الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقصر الصلاة وهو مقيم في فندقه أو مقر إقامته، وهل له الفطر في رمضان؟ نرجو الإجابة (1) .
ج: ليس لأحد أن يقصر الصلاة أو يفطر وهو مقيم إلا إذا كان مريضا يشق عليه الصوم أو مسافرا في أثناء سفره. أما من أراد السفر وهو في بلده فليس له أن يقصر حتى يسافر ويغادر عامر البلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا لم يقصر حتى يغادر المدينة وليس لأحد أن يصلي وحده سواء كان مسافرا أو مقيما في محل تقام فيه الجماعة، بل عليه أن يصلي مع الناس ويتم معهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (2) » أخرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناده على شرط مسلم. وقد قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ فقال: خوف أو مرض.
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2)
سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .
(3)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .
وقال عليه الصلاة والسلام: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (1) » متفق على صحته.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض ولقد كان الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف (2) أخرجه مسلم في صحيحه.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على كل مسلم مسافر أو مقيم أن يصلي في الجماعة، وأن يحذر الصلاة وحده إذا كان يسمع النداء للصلاة. والله ولي التوفيق.
(1) رواه البخاري في (الأحكام) برقم (6683) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1040) .
(2)
رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1046) .
س: هناك مكان نعمل فيه ويوجد به عدد من الناس يقيمون صلاة الجماعة لكني لا أكون معهم للأسباب الآتية:
أولا: أنهم يجمعون صلاة الظهر والعصر دائما بدون سبب وأيضا المغرب والعشاء ولا يمسكون بأيديهم أسفل الصدر، فهل تصح الصلاة معهم؟ وجهونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: ليس للمسلم أن يجمع بين الصلاتين في الحضر من دون علة كالمرض، أو الاستحاضة للمرأة، بل يجب أن تصلى كل صلاة لوقتها الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، والمغرب في وقتها، والعشاء في وقتها، ولا يجوز الجمع بين الصلاتين من دون علة شرعية، وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى في المدينة ثمانيا جميعا وسبعا جميعا يعني الظهر والعصر والمغرب والعشاء فهذا عند أهل العلم لعلة قال بعضهم: إنه كان هناك وباء (أي مرض عام) شق على المسلمين فجمع بهم عليه الصلاة والسلام، ولم يحفظ عنه ذلك إلا مرة واحدة عليه الصلاة والسلام للعذر المذكور، لم يحفظ أنه كان يفعل هذا دائما أو مرات متعددة، إنما جاء هذا مرة واحدة عن ابن عباس
(1) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (19) .
رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وقال آخرون: إن الجمع صوري وليس بحقيقي وإنما صلى الظهر في وقتها في آخره، والعصر في أوله، والمغرب في آخره، والعشاء في أوله، وهذا رواه النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه صلى الظهر في آخر وقتها وقدم العصر، وصلى المغرب في آخر وقتها وقدم العشاء فسمي جمعا والحقيقة أنه صلى كل صلاة في وقتها.
وهذا جمع منصوص عليه في الرواية الصحيحة عن ابن عباس فيتعين القول به، وأنه جمع صوري. فلا ينبغي لأحد أن يحتج بذلك على الجمع من غير عذر.
أما أنت أيها السائل فلك أن تصلي معهم الظهر والمغرب في وقتها، فقط وليس لك أن تصلي معهم العصر والعشاء، بل عليك أن تؤخرها إلى وقتها.
حكم الجمع والقصر للوحدات
العسكرية في الخطوط الأمامية
(1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى حضرة الأخ المكرم مدير إدارة الشئون الدينية للقوات البرية وفقه الله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فجوابا لكتابكم المتضمن طلب إيضاح الحكم الشرعي في كيفية صلاة الموجودين من الوحدات العسكرية في الخطوط الأمامية.
وأفيدكم أنه إذا كان المذكورون في محل إقامتهم لم يسافروا فعليهم صلاة الجمعة وإتمام الصلاة الرباعية أربعا، أما إن كانوا مسافرين إلى محل المرابطة فليس عليهم جمعة ولهم القصر والجمع؛ لأن مدتهم لا يدرى متى تنتهي. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
(1) صدر من مكتب سماحته برقم 514 \ 1 في 19 \ 2 \ 1411 هـ.
جمع وقصر الصلاة للحاج
(1)
س: هل قصر الصلاة لأهل مكة في المشاعر خاص بالحجاج فقط أم يشمل حتى الباعة منهم وغيرهم ممن يوجدون في المشاعر من غير حج؟
ج: المشهور عند العلماء أن هذا القصر خاص بالحجاج من أهل مكة فقط على قول من أجازه لهم.
أما الجمهور فيرون أن أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون لأنهم غير مسافرين وعليهم أن يتموا كلهم ويصلوا الصلاة في أوقاتها.
ولكن من أجازه للحجاج فهو خاص بالحجاج فقط من أهل مكة وهو الأصح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالإتمام.
أما الباعة ونحوهم ممن لم يقصد الحج فإنه يتم ولا يجمع كسائر سكان مكة.
(1) نشر في (مجلة الدعوة) ، العدد (1394) بتاريخ 27 \ 12 \ 1413 هـ.
س: هل صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا في عرفة أمر واجب، أم يجوز أن أصليهما في وقت كل منهما كاملتين؟ (1)
ج: صلاة الظهر والعصر يوم عرفات للحجاج جمعا وقصرا في وادي عرنة غرب عرفات بأذان واحد وإقامتين سنة مؤكدة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ولا ينبغي للمؤمن أن يخالف السنة لكن ليس ذلك بواجب عند أهل العلم بل سنة مؤكدة، فإن المسافر لو أتم صحت صلاته لكن القصر متأكد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله وقال:«خذوا عني مناسككم (2) » .
فلا ينبغي له أن يخالف السنة بل يصلي مع الناس قصرا وجمعا جمع تقديم، ثم يتوجه إلى محل الوقوف في نفس عرفة، ولو صلاهما في عرفة ولم يصل في وادي عرنة فلا بأس حذرا من المشقة فإن الناس في هذه العصور يحتاجون للتخلص من الزحام بكل وسيلة مباحة.
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (56) .
(2)
سنن النسائي مناسك الحج (3062) .
س: هل يجوز للحجاج في منى يوم التروية، وأيام التشريق الجمع كما جاز لهم القصر، ومن جمع، فهل جمعه صحيح؟ (1)
(1) من ضمن أسئلة قدمها الشيخ ع. م. إلى سماحته، حيث أجابه عليها سماحته بخطاب في 7 \ 2 \ 1414 هـ.
ج: لا أعلم مانعا من جواز الجمع؛ لأنه إذا جاز القصر فجواز الجمع من باب أولى؛ لأن أسبابه كثيرة بخلاف القصر، فليس له سبب إلا السفر. ولكن تركه أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في منى لا في يوم التروية ولا في أيام التشريق، وللمسلمين فيه صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة.
س: هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في سفره المقيم فيه، مثل إقامته في مكة ينتظر الحج، وإقامته في مكة زمن فتح مكة، وإقامته في تبوك؟
ج: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جمع في غزوة تبوك وهو مقيم، رواه مسلم من حديث معاذ رضي الله عنه.
أما إقامته في مكة في يوم الفتح وفي حجة الوداع، فلم أر شيئا صريحا في ذلك، ولكن بعض الأحاديث يقتضي ظاهرها أنه كان يجمع في الأبطح في حجة الوداع، لكن ذلك ليس بصريح، وتركه أفضل كما في منى. والله ولي التوفيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
صلاة الجمعة
صفحة فارغة
مكانة الجمعة في الإسلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
فإن الجمعة يسعى إليها بالخشوع والطمأنينة والوقار لحضور هذا الخير والمشاركة فيه من الصلاة والذكر، وسماع ما ينفعك في أمر دينك ودنياك؛ لقول الله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1)
ثم بعد ذلك أمر سبحانه بما ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة، فقال:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (2) أي اطلبوا الرزق والتمسوا الخير {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3) حتى لا تشغلكم أنواع البيع
(1) سورة الجمعة الآية 9
(2)
سورة الجمعة الآية 10
(3)
سورة الجمعة الآية 10
والشراء، وأنواع الملذات، وأنواع الحاجات العاجلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى وعن أسباب الفلاح، فالفلاح في ذكر الله، والقيام بأمر الله، فلا ينبغي أن تطغى حاجات البدن على حاجات القلب والروح، ولا تطغى حاجات القلب والروح على حاجات البدن والدنيا. بل يراعى هذا وهذا، فالمسلمون يقومون بهذا وهذا؛ تارة لأمور دنياهم وحاجاتهم، فهذا يعمل في الزراعة في مزرعته، والآخر في دكانه ومتجره، والثالث في حاجات أخرى وأعمال أخرى مما أباح الله عز وجل، حتى يشترك الجميع في أنواع المشاريع الخيرية والأعمال المباحة النافعة، حتى يواسي الفقير وحتى يحسن إلى الناس.
وإذا جاءت الأوقات التي أوجب الله على الإنسان فيها شيئا بادر إلى طاعة الله وأداء ما أوجب الله عليه فلا تشغله حاجات عن حاجات، بل يعطي كل مقام ما يليق به ويعطي كل حاجة ما يناسبها، فهو حافظ لوقته مؤد لما أوجب الله عليه، طالب للرزق، ساع في أرض الله لطلب الحلال، ومعلوم أن الصلاة هي عمود الإسلام والركن الثاني من أركانه. لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة (1) » .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج
(1) سنن الترمذي الإيمان (2616) ، سنن ابن ماجه الفتن (3973) .
البيت (1) » . متفق على صحته.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوما فضل الصلاة فقال: «من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف (2) » .
وهذا الحديث الصحيح يعم صلاة الجمعة وغيرها من الصلوات الخمس، وفيه الوعد العظيم لمن حفظها واستقام عليها بأن تكون له نورا في الدنيا والآخرة وبرهانا ونجاة يوم القيامة، مع الوعيد الشديد لمن لم يحافظ عليها بأنه لا يكون له نور ولا برهان ولا نجاة ويحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، وهذا يعم الصلوات الخمس بوجه عام وصلاة الجمعة بوجه خاص، ويعم أداءها في وقتها كما شرع الله، وفي الجماعة مع المسلمين.
وقال بعض أهل العلم: إنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حشر مضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة الذين هم من دعاة الكفر والضلال ومن أئمة الكفر تحذيرا من هذا الأمر، وتنفيرا منه حتى لا يتشبه المسلم بهؤلاء الكفرة لأنه إذا ضيعها بسبب
(1) صحيح البخاري الإيمان (8) ، صحيح مسلم الإيمان (16) ، سنن الترمذي الإيمان (2609) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5001) ، مسند أحمد بن حنبل (2/26) .
(2)
رواه أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (6288) ، والدارمي في (الرقائق) برقم (2605) .
الرياسة والملك فقد شابه فرعون - والعياذ بالله - الذي غره ملكه ورياسته حتى طغى وبغى، وقال: أنا ربكم الأعلى، فصار إلى النار، فلا ينبغي للمؤمن أن يتشبه بهذا الرئيس الضال الكافر فإذا تشبه به وشغل برياسته عما أوجب الله عليه حشر معه إلى النار. وإن ضيع الصلاة بسبب الوزارة والوظيفة شابه هامان وزير فرعون فيحشر معه يوم القيامة إلى النار، وإن ضيع الصلاة من أجل المال والشهوات وإرضاء النفس وملاذها شابه قارون تاجر بني إسرائيل وطاغيتهم الذي طغى وبغى وعصى موسى عليه الصلاة والسلام وتكبر فخسف الله به وبداره الأرض فمن تشبه به يحشر معه يوم القيامة، وإن شغل بالبيع والشراء، والأخذ والعطاء، والمعاملات شابه أبي بن خلف تاجر أهل مكة فيحشر معه إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.
فعلينا معشر المسلمين أن نحذر هذه المشابهة، وعلى المسلم أن يعتني بالجمعة ويبادر إليها، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين (1) » رواه مسلم في صحيحه. فإذا ختم على قلبه
(1) رواه مسلم في (الجمعة) برقم (1432) ، والنسائي في (الجمعة) برقم (1353) .
وصار من الغافلين هلك، قال تعالى:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (1) نسأل الله العافية.
