الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن أصل الشر كله الجهل والظلم، قال تعالى:{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (1).
الضرب الثاني: هو ما حمد الله فيه إحدى الطائفتين؛ وهم المؤمنون، وذم فيه الأخرى، كما قال سبحانه وتعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} (2) فحمد إحدى الطائفتين ووصفهم بالإيمان، وذم الأخرى ووصفها بالكفر، هذا وأكثر الخلاف المؤدي إلى الأهواء والبدع في الأمة المحمدية هو من النوع الأول وسبب ذلك أن كلا من الطائفتين المتنازعتين لا تعترف بما عند الأخرى من الحق ولا تعدل في حكمها لها وعليها.
(1) سورة الأحزاب الآية 72
(2)
سورة البقرة الآية 253
ب-
الاختلاف في السنة النبوية:
ويتبين ذلك من عدة أمور:
أولا: إخباره صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة (1)» .
(1) المسند (2/ 332)، وسنن أبي داود كتاب السنة (38)، وسنن ابن ماجه المقدمة باب (12)، سنن الترمذي كتاب الفتن باب (34).
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ثانيا: إخباره بانتشار الأهواء وتبني بعض الأمة نشرها والدفاع عنها، كما قال صلى الله عليه وسلم:«إنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله، والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به (1)» رواه أحمد وأبو داود في سننه.
ثالثا: إخباره باتباع هذه الأمة أهل الكتاب في أهوائهم كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إذا كان منهم من أتى أمه علانية كان من أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي (2)» رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب مفسر، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
رابعا: نصه على من معه الحق من طوائف الافتراق كما في الحديث الآنف الذكر.
خامسا: أنه نهى عن الاختلاف الذي فيه جحد كل واحد من
(1) المسند (4/ 105)، سنن أبي داود كتاب السنة (38).
(2)
سنن الترمذي كتاب الإيمان باب (8).
المختلفين ما عند الآخر، كما روى النزال بن سبرة عن عبد الله بن مسعود قال:«سمعت رجلا قرأ آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فعرفت في وجهه الكراهية وقال: كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا (1)» . رواه البخاري.
فدل الحديث على تحريم مثل هذا الاختلاف وأن يكون لنا عبرة فيمن قبلنا حيث اختلفوا بمثل ذلك.
سادسا: الاختلاف في السنة النبوية على نوعين (2):
النوع الأول: اختلاف تنوع: كالاختلاف في صفة الأذان والإقامة والاستفتاح وصلاة الخوف وتكبيرات العيد ونحو ذلك وهذا النوع من الاختلاف يأتي على وجوه منها:
أن يكون القولان أو الفعلان مشروعين كالقراءات ومن ذلك ما تقدم من اختلاف الأنواع، ومنها ما يكون الاختلاف القولي في اللفظ دون المعنى، ومنها ما يكون كل واحد من الأقوال غير الآخر لكن لا تنافي بينهما وهما قولان صحيحان، ومنها ما يكون في طريقتين مشروعتين لكن كل واحد قد سلك واحدة منهما وهذا النوع من الاختلاف ليس مذموما لكن إن اقترن به البغي والظلم مع الجهل صار مذموما.
النوع الثاني: اختلاف تضاد: وهو أن يتنافى القول من كل
(1) رواه البخاري في كتاب الخصومات (1)، فضائل (27) أنبياء (54).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم ص (37، 38).