الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو الطبيعة (الآفاق والأنفس)، وكذلك العقل وسيلة ثانية، فإن كلا منهما لا يستطيع أن يعمل في مجال عالم الغيب - والإيمان به من أركان العقيدة الإسلامية - ولذلك فإن المصدر الذي نستقي منه العقيدة، ينبغي أن يكون مصدرا صحيحا ثابتا موثوقا، لا يخطئ ولا ينحرف. وإذا كان العقل البشري محدودا وقاصرا، فإن الفطرة - وهي طريق صحيح ومصدر معتبر في ذلك - قد يطرأ عليها ما يغشيها ويحرفها عن صوابها، فتحتاج إلى ما يجلوها ويصحح مسارها ويمنعها من الانحراف، وذلكم هو الوحي (القرآن والسنة) الذي تكفل الله تعالى بإنزاله هداية للناس ورحمة بهم (1).
وفي هذا البحث نعرض لمصادر العقيدة الإسلامية وهي: الكتاب والسنة، مع بيان منزلة العقل ودوره، وأنه مؤيد لا يستقل بمعرفة أصول العقيدة على وجه التفصيل.
(1) انظر عالم الغيب والشهادة في التصور الإسلامي ص (21 - 41) تأليف عثمان جمعة ضميرية.
أولا:
القرآن الكريم:
القرآن الكريم هو كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور البصائر والأبصار، فلا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه. وهذا كله معلوم من الدين علما ضروريا، لا يحتاج إلى استدلال عليه (1)
(1) الموافقات، للشاطبي: 3/ 347.
وقد أوفى القرآن الكريم على الغاية في بيان العقيدة وتصحيحها في النفوس، على أتم وجه وأكمله، وبخاصة في السور المكية، إجمالا وتفصيلا. وكان أول ما أنزل وحيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو سورة العلق:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1){خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} (2) وهي تتضمن أصول الدين والعقيدة من الأدلة العقلية والفطرية والشرعية على وجود الله تعالى وتوحيده، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وإثبات البعث.
وفي سائر سور القرآن الكريم، نجد السورة الواحدة تجمع أركان العقيدة بأصول عامة تبين أركان الإيمان - وأعظمها الإيمان بالله تعالى- وما يتفرع عن هذه الأركان وينضم إليها، أو يكون من مقتضياتها ومستلزماتها، وتضع - كذلك - الإجابة الصحيحة الحاسمة على الأسئلة التي تفسر للإنسان أصل وجوده ونشأته، وغايته التي يسعى إليها، والمصير الذي ينتهي إليه بعد رحلته في هذه الحياة، وتحدد علاقته بالله تعالى وبالكون وبالحياة والأحياء من حوله.
يقول الإمام الشاطبي، رحمه الله:
(وغالب السور المكية تقرر ثلاثة معان، أصلها معنى واحد، وهو الدعاء إلى عبادة الله وتوحيده:
أحدها: تقرير الوحدانية لله الواحد الحق. غير أنه يأتي على وجوه، كنفي الشريك بإطلاق، أو نفيه بقيد ما ادعاه الكفار في
(1) سورة العلق الآية 1
(2)
سورة العلق الآية 2
وقائع مختلفة، من كونه مقربا إلى الله زلفى، أو كونه ولدا، أو غير ذلك من أنواع الدعاوى الفاسدة.
والثاني: تقرير النبوة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله إليهم جميعا، صادق فيما جاء به من عند الله. وهذا المعنى وارد على وجوه أيضا كإثبات كونه رسولا حقا، ونفي ما ادعوه عليه من أنه كاذب، أو ساحر، أو مجنون، أو يعلمه بشر، أو ما أشبه ذلك من كفرهم وعنادهم.
والثالث: إثبات أمر البعث والدار الآخرة، وأنه حق لا ريب فيه، بالأدلة الواضحة، والرد على من أنكر ذلك بكل وجه يمكن الكافر إنكاره به، فرد بكل وجه يلزم الحجة، ويبكت الخصم ويوضح الأمر.
فهذه المعاني الثلاثة هي التي اشتمل عليها المنزل من القرآن بمكة في عامة الأمر، وما ظهر- ببادئ الرأي- خروجه عنها فراجع إليها في محصول الأمر.
ويتبع ذلك: الترغيب والترهيب، والأمثال والقصص، وذكر الجنة والنار، ووصف يوم القيامة، وأشباه ذلك) (1).
وإذا كانت العقيدة هي الموضوع الأساسي الرئيس في السور المكية، فإنها كذلك موضوع رئيس في السور المدنية التي نزلت لتعالج قضايا تشريعية تعرض من خلال هذه العقيدة ومقتضى الإيمان بالله تعالى، كما ألمحنا إليه فيما سبق.
(1) انظر: الموافقات، للشاطبي: 3/ 416.