فهذا يدل على أن من تساهل بأمر الله وضيع ما أوجب الله عليه فهو معرض لأن يختم على قلبه وسمعه، ولأن توضع الغشاوة على بصره فلا يهتدي إلى الحق، ولا يبصره، وبذلك يعلم أن الجمعة شأنها عظيم والتساهل بها خطير، فالواجب على أهل الإسلام أن يعتنوا بها، وأن يحافظوا عليها مع بقية الصلوات الخمس حتى يستفيدوا مما شرع الله فيها، وحتى يتذكروا ما يترتب على هذا الاجتماع من الخير العظيم: من التعارف والتواصل والتعاون على البر والتقوى وسماع العظات والخطب، والتأثر بذلك، مع ما يترتب على ذلك من الخير الكثير والأجر العظيم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزيارة بعضهم لبعض، والمناصحة والتعاون على إقامة المشاريع الخيرية والتعرف على ما قد يخفى عليهم من أمور الإسلام ولا سيما إذا اعتنى الخطباء بالخطب وأعطوها ما تستحق من الإعداد والتحضير والعناية بما يهم الناس في أمور دينهم ودنياهم كما نبه على ذلك أهل العلم، فإن الخطيب عليه
(1) سورة البقرة الآية 7
واجب عظيم: أن يعنى بالخطبة حتى يبين لإخوانه ما قد يخفى عليهم من أحكام الله، فتكون كل خطبة فيها إرشادات وتوجيهات، وفيها تعريف بالأحكام التي قد تخفى على الناس وتذكير لهم بما أوجب الله عليهم وما حرم عليهم، وتحذيرهم من كل ما نهى الله عنه إلى غير ذلك مما يحسن من الخطيب توجيههم وإرشادهم إليه ولا سيما مشاكل الوقت، وما قد يخفى عليهم من أحكامها.
والناس فيهم الجاهل، وفيهم الغافل، وفيهم المتبصر، فالمتبصر يزداد علما ويتذكر ما قد يخفى عليه، والناسي يتذكر، والجاهل يتعلم، فتكون الفائدة عامة للجميع، ومن المصائب الإعراض عن حلقات العلم وعدم الاستفادة من خطب الجمعة فيزداد الجاهل جهلا، وتستحكم على الناس الغفلة، فتمرض القلوب، وتعرض عن ذكر الله، وتصد عن الحق بسبب تراكم الذنوب عليها، فإذا أذنب المرء ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هو تاب ورجع صقلت، وإن هو استمر في الذنوب، صارت نكتة إلى نكتة، وذنبا إلى ذنب حتى يسود القلب، وحتى يعلوه الران، وهذا هو المعنى في قوله جل وعلا:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (1)
يعني: من
(1) سورة المطففين الآية 14
السيئات والمعاصي، فالإنسان إذا تساهل في المعاصي وتكاثرت على قلبه الذنوب اسود وانتكس حتى لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، فيجب الحذر من شر الذنوب، ويجب لزوم التوبة دائما، وينبغي للعبد أن يكون عنده حرص على حلقات العلم وسماع الخطب المفيدة، والمذاكرة بين الإخوان، ومطالعة الكتب النافعة إذا كان يقرأ، حتى يستفيد خيرا إلى خير، ونورا إلى نور، وعلما إلى علم، وأهم ذلك العناية بالقرآن الكريم، والإكثار من تلاوته والاستماع لمن يقرؤه؛ لأن الله سبحانه جعله نورا وهدى وشفاء للقلوب من أمراضها، كما قال سبحانه:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1) وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (2) وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقرءوا هذا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة (4) » أخرجه مسلم في صحيحه. والمعنى: أنه يشفع
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2)
سورة فصلت الآية 44
(3)
سورة ص الآية 29
(4)
رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1337) ، وأحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21186) .
لأصحابه الذين كانوا يعملون به في الدنيا كما بين ذلك عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وبأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما (1) » رواه مسلم أيضا في صحيحه. وقال عليه الصلاة والسلام: «من قرأ حرفا من القرآن فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف (2) » . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وكثير من الناس اليوم شغلوا باللذات والخروج إلى النزه حتى ضيعوا الجمعات، فحرموا من سماع ما فيها من العظات والذكرى، واستمرت الغفلة الدهر الطويل، فإن الإنسان إذا كان لا يحضر حلقات العلم، ولا يسمع الخطب، ولا يعتني بما ينقل عن أهل العلم فإنه تزداد غفلته، وربما يقسو قلبه حتى يطبع عليه، ويختم عليه فيكون من الغافلين - نعوذ بالله من ذلك - فالمؤمن يجب أن يحرص على الجمعة وعلى بقية
(1) رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1338) ، وأحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21126) .
(2)
رواه الترمذي في (فضائل القرآن) برقم (2835) .
الصلوات في الجماعة حتى يستفيد من الخطب والمحاضرات وحلقات العلم، وحتى يتأسى به غيره، وإذا كان ولا بد من النزهة في العطل والجمعة والخميس، فليحرص على أن يكون بقرب بلد فإذا جاء وقت الصلاة ذهب إليها وصلى معهم الجمعة حتى لا تفوته الجمعة وحتى لا يفوته هذا الخير العظيم.
أما ما ذكره بعض الناس عما يقع في بعض البلدان الإسلامية خارج هذه البلاد من صلاة الظهر مع الجمعة قائلين إن الجمعة إذا كانت في بلد جمعاته متعددة قد تكون غير صحيحة فينبغي الاحتياط بصلاة الظهر بعدها خشية أن تكون أقيمت على غير وجه شرعي، وهذا القول خطأ محض، وهذا العمل بدعة.
لأنه مخالف للأدلة الشرعية ولما درج عليه المسلمون في الأعصار والأمصار في أول هذه الأمة لما احتيج إلى تعدد الجمع، فلا يجوز إحداث صلاة لم يأذن بها الله سبحانه. إنما أوجب على عباده في اليوم والليلة خمس صلوات في يوم الجمعة وغيره، فلا يجوز إحداث سادسة لا في يوم الجمعة ولا في غيره؛ لأن ذلك مخالف للأدلة الشرعية ولما أجمع عليه سلف الأمة وقد قال الله سبحانه:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1) وقال النبي
(1) سورة الشورى الآية 21
صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد (1) » متفق على صحته.
وأخرجه مسلم رحمه الله بلفظ: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ، والمعنى فهو مردود عليه، والله المسئول أن يوفق المسلمين جميعا حكومات وشعوبا للفقه في الدين والاستقامة عليه والحذر مما يخالف ذلك إنه ولي ذلك والقادر عليه.
(1) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(2)
صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
أقل عدد يشترط لإقامة صلاة الجمعة
(1)
س: ما هو أقل عدد في شرط إقامة صلاة الجمعة وإقامة الخطبة؟
ج: في هذه المسألة خلاف كثير بين أهل العلم، وأصح ما قيل في ذلك: ثلاثة الإمام واثنان معه، فإذا وجد في قرية ثلاثة رجال فأكثر مكلفون أحرار مستوطنون أقاموا الجمعة ولم يصلوا ظهرا؛ لأن الأدلة الدالة على شرعية صلاة الجمعة وفرضيتها تعمهم.
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (66) .
س: قرأت في بعض الكتب أن من شروط إقامة الجمعة وجود أربعين ممن تجب عليهم الصلاة. وسبق أن نشر في الدعوة فتوى لسماحتكم أنها تقام في اثنين مع الإمام فكيف نجمع بين هذين الأمرين (1) ؟
ج: اشتراط الأربعين لإقامة صلاة الجمعة قال به جماعة من أهل العلم، منهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، والقول الأرجح جواز إقامتها بأقل من أربعين وأقل الواجب ثلاثة كما تقدم في الفتوى في جواب السؤال الذي قبل هذا، لعدم الدليل على اشتراط الأربعين. والحديث الوارد في اشتراط الأربعين ضعيف كما أوضح ذلك الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام.
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (66) .
س: نحن نعمل بمنطقة جبلية وليس فيها مساجد، والمساجد القريبة يصعب الوصول إليها لظروف عملنا، ونحن جماعة قليلون، فكم عدد المصلين الذين تصح بهم صلاة الجمعة؟ (1)
ج: الواجب عليكم السعي إلى الجمعة؛ لأنكم تسمعون
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (16) .
النداء وتستطيعون الإجابة على الأقدام أو بالسيارة؛ لأن الجمعة جامعة تجمع أهل القرية، وتجمع أهل المحل، فالواجب عليكم السعي إليها والصلاة مع المسلمين في القرية التي أنتم فيها، وليس لكم الترخص وأن تقيموا جمعة وحدكم إلا إذا كانت المسافة بعيدة، فعليكم أن تستفتوا وتقدموا إلى دار الإفتاء إذا كنتم في المملكة، ودار الإفتاء تنظر في الأمر وتكتب إلى المحكمة في طرفكم حتى تعرف الحقيقة ثم تصدر الفتوى في ذلك، لكن مهما أمكن المؤمن أن يسعى إلى الجمعة ويشارك إخوانه في الجمعة فهذا هو الخير العظيم، وله في خطواته أجر كبير وحط سيئات، فينبغي له أن يشارك في الخير وأن يحرص على الجمعة ولو بعدت لكثرة الأجر ولاجتماعه مع إخوانه وتكثير سوادهم واطلاعه على أحوالهم والتعرف عليهم حتى يتعاون الجميع على البر والتقوى ويتساعد الجميع على ما فيه الخير، فإذا كان هناك مشقة بينة فلا مانع من الإرسال للاستفتاء من دار الإفتاء لتنظر في الأمر إن شاء الله.
الجمعة تدرك بركعة
(1)
س: سائل يقول: إذا جاء شخص إلى المسجد يوم الجمعة ووجد الصلاة قد قضيت ووجد رجلا بقيت عليه ركعة فهل يكمل هذه الركعة ظهرا أم جمعة، ولو انضم إليه شخص آخر بعد أن قضى ركعة، فهل أيضا يكملها ظهرا أم يكملها جمعة؟
ج: الواجب أن يكملها ظهرا لأن الجمعة فاتت، وإنما تدرك بركعة واحدة إذا أدرك الركعة الثانية مع الإمام صلاها جمعة.
أما إذا لم يأت إلا بعد السلام أو جاء بعد الركعة الثانية في التشهد أو في حال السجود في الركعة الثانية فإنه لا يصليها جمعة ولكن يصليها ظهرا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته (2) » فمفهومه أنه إذا ما أدرك إلا أقل من ركعة فإنه لا
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2)
رواه الترمذي في (الجمعة) برقم (482) في باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة، والنسائي في (المواقيت) برقم (554) ، وفي (الجمعة) برقم (1408) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) برقم (1113) .
يكون مدركا للجمعة ولكنه يصلي ظهرا، هذا هو المشروع.
وإذا أدرك إنسانا يقضي فصلى معه فليصلها ظهرا ولا يصلي جمعة، ويلاحظ في هذا أيضا أن يكون بعد الزوال، أما إذا كانت الجمعة قد صليت قبل الزوال فإنه لا يصلي الظهر إلا بعد الزوال؛ لأن الجمعة يجوز أن تصلى قبل الزوال في الساعة السادسة على الصحيح من قولي العلماء، ولكن الأفضل والأحوط أن تصلى بعد الزوال كما هو قول جمهور العلماء، أما الظهر فلا يجوز أن تصلى إلا بعد الزوال بإجماع المسلمين. والله ولي التوفيق.
س: إذا دخلت المسجد والإمام يصلي الجمعة وهو جالس للتشهد هل أصليها جمعة أم ظهرا؟ (1)
ج: إذا لم يدرك المسبوق من صلاة الجمعة إلا السجود أو التشهد، فإنه يصلي ظهرا ولا يصلي جمعة؛ لأن الصلاة إنما تدرك بركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (2) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى وقد
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (134) .
(2)
رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (546) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (954) واللفظ متفق عليه.
تمت صلاته (1) » .
فعلم بهذين الحديثين أن من لم يدرك ركعة من الجمعة فاتته الجمعة وعليه أن يصلي ظهرا. والله ولي التوفيق.
(1) سنن الترمذي الجمعة (524) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1122) .
من لم يتمكن من إكمال متابعة
الإمام في الجمعة بسبب انقطاع الكهرباء
(1)
س: صلى جماعة في قبو مسجد (الطابق الأرضي) صلاة الجمعة، وأثناء الصلاة انقطع التيار الكهربائي، وأصبح المأمومون لا يسمعون الإمام، فتقدم أحد المأمومين وأكمل بهم الصلاة. فما حكم صلاة هؤلاء علما أنه أكمل بهم الصلاة على أنها جمعة؟ وما الحكم فيما لو لم يتقدم أحد، هل يكمل كل فرد منهم صلاته وحده؟ وإذا كان يجوز ذلك هل يكملها على أنها ظهر أو على أنها جمعة، حيث إنه استمع إلى الخطيب وافتتح الصلاة مع الإمام وصلى معه ركعة؟
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل، فصلاة الجميع صحيحة؛ لأن من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة كما
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (135) .
جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو لم يتقدم لهم أحد فصلى كل واحد بنفسه الركعة الأخيرة أجزأه ذلك، كالمسبوق بركعة يصلي مع الإمام ما أدرك ثم يقضي الركعة الثانية لنفسه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (1) » . والله ولي التوفيق.
(1) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (580) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (607) ، سنن الترمذي الجمعة (524) ، سنن النسائي المواقيت (553) ، سنن أبو داود الصلاة (893) ، سنن ابن ماجه الصلاة (699) ، مسند أحمد بن حنبل (2/459) ، موطأ مالك وقوت الصلاة (15) ، سنن الدارمي الصلاة (1222) .
من فاتته صلاة الجمعة صلاها ظهرا
(1)
س: إذا لم أصل الجمعة مع الجماعة في المسجد هل أصليها في البيت ركعتين بنية الجمعة أم أصلي أربع ركعات بنية الظهر؟
ج: من لم يحضر صلاة الجمعة مع المسلمين لعذر شرعي من مرض أو غيره أو لأسباب أخرى صلى ظهرا، وهكذا المرأة تصلي ظهرا، وهكذا المسافر وسكان البادية يصلون ظهرا كما دلت على ذلك السنة وهو قول عامة أهل العلم ولا عبرة بمن شذ عنهم، وهكذا من تركها عمدا يتوب إلى الله سبحانه ويصليها ظهرا.
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول ص (67) .
الجمعة ليست واجبة على المرأة
(1)
س: وردت بعض الأمور بودي لو نستفسر عنها لو تكرمتم حتى لا يكون هناك إشكال متوقع بالنسبة للجمعة والمرأة إذا صلتها في بيتها؟
ج: الجمعة ليست واجبة على المرأة بل هي على الرجال، وهكذا الجماعة ليست واجبة على المرأة بل هي على الرجال، والسنة أن تصلي المرأة في بيتها في الجمعة وغير الجمعة في بيتها أفضل لها، لكن إن صلتها مع الناس أجزأتها الجمعة عن الظهر إذا كانت متسترة متحفظة متحجبة، وتخرج من غير طيب فلا بأس عليها لسماع الفائدة ولسماع الخطبة وسماع المواعظ، لكن عليها أن تكون حريصة على الحجاب والستر والبعد عن الفتنة وتكون في طريقها غير متطيبة ولا متبرجة بل متحجبة متسترة وتصلي مع الناس، كما كان بعض النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يصلين مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه قال:«وليخرجن تفلات (2) » أي
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2)
رواه أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (9270) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (478) .
بدون رائحة طيبة لئلا يفتتن الرجال بهن وليكن غير متبرجات في الخروج، قال صلى الله عليه وسلم:«وبيوتهن خير لهن (1) » لكن لو صلت مع الجماعة مع الستر والحجاب والعناية والبعد عن أسباب الشر والفتنة وعن الرائحة الطيبة فلا بأس بذلك.
ومن هذا نفهم أن المرأة ليس عليها جمعة بل تصلي في بيتها ظهرا، ولكن إذا صلتها مع الناس جمعة أجزأتها وكفتها عن الظهر، كالمريض ليس عليه صلاة جمعة إنما يصلي ظهرا ومع هذا لو صلى مع الناس أجزأته الجمعة عن الظهر، وكالعبد المملوك ليس عليه جمعة وإنما عليه الظهر وإذا صلى مع الناس الجمعة أجزأته، وهكذا المسافر ليس عليه جمعة لكن لو صلى مع الناس الجمعة أجزأته عن الظهر. والله ولي التوفيق.
(1) رواه أبو داود في (الصلاة) برقم (480) ، وأحمد في (مسند المكثرين) برقم (5211)
حكم وصل الصلاة بصلاة أخرى
(1)
س: أريد شرح هذا الحديث: عن السائب بن يزيد أن معاوية قال: إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج؟
ج: الحديث أخرجه مسلم في صحيحه وهو يدل على أن المسلم إذا صلى الجمعة أو غيرها من الفرائض فإنه ليس له أن يصلها بصلاة حتى يتكلم أو يخرج من المسجد، والتكلم يكون بما شرع الله من الأذكار كقوله: أستغفر الله. أستغفر الله. أستغفر الله. اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، حين يسلم، وما شرع الله بعد ذلك من أنواع الذكر، وبهذا يتضح انفصاله عن الصلاة بالكلية حتى لا يظن أن هذه الصلاة جزء من هذه الصلاة.
والمقصود من ذلك تمييز الصلاة التي فرغ منها من الصلاة الأخرى، فإذا سلم من الجمعة فلا يصلها بالنافلة لئلا يعتقد هو أو غيره أنها مرتبطة بها أو أنها لازمة لها.
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
وهكذا الصلوات الأخرى كالظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر لا بد من الفصل بالكلام كالذكر أو غير ذلك من الكلام أو الخروج من المسجد حتى يعلم أنها غير مربوطة بما قبلها.
الإنصات أثناء الخطبة
(1)
الأخ ع. أ. ص. من رياض الخبراء يسأل ويقول: متى يمتنع الإنسان في صلاة الجمعة عن مس الحصى والتسوك هل هو من صعود الإمام على المنبر أم من بداية الخطبة؛ لأني أشاهد كثيرا من الناس لا يتوقفون عن التسوك إلا بعد أن يبدأ الإمام في الخطبة، وبعضهم يستاك أثناء الخطبة؟ نرجو من سماحة الشيخ إرشادنا إلى الصواب جزاكم الله خيرا.
ج: السنة الإنصات إلى الخطبة وترك التسوك وسائر العبث من حين الشروع فيها إلى أن يفرغ منها، عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك.
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
لكن من دخل المسجد والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما (1) » .
(1) صحيح مسلم الجمعة (875) ، سنن أبو داود الصلاة (1116) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1114) ، مسند أحمد بن حنبل (3/297) ، سنن الدارمي الصلاة (1555) .
س: الأخ م. ا. ح. - من القاهرة يقول في سؤاله: هل يجوز الكلام أثناء سكوت الإمام بين الخطبتين في صلاة الجمعة، وهل يجوز الإشارة بالسبابة على الفم بدون كلام من أجل تنبيه شخص ما أن لا يتكلم أثناء الخطبة؟ (1)
ج: يجوز الكلام أثناء سكوت الإمام بين الخطبتين إذا دعت إليه الحاجة، ولا بأس بالإشارة لمن يتكلم والإمام يخطب ليسكت، كما تجوز الإشارة في الصلاة إذا دعت الحاجة إليها. وفق الله الجميع.
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
مشروعية الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم إذا مر ذكره أثناء الخطبة
(1)
س: الأخ أ. م. ص - من ولاية أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية يقول في سؤاله: إذا مر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم والإمام يخطب يوم الجمعة فهل يجوز أن نصلي ونسلم عليه صلى الله عليه وسلم؟
ج: تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر ذكره عليه الصلاة والسلام في خطب الجمعة والعيد ومجالس الذكر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي (2) » صلى الله عليه وسلم.
س: ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل، أثابكم الله؟ (3) .
ج: رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في
(1) نشرت في (المجلة العربية) بتاريخ صفر 1412 هـ.
(2)
رواه الترمذي في (الدعوات) برقم (3468) ، وأحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7139) .
(3)
من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (1)
خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت، وأما رفع اليدين فلا يشرع.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك، وقال: ما كان النبي يرفعهما عليه الصلاة والسلام، نعم إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء، فإنه يرفع يديه في حال الاستغاثة- أي طلب نزول المطر- لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام.
تشميت العاطس أثناء الخطبة
(1) .
س: ما حكم تشميت العاطس والإمام يخطب يوم الجمعة؟ .
ج: لا يشرع تشميته لوجوب الإنصات، فكما لا يشمت العاطس في الصلاة كذلك لا يشمت العاطس في حال الخطبة. والله ولي التوفيق.
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (134)
من حدثه دائم
يتوضأ بعد دخول الوقت
(1)
س: الأخ ع. ص- من الرياض يقول في سؤاله: إني أعاني من خروج ريح دائم- أكرمكم الله- وأتوضأ لكل صلاة عند الأذان، وفي يوم الجمعة أتوضأ قبل الأذان الأول وأتوضأ ثانية بعد الأذان الأول فما حكم عملي هذا؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
ج: من كان حدثه دائما بالريح أو البول أو غيرهما فإنه يتوضأ لكل صلاة بعد دخول الوقت ولا يضره ما خرج من الحدث في نفس الوقت أو في نفس الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: «توضئي لكل صلاة (2) » خرجه البخاري في صحيحه. والمستحاضة هي: التي يستمر معها الدم غير دم الحيض. وبهذا يعلم السائل أنه لا بد أن يكون الوضوء بعد دخول الوقت في حق من حدثه دائم، وإذا توضأ
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2)
رواه البخاري في (الوضوء) برقم (221) ، والترمذي في (الطهارة) برقم (116) ، وأحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (23016)
لصلاة الجمعة في الساعة السادسة وهي الساعة التي قبل الزوال صح ذلك؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على صحة إقامة صلاة الجمعة في الساعة السادسة وهو قول جمع من أهل العلم. ولكن الأفضل إقامتها بعد الزوال عملا بالأحاديث كلها وخروجا من الخلاف؛ لأن جمهور أهل العلم يرون أن صلاة الجمعة لا تصح قبل الزوال كصلاة الظهر عملا بالأحاديث التي فيها النص أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا زالت الشمس. والله ولي التوفيق.
حكم صلاة الجمعة
إذا صادفت يوم العيد
(1)
س: ما حكم صلاة الجمعة إذا صادفت يوم العيد هل تجب إقامتها على جميع المسلمين أم على فئة معينة، ذلك أن بعض الناس يعتقد أنه إذا صادف العيد الجمعة فلا جمعة إذا؟
ج: الواجب على إمام الجمعة وخطيبها أن يقيم الجمعة وأن يحضر في المسجد ويصلي بمن حضر، فقد كان النبي
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
صلى الله عليه وسلم يقيمها في يوم العيد يصلي العيد والجمعة عليه الصلاة والسلام وربما قرأ في العيد وفي الجمعة جميعا بسبح والغاشية فيها جميعا، كما قاله النعمان بن بشير رضي الله عنهما فيما ثبت عنه في الصحيح، لكن من حضر صلاة العيد ساغ له ترك الجمعة ويصلي ظهرا في بيته أو مع بعض إخوانه إذا كانوا قد حضروا صلاة العيد، وإن صلى الجمعة مع الناس كان أفضل وأكمل، وإن ترك صلاة الجمعة لأنه حضر العيد وصلى العيد فلا حرج عليه لكن عليه أن يصلي ظهرا فردا أو جماعة. والله ولي التوفيق.
ليس من شرط إقامة صلاة
الجمعة أن يكون الإمام عدلا ولا معصوما
(1)
س: ما الحكم في قوم لا يصلون الجمعة بحجة أنها لا تصلح إلا خلف إمام عادل؟
ج: قد أوجب الله سبحانه على المسلمين أداء صلاة الجمعة إذا كانوا مستوطنين، سواء كانوا في مدن كبيرة أو قرى، واختلف أهل العلم في العدد الذي يشترط لإقامة صلاة
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (129)
الجمعة على أقوال كثيرة أرجحها: أنها تقام بثلاثة فأكثر لعدم الدليل على اشتراط ما فوق ذلك، وأجمعوا أنه ليس من شرطها أن يكون الإمام عدلا ولا معصوما بل يجب أن تقام مع البر والفاجر ما دام مسلما لم يخرجه فجوره عن دائرة الإسلام. وبهذا يعلم أن الطائفة التي لا تقيم صلاة الجمعة إلا بشرط أن يكون الإمام عدلا أو معصوما قد ابتدعت في الدين ما لم يأذن به الله واشترطت شرطا لا أصل له في الشرع المطهر، وكان بعض أهل العلم يرى أن الجمعة لا تقام في القرى الصغيرة وإنما تقام في الأمصار الجامعة، ولكن هذا القول ضعيف ولا وجه له في الشرع المطهر وهو مروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن لم يصح ذلك عنه، وقد أقيمت صلاة الجمعة في المدينة المنورة بعد ما هاجر إليها أول المسلمين وهي ليست مصرا جامعا وإنما تعتبر من القرى، ثم أقامها النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ولم يزل يقيمها حتى توفي عليه الصلاة والسلام، وأقيمت صلاة الجمعة في البحرين في قرية يقال لها جواثا في عهده صلى الله عليه وسلم فلم ينكر ذلك عليه الصلاة والسلام.
