المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المحتويات الافتتاحية هكذا حج رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمر لسماحة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٤٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ مقدمة

- ‌ نصوص من القرآن والسنة يرجع إليها في الحكم بالربا عند تحقيق المناط، والتطبيق على الجزئيات:

- ‌ نصوص من القرآن معها تفسيرها:

- ‌ابن العربي في كتابه أحكام القرآن:

- ‌ أبو الفداء إسماعيل بن كثير في تفسيره:

- ‌ نصوص من أحاديث أحكام الربا مع شرحها

- ‌ نصوص من صحيح البخاري مع شرحها لابن حجر

- ‌الفتاوى

- ‌ حكم الشرع في التفاسير التي تسمى بالتفاسير العلمية

- ‌ إذا مر القارئ على آية سجدة فهل يلزمه أن يكون على طهارة أثناء السجود أم لا

- ‌ هل يجوز كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) في بداية كتابة أي شيء

- ‌شرح الآيات من الآية رقم 115 إلى 119 من سورة المائدة

- ‌ من هو أبو سيدنا إبراهيم عليه السلام

- ‌ تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}

- ‌ لماذا لم تبدأ سورة التوبة بـ بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌ على من أنزل الله سورة التوبة، وما أسباب نزولها

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ وصف الميت بأنه مغفور له أو مرحوم

- ‌ تقدم الإمام وصلى بعض الصلاة ثم ذكر بأنه لم يتوضأ وانصرف هل يبني المأمومون على ما مضى أو يستأنفون الصلاة

- ‌ يدخل والصلاة تقام ولكنه يعرف من الإمام أنه يطيل في الركعة الأولى فيصلي ركعتي الفجر قبل أن يدخل مع الإمام

- ‌ صحة حديث: ما رفع مسلم منزله فوق سبعة أذرع إلا قيل له: إلى أين يا فاسق

- ‌ هل سجود السهو مشروع في صلاة النفل والسنن الرواتب كالفرض

- ‌ الدعاء في الصلاة

- ‌ الأذان لصلاة الفجر قبل دخول الوقت

- ‌ صلاة المنفرد خلف الصف

- ‌بحث في الربا والصرف

- ‌معنى الربا في اللغة والاصطلاح الشرعي:

- ‌معنى الصرف في اللغة والاصطلاح الشرعي:

- ‌حكم الربا:

- ‌علة الربا في الأموال الربوية:

- ‌نقاش هذه الآراء:

- ‌تقرير عن المنجد في اللغة والأعلام

- ‌من أخطر مساوئ المنجد:

- ‌أمثلة مما جاء في المنجد:

- ‌مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل

- ‌تمهيد:

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ السنة النبوية:

- ‌الأدلة على صحة هذا المنهج:

- ‌آثار هذا المنهج وفوائده:

- ‌دور العقل ومكانته:

- ‌إطلاقات كلمة العقل:

- ‌فروق لغوية في أسماء العقل:

- ‌عناية الإسلام بالعقل:

- ‌العلاقة بين الوحي والعقل:

- ‌المؤلف والرسالة

- ‌بين يدي الرسالة:

- ‌مخطوطات الرسالة:

- ‌النص المحقق

- ‌الاختلاف في أصول الدين وأسبابه وأحكامه

- ‌تعريف الاختلاف في الدين

- ‌الاختلاف في الكتاب والسنة النبوية

- ‌ الاختلاف في القرآن الكريم

- ‌ الاختلاف في السنة النبوية:

- ‌نشأة الخلاف العقدي:

- ‌نشأة الفرق في الأمة المحمدية:

- ‌أنواع المختلفين في العقائد وأحكامهم:

- ‌أسباب الاختلاف في الدين:

- ‌أنواع الاختلاف في الدين من حيث الرتبة:

- ‌أحاديث الافتراق:

- ‌الخاتمة

- ‌الفرقة الناجية صفاتها وخصائصها:

- ‌صفات الفرقة الناجية:

- ‌خصائص الفرقة الناجية:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌المحتويات الافتتاحية هكذا حج رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمر لسماحة

‌المحتويات

الافتتاحية

هكذا حج رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمر لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 7

بحث اللجنة

من صور البورصة (القسم الأول) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 19

الفتاوى

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 141

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 189

ص: 4

البحوث

بحث في الربا والصرف للشيخ / عبد الله بن سليمان المنيع 203

تقرير عن المنجد في اللغة والأعلام للدكتور / محمد بن أحمد الصالح 243

مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل للشيخ / عثمان بن جمعة ضميرية 251

