الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترد بعض الوساوس الشيطانية والنوازع النفسية للاختلاف، لكن كمال العلم بدين الله في هذه العصور كان يقطع حبل الاختلاف، قال صلى الله عليه وسلم:«إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب لكن رضي بالتحريش بينكم (1)» ثم نبتت في أوائل المائة الرابعة نبتة لم تعرف الإسلام على أصوله، إما لعدم كمال علمها وإما لفساد طويتها، أو لتأثرها بالدخيل من أفكار الأمم الأخرى سواء ممن أسلم، أو ممن لم يزل على الكفر باطنا وتوج هذا حقد أعداء الإسلام والمسلمين الذين يتربصون بالأمة الإسلامية الدوائر.
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/ 126).
نشأة الفرق في الأمة المحمدية:
هذا وأول نشأة الاختلاف بين طوائف الأمة المحمدية كانت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه حيث حدثت بدعة الخوارج والتشيع نتيجة لمقتله رضي الله عنه، وبعد تحكيم الحكمين في موقعة صفين، لكن لم يكن للشيعة آنذاك جماعة ولا إمام ولا دار، ولا سيف يقاتلون به المسلمين، وإنما كانت الشوكة والقوة للخوارج، حيث كان لهم إمام وجماعة ودار، سموها: دار الهجرة، وحكموا على غيرهم من المسلمين بأنهم دار كفر وحرب، ويجمع الطائفتين تكفير ولاة المسلمين، وجمهور الخوارج يكفرون عثمان وعليا ومن تولاهما، والرافضة يلعنون أبا بكر وعمر وعثمان ومن تولاهم، لكن كان فساد الخوارج ظاهرا، لاستحلالهم سفك الدماء، وأخذ الأموال، والخروج بالسيف، بل وفعلوا ما اقتضاه اعتقادهم هذا، فقتلوا عبد الله بن
الحباب، وأغاروا على سرح المسلمين؛ ولذا قاتلهم علي رضي الله عنه وعلم بالشاهدة أنهم الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يتجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فيهم رجل مخدج اليد عليها بضع شعرات (1)» ، وفي رواية:«يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان (2)» .
وأما الشيعة فكانوا مختفين لا يظهرون لعلي وشيعته وهم ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: هي المؤلهة التي ألهت عليا فأحرقهم بالنار.
والطائفة الثانية: السابة وقد بلغ عليا أن ابن سبأ يسب أبا بكر وعمر فطلبه.
والطائفة الثالثة: المفضلة الذين يفضلون عليا على أبي بكر وعمر وقد تواتر عن علي رضي الله عنه أنه قال: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر)، ولم تكن الشيعة الأولى تنازع في أفضلية أبي بكر وعمر على علي رضي الله عنهم، وإنما كانوا يفضلون عليا على عثمان؛ لذا كان شريك بن عبد الله يقول: إن
(1) رواه مسلم، كتاب رقم (50) حديث رقم (65 - 66) طبعة محمد فؤاد عبد الباقي.
(2)
رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ج 2 ص 441 وبعدها رقم الحديث 910، 912، 913، 914 وإسناده صحيح وأصله متفق عليه. انظر: اللؤلؤ والمرجان ج 1 ص 232 - 235 رقم (641، 642، 643، 644).
أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر، فقيل له، تقول هذا وأنت من الشيعة؟ فقال: كل الشيعة كانوا على هذا، وهو الذي قال هذا على أعواد منبره، أفتكذبه فيما قال؟.
وفي أواخر عهد الصحابة حدثت بدعة القدرية، وأصل بدعتهم عدم تصورهم التوفيق بين قدر الله وأمره ونهيه، ولما سمع بهم ابن عمر قال:(أخبر أولئك أني بريء منهم وأنهم مني براء والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر) فلما كثر الخوض فيه انقسم الناس إلى جمهور مؤمنين بالقدر السابق والكتابة المتقدمة وغير الجمهور وهم القدرية.
ثم حدثت بدعة المعتزلة قبيل موت الحسن حيث اعتزل واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد أصحاب الحسن البصري لما خالفوهم في القدر وأصحاب الكبائر ونحوهما من أصولهم فقال قتادة: أولئك المعتزلة، فصارت سمة لهم، ثم حدثت بدعة المرجئة وتكلموا في الإيمان وعدم دخول الأعمال في مسماه وحرمة الاستثناء ونحو ذلك، ثم حدثت بدعة الجهمية الجامعة لمجمل ضلالات من تقدم من نفي القدر ونفي الصفات والإرجاء ونحوها وليس هذا الترتيب ترتيبا زمنيا ولكن بعض العلماء قد جرى على هذا الترتيب وإنما ختمت بالجهمية لأنها أغلط هذه البدع.