والخلاصة: أن الواجب هو إقامة صلاة الجمعة في القرى والأمصار؛ عملا بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وتحصيلا لما في إقامتها من المصالح العظيمة التي من جملتها
جمع الناس على الخير ووعظهم وتذكيرهم وتعليمهم ما ينفعهم وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى إلى غير ذلك من المصالح العظيمة.
حكم صلاة السجناء جمعة
وجماعة خلف إمام واحد وهم في عنابرهم
(1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى فضيلة الأخ المكرم مدير إدارة الشئون الدينية بالأمن العام وفقه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فأشير إلى كتابكم رقم 275\ د وتاريخ 1 \ 5 \ 1405 هـ ومشفوعه الذي تستفسرون فيه عن حكم صلاة السجناء جمعة وجماعة خلف إمام واحد يتقدمهم، وهم في عنابرهم بواسطة مكبر الصوت. ونظرا إلى أن المسألة عامة ومهمة رأيت عرضها على مجلس هيئة كبار العلماء وقد اطلع عليها المجلس في دورته السادسة والعشرين المنعقدة في الطائف في 25 \ 10 \ 1405 هـ إلى 7 \ 11 \ 1405 هـ وبعد دراسة المسألة واطلاعه على أقوال أهل العلم في الموضوع: أفتى بعدم الموافقة على جمع السجناء على إمام واحد في صلاة الجمعة والجماعة وهم داخل عنابر السجن يقتدون به بواسطة مكبر الصوت، لعدم وجوب
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 2526\1 وتاريخ 24\ 11\ 1405 هـ.
صلاة الجمعة عليهم حيث لا يمكنهم السعي إليها، واتفاقا مع فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رقم 762 وتاريخ 11 \ 10 \ 1388 هـ بعدم وجوب إقامتها في السجن، ولأسباب أخرى. لكن من أمكنه الحضور لأداء صلاة الجمعة في مسجد السجن إذا كان فيه مسجد تقام فيه صلاة الجمعة صلاها مع الجماعة، وإلا فإنها تسقط عنه ويصليها ظهرا، وكل مجموعة تصلي الصلوات الخمس جماعة داخل عنبرهم إذا لم يمكن جمعهم في مسجد أو مكان واحد. فآمل الاطلاع والإحاطة، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
مشروعية الأذان الأول يوم الجمعة
(1) .
س: الأخ م. ع. ج، من مصر يقول: لاحظت في بلدكم المملكة العربية السعودية أنه يوجد أذانان للجمعة وهذا غير صحيح إذ أنه كان إذا صعد الإمام المنبر أذن بين يديه أذان واحد وجميع كتب السنة تؤيد ذلك. فأرجو أن تحولوا هذا إلى الجهات المختصة كدار الإفتاء التي يرأسها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ليحق الله الحق ويبطل الباطل. .
ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فالأمر كما قال السائل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أذان واحد مع الإقامة، كان إذا دخل النبي صلى الله عليه وسلم للخطبة والصلاة أذن المؤذن ثم خطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبتين ثم يقام للصلاة.
هذا هو الأمر المعلوم والذي جاءت به السنة كما قال السائل وهو أمر معروف عند أهل العلم والإيمان، ثم إن الناس
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (523) .
كثروا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في المدينة فرأى أن يزاد الأذان الثالث، ويقال له: الأذان الأول لأجل تنبيه الناس على أن اليوم يوم جمعة حتى يستعدوا ويبادروا إلى الصلاة قبل الأذان المعتاد المعروف بعد الزوال وتابعه بهذا الصحابة الموجودون في عهده، وكان في عهده علي رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم وغيرهم من أعيان الصحابة وكبارهم، وهكذا سار المسلمون على هذا في غالب الأمصار والبلدان تبعا لما فعله الخليفة الراشد رضي الله عنه وتابعه عليه الخليفة الراشد الرابع علي رضي الله عنه وهكذا بقية الصحابة.
فالمقصود أن هذا حدث في خلافة عثمان وبعده واستمر عليه غالب المسلمين في الأمصار والأعصار إلى يومنا هذا، وذلك أخذا بهذه السنة التي فعلها عثمان رضي الله عنه لاجتهاد وقع له ونصيحة للمسلمين ولا حرج في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (1) » . وهو من الخلفاء الراشدين رضي الله عنه والمصلحة ظاهرة في ذلك فلهذا أخذ بها أهل السنة والجماعة ولم يروا بهذا بأسا لكونه
(1) رواه أبو داود في السنة باب في لزوم السنة برقم (4607)
من سنة الخلفاء الراشدين عثمان وعلي ومن حضر من الصحابة ذلك الوقت رضي الله عنهم جميعا.
س: متى شرع الأذان للجمعة مرتين وبأي سبب، وهل صحيح أن عليا رضي الله عنه رد الأذان إلى واحد، سمعت في مكة أن السعودية يؤذنون أذانين كيف ذلك لأن السعودية دولة سنية كيف تعمل على البدعة؟ . (1) .
ج: بدأ الأذان للجمعة مرتين في عهد عثمان رضي الله عنه والسبب كثرة الناس، وقد صدر من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى في ذلك هذا نصها:
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (2) » الحديث.
والنداء يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كانت خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة بالأذان الأول، وليس ببدعة لما سبق من الأمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين، والأصل في ذلك
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (899) في 6 \11 \1398 هـ.
(2)
رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) برقم (16695)
ما رواه البخاري والنسائي والترمذي وابن ماجه وأبو داود واللفظ له: عن ابن شهاب أخبرني السائب بن يزيد أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك (1) .
وقد علق القسطلاني في شرحه للبخاري على هذا الحديث بأن النداء الذي زاده عثمان هو عند دخول الوقت سماه ثالثا باعتبار كونه مزيدا على الأذان بين يدي الإمام والإقامة للصلاة وأطلق على الإقامة أذان تغليبا بجامع الإعلام فيهما، وكان هذا الأذان لما كثر المسلمون فزاده عثمان رضي الله عنه اجتهادا منه ووافقه سائر الصحابة بالسكوت وعدم الإنكار فصار إجماعا سكوتيا. وبالله التوفيق.
(1) رواه الإمام البخاري في (الجمعة) برقم (1392) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (1087) واللفظ له
حكم إقامة الجمعة
في موضعين أو أكثر في بلد واحد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وآله وصحبه.
أما بعد، فقد ورد إلينا سؤال مهم هذا نصه:
س: ما حكم إقامة الجمعة في موضعين أو أكثر من المدينة أو الحارة مع بيان الدليل الشافي؟
ج: اعلم وفقك الله أن الذي عليه جمهور أهل العلم تحريم تعدد الجمعة في قرية واحدة إلا من حاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم في مدينته المنورة مدة حياته صلى الله عليه وسلم سوى جمعة واحدة، وهكذا في عهد خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وهكذا في سائر الأمصار الإسلامية في صدر الإسلام، وما ذلك إلا لأن الجماعة مرغب فيها من جهة الشرع المطهر، لما في اجتماع المسلمين في مكان واحد حال إقامة
الجمعة والعيد من التعاون على البر والتقوى وإقامة شعائر الإسلام، ولما في ذلك أيضا من الاختلاف بينهم والمودة والتعارف والتفقه في الإسلام وتأسي بعضهم ببعض في الخير، ولما في ذلك أيضا من زيادة الفضل والأجر بكثرة الجماعة وإغاظة أعداء الإسلام من المنافقين وغيرهم باتحاد الكلمة وعدم الفرقة.
وقد وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة في الحث على الاجتماع والائتلاف والتحذير من الفرقة والاختلاف فمن ذلك قول الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1) وقوله سبحانه: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (2)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم (3) » .
(1) سورة آل عمران الآية 103
(2)
سورة آل عمران الآية 105
(3)
صحيح مسلم الأقضية (1715) ، مسند أحمد بن حنبل (2/367) ، موطأ مالك الجامع (1863) .
ومما تقدم يتضح لكم أن الواجب هو اجتماع أهل المدينة أو القرية على جمعة واحدة كما يجتمعون على صلاة عيد واحدة حيث أمكن ذلك من دون مشقة للأدلة المتقدمة والأسباب السالفة والمصلحة الكبرى في الاجتماع.
أما إن دعت الحاجة الشديدة إلى إقامة جمعتين أو أكثر في البلد أو الحارة الكبيرة فلا بأس بذلك في أصح قولي العلماء، وذلك مثل: أن تكون البلد متباعدة الأطراف ويشق على أهلها أن يجتمعوا في مسجد واحد فلا بأس أن يقيموا الجمعة في مسجدين أو أكثر على حسب الحاجة، وهكذا لو كانت الحارة واسعة لا يمكن اجتماع أهلها في مسجد واحد فلا بأس أن يقام فيها جمعتان كالقرية، ولهذا لما بنيت بغداد وكانت واسعة الأرجاء أقيم فيها جمعتان إحداهما في الجانب الشرقي والثانية في الجانب الغربي وذلك في وسط القرن الثاني بحضرة العلماء المشهورين ولم ينكروا ذلك لدعاء الحاجة إليه، ولما قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين خلافته: إن في الكوفة ضعفة يشق عليهم الخروج إلى الصحراء لحضور صلاة العيد أمر من يقيم لهم صلاة العيد بالبلد وصلى- رضي الله عنه بجمهور الناس في الصحراء.
فإذا جاز ذلك في العيد للحاجة فالجمعة مثله بجامع المشقة والحاجة والرفق بالمسلمين، وقد نص الكثير من
العلماء على جواز تعدد الجمعة عند الحاجة، قال موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة رحمه الله في كتابه (المغني) ص 184، الجزء الثاني، عند قول أبي القاسم الخرقي رحمه الله:(وإذا كان البلد كبيرا يحتاج إلى جوامع فصلاة الجمعة في جميعها جائزة) ما نصه: (وجملته أن البلد متى كان كبيرا يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره أو ضيق مسجده عن أهله كبغداد وأصبهان ونحوهما من الأمصار الكبار جازت إقامة الجمعة فيما يحتاج إليه من جوامعها، وهذا قول عطاء، وأجازه أبو يوسف في بغداد دون غيرها؛ لأن الحدود تقام فيها في موضعين والجمعة حيث تقام الحدود، ومقتضى قوله أنه لو وجد بلد آخر تقام فيه الحدود في موضعين جازت إقامة الجمعة في موضعين منه لأن الجمعة حيث تقام الحدود وهذا قول ابن المبارك، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله: لا تجوز الجمعة في بلد واحد في أكثر من موضع واحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجمع إلا في مسجد واحد وكذا الخلفاء بعده ولو جاز لم يعطلوا المساجد حتى قال ابن عمر رضي الله عنهما: لا تقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الإمام) .
ثم قال الموفق- رحمه الله: (ولنا أنها صلاة شرع لها
الاجتماع والخطبة فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع كصلاة العيد، وقد ثبت أن عليا رضي الله عنه كان يخرج يوم العيد إلى المصلى ويستخلف على ضعفة الناس أبا مسعود البدري فيصلي بهم، فأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الجمعتين فلغناهم عن إحداهما؛ لأن أصحابه كانوا يرون سماع خطبته وشهود جمعته وإن بعدت منازلهم؛ لأنه المبلغ عن الله وشارع الأحكام، ولما دعت الحاجة إلى ذلك في الأمصار صليت في أماكن ولم ينكر فصار إجماعا، وقول ابن عمر يعني: أنها لا تقام في المساجد الصغار ويترك الكبير.