رسالة في العمل بالخطوط عند الحكام للدكتور / عبد الرحمن بن إبراهيم المطرودي 299

الاختلاف في الدين أسبابه وأحكامه للدكتور / إبراهيم بن محمد البريكان 325

نصيحة مهمة عامة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 369

ص: 5

صفحة فارغة

ص: 6

الافتتاحية

هكذا حج رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمر

سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها المسلمون من حجاج بيت الله الحرام:

أسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يرضيه، والعافية من مضلات الفتن، كما أسأله سبحانه أن يوفقكم جميعا لأداء مناسككم على الوجه الذي يرضيه، وأن يتقبل منكم وأن يردكم إلى بلادكم سالمين موفقين إنه خير مسئول.

أيها المسلمون: إن وصيتي للجميع هي: تقوى الله سبحانه في جميع الأحوال، والاستقامة على دينه والحذر من أسباب غضبه. وإن أهم الفرائض وأعظم الواجبات هو توحيد الله والإخلاص له في جميع العبادات، مع العناية باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال، وأن تؤدوا مناسك الحج وسائر العبادات على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله وخليله وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وإن أعظم المنكرات وأخطر الجرائم هو الشرك بالله سبحانه، وهو صرف

ص: 7

العبادة أو بعضها لغيره سبحانه؛ لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1)، وقوله سبحانه يخاطب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2).

حجاج بيت الله الحرام: إن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد هجرته إلى المدينة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع، وذلك في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وقد علم الناس فيها مناسكهم بقوله وفعله، وقال لهم صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم (3)» .

فالواجب على المسلمين جميعا أن يتأسوا به في ذلك، وأن يؤدوا مناسكهم على الوجه الذي شرعه لهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو المعلم المرشد وقد بعثه الله رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، وأمر الله عباده بأن يطيعوه، وبين أن اتباعه هو سبب دخول الجنة والنجاة من النار، وأنه الدليل على صدق حب العبد لربه، وعلى حب الله للعبد، كما قال الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (4)، وقال سبحانه:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (5)، وقال عز وجل:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (6)، وقال سبحانه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (7)

(1) سورة النساء الآية 48

(2)

سورة الزمر الآية 65

(3)

سنن النسائي مناسك الحج (3062).

(4)

سورة الحشر الآية 7

(5)

سورة النور الآية 56

(6)

سورة النساء الآية 80

(7)

سورة الأحزاب الآية 21

ص: 8

وقال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1){وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (2)، وقال عز وجل:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (3)، وقال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (4) والآيات في هذا المعنى كثيرة.

فوصيتي لكم جميعا ولنفسي: تقوى الله في جميع الأحوال، والصدق في متابعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، لتفوزوا بالسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.

حجاج بيت الله الحرام، إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لما كان يوم الثامن من ذي الحجة توجه من مكة المكرمة إلى منى ولم يأمر بطواف الوداع، فدل ذلك على أن السنة لمن أراد الحج من أهل مكة وغيرهم من المقيمين فيها، ومن المحلين من عمرتهم وغيرهم من الحجاج أن يتوجهوا إلى منى في اليوم الثامن ملبين بالحج،

(1) سورة النساء الآية 13

(2)

سورة النساء الآية 14

(3)

سورة الأعراف الآية 158

(4)

سورة آل عمران الآية 31

ص: 9

وليس عليهم أن يذهبوا إلى المسجد الحرام للطواف بالكعبة طواف الوداع.

ويستحب للمسلم عند إحرامه بالحج أن يفعل ما يفعله في الميقات عند الإحرام من الغسل والطيب والتنظيف، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بذلك لما أرادت الإحرام بالحج، وكانت قد أحرمت بالعمرة فأصابها الحيض عند دخول مكة، وتعذر عليها الطواف قبل خروجها إلى منى، فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتهل بالحج ففعلت ذلك، فصارت قارنة بين الحج والعمرة.

وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في منى الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر، قصرا دون جمع، وهذا هو السنة تأسيا به صلى الله عليه وسلم، ويسن للحجاج في هذه الرحلة أن يشتغلوا بالتلبية، وبذكر الله عز وجل، وقراءة القرآن، وغير ذلك من وجوه الخير: كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الفقراء. فلما طلعت الشمس يوم عرفة توجه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى عرفات منهم من يلبي ومنهم من يكبر، فلما وصل عرفات نزل بقبة من شعر ضربت له بنمرة غربي عرفة واستظل بها عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على جواز أن يستظل الحجاج بالخيام والشجر ونحوها.

