المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ - ثُمَّ إِنَّهُمْ - مدارج السالكين - ط الكتاب العربي - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلُ مَنْزِلَةِ الْهِمَّةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْهِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْهِمَّةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى هِمَّةٌ تَصُونُ الْقَلْبَ عَنْ وَحْشَةِ الرَّغْبَةِ فِي الْفَانِي]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ هِمَّةٌ تُورِثُ أَنَفَةً مِنَ الْمُبَالَاةِ بِالْعِلَلِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ هِمَّةٌ تَتَصَاعَدُ عَنِ الْأَحْوَالِ وَالْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدُّ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ رُسُومٌ وَحُدُودٌ قِيلَتْ فِي الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فصل أسباب المحبة]

- ‌[فَصْلٌ مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَمَحَبَّةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَرَاتِبِ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بَيْنَ الْهِمَّةِ وَالْأُنْسِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ أَوَّلُ أَوْدِيَةِ الْفَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا دُونَ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْمَقَامَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ هِيَ سِمَةُ الطَّائِفَةِ وَعُنْوَانُ الطَّرِيقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى مَحَبَّةٌ تَقْطَعُ الْوَسَاوِسَ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُ عَلَى إِيثَارِ الْحَقِّ عَلَى غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مَحَبَّةٌ خَاطِفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَدَارُ شَأْنِ السَّالِكِينَ الْمُسَافِرِينَ إِلَى اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الْمَحَبَّةِ الثَّالِثَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْغَيْرَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْغَيْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْغَيْرَةُ سُقُوطُ الِاحْتِمَالِ ضَنًّا وَالضِّيقُ عَنِ الصَّبْرِ نَفَاسَةً]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْغَيْرَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى غَيْرَةُ الْعَابِدِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ غَيْرَةُ الْمُرِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ غَيْرَةُ الْعَارِفِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الشَّوْقِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الشَّوْقِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّوْقُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّوْقُ يُرَادُ بِهِ حَرَكَةُ الْقَلْبِ وَاهْتِيَاجُه لِلِقَاءِ الْمَحْبُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّوْقُ هُبُوبُ الْقَلْبِ إِلَى غَائِبٍ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الشَّوْقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى شَوْقُ الْعَابِدِ إِلَى الْجَنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ شَوْقٌ إِلَى اللَّهِ عز وجل]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الشَّوْقُ الْخَالِصُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَلَقُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْقَلَقِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْقَلَقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى قَلَقٌ يُضَيِّقُ الْخُلُقَ وَيُبَغِّضُ الْخَلْقَ وَيُلَذِّذُ الْمَوْتَ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ قَلَقٌ يُغَالِبُ الْعَقْلَ وَيُخَلِّي السَّمْعَ وَيُطَاوِلُ الطَّاقَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ قَلَقٌ لَا يَرْحَمُ أَبَدًا وَلَا يَقْبَلُ أَمَدًا وَلَا يُبْقِي أَحَدًا]

- ‌[فَصْلٌ الْعَطَشُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْعَطَشِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْعَطَشِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى عَطَشُ الْمُرِيدِ إِلَى شَاهِدٍ يَرْوِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ عَطَشُ السَّالِكِ إِلَى أَجَلٍ يَطْوِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ عَطَشُ الْمُحِبِّ إِلَى جَلْوَةٍ مَا دُونَهَا سَحَابُ عَلَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْوَجْدِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْوَجْدِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْوَجْدِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى وَجْدٌ عَارِضٌ يَسْتَفِيقُ لَهُ شَاهَدُ السَّمْعِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ وَجْدٌ تَسْتَفِيقُ لَهُ الرُّوحُ بِلَمْعِ نُورٍ أَزَلِيٍّ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ وَجْدٌ يَخْطِفُ الْعَبْدَ مِنْ يَدِ الْكَوْنَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّهْشُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الدَّهْشِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الدَّهْشِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى دَهْشَةُ الْمُرِيدِ عِنْدَ صَوْلَةِ الْحَالِ عَلَى عِلْمِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ دَهْشَةُ السَّالِكِ عِنْدَ صَوْلَةِ الْجَمْعِ عَلَى رَسْمِهِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ دَهْشَةُ الْمُحِبِّ عِنْدَ صَوْلَةِ الِاتِّصَالِ عَلَى لُطْفِ الْعَطِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْزِلَةِ الْهَيَمَانِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْهَيَمَانِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْهَيَمَانِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى هَيَمَانٌ فِي شِيَمِ أَوَائِلِ بَرْقِ اللُّطْفِ عِنْدَ قَصْدِ الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ هَيَمَانٌ فِي تَلَاطُمِ أَمْوَاجِ التَّحْقِيقِ عِنْدَ ظُهُورِ بَرَاهِينِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ هَيَمَانٌ عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي عَيْنِ الْقِدَمِ وَمُعَايَنَةِ سُلْطَانِ الْأَزَلِ]

- ‌[فَصْلٌ الْبَرْقُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْبَرْقِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْبَرْقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى بَرْقٌ يَلْمَعُ مِنْ جَانِبِ الْعِدَةِ فِي عَيْنِ الرَّجَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ بَرْقٌ يَلْمَعُ مِنْ جَانِبِ الْوَعِيدِ فِي عَيْنِ الْحَذَرِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ بَرْقٌ يَلْمَعُ مِنْ جَانِبِ اللُّطْفِ فِي عَيْنِ الِافْتِقَارِ]

- ‌[فَصْلُ مَنْزِلَةِ الذَّوْقِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الذَّوْقِ]

- ‌[فَصْلٌ بَابُ الذَّوْقِ]

- ‌[فَصْلٌ الذَّوْقُ أَبْقَى مِنَ الْوَجْدِ وَأَجْلَى مِنَ الْبَرْقِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الذَّوْقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى ذَوْقُ التَّصْدِيقِ طَعْمَ الْعِدَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ ذَوْقُ الْإِرَادَةِ طَعْمَ الْأُنْسِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ ذَوْقُ الِانْقِطَاعِ طَعْمَ الِاتِّصَالِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ اللَّحْظِ]

- ‌[حَقِيقَةُ اللَّحْظِ]

- ‌[دَرَجَاتُ اللَّحْظِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى مُلَاحَظَةُ الْفَضْلِ سَبْقًا]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مُلَاحَظَةُ نُورِ الْكَشْفِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مُلَاحَظَةُ عَيْنِ الْجَمْعِ]

