المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النص المحقق الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٤٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ مقدمة

- ‌ نصوص من القرآن والسنة يرجع إليها في الحكم بالربا عند تحقيق المناط، والتطبيق على الجزئيات:

- ‌ نصوص من القرآن معها تفسيرها:

- ‌ابن العربي في كتابه أحكام القرآن:

- ‌ أبو الفداء إسماعيل بن كثير في تفسيره:

- ‌ نصوص من أحاديث أحكام الربا مع شرحها

- ‌ نصوص من صحيح البخاري مع شرحها لابن حجر

- ‌الفتاوى

- ‌ حكم الشرع في التفاسير التي تسمى بالتفاسير العلمية

- ‌ إذا مر القارئ على آية سجدة فهل يلزمه أن يكون على طهارة أثناء السجود أم لا

- ‌ هل يجوز كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) في بداية كتابة أي شيء

- ‌شرح الآيات من الآية رقم 115 إلى 119 من سورة المائدة

- ‌ من هو أبو سيدنا إبراهيم عليه السلام

- ‌ تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}

- ‌ لماذا لم تبدأ سورة التوبة بـ بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌ على من أنزل الله سورة التوبة، وما أسباب نزولها

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ وصف الميت بأنه مغفور له أو مرحوم

- ‌ تقدم الإمام وصلى بعض الصلاة ثم ذكر بأنه لم يتوضأ وانصرف هل يبني المأمومون على ما مضى أو يستأنفون الصلاة

- ‌ يدخل والصلاة تقام ولكنه يعرف من الإمام أنه يطيل في الركعة الأولى فيصلي ركعتي الفجر قبل أن يدخل مع الإمام

- ‌ صحة حديث: ما رفع مسلم منزله فوق سبعة أذرع إلا قيل له: إلى أين يا فاسق

- ‌ هل سجود السهو مشروع في صلاة النفل والسنن الرواتب كالفرض

- ‌ الدعاء في الصلاة

- ‌ الأذان لصلاة الفجر قبل دخول الوقت

- ‌ صلاة المنفرد خلف الصف

- ‌بحث في الربا والصرف

- ‌معنى الربا في اللغة والاصطلاح الشرعي:

- ‌معنى الصرف في اللغة والاصطلاح الشرعي:

- ‌حكم الربا:

- ‌علة الربا في الأموال الربوية:

- ‌نقاش هذه الآراء:

- ‌تقرير عن المنجد في اللغة والأعلام

- ‌من أخطر مساوئ المنجد:

- ‌أمثلة مما جاء في المنجد:

- ‌مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل

- ‌تمهيد:

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ السنة النبوية:

- ‌الأدلة على صحة هذا المنهج:

- ‌آثار هذا المنهج وفوائده:

- ‌دور العقل ومكانته:

- ‌إطلاقات كلمة العقل:

- ‌فروق لغوية في أسماء العقل:

- ‌عناية الإسلام بالعقل:

- ‌العلاقة بين الوحي والعقل:

- ‌المؤلف والرسالة

- ‌بين يدي الرسالة:

- ‌مخطوطات الرسالة:

- ‌النص المحقق

- ‌الاختلاف في أصول الدين وأسبابه وأحكامه

- ‌تعريف الاختلاف في الدين

- ‌الاختلاف في الكتاب والسنة النبوية

- ‌ الاختلاف في القرآن الكريم

- ‌ الاختلاف في السنة النبوية:

- ‌نشأة الخلاف العقدي:

- ‌نشأة الفرق في الأمة المحمدية:

- ‌أنواع المختلفين في العقائد وأحكامهم:

- ‌أسباب الاختلاف في الدين:

- ‌أنواع الاختلاف في الدين من حيث الرتبة:

- ‌أحاديث الافتراق:

- ‌الخاتمة

- ‌الفرقة الناجية صفاتها وخصائصها:

- ‌صفات الفرقة الناجية:

- ‌خصائص الفرقة الناجية:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌النص المحقق الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على

‌النص المحقق

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإنه أنكر بعض الناس أن ثبوت الشهادة على الخط لم يكن مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فاستخرت الله تعالى أن أكتب ما نقله الأصحاب عن الإمام أحمد رضي الله عنه في ذلك.

وأسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، نافعا لديه، وأن يبلغنا أملنا، ويصلح قولنا وعملنا برحمته، فإنه جواد كريم وهو حسبنا ونعم الوكيل. . .

ص: 304

الكلام في الحكم بالخط المجرد

وله صور ثلاث (1):

الصورة الأولى: أن يرى القاضي حجة فيها حكم لإنسان، فيطلب منه إمضاءه، والعمل به، فقد اختلف في ذلك، فعن الإمام أحمد، رضي الله عنه، ثلاث روايات:

إحداها: أنه إذا تيقن أنه خطه، نفذه، وإن لم يذكره، (2)، اختاره في الترغيب، وقدمه الشيخ مجد الدين في المحرر، وجزم به الآدمي، رحمهم الله، وكذلك الشاهد إذا وجد شهادته بخطه.

(1) انظر: الطرق الحكمية لابن القيم ص 200 - 205.

(2)

وفي نسخة (أ) ينكره.

ص: 305

الثانية: لا ينفذه حتى يذكره.

والثالثة: أنه [إن]، كان في حرزه، وحفظه كقمطرة ونحوها نفذه، وإلا فلا.

قال أبو البركات: وكذلك الروايات في شهادة الشاهدين على خطه إذا لم يذكره (1) والمشهور من مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، أنه لا يعتمد على الخط لا في الحكم، ولا في الشهادة.

وفي مذهبه وجه آخر: أنه يجوز الاعتماد عليه إذا كان محفوظا عندهما، كالرواية الثالثة (2).

أما مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، فقال

(1) انظر: المحرر لمجد الدين بن تيمية ج 2، ص 211، والمغني لابن قدامة ج 14، ص 57.

(2)

انظر: مغني المحتاج للشربيني ج 4، ص 399، والمغني لابن قدامة ج 14، ص 57.

ص: 306

الخفاف: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: إذا وجد القاضي في ديوانه شيئا لا يحفظه إقرارا لرجل من رجل بحق من الحقوق، وهو لا يذكر ذلك، ولا يحفظه، فإنه لا يحكم بذلك، ولا ينفذه حتى يذكره (1).

وقال أبو يوسف، ومحمد رضي الله عنهما: ما وجده القاضي في ديوانه من شهادة شهود شهدوا عنده لرجل على رجل بحق، أو إقرار رجل لرجل، والقاضي لا يحفظ ذلك، ولا يذكره فإنه ينفذ ذلك، ويقضي به، إذا كان تحت ختمه، محفوظا ليس كلاما في ديوان القاضي بخطه (2).

(1) انظر. الهداية للمرغيناني ج 3، ص 120.

(2)

انظر. الهداية للمرغيناني ج 3، ص 120.

ص: 307

وأما مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، فقال في الجواهر: لا يعتمد على الخط إذا لم يتذكر، لإمكان التزوير عليه (1).

وقال أبو محمد القاضي: إذا وجد في ديوان الحاكم حكما بخطه، ولم يذكر أنه حكم به، لم يجز له أن يحكم به، إلا أن يشهد عنده شاهدان.

قال: وإذا نسي القاضي. . حكما حكم به، فشهد عنده شاهدان أنه قضى به، نفذ الحكم بشهادتهما، وإن لم يتذكر (2).

وعن مالك رضي الله عنه رواية أخرى: أنه لا يلتفت إلى البينة بذلك، ولا يحكم بها.

وجمهور أهل العلم عليه، بل إجماع أهل الحديث قاطبة على اعتماد الراوي على الخط المحفوظ عنه، وجواز الحديث به، إلا خلافا شاذا لا يعتد به، ولو لم يعتمد لضاع كثير من

(1) انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل ج7، ص 183 - 185.

(2)

انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل ج 7، ص 150.

ص: 308

أحكام الإسلام اليوم، ومن الأحاديث الواردة بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وليس بأيدي الناس بعد كتاب الله إلا هذه النسخ الموجودة من السنن، وكذلك كتب الفقه الاعتماد فيها على النسخ.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث كتبه إلى الملوك وغيرهم، وتقوم بها حجته، ولم يكن يشافه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بكتابه مضمونه قط، ولا جرى هذا مدة حياته صلى الله عليه وسلم، بل يدفع به إليه الكتاب مختوما، ويأمر بدفعه إلى المكتوب إليه، وهذا معلوم بالضرورة، ولأهل العلم بسيرته وأيامه (1).