فلما زالت الشمس ركب دابته عليه الصلاة والسلام وخطب الناس وذكرهم وعلمهم مناسك حجهم، وحذرهم من الربا وأعمال الجاهلية، وأخبرهم أن دماءهم وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام،

ص: 10

وأمرهم بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم أنهم لن يضلوا ما داموا معتصمين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فالواجب على جميع المسلمين أن يلتزموا بهذه الوصية، وأن يستقيموا عليها أينما كانوا، ويجب على حكام المسلمين جميعا أن يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يحكموهما في جميع شئونهم، وأن يلزموا شعوبهم بالتحاكم إليهما، وذلك هو طريق العزة والكرامة والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة. وفق الله الجميع لذلك.

ثم إنه صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الظهر والعصر قصرا وجمعا، جمع تقديم بأذان وإقامتين بعد زوال الشمس، ولم يصل بينهما شيئا، ثم توجه إلى الموقف واستقبل القبلة ووقف على دابته يذكر الله ويدعوه ويرفع يديه بالدعاء حتى غابت الشمس، وكان مفطرا ذلك اليوم. فعلم بذلك أن المشروع للحجاج أن يفعلوا كفعله صلى الله عليه وسلم في عرفات، وأن يشتغلوا بذكر الله والدعاء والتلبية إلى غروب الشمس، وأن يرفعوا أيديهم بالدعاء، وأن يكونوا مفطرين لا صائمين، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما من يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة وإنه سبحانه ليدنو فيباهي بهم ملائكته (1)» ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم:«أن الله يقول يوم عرفة لملائكته: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا يرجون رحمتي، أشهدكم أني قد غفرت لهم (2)» ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف (3)» ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الغروب توجه ملبيا إلى مزدلفة وصلى بها المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين، بأذان واحد

(1) صحيح مسلم الحج (1348)، سنن النسائي مناسك الحج (3003)، سنن ابن ماجه المناسك (3014).

(2)

مسند أحمد بن حنبل (2/ 224).

(3)

صحيح مسلم الحج (1218)، سنن أبو داود المناسك (1907).

ص: 11

وإقامتين قبل حط الرحال، ولم يصل بينهما شيئا. فدل ذلك على أن المشروع لجميع الحجاج المبادرة بصلاة المغرب والعشاء جمعا وقصرا بأذان واحد وإقامتين، من حين وصولهم إلى مزدلفة قبل حط الرحال، ولو كان ذلك في وقت المغرب تأسيا به صلى الله عليه وسلم وعملا بسنته. ثم بات بها وصلى بها الفجر مع سنتها بأذان وإقامة. ثم أتى المشعر فذكر الله عنده وكبره وهلله ودعا ورفع يديه وقال:«وقفت هاهنا وجمع كلها موقف (1)» ، فدل ذلك على أن جميع مزدلفة موقف للحجاج، يبيت كل حاج في مكانه ويذكر الله ويستغفره في مكانه، ولا حاجة إلى أن يتوجه إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مزدلفة للضعفة أن ينصرفوا إلى منى بليل، فدل ذلك: على أنه لا حرج على الضعفة؛ من النساء، والمرضى، والشيوخ، ومن تبعهم في التوجه من مزدلفة إلى منى في النصف الأخير من الليل عملا بالرخصة وحذرا من مشقة الزحمة. ويجوز لهم أن يرموا الجمرة ليلا، كما ثبت ذلك عن أم سلمة وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم.

وذكرت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للنساء بذلك، ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعدما أسفر جدا دفع إلى منى ملبيا، فقصد جمرة العقبة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم نحر هديه، ثم حلق رأسه، ثم طيبته عائشة رضي الله عنها، ثم توجه إلى البيت فطاف به.

«وسئل صلى الله عليه وسلم في يوم النحر عمن ذبح قبل أن يرمي، ومن حلق

(1) صحيح مسلم الحج (1218).

ص: 12

قبل أن يذبح، ومن أفاض إلى البيت قبل أن يرمي، فقال: لا حرج، قال الراوي: فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج (1)».

فعلم بهذا أن السنة للحجاج أن يبدءوا برمي الجمرة يوم العيد ثم ينحروا إذا كان عليهم هدي، ثم يحلقوا أو يقصروا والحلق أفضل من التقصير؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات للمحلقين ومرة واحدة للمقصرين، وبذلك يحصل للحاج التحلل الأول، فيلبس المخيط ويتطيب، ويباح له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء، ثم يذهب إلى البيت فيطوف به في يوم العيد أو بعده، ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا، وبذلك يحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام حتى النساء.

