الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنواع المختلفين في العقائد وأحكامهم:
المختلفون في العقائد على ثلاثة أنواع:
أولا: من عرف الحق واتبعه وسلك السبل الصحيحة للوصول إليه الكتاب والسنة وإجماع السلف والعقل الصحيح والحس والفطرة المستقيمة، فهذا النوع على الجادة من دين الإسلام وهم السلف الصالح وأتباعهم والذين سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالفرقة الناجية الذين هم على ما عليه رسول الله وأصحابه، وهم الجماعة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباعهم.
ثانيا: من عرف الحق وتركه معرضا بقلبه وفعله، فلا يعتقده ولا يعمل به، وهم على مراتب بحسب ما عندهم من الباطل من بدع مفسقة، أو مكفرة وهم بذلك إما مبتدعون، أو كافرون، وهم أصحاب السبل الذين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتباعهم مفسرا بقوله تعالى:{وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (1) ويدخل في هؤلاء كل فرقة بدعية ضالة، أو فرقة خرجت عن الإسلام.
ثالثا: المجتهد المخطئ الذي بذل جهده واستفرغ وسعه وقدرته في الوصول إلى الحق لكنه وقع في الباطل أو بعضه، فهو مما اختلف فيه الناس لا سيما إذا كان ما عليه من الباطل أمرا مكفرا فقالت طائفة: إنه يحكم عليه بما اقتضته بدعته سواء من فسق أو كفر، ولا عذر له في ذلك؛ لأن باب العقائد لا بد فيه من
(1) سورة الأنعام الآية 153
القطع، وما كان كذلك فليس هو مجالا للاجتهاد، فهو مخطئ من جهة طريقه ومن جهة النتائج التي توصل إليها، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة: منها قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1){لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2) فإن هؤلاء يجهلون كون هذا الكلام كفرا ومع ذلك حكم عليهم بالكفر ومنها قوله سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (3) فاستحقوا العذاب في النار، وسبب ذلك أنهم لا يسمعون ولا يفهمون ما يقال لهم فهم جاهلون.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا تهوي به في جهنم سبعين خريفا (4)» والشاهد من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يلقي لها بالا» أي أنه جاهل بما توجبه هذه الكلمة ومع ذلك استحق ما يتعلق بها من وعيد، فجهله بما توجبه هذه الكلمة لم يكن له عذرا منجيا من الوعيد المستحق عليها.
وقالت طائفة: إن المخطئ في باب الاعتقاد معذور ولا يلزمه شيء لا في الدنيا ولا في الآخرة واستدلوا على ذلك بعدة أدلة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا
(1) سورة التوبة الآية 65
(2)
سورة التوبة الآية 66
(3)
سورة الملك الآية 10
(4)
أصله في البخاري كتاب الرقاق باب حفظ اللسان.
أخطأ فله أجر واحد (1)»، وهو عام في الفروع والأصول، فالمخطئ في الأصول معذور أسوة بالمخطئ في الفروع، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (2)» وهو عام في الفروع والأصول فليكن المخطئ في الأصول في الحكم كالمخطئ في الفروع.
ومنها حديث الرجل الذي أوصى أبناءه أنه إذا مات أن يحرقوه ظنا منه أن الله لا يقدر على إعادته وتعذيبه، فهو منكر لقدرة الله على البعث، وإنما فعل ذلك خوفا من الله، ومع ذلك أدخله الجنة وهو والحال ما ذكر مخطئ في الأصول فالمخطئ في الأصول مغفور له كالمخطئ في الفروع.
وقالت طائفة: المخطئ في الأصول تلزمه مقتضياتها في الدنيا؛ من كفر أو تبديع، وما يترتب على ذلك من حد أو تعزير واستتابة وعدم إرثه ونحو ذلك، وأما في الآخرة فأمره إلى الله، وحملوا أدلة الطائفة الأولى على الدنيا، وأدلة الطائفة الأخرى على الآخرة.
وقالت طائفة: إن كان يعلم التحريم فهو كافر، وإن لم يعلم فهو مكفر أو مفسق أو مبدع، واستدلوا بتكفير الله لمن قال: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أكبر بطونا، ولا أجبن عند اللقاء، فنزلت
(1) متفق عليه، رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالسنة 6805، ومسلم في الأقضية 3240.
(2)
رواه ابن ماجه في كتاب الطلاق برقم (2033)، ورواه الطبراني والدارقطني والحاكم بلفظ:" رفع عن أمتي. . "، وقال الطبري والبيهقي جوده بشر بن بكر، انظر تخريج أحاديث اللمع ص (149، 150).
الآية بتكفيره؛ وذلك لأنهم عالمون بحرمة ذلك ولم يكونوا يعلمون باقتضاء ذلك للكفر، وقالت طائفة لا أحكم بكفر ولا ببدعة ولا بفسق ولكن أقول هو مكفر ومفسق ومبدع؛ لأنه يعتقد أن ما عليه هو الحق وهو رأي الشيخ جمال الدين القاسمي وهو ضعيف، لأن مقتضاه أن التكفير والتفسيق والتبديع أمور سببية.
والحق: أن الشرع دل على أن لهذه الألفاظ مدلولات حقيقية وعقدية وأنه يترتب عليها من الأحكام الشرعية ما تناسبها واقعيا وهي أحكام ملزمة شرعا.
وأرجح هذه الأقوال فيما يظهر: أن المخطئ يعذر في الدنيا والآخرة ما دام قد بذل جهده في الوصول إلى الحق ولم يقصر في ذلك، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:(وإذا كان كذلك فما عجز الإنسان عن عمله واعتقاده حتى يعتقد ويقول ضده خطأ أو نسيانا فذلك مغفور له)(1)، وقال: ومن هذا الباب (2). ما هو من باب التأويل والاجتهاد الذي يكون الإنسان مستفرغا فيه وسعه علما وعملا ثم الإنسان (3). قد يبلغ ذلك ولا يعرف الحق في المسائل الخبرية الاعتقادية وفي المسائل العملية الاقتصادية (4)، والله سبحانه قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان بقوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (5).
(1) الاستقامة 1/ 28.
(2)
أي الاختلاف كما يدل عليه ما قبله
(3)
أي الاجتهاد
(4)
الاقتصادية: أي يطلب الاقتصار على ما ورد به الشرع.
(5)
سورة البقرة الآية 286