم فإن ثالثهما الشيطان (3)»
ومما مضى نعلم أن الفقهاء قرروا حرمة الخلوة بالمرأة الأجنبية لغرض التعليم والعلاج غير أن الشافعية أجازوا الخلوة -لأجل التعليم- بأكثر من امرأة إذا أمنت الفتنة. لكنني لا أذهب إلى رأي الشافعية لإمكانية تعليم الرجل للنساء عن طريق الرائي المغلق، وقول الشافعية بخلوة رجل بامرأتين فأكثر قد يكون له وجه في العلاج إذا تعذر وجود المحرم لبعض الحالات فيجوز للحاجة بشروطها وهي أمن الفتنة ووجود عدد من النساء الثقات يتعذر من وجودهن مواطأة الفاحشة ووجه استثناء العلاج لأن بعض حالات العلاج قد يصعب وجود المحضر كالعمليات الجراحية التي يتعذر وجود محرم في أثنائها فإنقاذ المرأة واجب فيكتفى لتحصيل هذا الواجب بأدنى درجات الأمن.
(1) انظر الإنصاف ج9/ 314.
(2)
سبق تخريجه ص7.
(3)
انظر كشاف القناع 5/ 13.
المبحث الرابع: الخلوة بالمرأة الكبيرة.
ذهب الحنفية إلى أن العجوز الشوهاء تعد في حكم الأجنبية فيحرم على الرجل الشاب الخلوة بها كما يحرم على غيره (1).
وبهذا قال الشافعية فلم يعتبروا الجمال، لأن الطبع يميل إليها فضبط التحريم بالأنوثة (2).
(1) انظر بدائع الصنائع ج 5/ 125.
(2)
انظر فتح الجواد ج 2/ 71 وبجيرمي على الخطيب 3/ 324 وحاشية البيجوري على شرح ابن قاسم 2/ 99.
وهو القول الصحيح عند الحنابلة إذ قالوا بحرمة الخلوة بالأجنبية ولو كانت عجوزا شوهاء (1).
أما المالكية فيرون جواز خلوة الشيخ الهرم بالمرأة الشابة أو المتجالة (2) وكذلك خلوة الشاب بالمرأة المتجالة (3) وهذا هو القول الثاني عند الحنابلة (4).
قلت: وضبط حرمة الخلوة بالأنوثة أولى لانضباط العلة فهي لا تختلف باختلاف محالها، ومن السهل التحقق من وجودها، أما الجمال فلا يمكن ضبطه لاختلافه باختلاف الأحوال والأشخاص بل ويختلف في نظرة الناس، باعتبار هذا جمالا، أو ليس بجمال فالجميل قد يكون عند البعض قبيحا، والقبيح قد يكون عند آخر جميلا، وكما يقال لكل ساقطة في الحي لاقطة.
(1) انظر الإنصاف ج 9/ 314.
(2)
المتجالة: المرأة المسنة. انظر تاج العروس آخر مادة جلل.
(3)
انظر حاشية العدوي ج 2/ 422.
(4)
انظر الإنصاف ج9/ 314.
المبحث الخامس: الخلوة بذوي العيوب المانعة من النكاح.
يرى الحنفية أن الشيخ الذي لا يجامع مثله بمنزلة المحرم (1) فتصح الخلوة معه.
وذهب الشافعية إلى أن الخصي والمجبوب والمخنث والشيخ الفاني، يعد كل منهم في حكم الأجنبي بخلاف الممسوح ذكره وأنثياه الذي لا ميل له للنساء، فتصبح الخلوة معه لانتفاء مظنه الفتنة، غير أنه يشترط أن يكون مسلما عفيفا (2).
ومنع الحنابلة المرأة من الخلوة بالخصي والمجبوب، لأن العضو وإن تعطل أو عدم فشهوة الرجال لا تزول من قلوبهم، ولا يؤمن التمتع بالقبل وغيرها.
(1) حاشية ابن عابدين ج6/ 368.
(2)
انظر فتح الجواد 2/ 69 ونهاية المحتاج 6/ 190 وبجيرمي على الخطيب 3/ 314.
وكذا لا يباح خلوة الرجال بالرتقاء من النساء لهذه العلة (1)
(1) انظر الإنصاف 8/ 22 وكشاف القناع 5/ 13، 16.
المبحث السادس: خلوة الرجل بأكثر من امرأة
ذهب الحنفية إلى حرمة خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية وإن كان معها أخرى.
وفي إمامة البحر عن الإسبيجاني (ويكره أن يؤم النساء وليس معهن رجل ولا محرم، ولا امرأة هو محرم لها) فعلة الكراهية التحريمية هنا الخلوة وهذا النص يفيد أن الخلوة لا تنتفي بوجود امرأة أخرى ولا تعتبر من محارم الرجل مما يدل على عدم صحة خلوة الرجل بامرأة أخرى وإن وجدت معها امرأة ثقة (1).
ومنع الشافعية الخلوة بالمرأة إذا لم يوجد معها امرأة ثقة وعند الحنابلة يحرم خلوة الرجل مع عدد من النساء (2) وأجاز المالكية خلوة الرجل بالمرأتين (3) وقيد الشافعية الجواز بكون مع الرجل امرأة ثقة فقالوا بجواز الخلوة للعلاج ونحوه لأن المرأة تستحي من الأخرى، فلا تمكن من نفسها بحضرة غيرها فاستحياؤها أكثر من استحياء الرجل بشرط أن تكون المرأة ثقة، فالمرأة قد لا تستحي من غير الثقة فإذا لم يكن ثقات فلا تصح الخلوة (4).
