الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله استجاب لهم هذا الدعاء وقال: قد فعلت وإنهم لم يقرءوا بحرف منها إلا أعطوه (1)» ، ومما يدل على صحة هذا القول كون ذلك هو وسعه وطاقته والله لم يكلفنا ما لا نطيق، قال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) وهو داخل في مسمى رفع الحرج كما في قوله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3) وهو من يسر الدين كما قال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (4) ووجه دلالة هذه الآيات أن للقلوب قدرة في باب العلم والاعتقاد العلمي، وفي باب الإرادة والقصد وفي الحركة البدنية، وأيضا فالخطأ والنسيان هو من باب العلم يكون إما مع تعذر العلم عليه، أو تعسره عليه (5).
(1) الاستقامة 1/ 26.
(2)
سورة البقرة الآية 286
(3)
سورة الحج الآية 78
(4)
سورة البقرة الآية 185
(5)
الاستقامة (1/ 28).
أسباب الاختلاف في الدين:
ويمكن أن نتلمس أسباب الخلاف من خلال نصوص الكتاب والسنة وهي كما يلي (1):
أولا: بغي الخلق بعضهم على بعض وظلمهم لبعضهم كما
(1) انظر: خلاف الأمة في العبادات من مجموع من هدي المدرسة السلفية (111 - 116).
قال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (1) وقال عز وجل: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (2) فحب العلو في الأرض وتسلط الخلق بعضهم على بعض هو من أعظم أسباب الخلاف، ولذا فقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه ومن الوقوع فيه فقال:«لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض (3)» .
فاستحلال الدماء من أخطر النتائج التي تترتب على الظلم والبغي، ولذا فقد شرع الله ما يمنع البغي والظلم من الإصلاح فقال سبحانه:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (4) وأوجب على الأمة المحمدية رد الظلم فقال سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (5) فأمر بالعدل الذي هو ضد الظلم والبغي.
ثانيا: اتباع الهوى الذي يتضمن اتباع ما تهواه النفوس والطبائع وترك ما يأمر به الشرع من العدل والإحسان كما قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (6) فجمع السبل لكثرتها ووحد
(1) سورة آل عمران الآية 19
(2)
سورة الجاثية الآية 17
(3)
رواه البخاري كتاب العلم الحديث رقم (41).
(4)
سورة الحجرات الآية 10
(5)
سورة الحجرات الآية 9
(6)
سورة الأنعام الآية 153
سبيله لأنه واحد كما قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} (1) واتباع الهوى من أكبر الأسباب في رد الحق والتكبر عليه والإقامة على الباطل والتشبث به كما قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} (2).
وقال أبو العالية: (وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء)، ومن هنا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتباعه فقال:«لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به (3)» .
ثالثا: اتباع وساوس الشيطان والشيطان عدو لبني آدم كما أخبر الله بذلك بقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (4) وهو لا يألوا جهدا في إضلالهم كما قال سبحانه: {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} (5)، وقال تعالى:{وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} (6)، وحذرنا الله من اتباع طرقه ووساوسه فقال:{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (7) وأوضح لنا أن التفرق والاختلاف ما هو إلا حبيلة من
(1) سورة الأنعام الآية 153
(2)
سورة الجاثية الآية 23
(3)
رواه النووي في كتاب الأربعين النووية وقال حديث حسن صحيح، انظر: جامع العلوم والحكم طبعة الحلبي ص (338) الحديث الحادي والأربعون وأشار ابن رجب لانقطاع سنده فهو ضعيف. قلت: لكن الأمة أجمعت على صحة معناه وعلى العمل بمضمونه والأدلة من الكتاب والسنة تدل على معناه وهي لا تحصى.
(4)
سورة فاطر الآية 6
(5)
سورة القصص الآية 15
(6)
سورة النساء الآية 60
(7)
سورة البقرة الآية 208
حبائله قال تعال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (1)، وقال صلى الله عليه وسلم:«إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم (2)» .
رابعا: اتباع المتشابه: وهو ما لا يعلم معناه إلا الله، وترك المحكم الواضح البين، فقد روى الآجري بسنده عن سعيد بن جبير في قوله عز وجل:{وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (3)، قال: أما المتشابهات فهي: آي في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرءوهن، من أجل ذلك يضل من ضل ممن يدعي هذه الكلمة، كل فرقة يقرءون آيات من القرآن ويزعمون أنها لهم أصابوا بها الهدى.
وقد حذر الله هذه الأمة من اتباع المتشابهات، فقال تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (4).
وسبيل أهل الحق: الإيمان بالمتشابه ورده إلى المحكم، فقد روى الآجري بسنده عن ابن عباس قال عن الخوارج:(يؤمنون بمحكمه ويضلون عند متشابهه وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به).
(1) سورة المائدة الآية 91
(2)
رواه أحمد في مسنده برقم (14288)، ورواه الترمذي في:(البر والصلة) برقم (1860).
(3)
سورة آل عمران الآية 7
(4)
سورة آل عمران الآية 7
ضلالة في النار (1)»، وقال صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2)» .