- ‌[فَصْلُ مَنْزِلَةِ الْوَقْتِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْوَقْتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَعَانِي الْوَقْتِ]

- ‌[الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَقْتُ وَجْدٍ صَادِقٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْنَى الثَّانِي اسْمٌ لِطَرِيقِ سَالِكٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْنَى الثَّالِثِ: الْوَقْتُ الْحَقُّ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الصَّفَاءِ]

- ‌[حَدُّ الصَّفَاءِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الصَّفَاءِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى صَفَاءُ عِلْمٍ يُهَذِّبُ لِسُلُوكِ الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ صَفَاءُ حَالٍ يُشَاهَدُ بِهِ شَوَاهِدُ التَّحْقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ صَفَاءُ اتِّصَالٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السُّرُورِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ السُّرُورِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدُّ السُّرُورِ]

- ‌[دَرَجَاتُ السُّرُورِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى سُرُورُ ذَوْقٍ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ سُرُورُ شُهُودٍ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ سُرُورُ سَمَاعِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السِّرِّ]

- ‌[حَقِيقَةُ السِّرِّ]

- ‌[فَصْلٌ أَصْحَابُ السِّرِّ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ]

- ‌[الْأُولَى طَائِفَةٌ عَلَتْ هِمَمُهُمْ وَصَفَتْ قُصُودُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّانِيَةُ طَائِفَةٌ أَشَارُوا عَنْ مَنْزِلٍ وَهُمْ فِي غَيْرِهِ وَوَرُّوا بِأَمْرٍ وَهُمْ لِغَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّالِثَةُ طَائِفَةٌ أَسَرَهُمُ الْحَقُّ عَنْهُمْ فَأَلَاحَ لَهُمْ لَائِحًا أَذْهَلَهُمْ عَنْ إِدْرَاكِ مَا هُمْ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ النَّفَسِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ النَّفَسِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَنْفَاسُ ثَلَاثَةٌ]

- ‌[الْأَوَّلُ نَفَسٌ فِي حِينِ اسْتِتَارٍ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّانِي نَفَسٌ فِي حِينِ التَّجَلِّي]

- ‌[فَصْلٌ الثَّالِثُ نَفَسٌ مُطَهَّرٌ بِمَاءِ الْقُدْسِ]

- ‌[فَصْلُ الْغُرْبَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْغُرْبَةِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْغُرْبَةِ]

- ‌[الْأَوَّلُ غُرْبَةُ أَهْلِ اللَّهِ وَأَهْلِ سُنَةِ رَسُولِهِ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّانِي غُرْبَةُ أَهْلِ الْبَاطِلِ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّالِثُ غُرْبَةٌ مُشْتَرَكَةٌ لَا تُحْمَدُ وَلَا تُذَمُّ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الِاغْتِرَابِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى الْغُرْبَةُ عَنِ الْأَوْطَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ غُرْبَةُ الْحَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ غُرْبَةُ الْهِمَّةِ]

- ‌[فَصْلُ الْغَرَقِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْغَرَقِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْغَرَقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى اسْتِغْرَاقُ الْعِلْمِ فِي عَيْنِ الْحَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ اسْتِغْرَاقُ الْإِشَارَةِ فِي الْكَشْفِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ اسْتِغْرَاقُ الشَّوَاهِدِ فِي الْجَمْعِ]

- ‌[فَصْلُ الْغَيْبَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْغَيْبَةِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْغَيْبَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى غَيْبَةُ الْمُرِيدِ فِي تَخَلُّصِ الْقَصْدِ عَنْ أَيْدِي الْعَلَائِقِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ غَيْبَةُ السَّالِكِ عَنْ رُسُومِ الْعِلْمِ وَعِلَلِ السَّعْيِ وَرُخَصِ الْفُتُورِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ غَيْبَةُ الْعَارِفِ عَنْ عُيُونِ الْأَحْوَالِ وَالشَّوَاهِدِ وَالدَّرَجَاتِ فِي عَيْنِ الْجَمْعِ]

- ‌[فَصْلُ التَّمَكُّنِ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّمَكُّنِ]

- ‌[دَرَجَاتُ التَّمَكُّنِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَمَكُّنُ الْمُرِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَمَكُّنُ السَّالِكِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ تَمَكُّنُ الْعَارِفِ]

- ‌[فَصْلُ الْمُكَاشَفَةِ]

- ‌[فَصْلُ الْمُشَاهَدَةِ]

- ‌[مَنْ يَنْتَفِعُ بِكَلَامِ اللَّهِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمُشَاهَدَةِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْمُشَاهَدَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الْأُولَى مُشَاهَدَةُ مَعْرِفَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مُشَاهَدَةُ مُعَايَنَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مُشَاهَدَةُ جَمْعٍ]

- ‌[فَصْلُ الْمُعَايَنَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمُعَايَنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الْمُعَايَنَةِ]

- ‌[فَصْلُ الْحَيَاةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْحَيَاةِ]

- ‌[الْحَيَاةُ الْمَقْصُودَةُ هُنَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَيَاةُ الْأُولَى حَيَاةُ الْعِلْمِ مِنْ مَوْتِ الْجَهْلِ وَهِيَ عَشْرُ مَرَاتِبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَيَاةُ الثَّانِيَةُ حَيَاةُ الْجَمْعِ مِنْ مَوْتِ التَّفْرِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَيَاةُ الثَّالِثَةُ حَيَاةُ الْوُجُودِ]

- ‌[فَصْلُ الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلُ الْبَسْطِ]

- ‌[فَصْلُ السُّكْرِ]

- ‌[حَدُّ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْبَابُ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَامَاتُ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلُ الصَّحْوِ]

- ‌[فَصْلُ الِاتِّصَالِ]

- ‌[فَصْلُ الِانْفِصَالِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الِانْفِصَالِ]

- ‌[فَصْلٌ وُجُوهُ الِانْفِصَالِ]

- ‌[فَصْلُ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى مَعْرِفَةُ الصِّفَاتِ وَالنُّعُوتِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مَعْرِفَةُ الذَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مَعْرِفَةٌ مُسْتَغْرِقَةٌ فِي مَحْضِ التَّعْرِيفِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَنَاءُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْفَنَاءِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْفَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الْأُولَى فَنَاءُ الْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْرُوفِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ فَنَاءُ شُهُودِ الطَّلَبِ لِإِسْقَاطِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الْفَنَاءُ عَنْ شُهُودِ الْفَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْبَقَاءُ]