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما حق امرئ مسلم، له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده (2)» .

ولو لم يجز الاعتماد على الخط لم تكن كتابة وصيته جائزة.

قال إسحاق بن إبراهيم: قلت للإمام أحمد رضي الله عنه: الرجل يموت، وتوجد له وصية تحت رأسه من غير أن يكون أشهد عليها، أو أعلم بها أحدا، هل يجوز إنفاذ ما فيها؟ قال: إن كان عرف خطه، وهو مشهور الخط، فإنه ينفذ ما فيها (3).

(1) انظر: الطرق الحكمية لابن القيم ص 201 - 202.

(2)

رواه البخاري في كتاب الوصايا ج 3، ص 186.

(3)

انظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابن هاني ج 2، ص 44، ص 50.

ص: 309

وقد قال في الشهادة: إنه إذا لم يذكرها، ورأى خطه، أنه لا يشهد حتى يذكرها (1).

وقال فيمن كتب وصيته، وقال: أشهدوا علي بما فيها، أنهم لا يشهدون إلا أن يسمعوها منه، أو تقرأ عليه (2)، فيقر بها (3).

واختلف أصحابنا، فمنهم من خرج في كل مسألة حكم الأخرى، وجعل وجهين بالنقل والتخريج، ومنهم من امتنع عن التخريج، وأقر النصين، وفرق بينهما (4).

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه التفريق، قال: والفرق إذا كتب وصيته، وقال: أشهدوا علي بما فيها، فإنهم لا يشهدون، لجواز أن يزيد في الوصية أو ينقص أو يغير.

وأما إذا كتب وصيته ثم مات، وعرف أنه خطه، فإنه يشهد به، لزوال المحذور، والحديث المتقدم كالنص في جواز الاعتماد على خط الموصي.

(1) انظر: المغني لابن قدامة ج 14، ص 57.

(2)

في نسخة (أ) عليهم.

(3)

انظر: المغني لابن قدامة ج 8، ص 471، 472.

(4)

انظر: الطرق الحكمية لابن القيم ص 202.

ص: 310

وكتب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إلى عماله، وإلى الملوك وغيرهم تدل على ذلك، ولأن الكتابة تدل على المقصود، وهي كاللفظ (1).

والمقصود أن من كتب وصيته ولم يشهد فيها، وعرف خطه، فإنه ينفذ ما فيها، ما لم يعلم رجوعه عنها، نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه، واعتمده الأصحاب رضي الله عنهم، وصرحوا بذلك في كتبهم كأبي القاسم الخرقي، والشيخ موفق الدين بن قدامة، والشيخ مجد الدين بن تيمية، والجد

(1) انظر: المغني لابن قدامة ج 8، ص 472، والطرق الحكمية لابن القيم ص 201 - 202.

ص: 311

وغيرهم رضي الله عنهم، لما تقدم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما حق امرئ مسلم، له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده (1)» .

وظاهر الكتابة، وإن لم يشهد بما فيها، ولأن ذلك طريق يغلب على الظن صحة الوصية، فأشبه الشهادة بها.

وخرج أبو البركات وابن عقيل: لو وقعت الوصية على أنه وصى فليس في نص الإمام أحمد ما يمنعه، ثم بعد يعمل بالخط بشرطه. ولهذا قال ابن حمدان الشيخ موفق الدين وغيرهما:(من وجدت وصيته بخطه صحت، نص عليه)(2).

ولهذا يقع الطلاق، فإن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق،

(1) رواه البخاري في كتاب الوصايا ج 3، ص 186.

(2)

انظر: المغني لابن قدامة ج 8، ص 470، شرح الزركشي على مختصر الخرقي ج 4، ص 385.

ص: 312

فإذا أتى فيها بالطلاق وفهم منها، ونواه، وقع كاللفظ، ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب به لا له.

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ رسالته، فحصل ذلك في حق البعض بالقول، وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف، ولأن كتابة القاضي تقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق (1).

فإن نوى بذلك تجويد خطه، أو تجربة قلمه لم يقع؛ لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع، فالكتابة أولى، وإذا ادعى ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى، ويقبل في الحكم في أصح الوجهين، فهاهنا أولى مع أنه ليس بلفظ.