أما إن كان الحاج مفردا أو قارنا فإنه يكفيه السعي الأول والذي أتى به مع طواف القدوم، فإن لم يسع مع طواف القدوم وجب عليه أن يسعى مع طواف الإفاضة.

ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى فأقام بها بقية يوم العيد واليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، يرمي الجمرات كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال، يرمي كل جمرة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة ويدعو ويرفع يديه بعد الفراغ من الجمرة الأولى والثانية ويجعل الأولى عن يساره حين الدعاء والثانية عن يمينه ولا يقف عند الثالثة، ثم دفع صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث عشر بعد رمي الجمرات فنزل بالأبطح وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

ثم نزل إلى مكة في آخر الليل وصلى الفجر بالناس- عليه

(1) صحيح البخاري الحج (1736)، صحيح مسلم الحج (1306)، سنن الترمذي الحج (916)، سنن أبو داود المناسك (2014)، سنن ابن ماجه المناسك (3051)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 192)، موطأ مالك الحج (959)، سنن الدارمي المناسك (1907).

ص: 13

الصلاة والسلام- وطاف للوداع قبل الصلاة، ثم توجه بعد الصلاة إلى المدينة في صبيحة اليوم الرابع عشر، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.

فعلم من ذلك؛ أن السنة للحاج أن يفعل كفعله صلى الله عليه وسلم في أيام منى، فيرمي الجمار الثلاث بعد الزوال، في كل يوم، كل واحدة بسبع حصيات، ويكبر مع كل حصاة، ويشرع له أن يقف بعد رميه الأولى ويستقبل القبلة ويدعو يرفع يديه ويجعلها عن يساره ويقف بعد رمي الثانية كذلك ويجعلها عن يمينه، وهذا مستحب وليس بواجب، ولا يقف بعد رمي الثالثة، فإن لم يتيسر له الرمي بعد الزوال وقبل غروب الشمس رمى في الليل عن اليوم الذي غابت شمسه إلى آخر الليل في أصح قولي العلماء؛ رحمة من الله سبحانه بعباده وتوسعة عليهم، ومن شاء أن يتعجل في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمار فلا بأس، ومن أحب أن يتأخر حتى يرمي الجمار في اليوم الثالث عشر فهو أفضل، لكونه موافقا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

والسنة للحاج أن يبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر. وهذا المبيت واجب عند كثير من أهل العلم، ويكفي أكثر الليل إذا تيسر ذلك، ومن كان له عذر شرعي، كالسقاة والرعاة ونحوهم فلا مبيت عليه، أما ليلة الثالث عشر فلا يجب على الحجاج أن يبيتوها بمنى إذا تعجلوا ونفروا من منى قبل الغروب في اليوم الثاني عشر، أما من أدركه المبيت بمنى فإنه يبيت ليلة الثالث عشر ويرمي الجمار بعد الزوال ثم ينفر، وليس على أحد

ص: 14

رمي بعد الثالث عشر ولو أقام بمنى.

ومتى أراد الحاج السفر إلى بلاده وجب عليه أن يطوف بالبيت للوداع سبعة أشواط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا ينفر أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت (1)» ، إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليه، لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض (2)» متفق على صحته. والنفساء مثلها، ومن أخر طواف الإفاضة فطاف عند السفر أجزأه عن الوداع؛ لعموم الحديثين المذكورين. وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يتقبل منا ومنكم ويجعلنا وإياكم من العتقاء من النار، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

وبما ذكرنا من صفة حجه صلى الله عليه وسلم انتهى الكلام على أعمال الحج.

(1) صحيح البخاري الحج (1755)، صحيح مسلم الحج (1327)، سنن أبو داود المناسك (2002)، سنن ابن ماجه المناسك (3070)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 222)، سنن الدارمي المناسك (1932).

(2)

صحيح البخاري الحج (1755)، صحيح مسلم الحج (1328)، سنن الدارمي المناسك (1934).

ص: 15

صفة العمرة

أما العمرة: فهي واجبة كالحج مرة في العمر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر رضي الله عنه لما «سأله جبريل عليه السلام عن الإسلام قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج وتعتمر (1)» الحديث رواه ابن خزيمة والحاكم بإسناد صحيح، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:«على النساء جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة (2)» أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح.

(1) صحيح مسلم الإيمان (8)، سنن الترمذي الإيمان (2610)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4990)، سنن أبو داود السنة (4695)، سنن ابن ماجه المقدمة (63)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 27).