- ‌[حَدُّ الْبَقَاءِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْبَقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحْقِيقُ]

- ‌[فَصْلٌ التَّلْبِيسُ]

- ‌[عَدَمُ مُنَاسَبَةِ اسْمِ الْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ التَّلْبِيسِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّلْبِيسُ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ]

- ‌[الْأَوَّلُ تَلْبِيسُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ بِالْكَوْنِ عَلَى أَهْلِ التَّفْرِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّانِي تَلْبِيسُ أَهِلَ الْغَيْرَةِ عَلَى الْأَوْقَاتِ بِإِخْفَائِهَا]

- ‌[الثَّالِثُ تَلْبِيسُ أَهْلِ التَّمْكِينِ عَلَى الْعَالَمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَبْنَى الْبَابِ عَلَى مَحْوِ الْأَسْبَابِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا وَالْوُقُوفِ مَعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْوُجُودُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْوُجُودِ]

- ‌[فَصْلٌ تَكَلَّمَ الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ وَالِاتِّحَادِيَّةُ فِي الْوُجُودِ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ شَيْءٍ عَنِ الصَّوَابِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدُّ الْوُجُودِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّجْرِيدُ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّجْرِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ التَّجْرِيدِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَجْرِيدُ عَيْنِ الْكَشْفِ عَنْ كَسْبِ الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَجْرِيدُ عَيْنِ الْجَمْعِ عَنْ دَرْكِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ تَجْرِيدُ الْخَلَاصِ مِنْ شُهُودِ التَّجْرِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّفْرِيدُ]

- ‌[حَدُّ التَّفْرِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْرِيدُ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَقِّ]

- ‌[تَفْرِيدُ الْإِشَارَةِ بِالْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْرِيدُ الْإِشَارَةِ عَنِ الْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْجَمْعُ]

- ‌[حَدُّ الْجَمْعِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْجَمْعِ]

- ‌[الْجَمْعُ غَايَةُ مَقَامَاتِ السَّالِكِينَ]

- ‌[فَصْلٌ نِهَايَةُ السَّالِكِينَ تَكْمِيلُ مَرْتَبَةِ الْعُبُودِيَّةِ صَرْفًا]

- ‌[فَصْلٌ التَّوْحِيدُ]

- ‌[التَّوْحِيدُ أَوَّلُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِفْرَادُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْجُنَيْدُ]

- ‌[فَصْلٌ انْقِسَامُ الطَّوَائِفِ فِي التَّوْحِيدِ وَتَسْمِيَةُ كُلِّ طَائِفَةٍ بَاطِلَهُمْ تَوْحِيدًا]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ التَّوْحِيدِ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ]

- ‌[مَرَاتِبُ التَّوْحِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى " قَائِمًا بِالْقِسْطِ]

- ‌[فَصْلٌ مَزَاعِمُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَتُهُ سُبْحَانَهُ تَتَضَمَّنُ بَيَانَهُ لِلْعِبَادِ وَدَلَالَتَهُمْ وَتَعْرِيفَهُمْ بِمَا شَهِدَ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِشْهَادُ عَلَى الرِّسَالَةِ بِشَهَادَةِ اللَّهِ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شَهَادَتِهِ سُبْحَانَهُ مَا أَوْدَعَهُ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ مِنَ التَّصْدِيقِ الْجَازِمِ بِكَلَامِهِ وَوَحْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ ضِمْنُ الشَّهَادَةِ الْإِلَهِيَّةِ الثَّنَاءُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الشَّاهِدِينَ بِهَا وَتَعْدِيلِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ شَهَادَةِ أُولِي الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْحِيدُ الْعَامَّةِ الَّذِي يَصِحُّ بِالشَّوَاهِدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْحِيدُ الْخَاصَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّعُودُ عَنْ مُنَازَعَاتِ الْعُقُولِ حَقٌّ لَا يَتِمُّ التَّوْحِيدُ وَالْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ الْإِيمَانِيُّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْجَمْعُ الصَّحِيحُ هُوَ جَمْعُ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَجَمْعُ تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّوْحِيدُ الَّذِي اخْتَصَّهُ الْحَقُّ لِنَفْسِهِ وَاسْتَحَقَّهُ لِقَدْرِهِ]

الفصل: تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ - ثُمَّ إِنَّهُمْ

تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ - ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} [المطففين: 15 - 16] .

قَوْلُهُ: " لَابِسًا نُورَ الْوُجُودِ " الْمَعْنَى الصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ: أَنَّ نُورَ الْوُجُودِ نُورُ ظَفَرِهِ بِإِقْبَالِ قَلْبِهِ عَلَى اللَّهِ عز وجل، وَجَمْعِ هَمِّهِ عَلَيْهِ، وَفَنَائِهِ بِمُرَادِهِ عَنْ مُرَادِ نَفْسِهِ، فَصَارَ وَاجِدًا لِمَا أَكْثَرُ الْخَلْقِ فَاقِدٌ لَهُ، قَدْ لَبِسَ قَلْبَهُ نُورُ ذَلِكَ الْوُجُودِ، حَتَّى فَاضَ عَلَى لِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ، وَحَرَكَاتِهِ وَسَكْنَاتِهِ، فَإِنْ نَطَقَ عَلَاهُ النُّورُ وَإِنْ سَكَتَ عَلَاهُ النُّورُ.

وَأَخَصُّ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ قَدْ فَاضَ عَلَى قَلْبِهِ نُورُ الْيَقِينِ بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَصَارَ لِقَلْبِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَالْإِيمَانِ بِهَا، وَذَوْقِ حَلَاوَةِ ذَلِكَ نُورٌ خَاصٌّ غَيْرُ مُجَرَّدِ نُورِ الْعِبَادَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالسُّلُوكِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَلْتَفِتَ إِلَى غَيْرِ هَذَا {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [النحل: 94] .

وَلَيْسَ مُرَادُ الشَّيْخِ بِالْوُجُودِ مَا يُرِيدُهُ الْمُتَكَلِّمُونَ وَالْفَلَاسِفَةُ، وَلَا مَا يُرِيدُهُ الِاتِّحَادِيَّةُ الْمَلَاحِدَةُ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بِهِ الْوِجْدَانُ بَعْدَ الْفَقْدِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ وَاجِدٌ، وَفُلَانٌ فَاقِدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلُ الْمُكَاشَفَةِ]

قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ:

(بَابُ الْمُكَاشَفَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] .

