الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع النبي صلى الله عليه وسلم المهاجر المجاهد:
قدم أبو موسى الأشعري مكة مع إخوته في جماعة من الأشعريين، فحالف سعيد بن العاص بن أمية أبا أحيحة، ثم أسلم بمكة (1) وأسلم إخوته معه (2)، وهاجر إلى أرض الحبشة (3)، وقيل: بل رجع إلى بلاده وقومه ولم يهاجر إلى أرض الحبشة (4). والصحيح أن أبا موسى انصرف إلى قومه بعد إسلامه فأقام بها، ثم قدم مع إخوته وبعض الأشعريين من قومه في نحو خمسين رجلا في سفينة، فألقتهم الريح إلى أرض النجاشي بأرض الحبشة، فوافقوا خروج جعفر بن أبي طالب منها عائدين إلى المدينة المنورة، فأتوا معهم. وقدمت السفينتان معا: سفينة جعفر وأصحابه، وسفينة أبي موسى وأصحابه الأشعريين، على النبي صلى الله عليه وسلم، حين فتح خيبر (5)، ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم أبي موسى وجماعته من الأشعريين، بشر أصحابه بمقدمهم قائلا:«يقدم عليكم أقوام هم أرق منكم قلوبا (6)» فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى. ولما دنوا من المدينة المنورة جعلوا يرتجزون:
اليوم نلقى الأحبه
…
محمدا وصحبه (7)
(1) طبقات ابن سعد (6/ 16) وأسد الغابة (2/ 245) والإصابة (4/ 119) والاستيعاب (3/ 979).
(2)
المعارف (266).
(3)
سيرة ابن هشام (3/ 416) وجوامع السيرة (58).
(4)
أسد الغابة (3/ 245) والإصابة (4/ 119) والاستيعاب (3/ 980).
(5)
طبقات ابن سعد (4/ 106) وأسد الغابة (3/ 245) والإصابة (4/ 119) والاستيعاب (3/ 980).
(6)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 105).
(7)
طبقات ابن سعد (4/ 106).
ولما نزلت الآية الكريمة: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (1)، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«هم قوم هذا» ، يعني أبا موسى الأشعري (2)، وكانت خيبر أول مشاهد أبي موسى (3) وكانت غزوة خيبر في شهر محرم من السنة السابعة الهجرية، ولما فتح المسلمون خيبر كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشركوا جعفرا وأصحابه بالغنيمة، ففعلوا (4) نستطيع أن نتبين مما سبق أن إسلام أبي موسى الأشعري وإخوته كان قديما، فقد قدموا مكة للتكسب، وكانت مكة مركزا دينيا ومركزا تجاريا، يجد فيها من لا يجد في بلده وسيلة للعيش وعملا يعينه على كسب قوته وقوت من يعول، وكان أهل اليمن منذ القدم حتى اليوم يقصدون مكة للتكسب بوسيلة أو بأخرى. وكان لا بد لمن يلجأ إلى مكة من موطنه، أن يحالف أحد سادات قريش ليعيش في كنفه آمنا مطمئنا، فحالف أبو موسى سعيد بن العاص أبا أحيحة، فلما علم بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم التي شاعت بين الناس في مكة وما حولها ومن حولها، أسلم وأسلم إخوته الذين كانوا معه، ولم تقف قريش مكتوفة الأيدي تجاه الإسلام والمسلمين بعد تفشي الإسلام في مكة، فقاومت الإسلام والمسلمين مقاومة لا هوادة فيها ولا رحمة، فهاجر من هاجر من المسلمين إلى الحبشة، وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب، وعاد أبو موسى أدراجه إلى بلده اليمن وإلى قومه، ليعيش بين
(1) سورة المائدة الآية 54
(2)
طبقات ابن سعد (4/ 107).
(3)
طبقات ابن سعد (6/ 16).
(4)
طبقات ابن سعد (2/ 108).
ظهرانيهم آمنا مطمئنا، بعد أن انكشف اعتناقه للإسلام، وتعرضه للأذى والتعذيب والإهانة بسبب إسلامه، فكان أمام مسلكين لا ثالث لهما: إما الهجرة إلى أرض الحبشة مع المسلمين الآخرين الذين اختاروها دارا لهم؛ لأنهم طوردوا في دارهم مكة وطردوا منها، فأصبحوا بلا دار، وإما العودة إلى بلده وقومه، حيث داره وأهله، فاختار الدار والأهل على الغربة والتغريب، وعاد إلى مستقره الأول ولو إلى حين.