وإن قال؛ نويت غم أهلي، فقد قال في رواية فيمن كتب طلاق زوجته، ونوى الطلاق وقع، وإن أراد أن يغم أهله، فقد عمل في ذلك أيضا، يعني أنه يؤاخذ به لقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تكلم به (2)»

فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق؛ لأن غم أهله يحصل بالطلاق، فيجتمع غم أهله ووقوع الطلاق، كما لو قال: أنت طالق يريد به غمها، ويحتمل أن لا يقع؛ لأنه أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته. فلا يكون ناويا للطلاق، والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به، فإذا كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق

(1) انظر: المغني لابن قدامة ج 14، ص 74، شرح الزركشي على مختصر الخرقي ج 7، ص 279.

(2)

رواه مسلم في كتاب الإيمان، حديث 212 ج 1، ص 119.

ص: 313

طلقت زوجته، وبهذا قال الشعبي، والنخعي، والزهري، والحكم، وأبو حنيفة، ومالك، وهو المنصوص [عليه]، (1) عن الشافعي رضي الله عنه.

وإن لم ينو شيئا، فقال أبو الخطاب: قد خرجها القاضي

(1) في نسخة (ب).

ص: 314

الشريف في الإرشاد على روايتين:

إحداهما: يقع، وهو قول الشعبي والنخعي والزهري والحكم رضي الله عنهم، لما ذكرنا من أن الكتابة تقوم مقام اللفظ.

والثانية: لا يقع إلا بنية، وهو قول أبي حنيفة ومالك، ومنصوص الشافعي رضي الله عنهم.

وقال الأصحاب: ولا يقع الطلاق بغير لفظ إلا في موضعين:

أحدهما: بالكتابة كما تقدم.

والثاني: بالإشارة لمن لا يقدر على الكلام كالأخرس.

قال القاضي: وثبوت الخط في الوصية يتوقف على معاينة البينة، أو الحاكم لفعل البينة لكتابة الوصية؛ لأنها عمل، والشهادة على العمل طريقه الرؤية (1) وقول الإمام أحمد رضي الله عنه: إن كان قد عرف خطه، وكان مشهور الخط، ينفذ ما فيها، يرد ما قال القاضي.

فإن الإمام أحمد رضي الله عنه علق الحكم على المعرفة

(1) انظر. الإنصاف للمرداوي ج 7، ص 188.

ص: 315

والشهرة، من غير اعتبار معاينة الفعل، وهذا هو الصحيح، فإن القصد حصول العلم بنسبة الخط إلى كاتبه، فإذا عرف ذلك، وتبين، كان كالعلم بنسبة اللفظ إليه، فإن الخط دال على اللفظ، واللفظ دال على القصد والإرادة، غاية ما يقدر اشتباه الخطوط، وذلك كما يفرض من اشتباه الصور والأصوات.

وقد جعل الله سبحانه وتعالى في خط كل كاتب ما يتميز به عن خط غيره، وصورته عن صورته، وصوته عن صوته، والناس يشهدون شهادة لا يستريبون فيها على أن هذا فيه خط فلان، وإن جازت محاكاته ومشابهته؛ فلا بد من فرق، وهذا أمر يختص الخط العربي به، ووقوع الاشتباه والمحاكاة لو كان مانعا لمنع من الشهادة على الخط عند معاينته إذا غاب عنه لجواز المحاكاة (1).

وقد دلت الأدلة المتظافرة التي تقرب من القطع على قبول، (2) شهادة الأعمى فيما طريقه السمع، إذا عرف الصوت (3)، مع أن مشابهة الأصوات إن لم تكن أعظم من تشابه الخطوط، فليس دونه.

وقد صرح أصحاب الإمام أحمد والشافعي رضي الله عنهما: بأن الوارث إذا وجد في دفتر مورثه أن لي عند فلان كذا جاز له أن يحلف على استحقاقه، وأظنه منصوصا عنهما.

(1) انظر: الطرق الحكمية ص 203.

(2)

في نسخة (ب).

(3)

انظر: المغني لابن قدامة ج 14، ص 178، 179، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي ج 7، ص 347.