وَجْهُ احْتِجَاجِهِ بِإِشَارَةِ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَشَفَ لِعَبْدِهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَكْشِفْهُ لِغَيْرِهِ، وَأَطْلَعَهُ عَلَى مَا لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَحَصَلَ لِقَلْبِهِ الْكَرِيمِ مِنَ انْكِشَافِ الْحَقَائِقِ الَّتِي لَا تَخْطُرُ بِبَالِ غَيْرِهِ مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ، وَالْإِيحَاءُ هُوَ الْإِعْلَامُ السَّرِيعُ الْخَفِيُّ، وَمِنْهُ الْوَحَا الْوَحَا؛ أَيِ: الْإِسْرَاعُ الْإِسْرَاعُ.

قَوْلُهُ: " مَا أَوْحَى " أَبْهَمَهُ لِعِظَمِهِ، فَإِنَّ الْإِبْهَامَ قَدْ يَقَعُ لِلتَّعْظِيمِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] أَيْ: أَمْرٌ عَظِيمٌ فَوْقَ الصِّفَةِ.

ص: 209

قَالَ الشَّيْخُ: الْمُكَاشَفَةُ: مُهَادَاةُ السِّرِّ بَيْنَ مُتَبَاطِنَيْنِ، يُرِيدُ أَنَّ الْمُكَاشَفَةَ إِطْلَاعُ أَحَدِ الْمُتَحَابَّيْنِ الْمُتَصَافِيَيْنِ صَاحِبَهُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَسِرِّهِ.

قَوْلُهُ: " مُهَادَاةُ السِّرِّ " أَيْ: تَرَدُّدُ السِّرِّ عَلَى وَجْهِ الْإِلْطَافِ وَالْمَوَدَّةِ.

قَوْلُهُ: " بَيْنَ مُتَبَاطِنَيْنِ " يَعْنِي بِالْمُتَبَاطِنَيْنِ: بَاطِنُ الْمُكَاشِفِ وَالْمُكَاشَفِ، فَيُحْمَلُ سِرُّ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ، كَمَا يُحْمَلُ إِلَيْهِ هَدِيَّتُهُ، فَيَسْرِي سِرُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ، وَإِذَا بَلَغَ الْعَبْدُ فِي مَقَامِ الْمَعْرِفَةِ إِلَى حَدٍّ كَأَنَّهُ يُطَالِعُ مَا اتَّصَفَ بِهِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنُعُوتِ الْجَلَالِ، وَأَحَسَّتْ رُوحُهُ بِالْقُرْبِ الْخَاصِّ الَّذِي لَيْسَ هُوَ كَقُرْبِ الْمَحْسُوسِ مِنَ الْمَحْسُوسِ، حَتَّى يُشَاهِدَ رَفْعَ الْحِجَابِ بَيْنَ رُوحِهِ وَقَلْبِهِ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَإِنَّ حِجَابَهُ هُوَ نَفْسُهُ، وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ ذَلِكَ الْحِجَابَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ أَفْضَى الْقَلْبُ وَالرُّوحُ حِينَئِذٍ إِلَى الرَّبِّ، فَصَارَ يَعْبُدُهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِذَا تَحَقَّقَ بِذَلِكَ، وَارْتَفَعَ عَنْهُ حِجَابُ النَّفْسِ، وَانْقَشَعَ عَنْهُ ضَبَابُهَا وَدُخَانُهَا وَكُشِطَتْ عَنْهُ سُحُبُهَا وَغُيُومُهَا، فَهُنَاكَ يُقَالُ لَهُ:

بِذَلِكَ سِرٌّ طَالَ عَنْكَ اكْتَتَامُهُ

وَلَاحَ صَبَاحٌ كُنْتَ أَنْتَ ظَلَامُهُ

فَأَنْتَ حِجَابُ الْقَلْبِ عَنْ سِرِّ غَيْبِهِ

وَلَوْلَاكَ لَمْ يُطَبَعْ عَلَيْهِ خِتَامُهُ

فَإِنْ غِبْتَ عَنْهُ حَلَّ فِيهِ وَطَنَّبَتْ

عَلَى مَنْكِبِ الْكَشْفِ الْمَصُونِ خِيَامُهُ

وَجَاءَ حَدِيثٌ لَا يُمَلُّ سَمَاعُهُ

شَهِيٌّ إِلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ

إِذَا ذَكَرَتْهُ النَّفْسُ زَالَ عَنَاؤُهَا

وَزَالَ عَنِ الْقَلْبِ الْكَئِيبِ قَتَامُهُ

فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ: وَهِيَ فِي هَذَا الْبَابِ: بُلُوغُ مَا وَرَاءَ الْحِجَابِ وُجُودًا.

قَوْلُهُ: " وُجُودًا " احْتِرَازٌ مِنْ بُلُوغِهِ سَمَاعًا وَعِلْمًا، وَكَثِيرًا مَا يَلْتَبِسُ عَلَى الْعَبْدِ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، فَأَيْنَ وُجُودُ الْحَقِيقَةِ مِنَ الْعِلْمِ بِهَا وَمَعْرِفَتِهَا؟ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَتَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِالْقَلْبِ شَيْءٌ، وَاتِّصَافُهُ بِالْمَعْلُومِ شَيْءٌ آخَرُ.

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَمَاعُ ذَلِكَ دُونَ فَهْمِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَهْمُهُ دُونَ حَقِيقَتِهِ، وَالتَّعَلُّقُ الْكَامِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُودُهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ: بُلُوغُ مَا وَرَاءَ الْحِجَابِ وُجُودًا.

قَالَ الشَّيْخُ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ؛ الدَّرَجَةُ الْأُولَى: مُكَاشَفَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّحْقِيقِ الصَّحِيحِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ مُسْتَدَامَةً، فَإِذَا كَانَتْ حِينًا دُونَ حِينٍ، وَلَمْ يُعَارِضْهَا

ص: 210

تَفَرُّقٌ، غَيْرَ أَنَّ الْغَيْنَ رُبَّمَا شَابَ مَقَامَهُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغًا لَا يَلْفِتُهُ قَاطِعٌ، وَلَا يَلْوِيهِ سَبَبٌ، وَلَا يَقْتَطِعُهُ حَظٌّ، وَهِيَ دَرَجَةُ الْقَاصِدِ، فَإِذَا اسْتَدَامَتْ فَهِيَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ.

