الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه وهو يكون في الأصول والفروع، وهذا لا يكون إلا على قول جمهور العلماء من أن المصيب في الكل واحد وهو الراجح، وأما على قول من يقول كل مجتهد مصيب فهو عنده من قبيل اختلاف التنوع، وهذا النوع من الاختلاف أي التضاد هو أكثر أنواع الاختلاف وأعظمها خطرا؛ وذلك كالاختلاف في القدر والصفات والصحابة ونحو ذلك في باب الأصول والاختلاف بالتبديع وعدمه في باب الفروع، هذا وقد جاءت السنة بإقرار اختلاف التنوع كما في إقراره صلى الله عليه وسلم للصحابة على اجتهادهم في فهم قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة (1)» فمنهم من أخرها أخذا بهذا الحديث ومنهم من أخذ بأحاديث الوقت مخصصا لهذا الحديث.
وجاءت السنة بذم اختلاف التضاد كما في حديث عبد الله بن رباح الأنصاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب (2)» .
(1) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب (64) باب (29) طبعة استانبول، ومسلم كتاب (5) الحديث رقم 209.
(2)
رواه مسلم، كتاب العلم الحديث (2)، وأحمد في مسنده (1/ 401، 421).
نشأة الخلاف العقدي:
خلق الله الإنسان على الفطرة السوية موحدا لله ومؤمنا بربوبيته وألوهيته واتصافه بصفات الجمال والجلال قال صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (1)» .
(1) متفق عليه، البخاري كتاب (23) باب (80)، (93) طبعة استنبول، ومسلم كتاب (46) حديث (22 - 25) طبعة محمد عبد الباقي.
فذكر أنواع الانحرافات العقدية وأشار إلى أثر البيئة والتربية الاجتماعية في اتجاه الإنسان إلى الفطرة، أو الانحراف عنها ولم يجعل الإسلام منها مما يدل على أنه الفطرة قال تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (1) وأنزل الكتب وأرسل الرسل وجعلهما ميزانا للحق ومصدرا له كما قال سبحانه: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (2).
وقد جاء الرسل بتكميل هذه الفطرة وتتميمها وتنميتها وإزالة غشاوة الباطل عنها كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3).
فكان الناس على دين الله منذ خلقهم حتى حدث الشرك في قوم نوح عليه السلام، وتقدر هذه المدة بعشرة قرون ومن ذلك الوقت والناس قد انقسموا إلى مؤمن وكافر وموحد ومشرك، ولم تزل الرسالات السماوية تنزل لتكشف لوثة الباطل وتظهر الحق وتعلي دياره قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (4) وكان حظ العرب من التوحيد ما أتاهم به نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل الذي تزوج من جرهم
(1) سورة الروم الآية 30
(2)
سورة البقرة الآية 213
(3)
سورة النحل الآية 36
(4)
سورة الصف الآية 9
وعاش في مكة وبنى البيت الحرام (الكعبة) مع أبيه خليل الرحمن إبراهيم عليهما السلام، ولم تزل العرب على ذلك حتى جاء عمرو بن لحي الكلاعي، وكان زعيم أهل مكة آنذاك فجاء بالأصنام من البلقان ومن الشام واستخرج أصنام قوم نوح التي طمرها الطوفان، بسبب تلك الرؤيا المشئومة التي أراها إياه الشيطان حيث أعلمه بمواقع تلك الأصنام، فنصبها على الكعبة وأمر العرب بتعظيمها فعظمت، وبدأ ينتشر الشرك عن طريق الواردين على مكة الذين حملوا الأصنام إلى أقوامهم، وبعد ذلك أذن الله ببزوغ نجم الإسلام وظهوره على يد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وانتشر الإسلام في أنحاء المعمورة على أيدي أصحابه الكرام رضي الله عنهم، ولم يكونوا يعرفون إلا الآيات المحكمات والأحاديث البينات أخذا بقوله سبحانه وتعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (1) فكان أي اختلاف ينتهي بالاتفاق، وكانت أصول الدين عندهم بالمحل الأعظم مما لم يدع مجالا للاختلاف فيها بل كانوا عليها متفقين لوضوحها عندهم ولكمال فهمهم إياها، وهكذا مضى عصر الصحابة، ثم كان التابعون لهم بإحسان مقتفين (2) لآثار الأصحاب مقتدين بهم ومضى عصرهم على ما مضى عليه عصر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ومضى عصر تابعي التابعين على ما عليه القوم قبلهم أيضا ولا يعني ذلك أنه لم
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
انظر الاعتقاد للبيهقي ص (234)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1 - 16) وما بعدها.