ص: 316

وكذلك لو وجد في دفتره: إني أديت إلى فلان مالا، جاز له أن يحلف على ذلك؛ إذا وثق بخط مورثه وأمانته (1).

ويعمل بخط أبيه على كيس لفلان في الأصح، كخطه بدين له، فيحلف له على ذلك؛ إذا وثق بخط مورثه.

ولم يزل الخلفاء والقضاة والأمراء والعمال يعتمدون على كتب بعضهم إلى بعض، ولا يشهدون متحملها على ما فيها، ولا يقرءونها عليه.

هذا عمل الناس من زمن نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى الآن.

قال البخاري في صحيحه: باب الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك، وما يضيق عليه، كتاب الحاكم إلى عامله، والقاضي إلى القاضي.

وقال بعض الناس: كتاب الحاكم جائز إلا في الحدود، ثم قال: إن كان القتل خطأ فهو جائز؛ لأن هذا مال بزعمه، وإنما صار مالا بعد أن ثبت القتل، فالخطأ والعمد واحد (2).

(1) انظر: الطرق الحكمية ص 203، 204، والكافي لابن عبد البر ج 2، ص 910.

(2)

انظر: صحيح البخاري، كتاب الأحكام ج 8، ص 109، 110.

ص: 317

وقد كتب عمر رضي الله عنه، إلى عماله في الحدود، وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما في سن كسرت.

وقال إبراهيم: كتاب القاضي للقاضي جائز؛ إذا عرف الكتاب والخاتم، وكان الشعبي رحمه الله يجيز الكتاب المختوم، وما فيه من القاضي، ويروى عن ابن عمر رضي الله عنهما نحوه (1).

وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي: شهدت عبد الملك ابن يعلى قاضي البصرة، وإياس بن معاوية، الحسن

(1) انظر: صحيح البخاري كتاب الأحكام ج 8، ص 109، 110.

ص: 318

وثمامة بن عبد الله بن أنس، وبلال بن أبي بردة، وعبد الله بن بريدة الأسلمي، وعامر بن عبيدة، وعباد بن منصور، رحمهم الله، يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود.

فإن قال الذي جيء إليه بالكتاب: إنه زور، قيل له: اخرج فالتمس المخرج من ذلك، وأول من سأل على كتاب القاضي البينة ابن أبي ليلى وسوار بن عبد الله.

وقال أبو نعيم: حدثنا عبيد الله بن محرز: (1) جئت

(1) هو عبيد الله بن محرز، ما روى عنه سوى أبي نعيم. انظر: ميزان الاعتدال للذهبي ج 3، ص 16.

ص: 319

بكتاب من موسى بن أنس قاضي البصرة، وأقمت عنده البينة، أن لي عند فلان كذا وكذا. . . وهو بالكوفة، فجئت به القاسم بن عبد الرحمن فأجازه.

وكره الحسن وأبو قلابة أن يشهد على وصية حتى يعلم ما فيها؛ لأنه لا يدري لعل فيها جورا.

وقد كتب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى أهل خيبر: «إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب (1)» .

وقال الزهري في الشهادة على المرأة من وراء الستر: إن عرفتها فاشهد، وإلا فلا تشهد (2).

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا غندر حدثنا شعبة

(1) انظر. صحيح البخاري، كتاب الأحكام ج 8، ص 110.

(2)

انظر: صحيح البخاري، كتاب الأحكام ج 8، ص 110.

ص: 320

سمعت قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، «قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم قالوا: إنهم لا يقبلون كتابا إلا مختوما، فاتخذ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خاتما من فضة، كأني أنظر إلى وبيصه، ونقشه، " محمد رسول الله (1)».

وقد تقدم كلام الشيخ موفق الدين بن قدامة رحمه الله في الوصية: إن وجدت وصيته، صحت، هذا المذهب مطلقا.

قال الزركشي رحمه الله: نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه، واعتمده الأصحاب، وقاله الخرقي وقدمه في المغني والشرح والمحرر والرعايتين، والجد في الفروع، وغيرهم رحمهم الله تعالى (2).

(1) انظر: صحيح البخاري كتاب اللباس ج 7، ص 52، وفي كتاب الأحكام ج 8، ص 110.