الْمُكَاشَفَةُ الصَّحِيحَةُ: عُلُومٌ يُحْدِثُهَا الرَّبُّ سبحانه وتعالى فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، وَيُطْلِعُهُ بِهَا عَلَى أُمُورٍ تَخْفَى عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ يُوَالِيهَا وَقَدْ يُمْسِكُهَا عَنْهُ بِالْغَفْلَةِ عَنْهَا، وَيُوَارِيهَا عَنْهُ بِالْغَيْنِ الَّذِي يَغْشَى قَلْبَهُ، وَهُوَ أَرَقُّ الْحُجُبِ، أَوْ بِالْغَيْمِ، وَهُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ أَوْ بِالرَّانِ، وَهُوَ أَشَدُّهَا.

فَالْأَوَّلُ: يَقَعُ لِلْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» .

وَالثَّانِي: يَكُونُ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالثَّالِثُ: لِمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ الذَّنْبُ بَعْدَ الذَّنْبِ يُغَطِّي الْقَلْبَ حَتَّى يَصِيرَ كَالرَّانِ عَلَيْهِ.

وَالْحُجُبُ عَشَرَةُ الْأَوَّلُ: حِجَابُ التَّعْطِيلِ، وَنَفْيُ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَهُوَ أَغْلَظُهَا، فَلَا يَتَهَيَّأُ لِصَاحِبِ هَذَا الْحِجَابِ أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ، وَلَا يَصِلَ إِلَيْهِ أَلْبَتَّةَ إِلَّا كَمَا يَتَهَيَّأُ لِلْحَجَرِ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى فَوْقَ.

الثَّانِي: حِجَابُ الشِّرْكِ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَبَّدَ قَلْبُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ.

الثَّالِثُ: حِجَابُ الْبِدْعَةِ الْقَوْلِيَّةِ، كَحِجَابِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَالْمَقَالَاتِ الْفَاسِدَةِ عَلَى اخْتِلَافِهَا.

الرَّابِعُ: حِجَابُ الْبِدْعَةِ الْعَمَلِيَّةِ، كَحِجَابِ أَهْلِ السُّلُوكِ الْمُبْتَدِعِينَ فِي طَرِيقِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ.

الْخَامِسُ: حِجَابُ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الْبَاطِنَةِ، كَحِجَابِ أَهْلِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ، وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَنَحْوِهَا.

السَّادِسُ: حِجَابُ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ، وَحِجَابُهُمْ أَرَقُّ مِنْ حِجَابِ إِخْوَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الْبَاطِنَةِ، مَعَ كَثْرَةِ عِبَادَاتِهِمْ وَزَهَادَاتِهِمْ وَاجْتِهَادَاتِهِمْ، فَكَبَائِرُ هَؤُلَاءِ أَقْرَبُ إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ كَبَائِرِ أُولَئِكَ، فَإِنَّهَا قَدْ صَارَتْ مَقَامَاتٍ لَهُمْ لَا يَتَحَاشَوْنَ مِنْ إِظْهَارِهَا وَإِخْرَاجِهَا فِي قَوَالِبَ عِبَادَةٍ وَمَعْرِفَةٍ، فَأَهْلُ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ أَدْنَى إِلَى السَّلَامَةِ مِنْهُمْ.

ص: 211

وَقُلُوبُهُمْ خَيْرٌ مِنْ قُلُوبِهِمْ.

السَّابِعُ: حِجَابُ أَهْلِ الصَّغَائِرِ.

الثَّامِنُ: حِجَابُ أَهْلِ الْفَضَلَاتِ، وَالتَّوَسُّعِ فِي الْمُبَاحَاتِ.

التَّاسِعُ: حِجَابُ أَهْلِ الْغَفْلَةِ عَنِ اسْتِحْضَارِ مَا خُلِقُوا لَهُ وَأُرِيدَ مِنْهُمْ، وَمَا لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ دَوَامِ ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ.

الْعَاشِرُ: حِجَابُ الْمُجْتَهِدِينَ السَّالِكِينَ، الْمُشَمِّرِينَ فِي السَّيْرِ عَنِ الْمَقْصُودِ.

فَهَذِهِ عَشْرُ حُجُبٍ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ اللَّهِ سبحانه وتعالى، تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الشَّأْنِ، وَهَذِهِ الْحُجُبُ تَنْشَأُ مِنْ أَرْبَعَةِ عَنَاصِرَ: عُنْصُرُ النَّفْسِ، وَعُنْصُرُ الشَّيْطَانِ، وَعُنْصُرُ الدُّنْيَا، وَعُنْصُرُ الْهَوَى، فَلَا يُمْكِنُ كَشْفُ هَذِهِ الْحُجُبِ مَعَ بَقَاءِ أُصُولِهَا وَعَنَاصِرِهَا فِي الْقَلْبِ أَلْبَتَّةَ.

وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْعَنَاصِرُ: تُفْسِدُ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ وَالْقَصْدَ وَالطَّرِيقَ بِحَسْبِ غَلَبَتِهَا وَقِلَّتِهَا، فَتَقْطَعُ طَرِيقَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْقَصْدِ: أَنْ يَصِلَ إِلَى الْقَلْبِ، وَمَا وَصَلَ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ قَطَعَتْ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ: أَنْ يَصِلَ إِلَى الرَّبِّ، فَبَيْنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَبَيْنَ الْقَلْبِ مَسَافَةٌ يُسَافِرُ فِيهَا الْعَبْدُ إِلَى قَلْبِهِ لِيَرَى عَجَائِبَ مَا هُنَالِكَ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورُونَ، فَإِنْ حَارَبَهُمْ وَخَلَصَ الْعَمَلُ إِلَى قَلْبِهِ دَارَ فِيهِ، وَطَلَبَ النُّفُوذَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ دُونَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42] فَإِذَا وَصَلَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَثَابَهُ عَلَيْهِ مَزِيدًا فِي إِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ وَعَقْلِهِ، وَجَمَّلَ بِهِ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ، فَهَدَاهُ بِهِ لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، وَصَرَفَ عَنْهُ بِهِ سَيِّئَ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، وَأَقَامَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ لِلْقَلْبِ جُنْدًا يُحَارِبُ بِهِ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَيُحَارِبُ الدُّنْيَا بِالزُّهْدِ فِيهَا وَإِخْرَاجِهَا مِنْ قَلْبِهِ، وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ تَكُونَ فِي يَدِهِ وَبَيْتِهِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ يَقِينِهِ بِالْآخِرَةِ، يُحَارِبُ الشَّيْطَانَ بِتَرْكِ الِاسْتِجَابَةِ لِدَاعِي الْهَوَى، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْهَوَى لَا يُفَارِقُهُ، وَيُحَارِبُ الْهَوَى بِتَحْكِيمِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَالْوُقُوفِ مَعَهُ، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ هَوًى فِيمَا يَفْعَلُهُ وَيَتْرُكُهُ، وَيُحَارِبُ النَّفْسَ بِقُوَّةِ الْإِخْلَاصِ.