(2)

صحيح البخاري الحج (1520)، سنن النسائي مناسك الحج (2628)، سنن ابن ماجه المناسك (2901).

ص: 15

وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر: إحداهن عام الحديبية، وقد صده المشركون عن أداء مناسكها فصالحهم ونحر هديه، وحلق رأسه لكونه محصرا، ورجع إلى المدينة هو وأصحابه رضي الله عنهم، وأنزل الله في ذلك قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1) الآية، ثم اعتمر عمرة القضاء في عام سبع من الهجرة، ثم اعتمر عمرته الثالثة من الجعرانة عام الفتح سنة ثمان من الهجرة، ثم اعتمر عمرته الرابعة قارنا لها مع حجه.

والعمرة: هي زيارة البيت للطواف والسعي والحلق أو التقصير. وليس لها وقت معين، بل هي مشروعة في جميع السنة، وهي في رمضان تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهي واجبة في العمر مرة كالحج وما زاد فهو تطوع.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (2)» ، متفق على صحته.

وصفتها: إن كان المعتمر خارج المواقيت فليحرم بها من الميقات الذي يمر عليه، ويستحب له عند ذلك الغسل والطيب، كما يستحب له ذلك عند إحرامه بالحج.

وإذا توضأ وصلى ركعتين وأحرم بعدهما كان أفضل، وإن أحرم بعد الصلاة المفروضة كفى ذلك، ويستحب له أن يلبي بها بعد النية إذا ركب دابته أو سيارته في الميقات.

(1) سورة البقرة الآية 196

(2)

صحيح البخاري الحج (1773)، صحيح مسلم الحج (1349)، سنن الترمذي الحج (933)، سنن النسائي مناسك الحج (2622)، سنن ابن ماجه المناسك (2888)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 246)، موطأ مالك الحج (776)، سنن الدارمي المناسك (1795).

ص: 16

أما إذا كان في الجو فإنه يلبي بها عند محاذاته ميقاته، ثم يشتغل بالتلبية الشرعية التي كان يلبي بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي:«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك (1)»

وإن لبى قبل أن يركب دابته أو سيارته فلا بأس، ولكن الأفضل أن تكون التلبية بعد الركوب، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

فإذا وصل إلى البيت طاف بالبيت سبعة أسواط كطوافه في الحج، ويرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، ويمشي في الأربعة الباقية، ويضطبع في جميع طواف القدوم، وذلك بأن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر. وبعد الفراغ من الطواف يجعل رداءه على كتفيه قبل أن يصلي ركعتي الطواف. ويكبر كلما حاذى الحجر الأسود، ويستلمه ويقبله إن تيسر ذلك، فإن لم يتيسر تقبيله استلمه بيده وقبلها، فإن لم يتيسر ذلك أشار إليه عند المحاذاة وكبر.

ويستلم الركن اليماني في كل شوط إذا تيسر ذلك بدون تقبيل، ويقول (بسم الله والله أكبر)، فإن لم يتيسر ذلك مضى في طوافه ولم يشر إليه؛ لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير إليه.

ثم يصلي ركعتين، هما ركعتا الطواف، يقرأ فيهما بعد الفاتحة بسورة:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (2) في الأولى، وبسورة

(1) صحيح البخاري الحج (1549)، صحيح مسلم الحج (1184)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 120).

(2)

سورة الكافرون الآية 1

ص: 17

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) في الثانية، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم يتوجه إلى المسعى فيسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة،، كما يفعل في الحج، ويكبر الله ويذكره، ويدعو على الصفا والمروة ثلاث مرات رافعا يديه كما يفعل في سعيه في الحج.

ويستحب أن يهرول الرجل في السعي بين العلمين، ويمشي فيما قبلهما وما بعدهما كما فعل في الحج.

أما المرأة فلا رمل عليها في الطواف، ولا تشرع لها الهرولة في السعي، لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته رضي الله عنهم فيما نعلم، وإنما نقل ذلك في حق الرجال، وقد حكى ابن المنذر رحمه الله الإجماع على أن الرمل في الطواف والهرولة في السعي بين العلمين لا يشرعان للنساء، ولأن المرأة عورة والمشي أستر لها وأبعد عن الفتنة.

ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل، إلا إذا كان أداؤه للعمرة قرب الحج، فإنه يقصر فيها، ويترك الحلق للحج. وبهذا تنتهي أعمال العمرة.

أسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه، وأن يتقبل منا ومنهم، ويجعلنا وإياهم من العتقاء من النار إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(1) سورة الإخلاص الآية 1

ص: 18