والناظر في أكثر ما جرى من الانقسام في جسم الأمة المحمدية من هذا القبيل إذ كل من انتحل بدعة وانضم إليه آخرون عليها، أنشأ فرقة من الفرق فزاد الشقة والفرقة في الأمة المحمدية كالمعتزلة والأشاعرة والقاديانية والبهائية وغيرها.
ثامنا: الغلو في الدين كما قال سبحانه: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (3)، وقال صلى الله عليه وسلم:«إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين (4)» حديث صحيح.
تاسعا: متابعة الأمم السابقة من اليهود والنصارى وسواهم، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه (5)» .
(1) سنن أبي داود، كتاب (39) السنة باب (5).
(2)
متفق عليه، صحيح البخاري كتاب الصلح، باب (5)، صحيح مسلم الأقضية (30) حديث 17.
(3)
سورة النساء الآية 171
(4)
رواه الإمام أحمد في مسنده (1 - 215)، وابن ماجه، كتاب المناسك 25 حديث (29 - 30).
(5)
سنن الترمذي، كتاب الفتن باب (18)، سنن ابن ماجه، كتاب الفتن باب (17) وفي الجهاد باب (40).
وروى الترمذي بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلا بمثل حذو النعل بالنعل وإن بني إسرائيل تفرقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا ملة واحدة، قيل من هي يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: ما أنا عليه اليوم وأصحابي (1)» ، وروي أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتأخذن أمتي مأخذ الأمم والقرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع، قيل يا رسول الله كما فعلت فارس والروم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن الناس إلا أولئك (2)» .
وروي أيضا عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم حذو القذة بالقذة (3)» .
قال الآجري: (من تصفح أمر هذه الأمة من عالم عاقل، علم أن أكثرهم والعام منهم تجري أمورهم على سنن أهل الكتابين)(4).
عاشرا: الثقافات الوافدة نتيجة لترجمة علوم الأمم الأخرى
(1) سنن الترمذي، كتاب الإيمان (38)، باب (18) باب افتراق هذه الأمة.
(2)
رواه البخاري، كتاب:(الاعتصام بالسنة) برقم (7319).
(3)
الشريعة للآجري ص (19).
(4)
الشريعة للآجري ص (20).
كاليونانية والهندية وهي ثقافات وثنية وقد بدأت ترجمتها في أواخر عهد بني أمية في المائة الثانية من الهجرة حيث كان خالد بن يزيد بن معاوية شغوفا بعلوم الأوائل وفلسفتهم ثم زادت حركة الترجمة- بعد توقف- في خلافة المأمون حيث أرسل لملوك البلدان من يجلب ما عندهم من مخطوطات العلوم والفنون فجلبوا له كتب الفلسفة التي اتفقوا على جلبها إلى العالم الإسلامي حتى يفسدوا عليه عقائده ويولدوا الفرقة فيه من داخله وهو نتيجة طبيعية لتلك المناظرات الفلسفية والمعارضات العقدية.
حادي عشر: كيد أعداء الإسلام والذين أظهروا الإسلام قصدا لفت قوته وتقويض دولته وزرع الخلافات بين أهله واتخذوا من الحركات الباطنية والسرية طريقا لنشر أباطيلهم ولقد كان لبعضهم من المكانة والمنزلة ما يسر له ذلك مثل ابن المقفع المجوسي والبرامكة عباد النار ممن كانت لهم صولة وجولة في أيام غيبة الوعي الإسلامي ومن أعظمهم أثرا وأكثرهم خطرا الوزير ابن العلقمي الرافضي والباطني والنصير الطوسي اللذان عن طريقهما قضي على حضارة الإسلام في المشرق عندما هيئوا للتتار طريق الدخول على المسلمين وتحطيم دولتهم والقضاء على معارفهم، كما أن للدول التي نشأت على أنقاض الخلافة الإسلامية كدولة الفاطميين والإسماعيليين والدولة الطولونية والحمدانية الشيعيتين، وغيرهما كالدولة الصفوية أثر كبير في القضاء على وحدة الأمة الإسلامية مما أحالها بعد الاجتماع إلى دويلات متفرقات ذات مشارب بعيدة كل البعد عن الإسلام الحق مما كان سببا في نشر
الفرقة بين المسلمين.
ثاني عشر: التأويل الذي به استحلت الأموال والأنفس والفروج وغير وجه الدين عن طريق التأويل الباطني والصوفي والكلامي.
ثالث عشر: الجدل والخصومة في الدين.
رابع عشر: العصبية للآراء والمذاهب.
هذا والدارس لأحوال الفرق التي نشأت في إطار الأمة الإسلامية يجد أن أسباب الخلاف العقدي الجزئية ترجع إلى الأمور التالية:
أولا: الإمامة.
ثانيا: الأسماء والصفات.
ثالثا: أسماء الدين والإسلام.
رابعا القضاء والقدر.
خامسا: الولاء والبراء.
سادسا: مصادر التلقي وموقف طوائف الأمة منها.
سابعا: الوعد والوعيد.