الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعلى أمتي (1)». وقيل: إن أبا موسى قتل يومئذ تسعة إخوة من المشركين، يدعو كل واحد إلى الإسلام، ثم يحمل عليه فيقتله (2)، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم له قائلا:«اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما (3)» .
ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم العودة إلى المدينة المنورة، استعمل عتاب بن أسيد على مكة، وخلف معاذ بن جبل (4) وأبا موسى الأشعري يعلمان الناس القرآن والفقه في الدين. وقال عليه الصلاة والسلام لعتاب: أتدري على من استعملتك؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: استعلملتك على أهل الله، بلغ عني أربعا: لا يصلح شرطان في بيع، ولا بيع وسلف، ولا بيع ما لم يضمن، ولا تأكل ربح ما ليس عندك (5).
(1) مغازي الواقدي (3/ 915 - 916) وانظر فتح الباري بشرح البخاري (8/ 35) حول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى.
(2)
جوامع السيرة (241).
(3)
فتح الباري بشرح البخاري (8/ 35).
(4)
انظر سيرته المفصلة في كتاب: سفراء النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
مغازي الواقدي (3/ 959).
السفير النبوي
كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك اليمن من أبناء عبد كلال من حمير، يدعوهم إلى الإسلام، وكان نص الكتاب النبوي إليهم:
" بسم الله الرحمن الرحيم"
إلى: الحارث ومسروح (الصواب شرحبيل) ونعيم بن عبد كلال، سلم أنتم ما آمنتم بالله ورسوله، وأن الله وحده لا شريك له، بعث موسى
بآياته، وخلق عيسى بكلماته، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: الله ثالث ثلاثة، عيسى ابن الله (1) "
علامة الختم:
محمد رسول الله
وقد حمل هذا الكتاب النبوي إلى هؤلاء الملوك اليمنيين من أبناء عبد كلال المهاجرين أمية المخزومي (2)، وقد أرسل الكتاب بعد فتح مكة لا قبل الفتح؛ لأن مكة كانت قبل فتحها بيد المشركين، وكانت الحاجز بين المنطقة الإسلامية التي مقرها المدينة، وبين المنطقة غير الإسلامية التي مقرها مكة، وتمتد إلى الجنوب عمقها لتشمل اليمن وجنوبي الجزيرة العربية.
وقد كاتب النبي صلى الله عليه وسلم أهل اليمن سنة تسع من الهجرة (3)، لا قبلها. وفي شهر رمضان من السنة التاسعة الهجرية، قدم على رسول الله صلى عليه وسلم كتاب ملوك حمير مقدمه من غزوة تبوك، وحمل كتاب ملوك حمير بإسلامهم: مالك بن مرارة الرهاوي، وهؤلاء الملوك هم: الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين وهمدان، ومعافر. كما بعث زرعة ذو يزن إلى
(1) طبقات ابن سعد (1/ 282 - 283).
(2)
انظر سيرته المفصلة في كتاب: سفراء النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
أسد الغابة (3/ 368).
النبي صلى الله عليه وسلم مع مالك بن مرارة الرهاوي أيضا بإسلامه وإسلام ملوك اليمن من أبناء عبد كلال ومفارقتهم الشرك وأهله.
وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن كتابا يخبرهم فيه بشرائع الإسلام وفرائض الصدقة والمواشي والأموال، ويوصيهم بأصحابه ورسله خيرا، وكان رسوله إليهم معاذ بن جبل ومالك بن مرارة.
وقد حمل معاذ ومالك هذا الكتاب النبوي إلى اليمن بعد شهر رمضان من السنة التاسعة الهجرية: في شهر شوال أو شهر ذي القعدة من السنة التاسعة الهجرية، فهذا هو الوقت المناسب لإرسال هذا الكتاب النبوي الجوابي على رسالة ملوك اليمن التي حملت نبأ إسلامهم.
