الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنواع الاختلاف في الدين من حيث الرتبة:
وقد علم مما تقدم أن الاختلاف في الدين جاءت نصوص الكتاب والسنة بذمه مطلقا بدون استثناء ولكن نظرا لأن اختلاف البشر في الطبائع أمر لا ينكر كان الخلاف حتما موجودا وواقعا وهو باعتبار هذا الوقوع نوعان:
الأول: اختلاف في العقائد وما علم بالضرورة من دين الإسلام وجوبه أو تحريمه، أو كان في إطار الفروع الشرعية وأدى إلى الخصومة والتنازع والتعصب فهذا النوع من الخلاف محرم شرعا لوجوه:
أولا: لأن الحق في العقائد واحد لا يتعدد كما قال سبحانه: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} (1).
ثانيا: لأن العقائد وما علم بالضرورة من الدين ثابت بالدليل القاطع اليقيني ومثله يطلب فيه اليقين ولا يقين مع الاختلاف.
ثانيا: لتأديته للفرقة والتنازع وهو محرم فالاختلاف محرم أيضا لأنه وسيلة لهما.
رابعا: أن الفروع الحق فيها واحد، والواجب بذل الجهد في إصابته وأما التعصب للأقوال فلا يكون إلا عن هوى لا عن جد في طلب الحق المدلول عليه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما
(1) سورة يونس الآية 32
كان كذلك فهو محرم وما بني عليه وهو الاختلاف محرم.
النوع الثاني من الاختلاف: وهو ما كان المقصود منه طلب الحق المدلول عليه بالكتاب والسنة، لكن لاختلاف الناس في مداركهم وعلومهم يحصل الاختلاف مع اتفاق الكل على طلب ما شرعه الله في واقع الأمر وحقيقته مع عدم التعصب والتنازع في ذلك، فهذا النوع من الخلاف مباح وإن كان الاتفاق واجب ما أمكن إلى ذلك سبيلا لما تقدم من أن النصوص تعم بالذم الخلاف في الأصول والفروع، وإنما جاز الخلاف في الفروع للوجوه التالية:
أولا: أن مدارك الأحكام في الفروع ظنية والمجتهد متعبد بذلك؛ لأنه الأمر الذي يستطيعه قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (1) فلا يجب عليه أكثر منه؛ لأن إيجاب اليقين عليه تكليف بما لا يستطاع.
ثانيا: لاختلاف الصحابة في أمور الفروع وعدم تضليل بعضهم بعضا مما يدل على أنه مباح.
ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد (2)» فلم يخل المجتهد المخطئ من الأجر مما يدل على أنه مباح.
(1) سورة البقرة الآية 286
(2)
رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالسنة (6805)، ومسلم في الأقضية (3240).