هَذَا كُلُّهُ إِذَا وَجَدَ الْعَمَلُ مَنْفَذًا مِنَ الْقَلْبِ إِلَى الرَّبِّ سبحانه وتعالى، وَإِنْ دَارَ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْفَذًا وَثَبَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ، فَأَخَذَتْهُ وَصَيَّرَتْهُ جُنْدًا لَهَا، فَصَالَتْ بِهِ وَعَلَتْ

ص: 212

وَطَغَتْ، فَتَرَاهُ أَزْهَدُ مَا يَكُونُ، وَأَعْبَدُ مَا يَكُونُ، وَأَشَدُّ اجْتِهَادًا، وَهُوَ أَبْعَدُ مَا يَكُونُ عَنِ اللَّهِ، وَأَصْحَابُ الْكَبَائِرِ أَقْرَبُ قُلُوبًا إِلَى اللَّهِ مِنْهُ، وَأَدْنَى مِنْهُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَالْخَلَاصِ.

فَانْظُرْ إِلَى السَّجَّادِ الْعَبَّادِ الزَّاهِدِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ، كَيْفَ أَوْرَثَهُ طُغْيَانُ عَمَلِهِ أَنْ أَنْكَرَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَوْرَثَ أَصْحَابَهُ احْتِقَارَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى سَلَّوْا عَلَيْهِمْ سُيُوفَهُمْ، وَاسْتَبَاحُوا دِمَاءَهُمْ.

وَانْظُرْ إِلَى الشِّرِّيبِ السِّكِّيرِ الَّذِي كَانَ كَثِيرًا مَا يُؤْتَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَحُدُّهُ عَلَى الشَّرَابِ، كَيْفَ قَامَتْ بِهِ قُوَّةُ إِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ، وَمَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَوَاضُعِهِ وَانْكِسَارِهِ لِلَّهِ حَتَّى نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لَعْنِهِ.

فَظَهَرَ بِهَذَا: أَنَّ طُغْيَانَ الْمَعَاصِي أَسْلَمُ عَاقِبَةً مِنْ طُغْيَانِ الطَّاعَاتِ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْحَى إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم: يَا مُوسَى، أَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ، فَإِنِّي لَا أَضَعُ عَدْلِي عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَذَّبْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَظْلِمَهُ، وَبَشِّرِ الْخَطَّائِينَ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَاظَمُنِي ذَنْبٌ أَنْ أَغْفِرَهُ، فَلْنَرْجِعْ إِلَى شَرْحِ كَلَامِهِ.

قَوْلُهُ: " مُكَاشَفَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّحْقِيقِ الصَّحِيحِ " كُلٌّ يَدَّعِي أَنَّ التَّحْقِيقَ الصَّحِيحَ مَعَهُ.

وَكُلٌّ يَدَّعُونَ وِصَالَ لَيْلَى

وَلَيْلَى لَا تُقِرُّ لَهُمْ بِذَاكَ

ص: 213

إِذَا اشْتَبَكَتْ دُمُوعٌ فِي خُدُودٍ

تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكَى

فَلَيْسَ التَّحْقِيقُ الصَّحِيحُ: إِلَّا الْمُطَابِقُ لِمَا عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ فِي الْعِلْمِ الْكَشْفُ الْمُطَابِقُ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ الرُّسُلُ، وَفِي الْإِرَادَةِ: الْكَشْفُ الْمُطَابِقُ لِمُرَادِ الرَّبِّ الدِّينِيِّ مِنْ عَبْدِهِ، وَقَوْلُنَا " الدِّينِيُّ " احْتِرَازٌ مِنْ مُرَادِهِ الْكَوْنِيِّ، فَإِنَّ كُلَّ مَا فِي الْكَوْنِ مُوجِبُ هَذِهِ الْإِرَادَةِ.

فَالْكَشْفُ الصَّحِيحُ: أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ مُعَايَنَةً لِقَلْبِهِ، وَيُجَرِّدَ إِرَادَةَ الْقَلْبِ لَهُ، فَيَدُورُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا، هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ الصَّحِيحُ، وَمَا خَالَفَهُ فَغُرُورٌ قَبِيحٌ.

قَوْلُهُ: " وَهِيَ لَا تَكُونُ مُسْتَدَامَةً " هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسَخٍ وَفِي أُخْرَى " وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَدِيمَةً " وَكَأَنَّ هَذَا الثَّانِيَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَدَامَةٍ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى، فَإِذَا اسْتَدَامَتْ صَارَتْ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ مُسْتَدَامَةً فِيهِمَا لَكَانَتِ الدَّرَجَتَانِ وَاحِدَةً.

قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَتْ حِينًا دُونَ حِينٍ، وَلَمْ يُعَارِضْهَا تَفَرُّقٌ.

يَعْنِي: فَهِيَ الدَّرَجَةُ الْأَوْلَى، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْطَعَ حُكْمَهَا تَفَرُّقٌ، وَلِهَذَا قَالَ: لَمْ يُعَارِضْهَا، وَلَمْ يَقُلْ: لَمْ يَعْرِضْ لَهَا، فَإِنَّ التَّفَرُّقَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِضَ، لَكِنْ لَا يُعَارِضُهَا وَيُقَاوِمُهَا بِحَيْثُ يُزِيلُهَا، فَإِنَّ الْعَارِضَ إِذَا عَرَضَ لِلْقَلْبِ كَرِهَهُ وَمَحَاهُ وَأَزَالَهُ بِسُرْعَةٍ.

وَأَمَّا الْمُعَارِضُ: فَإِنَّهُ يُزِيلُ الْحَاصِلَ وَيَخْلُفُهُ، فَيَصِيرُ الْحُكْمُ لَهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ: غَيْرَ أَنَّ الْغَيْنَ رُبَّمَا شَابَ مَقَامَهُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغًا، إِلَى آخِرِهِ.