وأما اعتبار ذلك بإقامة الحدود فلا وجه له، قال أبو داود: سمعت أحمد رحمه الله يقول: أي حد كان يقام بالمدينة؟ قدمها مصعب بن عمير وهم مختبئون في دار فجمع بهم وهم أربعون، فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز في أكثر من واحد، وإن حصل الغنى باثنين لم تجز الثالثة، وكذلك ما زاد لا نعلم في هذا مخالفا، إلا أن عطاء قيل له: إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر، قال: لكل قوم مسجد يجتمعون فيه ويجزئ ذلك من التجمع في المسجد الأكبر، وما عليه الجمهور أولى إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أنهم جمعوا أكثر من جمعة واحدة إذ لم تدع الحاجة إلى ذلك ولا يجوز إثبات الأحكام بالتحكم بغير دليل) انتهى
كلامه رحمه الله.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن صلاة الجمعة في جامع القلعة بدمشق هل هي جائزة مع أن في البلد خطبة أخرى أم لا؟
فأجاب: (نعم يجوز أن يصلى فيها جمعة؛ لأنها مدينة أخرى كمصر والقاهرة، ولو لم تكن كمدينة أخرى فإقامة الجمعة في المدينة الكبيرة في موضعين للحاجة يجوز عند أكثر العلماء، ولهذا لما بنيت بغداد ولها جانبان أقاموا فيها جمعة في الجانب الشرقي وجمعة في الجانب الغربي، وجوز ذلك أكثر العلماء) انتهى كلامه رحمه الله.
وبما ذكرنا يتضح للسائل جواز إقامة جمعتين فأكثر في بلد واحدة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، إما لضيق المسجد الواحد وعدم اتساعه لأهل البلد، أو لسعة البلد وتباعد أطرافها والمشقة الشديدة عليهم في تجميعهم في مسجد واحد، ومثل ذلك لو كان أهل البلد قبيلتين أو أكثر وبينهم وحشة ونزاع ويخشى من اجتماعهم قيام فتنة بينهم وقتال فيجوز لكل قبيلة أن تجمع وحدها ما دامت الوحشة قائمة، وهكذا ما يشبه ذلك من الأسباب.
وهنا مسألة مهمة ينبغي التنبيه عليها وهي: أن بعض
الناس في العصور المتأخرة إذا كان في البلد جمعتان أو أكثر يصلون الظهر بعد صلاة الجمعة ويزعمون أن في ذلك احتياطا خوفا من عدم صحة إحدى الجمعتين، وهذا في الحقيقة منكر ظاهر وحدث في الإسلام لا يجوز الإقرار عليه وقد أنكره من أدركه من محققي العلماء؛ لأن الله سبحانه إنما أوجب على المسلمين في يوم الجمعة وغيرها خمس صلوات وهؤلاء يوجبون على الناس يوم الجمعة ست صلوات، وهكذا لو لم يوجبوا ذلك وإنما استحبوه أو أباحوه فكل ذلك لا يجوز؛ لأنه من البدع المحدثة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبة الجمعة:«خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (1) » أخرجه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » . وفي لفظ لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) »
(1) رواه مسلم في (الجمعة) برقم (1435) وابن ماجه في (المقدمة) برقم (44)
(2)
صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(3)
رواه مسلم في (الأقضية) برقم (3243) .
والله المسئول أن يوفق المسلمين جميعا للفقه في دينه والتمسك بشريعته والحذر مما خالف ذلك إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أملاه الفقير إلى عفو ربه
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
حكم إقامة صلاة الجمعة في القرى
(1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى الأخوين الكريمين: ع. ع. ف. وم. ص. وفقهما الله لقول الحق والعمل به وزادهما من العلم والإيمان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتاباكما وتأملت ما ذكرتما فيهما من اختلاف بينكما في حكم إقامة صلاة الجمعة في القرى وتحكيمكما لي في هذا، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى وأنصار الحق، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه إنه خير مسئول، ولا يخفى أن الحق ضالة المؤمن متى وجدها أخذها، ولا يخفى أيضا أن المرجع في مسائل الخلاف هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله وصفوته من خلقه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2)
(1) صدر من مكتب سماحته برقم 2484\ 1 وتاريخ 12\ 9\ 1406 هـ.
(2)
سورة النساء الآية 59
وقال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) وقال عز وجل. {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (2)
وقد تأملت أدلة الفريقين القائلين بوجوب إقامة صلاة الجمعة في القرى والقائلين بعدم وجوبها وعدم صحتها، ورأيت أدلة أصحاب القول الأول وهم الجمهور أوضح وأكثر وأصح، ومما يوضح ذلك أن الله سبحانه فرض على عباده إقامة صلاة الجمعة في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (3) الآية.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين (4) » رواه الإمام مسلم في صحيحه.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام صلاة الجمعة في المدينة وهي في أول الهجرة في حكم القرى، وأقر أسعد بن
(1) سورة الشورى الآية 10
(2)
سورة النور الآية 54
(3)
سورة الجمعة الآية 9
(4)
رواه مسلم في (الجمعة) برقم (1432) والنسائي في الجمعة برقم (1353) ، وابن ماجه في (المساجد والجماعات) برقم (786) .
زرارة على إقامة صلاة الجمعة في نقيع الخضمات وهو في حكم القرية ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك، والحديث في ذلك حسن الإسناد ومن أعله بابن إسحاق فقد غلط؛ لأنه قد ثبت تصريحه بالسماع فزالت شبهة التدليس، ولأنه صلى الله عليه وسلام قال:«صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » وقد رأيناه صلى الجمعة في المدينة من حين هاجر إليها، ولأنه صلى الله عليه وسلم أقر أهل (جواثا) وهي قرية من قرى البحرين على إقامة صلاة الجمعة، والحديث بذلك مخرج في صحيح البخاري.
ولأنها إحدى الصلوات الخمس في يوم الجمعة فوجب أداؤها على أهل القرى كأهل الأمصار، وكصلاة الظهر في حق الجميع في غير يوم الجمعة، وإنما تركت إقامتها في البادية والسفر لعدم أمره صلى الله عليه وسلم للبوادي والمسافرين بإقامتها. ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يقمها في السفر فوجبت إقامتها فيما سوى ذلك ومعلوم أن الذي سوى ذلك هو القرى والأمصار؛ ولأن في إقامتها مصالح عظيمة من جمع أهل القرية في مسجد واحد ووعظهم وتذكيرهم كل أسبوع بما شرع الله في خطبتي الجمعة، وبما ذكرنا من الأدلة يتضح لكل منصف صحة
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (595) و (الأدب) برقم (5549) ، و (أخبار الآحاد) برقم (6705) . والدارمي في (الصلاة) برقم (1225) .
قول الجمهور وأنه أقرب إلى الحق من قول من خالفهم، وأنه أنفع للمسلمين في أمر دينهم ودنياهم وأقرب إلى براءة الذمة وصلاح الأمة، أما أثر علي رضي الله عنه فهو موقوف عليه، ولا يصح مرفوعا كما نبه على ذلك غير واحد منهم النووي رحمه الله مع أن في صحة الموقوف نظر أيضا لأن في إسناده عند عبد الرزاق الثوري رحمه الله ولم يصرح بالسماع وهو موصوف بالتدليس، وجابر الجعفي والحارث الأعور وكلاهما ضعيف.
وفي سنده عند ابن أبي شيبة الأعمش ولم يصرح بالسماع وهو مدلس معروف لكن عنعنته وعنعنة الثوري محمولة على السماع فيما خرجه عنهما البخاري ومسلم رضي الله عنهما في الصحيحين. أما في غير الصحيحين فليس هناك مانع من تعليل روايتهما بذلك إذا لم يصرحا بالسماع.
هذا ما ظهر لي وأسأل الله أن يوفقني وإياكما وسائر إخواننا لإصابة الحق وأن يمن علينا جميعا بإيثار الحق على ما سواه وأن يعيذنا جميعا من التعصب واتباع الهوى في جميع الأحوال إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
حكم إقامة صلاة الظهر بعد الجمعة
س: بلدة فيها نحو من خمسة وثلاثين مسجدا تؤدى فيها صلاة الجمعة فإذا فرغ المصلون من الجمعة صلوا بعدها الظهر، فهل هذا الفعل جائز أم لا؟ (1) .
ج: قد علم من الدين بالضرورة وبالأدلة الشرعية أن الله سبحانه لم يشرع يوم الجمعة في وقت الظهر إلا فريضة واحدة في حق الرجال المقيمين المستوطنين الأحرار المكلفين وهي صلاة الجمعة، فإذا فعل المسلمون ذلك فليس عليهم فريضة أخرى لا الظهر ولا غيرها بل صلاة الجمعة هي فرض الوقت، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والسلف الصالح بعدهم لا يصلون بعد الجمعة فريضة أخرى، وإنما حدث هذا الفعل الذي أشرتم إليه بعدهم بقرون كثيرة، ولا شك أنه من البدع المحدثة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام:«إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (2) » .
(1) أجاب سماحته على هذا السؤال عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
(2)
رواه أبو داود في (السنة) برقم (3991)
وقال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » رواه البخاري ومسلم، ولا شك أن صلاة الظهر بعد الجمعة أمر محدث ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم فيكون مردودا ويدخل في البدع والضلالات التي حذر منها المصطفي صلى الله عليه وسلم، وقد نبه أهل العلم على ذلك وممن نبه عليه الشيخ جمال الدين القاسمي في كتابه:(إصلاح المساجد من البدع والعوائد) والشيخ العلامة محمد أحمد عبد السلام في كتابه: (السنن والمبتدعات) ، فإن قال قائل إنما نفعل ذلك احتياطا وخوفا من عدم صحة الجمعة، فالجواب أن يقال لهذا القائل: إن الأصل هو صحة الجمعة وسلامتها وعدم وجوب الظهر بل وعدم جوازها في وقت الجمعة لمن عليه فرض الجمعة، والاحتياط إنما يشرع عند خفاء السنة ووجود الشك والريب، أما في مثل هذا فليس المقام مقام شك بل نعلم بالأدلة أن الواجب هو صلاة الجمعة فقط فلا يجوز غيرها بدلا منها ولا مضموما إليها على أنه عمل يقصد منه الاحتياط لصحتها، وإيجاد شرع جديد لم يأذن به الله، وصلاة الظهر في هذا الوقت مخالف للأدلة الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة فوجب أن يترك ويحذر، وليس لفعله وجه يعتمد عليه؛ بل ذلك من وساوس الشيطان التي يمليها على الناس حتى يصدهم بها عن الهدى، ويشرع لهم
(1) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
دينا لم يأذن به الله كما زين لبعضهم الاحتياط في الوضوء حتى عذبه في الطهارة وجعله لا يستطيع الفراغ منها كلما كاد أن يفرغ منها وسوس له أنها لم تصح وأنه لم يفعل كذا ولم يفعل كذا، وهكذا فعل ببعضهم في الصلاة إذا كبر للصلاة وسوس إليه أنه لم يكبر فلا يزال يوسوس له أنه لم يكبر ولا يزال الرجل يكبر التكبيرة بعد التكبيرة حتى تفوت الركعة الأولى أو القراءة فيها أو غالبها وهذا من كيد الشيطان ومكره وحرصه على إبطال عمل المسلم وتلبيس دينه عليه نسأل الله السلامة لنا ولسائر المسلمين والعافية من مكائده ووساوسه إنه سميع قريب.
والخلاصة: أن صلاة الظهر بعد الجمعة بدعة وضلالة وإيجاد شرع لم يأذن به الله فالواجب تركه والحذر منه وتحذير الناس منه والاكتفاء بصلاة الجمعة، كما درج على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده والتابعون لهم بإحسان إلى يومنا هذا وهو الحق الذي لا ريب فيه، وقد قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه:(لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) . وهكذا قال الأئمة بعده وقبله. والله الموفق.
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ ع. ج. وفقه الله لما فيه رضاه ونصر به الحق آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلتني رسالتكم المتضمنة الإفادة بأن جماعة من شعب تنزانيا المنتسبين إلى مذهب الإمام الشافعي رحمه الله قد انشقوا عن إخوانهم في إقامتهم صلاة الظهر بعد الجمعة والمتضمنة أيضا رغبتكم في إصدار الفتوى في ذلك وبناء على ذلك فقد تأملت الموضوع وراجعت الأدلة الشرعية وكلام أهل العلم في ذلك فاتضح من ذلك ما يلي (1) :
لا ريب أن الله عز وجل وله الحمد والمنة قد أكمل لهذه الأمة دينها وأتم عليها نعمته على يد رسوله وحبيبه وخليله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه كما قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2) الآية.
وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة عشر سنين يجمع بأصحابه في مسجده الشريف ويصلي معه سكان
(1) صدر من مكتب سماحته برقم 3364\ 1 وتاريخ 22\ 12\ 1397 هـ.