وفي سنة عشر الهجرية، أسلم باذان عامل كسرى على اليمن وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه (1)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع لباذان الفارسي حين أسلم وأسلمت اليمن عمل اليمن كلها، وأمره على جميع مخاليفها، فلم يزل عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام حياته، فلم يعزله عنها ولا عن شيء منها، ولا أشرك معه شريكا حتى مات باذان، فلما مات فرق عمل اليمن بين جماعة من أصحابه، وكان ذلك سنة عشر الهجرية بعد حجة الوداع، فكان من عماله عليه الصلاة والسلام أبو موسى الأشعري (2)، وبهذا أصبح أبو موسى عاملا من عمال النبي صلى الله عليه وسلم (3).
ولكن أبا موسى الأشعري، قبل أن يصبح عاملا من عمال النبي صلى الله عليه وسلم، كان رسولا من رسله إلى ملوك زمانه، أو ما نطلق عليه في المصطلحات السياسية الحديثة: سفيرا من سفراء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أرسل أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى جملة اليمن داعين إلى الإسلام، فأسلم عامة أهل اليمن: ملوكهم، وسوقتهم (4) ". نستدل من ذلك، أن أبا موسى كان في اليمن حين توفي باذان الفارسي، ففرق النبي صلى الله عليه وسلم عماله على مخاليف اليمن، فالتحق أبو موسى بمنصبه الجديد عاملا بالإضافة إلى واجبه الأصلي سفيرا وقاضيا ومرشدا وداعيا إلى الإسلام، يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقبض الصدقة، ويوزعها على مستحقيها من أهل مخاليفه، ويرسل تبقي منها إلى عامل العمال معاذ بن جبل (5)
(1) الطبري (3/ 158)، وباذان = باذام، وانظر ما جاء على باذان في: أسد الغابة (1/ 163).
(2)
الطبري (3/ 227 - 228).
(3)
انظر أسماء عماله عليه الصلاة والسلام في: أنساب الأشراف (1/ 529).
(4)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 30).
(5)
أنساب الأشراف (1/ 529).
فمتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى سفيرا إلى اليمن؟ لا نص لدينا يشير إلى ذلك، وأرجح أنه بعثه مع معاذ بن جبل، الذي قصد اليمن في شهر شوال أو شهر ذو القعدة من السنة التاسعة الهجرية، فقد رأينا أن أبا موسى كان مع معاذ في مكة بعد فتحها يعلمان الناس القرآن والفقه في الدين (1)، وأنه أرسلهما معا إلى جملة اليمن داعين إلى الإسلام كما ذكرنا قبل قليل، فمن المرجح أنهما قصدا اليمن في وقت واحد، ليتعاونا في تأدية واجبهما في الدعوة إلى الله.
وكان الكتاب النبوي الذي حمله معاذ بن جبل إلى أهل اليمن يخبرهم فيه بشرائع الإسلام وفرائض الصدقة والمواشي والأموال، ويوصيهم بأصحابه ورسله خيرا (2)، وهو الذي طبق في اليمن كلها لا في منطقة من مناطقها حسب، وهو الذي أصبح سنة نبوية لا تزال تطبق حتى اليوم، وقد نفذ ما جاء فيه نصا وروحا جميع سفراء النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقتصر على معاذ ومن جاء ذكرهم في ذلك الكتاب.
ولعل الدليل العملي على نجاح أبي موسى سفيرا في اليمن، هو إقراره على واجبه، وتكليفه بواجب إضافي جديد، هو أن يصبح عاملا من عمال النبي صلى الله عليه وسلم على منطقة شاسعة من مناطق اليمن، ولو لم ينجح في مهمته سفيرا لما أقر على عمله، وأضيف إليه عمل جديد.
(1) مغازي الواقدي (3/ 959).
(2)
انظر نص الكتاب في الطبري (3/ 121 - 122) وسيرة ابن هشام (4/ 259 - 260) واليعقوبي (2/ 87 - 89).