يَعْنِي: أَنَّ لَوَازِمَ الْبَشَرِيَّةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَخَفَّهَا، وَهُوَ الْحِجَابُ الرَّقِيقُ الَّذِي يَعْرِضُ لِقَلْبِهِ، وَهُوَ الْغَيْنُ لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغًا لَا يَلْفِتُهُ قَاطِعٌ أَيْ: لَا تُوجِبُ لَهُ الْقَوَاطِعُ الْتِفَاتَ قَلْبِهِ عَنْ مَقَامِهِ إِلَيْهَا، بَلْ إِذَا لَحَظَهَا بِقَلْبِهِ فَرَّ مِنْهَا، كَمَا يَفِرُّ الظَّبْيُ مِنَ الْكَلْبِ الصَّائِدِ إِذَا أَحَسَّ بِهِ وَلَا يَلْوِيهِ سَبَبٌ؛ أَيْ: لَا يُعَوِّجُ قَصْدَهُ لِلْحَقِّ سَبَبٌ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَلَا يَرُدُّهُ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: " وَلَا يَقْطَعُهُ حَظٌّ " أَيْ: لَا يَقْطَعُهُ عَنْ بُلُوغِ مَقْصُودِهِ حَظٌّ مِنَ الْحُظُوظِ النَّفْسِيَّةِ، وَ " الْقَاصِدُ " فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ: هُوَ الَّذِي قَدْ ظَفِرَ بِالْقَصْدِ الَّذِي لَا يَلْقَى سَبَبًا إِلَّا قَطَعَهُ، وَلَا حَائِلًا إِلَّا مَنَعَهُ، وَلَا تَحَامُلًا إِلَّا سَهَّلَهُ. فَهَذِهِ دَرَجَةُ الْقَاصِدِ، فَإِذَا اسْتَدَامَتْ وَتَمَكَّنَ فِيهَا السَّالِكُ فَهِيَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ.

ص: 214

قَالَ الشَّيْخُ: وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: فَمُكَاشَفَةُ عَيْنٍ، لَا مُكَاشَفَةُ عِلْمٍ، وَهِيَ مُكَاشَفَةٌ لَا تَذَرُ سِمَةً تُشِيرُ إِلَى الْتِذَاذٍ، أَوْ تُلْجِئُ إِلَى تَوَقُّفٍ، أَوْ تَنْزِلُ إِلَى رَسْمٍ، وَغَايَةُ هَذِهِ الْمُكَاشَفَةِ الْمُشَاهَدَةُ.

إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الدَّرَجَةُ مُكَاشَفَةُ عَيْنٍ لِغَلَبَةِ نُورِ الْكَشْفِ عَلَى الْقَلْبِ، فَتَنَزَّلَتْ هَذِهِ الْمُكَاشَفَةُ مِنَ الْقَلْبِ، وَحَلَّتْ مِنْهُ مَحَلَّ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ جَحْدُهُ وَلَا تَكْذِيبُهُ، بَلْ صَارَتْ لِلْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْئِيِّ لِلْبَصَرِ، وَالْمَسْمُوعِ لِلْأُذُنِ وَالْوِجْدَانِيَّاتِ لِلنَّفْسِ، وَكَمَا أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ بِالْبَصَرِ لَا تَصِحُّ إِلَّا مَعَ صِحَّةِ الْقُوَّةِ الْمُدْرَكَةِ، وَعَدَمِ الْحَائِلِ مِنْ جِسْمٍ أَوْ ظُلْمَةٍ، وَانْتِفَاءِ الْبُعْدِ الْمُفْرِطِ فَكَذَلِكَ الْمُكَاشَفَةُ بِالْبَصِيرَةِ تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْقَلْبِ، وَعَدَمَ الْحَائِلِ وَالشَّاغِلِ، وَقُرْبَ الْقَلْبِ مِمَّنْ يُكَاشِفُهُ بِأَسْرَارِهِ.

وَلَيْسَ مُرَادُ الشَّيْخِ فِي هَذَا الْبَابِ: الْكَشْفَ الْجُزْئِيَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ، وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، كَالْكَشْفِ عَمَّا فِي دَارِ إِنْسَانٍ، أَوْ عَمَّا فِي يَدِهِ، أَوْ تَحْتَ ثِيَابِهِ، أَوْ مَا حَمَلَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ بَعْدَ انْعِقَادِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَمَا غَابَ عَنِ الْعِيَانِ مِنْ أَحْوَالِ الْبُعْدِ الشَّاسِعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ تَارَةً، وَمِنَ النَّفْسِ تَارَةً، وَلِذَلِكَ يَقَعُ مِنَ الْكُفَّارِ، كَالنَّصَارَى، وَعَابِدِي النِّيرَانِ وَالصُّلْبَانِ، فَقَدْ كَاشَفَ ابْنُ صَيَّادٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَا أَضْمَرَهُ لَهُ وَخَبَّأَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ» فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْكَشْفَ مِنْ جِنْسِ كَشْفِ الْكُهَّانِ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْرُهُ، وَكَذَلِكَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابِ مَعَ فَرْطِ كُفْرِهِ كَانَ يُكَاشِفُ أَصْحَابَهُ بِمَا فَعَلَهُ أَحَدُهُمْ فِي بَيْتِهِ وَمَا قَالَهُ لِأَهْلِهِ، يُخْبِرُهُ بِهِ شَيْطَانُهُ، لِيَغْوِيَ النَّاسَ، وَكَذَلِكَ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ، وَالْحَارِثُ الْمُتَنَبِّي الدِّمَشْقِيُّ الَّذِي خَرَجَ فِي دَوْلَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ، وَقَدْ رَأَيْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْهُمْ جَمَاعَةً، وَشَاهَدَ النَّاسُ مِنْ كَشْفِ الرُّهْبَانِ عُبَّادِ الصَّلِيبِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ.

وَالْكَشْفُ الرَّحْمَانِيُّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ: هُوَ مِثْلُ كَشْفِ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا قَالَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنهما: إِنَّ امْرَأَتَهُ حَامِلٌ بِأُنْثَى، وَكَشْفِ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا قَالَ: يَا سَارِيَةَ الْجَبَلِ، وَأَضْعَافُ هَذَا مِنْ كَشْفِ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ مُرَادَ الْقَوْمِ بِالْكَشْفِ فِي هَذَا الْبَابِ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ، وَأَفْضَلُهُ

ص: 215

وَأَجَلُّهُ أَنْ يَكْشِفَ لِلسَّالِكِ عَنْ طَرِيقِ سُلُوكِهِ لِيَسْتَقِيمَ عَلَيْهَا، وَعَنْ عُيُوبِ نَفْسِهِ لِيُصْلِحَهَا، وَعَنْ ذُنُوبِهِ لِيَتُوبَ مِنْهَا.

فَمَا أَكْرَمَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِكَرَامَةٍ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا الْكَشْفِ، وَجَعَلَهُمْ مُنْقَادِينَ لَهُ عَامِلِينَ بِمُقْتَضَاهُ، فَإِذَا انْضَمَّ هَذَا الْكَشْفُ إِلَى كَشْفِ تِلْكَ الْحُجُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ قُلُوبِهِمْ، سَارَتِ الْقُلُوبُ إِلَى رَبِّهَا سَيْرَ الْغَيْثِ إِذَا اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ.

