الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإنسان
1 -
العالم:
أ- كان أبو موسى يفتي بالمدينة، ويقتدى به، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك، وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة أبي موسى فقال:«لقد أوتي هذا من مزامير آل داود (1)» .
وقام أبو موسى ليلة يصلي، فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته، وكان حلو الصوت، فقمن يستمعن، فلما أصبح قيل له، "إن النساء كن يستمعن"، فقال:"لو علمت لحبرتكن تحبيرا ولشوقتكن تشويقا"(2).
ووصف أحد الصحابة صوت أبي موسى بالقرآن، فقال:"لم أسمع صوت صنج قط، ولا بربط (3) قط، كان أحسن منه"، يصف صوته بقراءة القرآن الجهرية في الصلاة (4).
وبالطبع فإن استقطاب الآراء وإجماعها على الإعجاب بصوت أبي موسى بالقرآن، لا لأنه جميل الصوت فحسب، بل لإتقانه تجويد القرآن وحفظه والتأثير به في النفوس والعقول معا. لذلك خلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل في مكة بعد فتحها وانقضاء غزوتي حنين والطائف
(1) طبقات ابن سعد (2/ 344)، انظر تفاصيل روايته في طبقات ابن سعد (4/ 107 - 108).
(2)
طبقات ابن سعد (2/ 345) و (104).
(3)
بربط: العود (من الآلات الموسيقية)، ومعناه: صدر البط (ج): برابط.
(4)
طبقات ابن سعد (4/ 108).
يعلمان الناس القرآن والفقه في الدين (1)، وأرسلهما إلى جملة اليمن داعين إلى الإسلام، فأسلم عامة أهل اليمن: ملوكهم، وسوقتهم (2).
وكان عمر بن الخطاب إذا رأى أبا موسى قال: "ذكرنا يا أبا موسى "، فيقرأ عنده (3) القرآن، وقال عمر لأبي موسى:"شوقنا إلى ربنا "، فقرأ القرآن، فقالوا: الصلاة! فقال عمر: "أولسنا في صلاة! "(4)، وقال عمر لأبي موسى:"ذكرنا ربنا"، فقرأ عليه أبو موسى، وكان حسن الصوت بالقرآن (5).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "بعثني الأشعري إلى عمر حين كان على البصرة، فقال: كيف تركت الأشعري؟ فقلت له: تركته يعلم الناس القرآن. فقال: أما أنه كيس، ولا تسمعها إياه "(6).
(1) مغازي الواقدي (3/ 959).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 30).
(3)
طبقات ابن سعد (4/ 109).
(4)
طبقات ابن سعد (4/ 109).
(5)
طبقات ابن سعد (4/ 109).
(6)
طبقات ابن سعد (2/ 345).
وقال الإمام الشعبي: "انتهى العلم إلى ستة "، وذكر أبا موسى فيهم. وقال الحسن البصري:"ما أتاها - يريد البصرة - راكب خير منه" يعني أبا موسى (1).
وكان دقيقا غاية في تحري العلم: في نقله بصدق، وفي تعليمه بأمانة، وهو القائل:"من علمه الله علما، فليعلمه، ولا يقولن ما ليس له به علم، فيكون من المتكلفين ويمرق من الدين"(2).
وحين ولاه عمر بن الخطاب البصرة، قال لأهل البصرة:"إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم أعلمكم كتاب ربكم عز وجل، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وأنظف لكم طرقكم (3) "، وكان أبو موسى هو الذي فقه أهل البصرة وأقرأهم (4) القرآن الكريم، وسكن الكوفة وتفقه به أهلها (5).
وجمع أبو موسى القرآن في البصرة يوما، وقال:"لا تدخلوا علي إلا من جمع القرآن" فدخل عليه زهاء ثلاثمائة، فعظم القرآن وقال:"إن هذا القرآن كائن لكم أجرا، وكائن عليكم وزرا، فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن، فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة، ومن تبعه القرآن زج في قفاه فقذفه في النار"(6).
(1) الإصابة (4/ 120).
(2)
طبقات ابن سعد (4/ 109).
(3)
حلية الأولياء (1/ 257).
(4)
الإصابة (4/ 120).
(5)
الإصابة (4/ 120).
(6)
صفوة الصفوة (1/ 226) وانظر حلية الأولياء (1/ 257).
وكان أبو رجاء العطاردي يقول: "كان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد، مسجد البصرة، يقعد حلقا، فكأني أنظر إليه بين بردين أبيضين يقرئنني القرآن، ومنه أخذت هذه السورة:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1)، فكانت أول سورة أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم (2).
ووصفوا حديثه الحاسم الجازم في العلم، فقالوا:"ما كنا نشبه كلام أبي موسى إلا بالجزار الذي لا يخطئ المفصل (3) ".
وكان عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن، فجاء حذيفة بن اليمان فقال:"قراءة ابن أم عبد، وقراءة أبي موسى الأشعري، والله إن بقيت حتى آتي أمير المؤمنين - يعني عثمان - لأمرته بجعلها قراءة واحدة". وقال حذيفة: "يقول أهل الكوفة: قراءة عبد الله - يعني عبد الله بن مسعود - ويقول أهل البصرة: قراءة أبي موسى، والله لئن قدمت على أمير المؤمنين لأمرته أن يغرقها"(4)، يريد: أن يضع حدا للاختلاف في القراءات، وذلك بجمع القرآن، وفعل حذيفة ما وعد به، وجمع عثمان القرآن (5).
(1) سورة العلق الآية 1
(2)
حلية الأولياء (1/ 256 - 257) وانظر أنساب الأشراف (1/ 110).
(3)
طبقات ابن سعد (4/ 111).
(4)
كتاب المصاحف (13).
(5)
كتاب المصاحف (14 - 16) والرياض النضرة (2/ 135 - 136).
لقد بلغ أبو موسى في القرآن وفي علومه مبلغا جعله موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده في تولي واجب الداعية المختار والمعلم الأول في ركب تعليم القرآن وعلومه، حتى أصبحت له مدرسة تعرف باسمه في البصرة والكوفة بخاصة والمشرق الإسلامى كله بعامة.
ب - حفظ أبو موسى كثيرا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى ابنه أبو بردة قال:"كان لأبي موسى تابع، فقال لي: يوشك أبو موسى أن يذهب ولا يحفظ حديثه فاكتب عنه، قلت: نعم ما رأيت، فجعلت أكتب حديثه، فحدث حديثا فذهبت أكتبه كما كنت أكتب، فارتاب بي، وقال: لعلك تكتب حديثي؟ قلت: نعم: قال: فائتني بكل شيء كتبته! فأتيته به، فمحاه ثم قال: احفظ كما حفظت (1) "، فقد كان ألمعي الذكاء، يحفظ ما يسمعه بسرعة ويسر وإتقان.
ولأبي موسى ثلاثمائة وستون حديثا (2)، اتفق البخاري ومسلم على خمسين وانفرد البخاري بأربعة أحاديث، ومسلم بخمسة وعشرين حديثا وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن عبد الله بن عباس وأبي بن كعب وعمار بن ياسر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم، وروى عنه أولاده: إبراهيم وأبو بكر وأبو بردة وموسى، وامرأته أم عبد الله، وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وطارق بن شهاب. ومن كبار التابعين فمن بعدهم زيد بن وهب وأبو عبد الرحمن السلمي وعبيد بن عمير وقيس بن أبي حازم وأبو الأسود الدؤلي وسعيد بن المسيب
(1) طبقات ابن سعد (4/ 112).
(2)
أسماء الصحابة الرواة لابن حزم- ملحق بجوامع السيرة (76) وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (310).