والجواز قول عند الحنابلة إذا وجدت امرأة ثقة قادرة على الحماية والرعاية (5) قلت: وعلى القول باشتراط المرأة الثقة لإباحة الخلوة لا بد من شرطين آخرين:
(1) انظر حاشية ابن عابدين ج 6/ 368.
(2)
انظر منتهى الإرادات 2/ 154.
(3)
انظر حاشية العدوي 2/ 422.
(4)
انظر رقم 1.
(5)
انظر حاشية ابن عابدين 6/ 368.
1 -
الحاجة لهذه الخلوة فإن لم توجد حاجة فلا تصح.
2 -
تعذر وجود المحرم بسبب مشروع وإلا فالقول بالحرمة المطلقة أولى.
المبحث السابع: خلوة المرأة بأكثر من رجل.
ذهب الشافعية إلى حرمة خلوة رجلين أو رجال بامرأة ولو بعدت مواطأتهم على الفاحشة؛ لأن الرجل قد يمن من نفسه فعل الفاحشة بحضرة (1) الآخر وبهذا قال الحنابلة في الراجح عندهم إذ تحرم خلوة الأجانب بالأجنبية وليس فيهم محرم وهذا هو القول المشهور في المذهب (2) وقيد المالكية منع خلوة الرجلين بالمرأة إن كانا أحدهما شابا، لأن معهما شيطانين ومع المرأة شيطان (3) والحنفية قالوا: تنتفي الخلوة بوجود رجل آخر إذ قالوا " يكره للرجل أن يؤم النساء في بيت وليس معهن رجل ولا محرم ومعنى هذا جواز خلوة الرجلين بالمرأة"(4).
قلت: ومذهب الحنفية قد لا يدل على حل خلوة الرجلين بالمرأة إذ أنهم قالوا بذلك إذا كن أكثر من امرأة فلا بد من رجلين معهن وهي حالة من حالات الخلوة فالرجل الواحد لا يكفي مع عدد من النساء، والحنابلة قالوا يتوجه وجه بجواز خلوة الرجال بالأجنبية لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه «أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر الصديق وهي تحته يومئذ فرآهم فكره ذلك فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لم أر إلا خيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد برأها من ذلك ثم قام رسول الله -صلى الله
(1) انظر مغني المحتاج ج 3/ 407.
(2)
انظر الإنصاف 9/ 314وانظر منتهى الإرادات 2/ 154.
(3)
انظر حاشية العدوي 2/ 422.
(4)
انظر حاشية ابن عابدين 6/ 368.
عليه وسلم- على المنبر فقال: لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أول اثنان (2)»
قال النووي: المغيبة هي التي غاب عنها زوجها والمراد غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد. . ثم إن ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية، والمشهور عند أصحابنا تحريمه فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم أو مروءتهم أو غير ذلك (3).
قال القاضي تعليقا على هذا الوجه القائل بجواز خلوة الرجال بالأجنبية " من عرف بالفسق منع من الخلوة بالأجنبية والأشهر والتحريم مطلقا وذكره جماعة إجماعا"(4).
قلت: والمنع أولى من القول بالجواز وهو الأحوط لصيانة العرض وأبعد عن الريبة وأسلم للذمة.
(1) رواه مسلم في كتاب السلام باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها صحيح مسلم بشرح النووي 14/ 155 وأخرجه أحمد / الفتح الرباني 5/ 83 وج 21/ 419.
(2)
انظر الإنصاف 9/ 314. (1)
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي 14/ 155.
(4)
الإنصاف 9/ 314.
المبحث الثامن: الأدلة الشرعية لتحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية:
بعد أن علمنا حقيقة الخلوة وما يتفرع عنها من أحكام قررت تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية في جميع حالاتها السابقة فما هوا المستند الشرعي لذلك؟
لقد حصل تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية باتفاق المسلمين (1) وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية ومنها:
1 -
ما ورد عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم فإن ثالثهما الشيطان (2)» .
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 11/ 505.
(2)
رواه أحمد في مسنده 3/ 339.
ففي هذا الحديث بيان أن من مقتضى الإيمان عدم الخلوة بالأجنبية، لا سيما وأن في الخلوة مشاركة للشيطان في هذا الاجتماع، وهو لا يوجد إلا ليوقع في الحرام، مما يدل على حرمة الخلوة بالمرأة الأجنبية.
2 -
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم (1)» .
ففي هذا الحديث نهى عن المبيت عند المرأة الأجنبية والمبيت يقتضي الخلوة وهذا النهي يقتضي التحريم مما يدل على حرمة الخلوة بالأجنبية.
3 -
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت (3)» ففي هذا الحديث نهي عن الدخول على النساء، والدخول يعني الخلوة بهن والنهي يقتضي التحريم، مما يدل على حرمة الخلوة بالأجنبية.
جاء في فيض القدير أثناء شرحه لهذا الحديث (وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول على النساء ودخول النساء عليكم وتضمن منع الدخول منع الخلوة بالأجنبية من باب أولى والنهي ظاهر العلة، والقصد به غير ذوات المحرم. . أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو محرم شديد التحريم، وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه بالموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة، وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يفضي إليه، وكذا دخول الحمو عليها
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها / صحيح مسلم بشرح النووى 14/ 153.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة ج 6/ 159 وأخرجه مسلم في كتاب السلام باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها صحيح مسلم بشرح النووي 14/ 153.
(3)
انظر مجموع فتاوى ابن تيميه 11/ 505. (2)