فَلْنَرْجِعْ إِلَى شَرْحِ كَلَامِهِ.

فَقَوْلُهُ: " الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: مُكَاشَفَةُ عَيْنٍ، لَا مُكَاشَفَةُ عِلْمٍ " أَيْ: مُتَعَلِّقُ هَذِهِ الْمُكَاشَفَةِ عَيْنُ الْحَقِيقَةِ، بِخِلَافِ مُكَاشَفَةِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ مُتَعَلِّقَهَا الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ الْمُطَابِقَةُ لِلْحَقِيقَةِ الْخَارِجِيَّةِ، فَكَشْفُ الْعِلْمِ: أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِمَعْلُومِهِ، وَكَشْفُ الْعِيَانِ: أَنْ يَصِيرَ الْمَعْلُومُ مُشَاهَدًا لِلْقَلْبِ، كَمَا تُشَاهِدُ الْعَيْنُ الْمَرْئِيَّ.

وَمَنْ ظَنَّ مِنَ الْقَوْمِ أَنَّ كَشْفَ الْعَيْنِ ظُهُورُ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ لِعِيَانِهِ حَقِيقَةً فَقَدْ غَلَطَ أَقْبَحَ الْغَلَطِ، وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ: أَنْ يَكُونَ صَادِقًا مَلْبُوسًا عَلَيْهِ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الدُّنْيَا لِبَشَرٍ قَطُّ، وَقَدْ مُنِعَ مِنْهُ كَلِيمُ الرَّحْمَنِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ: هَلْ حَصَلَ هَذَا لِسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؟ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، وَحَكَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ إِجْمَاعًا مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنِ ادَّعَى كَشْفَ الْعِيَانِ الْبَصْرِيِّ عَنِ الْحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَقَدْ وَهِمَ وَأَخْطَأَ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ كَشْفُ الْعِيَانِ الْقَلْبِيِّ، بِحَيْثُ يَصِيرُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ كَأَنَّهُ مَرْئِيٌّ لِلْعَبْدِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ» فَهَذَا حَقٌّ، وَهُوَ قُوَّةُ يَقِينٍ، وَمَزِيدُ عِلْمٍ فَقَطْ.

نَعَمْ؛ قَدْ يَظْهَرُ لَهُ نُورٌ عَظِيمٌ، فَيَتَوَهَّمُ أَنَّ ذَلِكَ نُورُ الْحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّهَا قَدْ تَجَلَّتْ لَهُ، وَذَلِكَ غَلَطٌ أَيْضًا، فَإِنَّ نُورَ الرَّبِّ تَعَالَى لَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، وَلَمَّا ظَهَرَ لِلْجَبَلِ مِنْهُ أَدْنَى

ص: 216

شَيْءٍ سَاخَ الْجَبَلُ وَتَدَكْدَكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] قَالَ: ذَاكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ إِذَا تَجَلَّى بِهِ لَمْ يَقُمْ لَهُ شَيْءٌ.

وَهَذَا النُّورُ الَّذِي يَظْهَرُ لِلصَّادِقِ: هُوَ نُورُ الْإِيمَانِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35] قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ فَهَذَا نُورٌ يُضَافُ إِلَى الرَّبِّ، وَيُقَالُ: هُوَ نُورُ اللَّهِ، كَمَا أَضَافَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ: نُورُ الْإِيمَانِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ خَلْقًا وَتَكْوِينًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] فَهَذَا النُّورُ إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الْقَلْبِ، وَأَشْرَقَ فِيهِ فَاضَ عَلَى الْجَوَارِحِ، فَيُرَى أَثَرُهُ فِي الْوَجْهِ وَالْعَيْنِ، وَيَظْهَرُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَقَدْ يَقْوَى حَتَّى يُشَاهِدَهُ صَاحِبُهُ عِيَانًا، وَذَلِكَ لِاسْتِيلَاءِ أَحْكَامِ الْقَلْبِ عَلَيْهِ، وَغَيْبَةِ أَحْكَامِ النَّفْسِ.

وَالْعَيْنُ شَدِيدَةُ الِارْتِبَاطِ بِالْقَلْبِ تُظْهِرُ مَا فِيهِ، فَتَقْوَى مَادَّةُ النُّورِ فِي الْقَلْبِ وَيَغِيبُ صَاحِبُهُ بِمَا فِي قَلْبِهِ عَنْ أَحْكَامِ حِسِّهِ، بَلْ وَعَنْ أَحْكَامِ الْعِلْمِ، فَيَنْتَقِلُ مِنْ أَحْكَامِ الْعِلْمِ إِلَى أَحْكَامِ الْعِيَانِ.

وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ أَحْكَامَ الطَّبِيعَةِ وَالنَّفْسِ شَيْءٌ، وَأَحْكَامَ الْقَلْبِ شَيْءٌ، وَأَحْكَامَ الرُّوحِ شَيْءٌ، وَأَنْوَارَ الْعِبَادَاتِ شَيْءٌ، وَأَنْوَارَ اسْتِيلَاءِ مَعَانِي الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ عَلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ، وَأَنْوَارَ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ شَيْءٌ وَرَاءَ ذَلِكَ كُلِّهِ.

فَهَذَا الْبَابُ يَغْلَطُ فِيهِ رَجُلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: غَلِيظُ الْحِجَابِ، كَثِيفُ الطَّبْعِ، وَالْآخَرُ: قَلِيلُ الْعِلْمِ، يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّهْنِ بِمَا فِي الْخَارِجِ، وَنُورُ الْمُعَامَلَاتِ بِنُورِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] .

قَوْلُهُ: " وَلَا مُكَاشَفَةُ الْحَالِ " مُكَاشَفَةُ الْحَالِ: هِيَ الْمَوَاجِيدُ الَّتِي يَجِدُهَا السَّالِكُ بِوَارِدَاتِهِ، حَتَّى يَبْقَى الْحُكْمُ لِقَلْبِهِ وَحَالِهِ.

قَوْلُهُ: " وَهِيَ مُكَاشَفَةٌ لَا تَذَرُ سِمَةً تُشِيرُ إِلَى الِالْتِذَاذِ " يُرِيدُ: أَنَّ هَذِهِ الْمُكَاشَفَةَ تَمْحُو رُسُومَ الْمُكَاشِفِ، فَلَا يَبْقَى مِنْهُ مَا يُحِسُّ بِلَذَّةٍ، فَإِنَّ الْأَحْوَالَ وَالْمَوَاجِيدَ لَهَا لَذَّةٌ

ص: 217