(2)
سورة المائدة الآية 3
المدينة من المسلمين، وليس هناك جمعة أخرى، وهكذا خلفاؤه الراشدون ساروا على نهجه القويم يصلون جمعة واحدة، ثم لما كثر المسلمون وانتشروا في الجزيرة العربية وغيرها دعت الحاجة إلى تعدد الجمع في المدن والعواصم فرأى جمهور أهل العلم أنه لا حرج في ذلك عند دعاء الحاجة إليه، وأجاز بعض أهل العلم تعددها مطلقا، والصواب قول الجمهور لما في توحيد الجمعة من جمع الكلمة على الحق، فإذا دعت الحاجة إلى تعددها لضيق مسجد البلد عن السكان أو تباعد أطرافها أو وجود شحناء بين السكان يخشى من جمعهم في مسجد واحد أن تقع بينهم فتنة جاز التعدد لهذه الحاجات وأشباهها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
ومتى جاز التعدد لمسوغه الشرعي صحت جميع الجمع ولم يجز أن يقام مع شيء منها صلاة الظهر؛ لأن في ذلك إيجاب صلاة سادسة ما أنزل الله بها من سلطان، بل ذلك مخالف للنص والإجماع ومن البدع المحدثة.
وقد مضت القرون المفضلة وقرون بعدها والمسلمون لا يعرفون هذه الصلاة المحدثة، وإنما أحدثها بعض المتأخرين من الشافعية وبعض الحنفية لشبه وقعت لهم لا يجوز أن تكون مستندا لهذه البدعة.
لأنها كلها عند التمحيص لا وجه لها وليست مسوغة لإحداث هذه البدعة، وقد أنكر هذه البدعة لما
حدثت جم غفير من العلماء من الشافعية وغيرهم وأوضحوا أن الواجب على علماء الإسلام إنكارها والتحذير منها، كما أن الواجب على من أحدثها أو استحسن فعلها أن يتهم رأيه وأن يرجع إلى الحق لأن الرجوع إلى الحق هو الواجب وهو خير من التمادي في الخطأ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها، ورواه مسلم في صحيحه بلفظ:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » وخرج مسلم أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبة الجمعة: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (3) » .
وفي السنن بإسناد حسن عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي
(1) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(2)
صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(3)
رواه الإمام مسلم في (الجمعة) برقم (1435) .
تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (1) » .
وقد قال الله في كتابه الكريم ذاما أهل البدع ومحذرا من سبيلهم: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2) الآية.
والآيات والأحاديث في ذم البدع والتحذير منها كثيرة معلومة وأرجو أن يكون فيما ذكرته كفاية ومقنع لطالب الحق.
وأسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعا وأن يجمع كلمتهم على الحق أينما كانوا، وأن يبارك في أعمالكم وأن يجزيكم عن اهتمامكم بأحوال إخوانكم وحرصكم على جمع الكلمة وإبطال البدعة جزاء حسنا وأن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من دعاة الهدى وأنصار الحق إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
(1) رواه أبو داود في (السنة) برقم (3991) ، وأحمد في (مسند الشاميين) برقم (16521، 16522) .
(2)
سورة الشورى الآية 21
حكم ترجمة خطبة الجمعة إلى اللغة التي يفهمها المستمعون
س: هل يجوز تفسير خطبة الجمعة للناس إذا كانوا عجميين ليفهموا معناها؟
ج: نعم يجوز ذلك فيخطب بالعربية ويفسر الخطبة باللغة التي يفهمها المستمعون؛ لأن المقصود وعظهم وتذكيرهم وتعليمهم أحكام الشريعة ولا يحصل ذلك إلا بالترجمة، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل به، وأن يهدينا جميعا وسائر المسلمين صراطه المستقيم إنه جواد كريم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
حكم ترجمة خطبة الجمعة (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصلتني رسالتكم الكريمة وصلكم الله بهداه، وفهمت ما تضمنته من كتابة بعض المثقفين بمدينة (كاتان كدي) الواقعة بجنوب جزيرة سيلان إلى معاليكم يذكر فيما كتبه إليكم أن سكان هذه المدينة البالغ عددهم (200000) نسمة قد حدث بينهم خلاف حول جواز ترجمة خطبة الجمعة بلغتهم الوطنية. إلخ، ورغبة معاليكم في إبانة الصواب في هذه المسألة حسبما تقتضيه قواعد الشرع المطهر والمصلحة للمخاطبين بالخطبة، وعليه فإجابة لسؤالكم وتحقيقا لرغبتكم ومساهمة في الإصلاح بين المسلمين وحل النزاع بين المتنازعين ومحاولة لنشر التعاليم الإسلامية والتوجيهات المحمدية بلغة القرآن الكريم وغيرها من اللغات المستعملة، أذكر لكم في هذه الرسالة ما أعلمه من الشرع المطهر في هذه
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص 131 - 134.
المسألة فأقول:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد تنازع العلماء رحمهم الله في جواز ترجمة الخطب المنبرية في يوم الجمعة والعيدين إلى اللغات العجمية، فمنع ذلك جمع من أهل العلم رغبة منهم رضي الله عنهم في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها وتشجيعا للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية، نظرا للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام وما نهاهم عنه من المعاصي والآثام، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة وتحذيرهم من خلافها، ولا شك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ والرسوم ولا سيما إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب باللغة العربية تسابقا إلى تعلمها وحرصا عليها.
فالمقصود حينئذ لم يحصل والمطلوب بالبقاء على اللغة
العربية لم يتحقق، وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين الذين يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعينة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة، وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين فيخطب باللغة العربية ويترجمها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون، وبذلك يجمع بين المصلحتين وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين.
ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة منها: ما تقدم وهو أن المقصود من الخطبة نفع المخاطبين وتذكيرهم بحق الله ودعوتهم إليه وتحذيرهم مما نهى الله عنه ولا يحصل ذلك إلا بلغتهم، ومنها: أن الله سبحانه إنما أرسل الرسل عليهم السلام بألسنة قومهم ليفهموهم مراد الله سبحانه بلغاتهم كما قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (1) وقال عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (2)
(1) سورة إبراهيم الآية 4
(2)
سورة إبراهيم الآية 1
وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور وهم لا يعرفون معناه ولا يفهمون مراد الله منه، فعلم أنه لا بد من ترجمة تبين المراد وتوضح لهم حق الله سبحانه إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته والعناية بها، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي صلى الله عليه وسلم مرادهم ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة المترجمين، ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية وأمروا الناس بتعلمها ومن جهلها منهم دعوه بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها فقامت بذلك الحجة وانقطعت المعذرة ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه ولا سيما في آخر الزمان وعند غربة الإسلام وتمسك كل قبيل بلغته. فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك.
وأسأل الله أن يوفق المسلمين أينما كانوا للفقه في دينه والتمسك بشريعته والاستقامة عليها وأن يصلح ولاة أمرهم وأن
ينصر دينه ويخذل أعداءه إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
الاستيطان شرط لصحة صلاة الجمعة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ ن. أ. ص. زاده الله من العلم والإيمان وجعله مباركا أينما كان، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 14 \ 2 \ 1388 هـ وصلكم الله بهداه ونظمنا وإياكم في سلك من خافه واتقاه، وسرنا منه علم صحتكم وصحة إخوانكم من الزملاء، فالحمد لله على ذلك، صحتنا ومن لدينا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة من المشائخ والإخوان تسركم بحمد الله أوزع الله الجميع شكر نعمه، وثبتنا جميعا على دينه حتى نلقاه عز وجل إنه خير مسئول. أما سؤالكم عن حكم إقامة صلاة الجمعة منكم ومن أمثالكم من طلبة العلم في بلاد الغربة؟
فالجواب: قد نص أهل العلم على أنه لا يجب عليكم ولا على أمثالكم إقامة صلاة الجمعة بل في صحتها منكم نظر، وإنما الواجب عليكم صلاة الظهر؛ لأنكم أشبه بالمسافرين وسكان البادية والجمعة إنما تجب على المستوطنين، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها المسافرين ولا أهل البادية، ولم يفعلها في أسفاره عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه رضي الله عنهم، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع صلى الظهر في عرفة يوم الجمعة، ولم يصل الجمعة ولم يأمر الحجاج بذلك؛ لأنهم في حكم المسافرين، ولا أعلم خلافا بين علماء الإسلام في هذه المسألة بحمد الله، إلا خلافا شاذا من بعض التابعين لا ينبغي أن يعول عليه.
ولكن لو وجد من يصلي الجمعة من المسلمين المستوطنين فالمشروع لكم ولأمثالكم من المقيمين في البلاد إقامة مؤقتة لطلب علم أو تجارة ونحو ذلك الصلاة معهم لتحصيل فضل الجمعة.
ولأن جمعا من أهل العلم قالوا بوجوبها على المسافر تبعا للمستوطن إذا أقام في محل تقام فيه الجمعة إقامة تمنعه من قصر الصلاة.
أما ما أشرتم إليه عن حاجتكم إلى الكتب فإليكم بيانا بالكتب والرسائل والمحاضرات التي رأينا إرسالها إليكم سائلين المولى عز وجل أن ينفعكم وإخوانكم وسائر المسلمين بها،
وأن تصلكم وأنتم بحال الصحة، راجين الإفادة عن وصولها وعن وصول هذا الكتاب، والله نسأل سبحانه أن يزيدنا وإياكم من العلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنح الجميع الفقه في دينه، وأن يجعلنا وإياكم دعاة الهدى وأنصار الحق إنه جواد كريم، والسلام عليكم.
سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
س: نفيد سماحتكم أننا مجموعة من العسكريين والمدنيين من منسوبي الدفاع المدني قدمنا من مدينة الرياض ومن غيرها من المناطق لخدمة ضيوف الرحمن خلال شهري ذي القعدة وذي الحجة فقط ولدينا مسجد نقوم بالصلاة فيه خلال هذه المدة من المهمة.
فهل يجوز لنا أن نقيم في هذا المسجد صلاة الجمعة أم نؤدي الصلاة ظهرا؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيرا (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بعده:
عليكم أن تصلوا مع الناس الجمعة في الجوامع التي تقام فيها الجمعة إذا تيسر ذلك، فإن لم تستطيعوا فصلوا ظهرا ولا تصلوا جمعة لأنكم لستم مستوطنين؛ لأن من شرط صحة
(1) استفتاء موجه إلى سماحته من مدير الشئون الدينية بالدفاع المدني.
الجمعة أن يكون المقيمون لها مستوطنين.
وفق الله الجميع لما يرضيه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
لا يشترط أن يكون الخطيب هو الإمام في الصلاة
(1)
س: قرأت في كتاب: (الفقه على المذاهب الأربعة) رأيا للمالكية في شروط صحة الجمعة، والتي منها: أن من شروط صحتها بأن يكون الإمام هو الخطيب، وإذا خطب غير من صلى فالصلاة باطلة، إلا أن يكون هناك عذر منع الإمام، ولم أجد إشارة لهذا الشرط عند الشافعية حيث رأيت في بعض المساجد في صلاة الجمعة واحدا يخطب وآخر يصلي، فما الإجابة وما حكم صلاتي إذا كنت مالكيا؟
ج: المسألة خلافية بين أهل العلم، والصواب أنه لا يشترط أن يكون الخطيب هو الإمام في الصلاة؛ لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة.
والأفضل أن يتولى الخطابة من يتولى الإمامة، وهكذا العيد، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أجمعين، لكن لو قدر أن الخطيب لم يتيسر له
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
ذلك بأن أصابه مانع حال بينه وبين الصلاة، فالصلاة صحيحة، وهكذا لو صلى ولم يخطب باختياره ووجد من يخطب عنه، فالصحيح لا حرج في ذلك. والله الموفق.
س: الأخ ص. أ. ص. - من بنغازي في ليبيا يقول في سؤاله: هل يجوز أن يتولى الخطبة في الجمعة رجل ويتولى الإمامة فيها رجل آخر؟ أفتونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم اشتراط أن يكون خطيب الجمعة هو إمام صلاتها لعدم الدليل على ذلك، وخالف في ذلك بعض أهل العلم فذهبوا إلى اشتراط أن يكون خطيب الجمعة هو الإمام في صلاتها.
والصواب أنه لا حرج في ذلك إذا دعت الحاجة إليه، والله ولي التوفيق..
(1) نشرت في (المجلة العربية) ، العدد (198) في رجب 1414 هـ.
