الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل إن هذه المخالفة لأمر الرسول والتولي عن طاعته إنما هي من الكفر الذي ينبغي أن يحذره المسلم على نفسه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (1).
ثانيا: تواردت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تقيم الأدلة على صحة هذا المنهج في العودة للقرآن والتمسك بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام، فيما رواه علي رضي الله عنه، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إنها ستكون فتنة فقلت: وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله؛ فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، لا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن - إذ سمعته - حتى قالوا: من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم (4)» .
(1) سورة آل عمران الآية 32
(2)
أخرجه الترمذي: 8/ 218 - 221، والدارمي: 2/ 435، والإمام أحمد: 2/ 88 (تحقيق الشيخ شاكر)، والبغوي في التفسير: 1/ 39 وفي شرح السنة: 4/ 438، وعزاه الهيثمي في المجمع (7/ 165) للطبراني مختصرا. وفيه عمرو بن واقد، وهو متروك. وقال الترمذي:" حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات وإسناده مجهول " وقال ابن كثير في "فضائل القرآن " الملحق بالتفسير (4/ 582): ". . وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح - على أنه قد روي له شاهد ". وقال ابن الوزير في " ترجيح أساليب القرآن " ص (15): " وقد رواه السيد الإمام أبو طالب في " أماليه " بسند آخر من حديث معاذ بنحوه. . ولما يزل العلماء يتداولونه، فهو مع شهرته في شرط أهل الحديث متلقى بالقبول عند علماء الأصول، فصار صحيح المعنى في مقتضى الإجماع والمنقول والمعقول
(3)
سورة الجن الآية 1 (2){إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}
(4)
سورة الجن الآية 2 (3){يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}
وهذا هو العقل المستفاد الذي يكتسبه الناس، وفيه قيل:" ما كسب أحد شيئا أفضل من عقل يهديه إلى هدى، أو يرده عن ردى ".
وهذا العقل هو المعني بمثل قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (1).
وكل موضع ذم الله تعالى في الكفار بعدم العقل، فهو إشارة إلى هذا النوع من العقل كقوله تعالى:{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (2).
وخلاصة ما تقدم أن العقل اسم عام لما يكون بالقوة أو بالفعل، ولما كان غريزيا وما كان منه مكتسبا.
(1) سورة العنكبوت الآية 43
(2)
سورة البقرة الآية 171
فروق لغوية في أسماء العقل:
واستكمالا لهذه المداخل اللغوية العامة، نشير فيما يلي إلى بعض أسماء العقل، وما يفرقها عن أصل معناه العام:
1 -
النهى (1): سمي بذلك لأنه ينهى صاحبه عما لا ينبغي. وهو
(1) جمع نهية، ويستعمل بهذه الصيغة أيضا مفردا.
نهاية ما يمنح العبد من الخير المؤدي إلى صلاح الدنيا والآخرة. ولذلك جعل اسما للعقل الذي انتهى من الأمور الحسية إلى معرفة الأمور المعنوية، ومن هنا أحيل أربابه إلى تدبر معاني المحسات، في قوله تعالى:{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} (1)، {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} (2){كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} (3).
ويمكن أن يقال: إنها تفيد أن الموصوف بها يصح أن ينتهى إلى رأيه.
2 -
الحجر: وأصله من الحجر، وهو المنع لأنه يحجر صاحبه ويمنعه عن ارتكاب ما نهي عنه، وعلى ذلك قوله تعالى:{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} (4).
3 -
الحجى: وهو ثبات العقل، مأخوذ من قولهم: تحجي بالمكان، إذا أقام فيه. أو من قولهم: حجاه، أي: قطعه، ومنه: الأحجية.
وسمي بذلك لإصابة الحجة به، والاستظهار على جميع المعاني، أو لكونه قاطعا للإنسان عن القبيح.
(1) سورة طه الآية 128
(2)
سورة طه الآية 53
(3)
سورة طه الآية 54
(4)
سورة الفجر الآية 5
4 -
اللب: هو العقل الخالص من الشوائب وعوارض الشبه، وترسخ لاستفادة الحقائق من دون الفزع إلى الحواس.
ولذلك علق الله تعالى الأحكام التي لا تدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب، نحو قوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (1).
5 -
وسمي العقل كذلك قلبا، وذلك أنه لما كان القلب مبدأ تأثير الروحانيات والفضائل، سمي به. ولذلك عظم الله تعالى أمره، لاختصاصه بما قد أوجد لأجله من العلم والفقه، فقال:{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} (2){إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (3).
وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (4).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب (5)»
(1) سورة آل عمران الآية 190
(2)
سورة الشعراء الآية 88
(3)
سورة الشعراء الآية 89
(4)
سورة ق الآية 37
(5)
أخرجه البخاري في الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه وعرضه: 1/ 126، ومسلم في المساقاة، باب أخذ الحلال: 3/ 1219، 1220.
ويعبر في القرآن الكريم بالقلب عن العقل أو الجهاز الذي يقوم بالمعرفة والإدراك، قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (1).
6 -
الفؤاد: وقد تكرر ذكره في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، وقيل في معناه: إنه القلب، أو باطن القلب أو غشاؤه، ويقال له " فؤاد " باعتبار معنى التفؤد، أي التوقد. وقد جاء ذكره في سياق الحديث عن وسائل المعرفة والإدراك كحاستي السمع والبصر.
وقال سبحانه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (3). فهو وسيلة للمعرفة الإنسانية، لا يجوز تعطيلها ولا إلغاؤها أو تعليقها، كما يفعل الكفار الذين يستفيدون منها علما حقيقيا ومعرفة تقربهم إلى الله:{فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} (4).
وليس من غرضنا هنا الاستقصاء والاستيعاب، فحسبنا
(1) سورة محمد الآية 24
(2)
سورة النحل الآية 78
(3)
سورة الإسراء الآية 36
(4)
سورة الأحقاف الآية 26