ولما علم أبو موسى بهجرة المسلمين إلى المدينة المنورة، واستدعاء المسلمين إليها لإكمال حشدهم في قاعدتهم الرئيسة، توجه أبو موسى وإخوته الأشعريون وهم خمسون رجلا ومعهم رجلان من بني عك إلى المدينة المنورة، وقدموا في سفن في البحر، حيث عاد أبو موسى وصحبه مع جعفر بن أبي طالب وصاحبه. ولما وصلوا إلى المدينة وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره بخيبر. ثم لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعوا وأسلموا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الأشعرون في الناس، كصرة فيها مسك (1)» .
وقد ذكر ذلك أبو بردة الأشعري أخو أبي موسى الأشعري، فقال: "خرجنا من اليمن في بضع وخمسين رجلا من قومنا، ونحن ثلاثة إخوة: أبو موسى وأبو رهم، وأبو بردة، فأخرجتنا سفينتنا إلى النجاشي بأرض الحبشة وعنده جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فأقبلنا جميعنا في سفينتنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر (2).
(1) طبقات ابن سعد (1/ 98 - 49) ".
(2)
أسد الغابة (5/ 145 - 146).
لقد أسلم أبو موسى وإخوته قديما بمكة، ثم رجعوا إلى بلاد قومهم، فلم يزالوا بها حتى قدموا هم وناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)، فإسلام أبي موسى وإخوته قديم، والذين قدموا معهم مسلمون أيضا، وإلا لما رافقوهم في رحلتهم إلى الإسلام، لذلك كان إسلامهم من جديد في خيبر تجديدا للإسلام الذي اعتنقوه من قبل، ولم يكن إسلاما جديدا، بل كانت تجديدا للإسلام.
وبعد فتح مكة الذي كان في شهر رمضان من السنة الثامنة الهجرية (4)، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في شهر شوال إلى غزوة (حنين)(5)، وبعد انهزام المشركين أرسل النبي صلى الله عليه وسلم السرايا لمطاردة المشركين المنهزمين، وكان ممن أرسلهم أبو عامر الأشعري
(1) طبقات ابن سعد (4/ 106).
(2)
أسد الغابة (5/ 309) وانظر طبقات ابن سعد (4/ 105 - 106). (1)
(3)
أسد الغابة (5/ 308).
(4)
طبقات ابن سعد (2/ 134) وجوامع السيرة (226).
(5)
طبقات ابن سعد (2/ 149).
في آثار من توجه إلى وادي أوطاس - بين مكة والطائف - وعقد له لواء، فكان معه في سريته سلمة بن الأكوع، فكان يحدث قائلا: " لما انهزمت هوازن عسكروا بأوطاس عسكرا عظيما، تفرق منهم من تفرق، وقتل من قتل، وأسر من أسر، فانتهينا إلى عسكرهم فإذا هم ممتنعون، فبرز رجل فقال: من يبارز؟ فبرز له أبو عامر فقال: اللهم اشهد! فقتله أبو عامر، حتى قتل تسعة كذلك. فلما كان التاسع، برز له فارس معلم، ينحب (1) للقتال، فبرز له أبو عامر وقتله.
فلما كان العاشر، برز رجل معلم بعمامة صفراء، فقال أبو عامر: اللهم اشهد! فقال صاحب العمامة الصفراء: اللهم لا تشهد! فضرب أبا عامر فأثبته، فاحتملناه وبه رمق، واستخلف أبا موسى الأشعري، وأخبر أبو عامر أبا موسى أن قاتله صاحب العمامة الصفراء، وأوصى أبو عامر إلى أبي موسى، ودفع إليه الراية وقال: " ادفع فرسي وسلاحي للنبي صلى الله عليه وسلم. وقاتلهم أبو موسى، حتى فتح الله عليه، وقتل قاتل أبي عامر وجاء بفرسه وتركته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إن أبا عامر أمرني بذلك، وقال: قل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لي. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين، ثم قال:«اللهم اغفر لأبي عامر، واجعله من أعلى أمتي في الجنة (2)» ، وأمر بتركة أبي عامر، فدفعت إلى ابنه. فقال أبو موسى: إني أعلم أن الله قد غفر لأبي عامر يا رسول الله، قتل شهيدا، فادع الله لي. فقال: «اللهم اغفر لأبي موسى، واجعله في
(1) نحب أجهد السير، انظر الصحاح (222).
(2)
صحيح البخاري المغازي (4323)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2498)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 399).