(2)

انظر: مختصر الخرقي ص 113، والمغني لابن قدامة ج 8، ص 470، والمحرر لمجد الدين بن تيمية ج 7، ص 118.

ص: 321

وقال القاضي في شرح المختصر: ثبوت الخط يتوقف على معاينة البينة أو الحاكم لفعل الكتابة؛ لأن الكتابة عمل، والشهادة على العمل طريقها الرؤية، نقله الحارثي، (1) ويحتمل أن لا تصلح حتى يشهد عليها.

وقد خرج ابن عقيل ومن بعده رواية بعدم الصحة، أخذا من قول الإمام أحمد رضي الله عنه: فيمن كتب وصيته، وختمها، وقال: اشهدوا بما فيها، أنها لا تصح، أي شهادتهم على ذلك (2).

فنص الإمام أحمد في الأولى: بالصحة، وفي الثانية: بعدمها حتى يسمعوا ما فيها، أو تقرأ عليه فيقر بما فيها، فخرج جماعة منهم المجد في محرره وغيره في كل منهما رواية من الأخرى (3).

(1) انظر: الإنصاف للمرداوي ج 7، ص 118

(2)

انظر: المغني لابن قدامة ج 8، ص471.

(3)

انظر: الإنصاف للمرداوي ج 7، ص 118.

ص: 322

وقد خرج الشيخ موفق الدين والشارح وصاحب الفائق وغيرهم الجواز؛ لقوله: إذا وجدت وصية الرجل مكتوبة عند رأسه من غير أن يكون أشهد أو أعلم بها أحدا عند موته، وعرف خطه، وكان مشهورا؛ فإنه ينفذ ما فيها، وهذا رواية مخرجة خرجها الأصحاب، ومعنى قوله: فيمن كتب وصيته وختمها وقال: اشهدوا بما فيها أنها لا تصح، أي لا تصح شهادتهم على ذلك (1).

فأما العمل بخطه في هذه الوصية، فحيث علم خطه إما بإقرار أو بينة، فإنه يعمل بها كالأولى، بل هي من أفراد العمل بالخط بالوصية، نبه عليه الشيخ تقي الدين بن قندس رحمه الله في حواشي الفروع وهو واضح (2).

وفي كلام الزركشي إيماء إلى ذلك، فإنه قال: وقد يفرق بأن شرط الشهادة العلم، وما في الوصية والحال هذه غير معلوم، أما لو وقعت الوصية على أنه وصى فليس في نص الإمام أحمد رضي الله عنه ما يمنعه، ثم بعد ذلك يعمل بالخط بشرطه (3).

وعند الشيخ تقي الدين: من عرف خطه بإقرار أو إنشاء أو

(1) انظر: الإنصاف للمرداوي ج 7، ص 118، 189، ص 471.

(2)

انظر: الإنصاف للمرداوي ج 7، ص189.

(3)

انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي ج 4، ص 385.

ص: 323

عقد أو شهادة عمل به كميت.

وذكر أيضا قولا في المذهب أنه يحكم بخط شاهد ميت، وقال: الخط كاللفظ، إذا عرف أنه خطه.

وقال: إنه مذهب جمهور العلماء، وهو يعرف أنه هذا خطه، كما يعرف أن هذه صورته.

واتفق العلماء على أنه يشهد على الشخص إذا عرف صوته، مع إمكان الاشتباه، وجوز الجمهور كمالك وأحمد رضي الله عنهما، الشهادة على الصوت، من غير رؤية المشهود عليه، والشهادة على الخط ضعيف، لكن جوازه قوي أقوى من منعه (1).

قال في الروضة: لو كتب شاهدان إلى شاهدين من بلد المكتوب إليه، بإقامة الشهادة عنده عنهما لم يجز، لأن الشاهد إنما يصح أن يشهد على غيره إذا سمع منه لفظ الشهادة، وقال: اشهد علي، فأما أن يشهد عليه بخطه فلا، لأن الخطوط يدخل عليها العلل.

فإن قام بخط كل واحد من الشاهدين شاهدان ساغ له الحكم به (2).

[وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم].

(1) انظر: الإنصاف للمرداوي ج 11، ص 327، 328.

(2)

انظر: الفروع لابن مفلح ج 6، ص 500، والكافي لابن البر ج 2، ص 900، والإنصاف للمرداوي ج 11، 328.

ص: 324