س: في بعض المناطق يجعلون أحد الشباب يخطب الخطبة، ويصلي الصلاة رجل آخر، ومستمرون على هذا، فما حكم صلاتهم؟ .
ج: ليس فيه بأس إذا كان الشاب يحسن الخطبة أكثر والإمام لا يحسنها إلا قليلا واستعملت الجهات المسئولة من يخطب بالناس خطبة أكثر فائدة فلا بأس، ولا يلزم أن يتولى الصلاة والخطبة شخص واحد؛ لأن الصلاة مستقلة عن الخطبة ولكن الأفضل والأولى أن يتولاهما شخص واحد، وأن تختار الجهات المسئولة من يصلح لذلك تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبخلفائه الراشدين وبأتباعهم بإحسان، والله ولي التوفيق.
س: هل يجوز لبعض الجماعة أن يخطب يوم الجمعة ويقوم آخر فيصلي بالناس عند غيبة الإمام؟ .
ج: إذا كان الإمام غائبا عن البلد، أو حاضرا فيها،
وتشق مراجعته لبعده أو لمطر ونحوه وقد تأخر عن الوقت المعتاد تأخرا بينا يشق على الناس، فلا بأس أن يقوم بعض الجماعة فيخطب خطبة الجمعة ويصلي بالناس، وإن خطب واحد وصلى آخر فلا بأس إذا كان كل واحد منهما أهلا لما قام به من خطبة أو صلاة؛ لأن ترك الناس في المسجد ينتظرون الغائب مع بعده عن البلد أو بعده عن محل الصلاة أو تأخره التأخر الكثير فيه مشقة على الناس وحرج، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«يسروا ولا تعسروا (1) » . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أيضا أنه لما تأخر في بعض أسفاره عن الوقت المعتاد قدم الصحابة عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم الفجر وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وهكذا لما تأخر صلى الله عليه وسلم في إصلاح بين بني عمرو بن عوف طلب بلال من أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن يصلي بالناس فأجاب إلى ذلك، وأقام بلال الصلاة ودخل أبو بكر في الصلاة، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه الناس صفقوا، فلما أكثروا من ذلك التفت أبو بكر رضي الله
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند أنس بن مالك) برقم (11924) ، والبخاري في (العلم) باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة برقم (69) ، ومسلم في (الجهاد والسير) باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، برقم (1734)
عنه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم قد شق الصفوف وقام خلفه، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يستمر في صلاته فامتنع أبو بكر عن ذلك أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم تأخر فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة، ولما سلم نهى الناس عن التصفيق وقال:«من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال ولتصفق النساء (1) » متفق على صحته.
وأسأل الله أن يوفقنا وإياه وسائر المسلمين للفقه في الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) حديث أبي مالك سهل بن سعد برقم (22295) ، والبخاري في (الأذان) باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول، برقم (684) ، ومسلم في (الصلاة) باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام، برقم (421) .
س: في صلاة الجمعة أذن رجل الأذان الأول، وأذن آخر الأذان الثاني، وخطب خطبتي الجمعة رجل وصلى بنا رجل آخر، فما حكم ذلك؟ .
ج: ليس في هذا حرج والحمد لله، يجوز أن يتولى الأذان الأول واحد، والثاني آخر، والخطبة شخص، والإمامة شخص، كل ذلك لا حرج فيه والحمد لله، لكن الأفضل أن يتولى الخطبة من يتولى الصلاة، وأن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة إذا تيسر ذلك، فالأفضل أن يكون الإمام هو الخطيب كما كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون، لكن لو خطب إنسان وصلى آخر فلا حرج.
ليس للجمعة سنة راتبة قبلها
(1)
س: الأخ\ م. ع. م. - من الجزائر، يقول في سؤاله: هل لصلاة الجمعة سنة قبلها أو بعدها؟ .
ج: ليس للجمعة سنة راتبة قبلها في أصح قولي العلماء، ولكن يشرع للمسلم إذا أتى المسجد أن يصلي ما يسر الله له من الركعات يسلم من كل ثنتين، لقول النبي صلى الله
(1) نشرت في (المجلة العربية) بتاريخ ربيع أول 1412 هـ.
عليه وسلم: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (1) » رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد حسن، وأصله في الصحيح من دون ذكر النهار.
ولأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ما يدل على أن المشروع للمسلم إذا أتى المسجد يوم الجمعة أن يصلي ما قسم الله له قبل خروج الإمام ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم ركعات محددة في ذلك فإذا صلى ثنتين أو أربعا أو أكثر من ذلك فكله حسن وأقل ذلك ركعتان تحية المسجد، أما بعدها فلها سنة راتبة أقلها ركعتان وأكثرها أربع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا (2) » وكان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته. وفق الله الجميع لما يرضيه.
(1) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (389، 394) والنسائي في (قيام الليل) برقم (1648)
(2)
رواه مسلم في (الجمعة) برقم (881) والترمذي في (الجمعة) برقم (481) ، والدارمي في (الصلاة) برقم (1575) واللفظ له
حكم تحية المسجد أثناء الخطبة
(1)
س: لقد دار نقاش بيني وبين بعض الإخوان المصلين بمسجد [فتنة] ريفي مروي بجمهورية السودان الديمقراطية حول صلاة الركعتين عند الدخول للمسجد والإمام يخطب، أرجو من سماحة الشيخ الفتوى حول ذلك الموضوع، وهل هي جائزة أم لا، علما بأن الأخوة المصلين أولئك في ذلك المسجد العتيق على مذهب الإمام مالك [مالكيون] .
ج: السنة عند دخول المسجد أن يصلي الداخل ركعتين تحية المسجد ولو كان الإمام يخطب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (2) » أخرجه الشيخان في الصحيحين.
ولما روى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (52) .
(2)
رواه البخاري في (الصلاة) برقم (425) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1166، 1167) ، وأحمد في (باقي مسند الأنصار) واللفظ له
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما (1) » .
وهذا نص صريح في المسألة لا يجوز لأحد أن يخالفه، ولعل الإمام مالكا رحمه الله لم تبلغه هذه السنة إذ ثبت عنه أنه نهى عن الركعتين وقت الخطبة؛ وإذا صحت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز لأحد أن يخالفها لقول أحد من الناس كائنا من كان؛ لقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2) ولقوله سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (3)
ومعلوم أن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم من حكم الله عز وجل. لقوله سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (4) والله ولي التوفيق.
(1) أخرجه البخاري في (الجمعة) برقم (1170) ومسلم في (الجمعة) برقم (875) واللفظ له
(2)
سورة النساء الآية 59
(3)
سورة الشورى الآية 10
(4)
سورة النساء الآية 80
حكم صلاة ركعتين بعد الأذان الأول
(1) .
س: الأخ / أ. م. ج. - من الرياض يقول في سؤاله: ألاحظ أثناء صلاة الجمعة في الحرمين الشريفين قيام بعض المصلين لأداء ركعتين بعد فراغ المؤذن من النداء للأذان الأول، أرجو من سماحة الوالد بيان الحق في هذا الفعل؟ جزاكم الله خيرا وأطال عمركم على طاعته.
ج: لا أعلم في الأدلة الشرعية ما يدل على استحباب هاتين الركعتين؛ لأن الأذان المذكور إنما أحدثه عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته لما كثر الناس في المدينة، أراد بذلك تنبيههم على أن اليوم يوم الجمعة، وتبعه الصحابة في ذلك، ومنهم علي رضي الله عنه واستقر بذلك كونه سنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (2) » .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى شرعية الركعتين بعد هذا الأذان. لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين كل
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2)
رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) برقم (16695)
أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثة لمن شاء (1) » .
والأظهر عندي أن الأذان المذكور لا يدخل في ذلك؛ لأن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بالأذانين: الأذان والإقامة فيما عدا يوم الجمعة، أما يوم الجمعة فإن المشروع للجماعة أن يستعدوا لسماع الخطبة بعد الأذان. والله ولي التوفيق.
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (588، 591) واللفظ له، ورواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1384)
وقت صلاة الجمعة
س: هل تجوز صلاة الجمعة قبل زوال الشمس؟
ج: تجوز صلاة الجمعة قبل زوال الشمس، ولكن الأفضل بعد الزوال خروجا من خلاف العلماء؛ لأن أكثر العلماء يقولون لا بد أن تكون صلاة الجمعة بعد الزوال، وهذا هو قول الأكثرين، وذهب قوم من أهل العلم إلى جوازها قبل الزوال في الساعة السادسة وفيه أحاديث وآثار -تدل على
ذلك- صحيحة فإذا صلى قبل الزوال بقليل فصلاته صحيحة، ولكن ينبغي ألا تفعل إلا بعد الزوال عملا بالأحاديث كلها وخروجا من خلاف العلماء، وتيسيرا على الناس حتى يحضروا جميعا، وحتى تكون الصلاة في وقت واحد، هذا هو الأولى والأحوط.
قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد
س: هل تجوز قراءة القرآن في الجمعة بصوت مرتفع في المسجد؟ .
ج: لا يجوز للمسلم أن يرفع صوته بالقراءة في المسجد أو غيره إذا كان يشوش على من حوله من المصلين أو القراء، بل السنة أن يقرأ قراءة لا يؤذي بها غيره؛ لما «ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج على الناس ذات يوم في المسجد وهم يرفع بعضهم الصوت على بعض بالقراءة فقال: أيها
الناس كلكم يناجي الله فلا يرفع بعضكم صوته على بعض. أو قال: فلا يجهر بعضكم على بعض (1) » .
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين) برقم (4692، 5096) ، ومالك في الموطأ في (النداء للصلاة) برقم (163) .
قراءة سورتي السجدة والدهر فجر الجمعة سنة
س: بعض المأمومين يتضجر من قراءة سورة السجدة وسورة الدهر في فجر الجمعة لطولهما، فما موقف الإمام علما بأن أكثرهم يرغب في ذلك وبعضهم لا يرغب؟
ج: هذه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيشرع للإمام قراءة هاتين السورتين في فجر الجمعة وإن كره ذلك بعض الجماعة لكسلهم؛ لأن السنة مقدمة على الجميع والمشروع للأئمة في جميع الصلوات أن يراعوا فعل السنة ويحافظوا عليها؛ لقوله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1)
(1) سورة الأحزاب الآية 21
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رغب عن سنتي فليس مني (1) » ..
(1) رواه البخاري، في (النكاح) برقم (5063) ومسلم في النكاح برقم (1401)
إلى سماحة الإمام العلامة المحدث الفقيه المفسر الداعية المفتي شيخ الإسلام في عصره الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، أطال الله في عمره على طاعته خدمة للإسلام والمسلمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
هناك سؤال: وهو أن بعض المأمومين يعترضون على قراءة أئمة المساجد لسورتي السجدة والإنسان في صلاة الفجر يوم الجمعة، ويطالبون بقسم سورة السجدة في الركعتين بحجة العجز عن الوقوف خلف الإمام لبعض كبار السن، ويحتجون بأن بعض أئمة المساجد يقسمها، فهل نسمع كلامهم في ذلك ونقسمها، أو نترك قراءتها أحيانا، أم نقرأها دائما وبدون قسم في الركعتين دون النظر إلى الاعتراض؟ أفتونا مأجورين. (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بعده:
السنة للإمام أن يقرأ في صلاة فجر يوم الجمعة سورتي تنزيل السجدة في الركعة الأولى وسورة هل أتى على الإنسان في الركعة الثانية ولا يلتفت إلى قول من يعترض في ذلك؛ لأن
(1) استفتاء شخصي موجه إلى سماحته.
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما في صلاة الفجر يوم الجمعة وهو أرحم الناس وأعلم الناس وأشفقهم على الضعيف، وإذا ترك قراءتهما في الشهر أو في الشهرين مرة ليعلم الناس أن قراءتهما غير واجبة وأنه يجوز قراءة غيرهما فلا بأس. وفق الله الجميع لما يرضيه.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
حكم الاقتصار على إحدى سورتي السجدة والدهر فجر الجمعة
س: هل يجوز الاقتصار على إحدى السورتين وهما سورة السجدة وهل أتى على الإنسان في فجر الجمعة؟
ج: السنة أن يأتي بهما جميعا ولا يقتصر على إحداهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » ولعموم قوله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2) ولما في ذلك من إحياء السنة والمحافظة عليها، والله ولي التوفيق.
(1) صحيح البخاري الأذان (631) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .
(2)
سورة الأحزاب الآية 21
قراءة سورة السجدة
وسجدة التلاوة فجر الجمعة
(1)
س: هل قراءة سورة السجدة، وسجدة التلاوة في صلاة الفجر يوم الجمعة من السنة؟ وهل يداوم على فعلها إذا كان ذلك من السنة؟
ج: السنة أن يقرأ الإمام في صلاة الفجر يوم الجمعة في الركعة الأولى سورة السجدة ويسجد فيها سجدة التلاوة، وفي الثانية:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (2) رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه الطبراني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وزاد ابن مسعود في حديثه: أنه كان صلى الله عليه وسلم يديم ذلك أي: يداوم على قراءة السورتين المذكورتين، فالسنة المداومة.
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (11) .
(2)
سورة الإنسان الآية 1
س: والذي يقرأ سورة السجدة في ركعتين ما حكمه؟ (1) ؟
ج: حكمه أنه خالف السنة، فليرشد إلى فعل السنة والصلاة صحيحة والحمد لله، لكن لو قرأ في بعض الأحيان غير السورتين ليعلم الجماعة أن قراءتهما ليست واجبة في كل جمعة فلا حرج في ذلك. والله ولي التوفيق.
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم 11
إذا سبق الصبيان من هم أكبر
منهم إلى الصف الأول فهم أولى به
س: بعض الأولاد يبكرون يوم الجمعة ويأتي أناس أكبر منهم ويقيمونهم ويجلسون مكانهم ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى (1) » (2) . فهل هذا جائز؟
ج: هذا يقوله بعض أهل العلم ويرى أن الأولى بالصبيان أن يصفوا وراء الرجال، ولكن هذا القول فيه نظر،
(1) صحيح مسلم الصلاة (432) ، سنن النسائي الإمامة (807) ، سنن أبو داود الصلاة (674) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (976) ، مسند أحمد بن حنبل (4/122) ، سنن الدارمي الصلاة (1266) .
(2)
رواه مسلم في (الصلاة) برقم (654، 655) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (577)
والأصح أنهم إذا تقدموا لا يجوز تأخيرهم، فإذا سبقوا إلى الصف الأول أو إلى الصف الثاني فلا يقيمهم من جاء بعدهم؛ لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم فلم يجز تأخيرهم لعموم الأحاديث في ذلك؛ لأن في تأخيرهم تنفيرا لهم من الصلاة، ومن المسابقة إليها فلا يليق ذلك.
لكن لو اجتمع الناس بأن جاءوا مجتمعين في سفر أو لسبب فإنه يصف الرجال أولا، ثم الصبيان ثانيا، ثم النساء بعدهم إذا صادف ذلك وهم مجتمعون، أما أن يؤخذوا من الصفوف ويزالوا ويصف مكانهم الكبار الذين جاءوا بعدهم فلا يجوز ذلك لما ذكرنا.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى (1) » . فالمراد به التحريض على المسارعة إلى الصلاة من ذوي الأحلام والنهى وأن يكونوا في مقدم الناس، وليس معناه تأخير من سبقهم من أجلهم؛ لأن ذلك مخالف للأدلة الشرعية التي ذكرنا.
(1) صحيح مسلم الصلاة (432) ، سنن النسائي الإمامة (807) ، سنن أبو داود الصلاة (674) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (976) ، مسند أحمد بن حنبل (4/122) ، سنن الدارمي الصلاة (1266) .
وقت تحري ساعة الإجابة من يوم الجمعة
س: في أي الأوقات يتحرى المسلمون ساعة الإجابة يوم الجمعة، أفي يوم الجمعة كله، أم في العصر، أم بعد صلاة الجمعة مباشرة؟
ج: الله جل وعلا جعل في الجمعة ساعة يقبل فيها الدعاء، وهي ساعة قليلة لا يوافقها المسلم وهو قائم يصلي إلا أعطاه الله سؤاله، فهي ساعة عظيمة قليلة، جاء في بعض الروايات عند مسلم أنها حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة، هكذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى مرفوعا، وعلله بعضهم بأنه من كلام أبي بردة بن أبي موسى وليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب ثبوت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء أيضا من حديث جابر بن عبد الله وعبد الله بن سلام أنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وجاء في بعض الأحاديث أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، وكلها صحيحة لا
تنافي بينها، فأحراها وأرجاها ما بين الجلوس على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذه الأوقات هي الأرجى لساعة الإجابة، وبقية الأوقات في يوم الجمعة كلها ترجى فيها إجابة الدعاء، لكن أرجاها ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة وما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس كما تقدم، وبقية ساعات الجمعة ترجى فيها هذه الإجابة لعموم بعض الأحاديث الواردة في ذلك. فينبغي الإكثار في يوم الجمعة من الدعاء رجاء أن يصادف هذه الساعة المباركة، ولكن ينبغي أن تحظى الأوقات الثلاثة المذكورة آنفا بمزيد من العناية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نص على أنها ساعة الإجابة. والله ولي التوفيق. .
س: آخر ساعة من عصر الجمعة هل هي ساعة الإجابة، وهل يلزم المسلم أن يكون في المسجد في هذه الساعة، وكذلك النساء في المنازل (1)
ج: أرجح الأقوال في ساعة الإجابة يوم الجمعة قولان:
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) العدد (1622) بتاريخ 18 شعبان 1418 هـ.
أحدهما: أنها بعد العصر إلى غروب الشمس في حق من جلس ينتظر صلاة المغرب، سواء كان في المسجد أو في بيته يدعو ربه، وسواء كان رجلا أو امرأة فهو حري بالإجابة، لكن ليس للرجل أن يصلي في البيت صلاة المغرب ولا غيرها إلا بعذر شرعي كما هو معلوم من الأدلة الشرعية.
والثاني: أنها من حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة، فالدعاء في هذين الوقتين حري بالإجابة، وهذان الوقتان هما أحرى ساعات الإجابة يوم الجمعة، لما ورد فيهما من الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك، وترجى هذه الساعة في بقية ساعات اليوم، وفضل الله واسع سبحانه وتعالى.
ومن أوقات الإجابة في جميع الصلوات فرضها ونفلها: حال السجود، لقوله صلى الله عليه وسلم:«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (1) » خرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وروى مسلم رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أما الركوع فعظموا فيه الرب
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (9165) ومسلم في (الصلاة) باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (482)
وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1) » . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «فقمن أن يستجاب لكم (2) » أي حري.
(1) صحيح مسلم الصلاة (479) ، سنن النسائي التطبيق (1120) ، سنن أبو داود الصلاة (876) ، سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3899) ، مسند أحمد بن حنبل (1/219) ، سنن الدارمي الصلاة (1325) .
(2)
رواه الإمام أحمد في (بداية مسند عبد الله بن عباس) برقم (1903) ، ومسلم في (الصلاة) باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
غسل الجمعة سنة عند التهيؤ للصلاة
س: هل يكتفى بالغسل الواجب قبل صلاة الفجر للجمعة أم لا؟ .
ج: السنة غسل يوم الجمعة عند التهيؤ لصلاة الجمعة، والأفضل أن يكون ذلك عند التوجه إلى المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل (1) » .
وإذا كان اغتسل في أول النهار أجزأه؛ لأن غسل يوم
(1) أخرجه البخاري في (الجمعة) برقم (882) واللفظ له، ومسلم في (الجمعة) برقم (845)
الجمعة سنة مؤكدة، وقال بعض أهل العلم بالوجوب، فينبغي المحافظة على هذا الغسل يوم الجمعة في يوم الجمعة والأفضل أن يكون عند توجهه إلى الجمعة كما تقدم؛ لأن هذا أبلغ في النظافة، وأبلغ في قطع الروائح الكريهة، مع العناية بالطيب واللباس الحسن، وكذلك ينبغي له إذا خرج إليها أن يعتني بالخشوع وأن يقارب بين خطاه؛ لأن الخطا تحط بها السيئات ويرفع الله بها الدرجات فينبغي أن يكون له خشوع وعناية، وإذا وصل إلى المسجد قدم رجله اليمنى، وصلى على رسول الله عليه الصلاة والسلام وسمى الله وقال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، ثم يصلي ما قدر الله له، ولا يفرق بين اثنين، وبعد ذلك يجلس ينتظر إما في قراءة وإما في ذكر واستغفار أو سكوت حتى يأتي الإمام، ويكون منصتا إذا خطب الإمام، ثم يصلي معه، فإذا فعل ذلك فقد أتى خيرا عظيما. وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت للخطيب حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام (1) » وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها.
(1) رواه مسلم في (الجمعة) برقم (1418) واللفظ له، والترمذي في (الجمعة) برقم (458)
غسل الجنابة يكفي عن غسل الجمعة إذا نوى الغسلين
س: هل يكفي غسل الجنابة عن غسل الجمعة؟ .
ج: إذا كان في النهار كفاه ذلك، والأفضل أن ينويهما جميعا وذلك بأن ينوي بغسله: الجمعة والجنابة، وبذلك يحصل له- إن شاء الله- فضل غسل الجمعة.
فضل التبكير لصلاة الجمعة
س: بعض الناس يحجزون أمكنة في المساجد يوم الجمعة وهم في بيوتهم، هل هذا صحيح؟
ج: هذا لا يجوز وإنما المشروع أن يتقدم المصلي
للمسجد بنفسه ليجلس فيه ينتظر صلاة الجمعة بعد أن يصلي ما قدر الله له، ثم يشتغل بقراءة القرآن أو بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والدعاء حتى يخرج الإمام، أما ما يفعله بعض الناس من حجز أماكن بوضع نعال أو بشت أو شيء آخر ويذهب فهذا لا يجوز، فالمسجد لمن تقدم، وهكذا الصف الأول وما بعده للمتقدم، فمن تقدم فهو أولى به، أما أن يحجزه بنعال أو بأشياء غير ذلك أو سجادة فهذا لا يجوز.
المرور بين يدي المصلي في صلاة الجمعة
س: ما حكم الذي يقطع صلاة الذي يصلي، ويمشي أمام من يتنفل في صلاة الجمعة لازدحام الناس؟
ج: لا يجوز للداخل أن يقطع صلاة أحد، بل يتحرى الطرق التي ليس فيها مرور بين يدي المصلي، فإذا اضطر إلى ذلك ولم يجد مسارا فنرجو أن يعفو الله عنه، لكن عليه أن يتحرى، ولهذا لا يحرم المرور بين أيدي المصلين في المسجد الحرام؛ لأنه مظنة الزحام وعدم القدرة على رد المار بين يدي
المصلي، فإذا وجد الزحام في مكان آخر يعجز معه الداخل أن يجد مساغا حتى يذهب للصفوف فنرجو أن يعفو الله عنه؛ لقول الله عز وجل:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (1)
ولذا ينبغي للمصلي أن يكون في المكان الذي لا يكون فيه إضرار بالناس، أو يكتفي بما يسر الله من الصلاة ركعتين أو أربع، ثم يجلس إذا كان الطريق عليه.
س: فيه أولاد في حدود الرابعة أو الخامسة يحضرون مع آبائهم لصلاة الجمعة، ثم عندما يصلي الإمام يقطعون الصلاة على المصلين، ويتكلمون ويخرجون، هل هذا صحيح؟
ج: الواجب على الآباء أن لا يحضروا أولادهم الصغار الذين دون السبع حتى يعقلوا، فإذا بلغوا سبعا وعقلوا شرع أمرهم بالصلاة، أما إذا كانوا دون ذلك، أو ما عندهم عقل فإنه لا ينبغي إحضارهم؛ لأنهم لا صلاة لهم؛ ولأنهم يضرون
(1) سورة الأنعام الآية 119
بالمصلين ويشوشون عليهم.
س: وهل يقطعون الصلاة؟
ج: لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة: المرأة البالغة والحمار والكلب الأسود فقط. هؤلاء هم الذين يقطعون الصلاة إذا مروا بين المصلي وسترته إن كان له سترة أو بين يديه إن لم يكن له سترة، لكن المصلي لا يترك غيرهم يمر، فالرجل لا يمر، والصبي لا يمر، والدابة لا تمر إذا تيسر ذلك. لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (1) » متفق على صحته من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، لكن لو مر الرجل أو بعير أو غنم فإنها لا تقطع الصلاة، ولا يقطع الصلاة إلا الثلاثة المنصوص عليها في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي: الحمار والكلب الأسود والمرأة البالغة كما تقدم.
(1) رواه البخاري في (الصلاة) برقم (479) واللفظ له، ورواه مسلم في (الصلاة) برقم (783)