الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْفَنَاءَ اسْتِغْرَاقٌ مَحْضٌ، وَالسُّكْرَ مَعَهُ لَذَّةٌ وَطَرَبٌ لَا يَتَمَالَكُ صَاحِبُهَا، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْنَى عَنْهَا.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ السُّكْرَ لَيْسَ مِنْ أَعْلَى مَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ الْوَاصِلِينَ؛ لِأَنَّ أَعْلَى مَقَامَاتِهِمْ هُوَ الْفَنَاءُ عِنْدَهُ، فَمَقَامُهُمْ لَا يَقْبَلُ السُّكْرَ.
قَوْلُهُ: " وَمَنَازِلُ الْعِلْمِ لَا تَبْلُغُهُ " صَحِيحٌ، فَإِنَّ عِلْمَ الْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ وَالْعِشْقِ شَيْءٌ وَحَالَ الْمَحَبَّةِ شَيْءٌ آخَرُ، وَالسُّكْرُ لَا يَنْشَأُ عَنْ عِلْمِ الْمَحَبَّةِ، وَإِنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ حَالِهَا، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: السُّكْرُ صِفَةٌ وَحَالَةُ نَقْصٍ لِمَنْ مَقَامُهُ فَوْقَ مَقَامِ الْعِلْمِ، وَدُونَ مَقَامِ الشُّهُودِ وَالْفَنَاءِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَحَبَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ آخِرُ مَنْزِلَةٍ يَلْتَقِي فِيهَا مُقَدِّمَةُ الْعَامَّةِ وَهُمْ أَهْلُ طَوْرِ الْعِلْمِ وَسَاقَةُ الْخَاصَّةِ وَهُمْ أَهْلُ طَوْرِ الشُّهُودِ وَالْفِنَاءِ فَالْبَرْزَخُ الْحَاصِلُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ: هُوَ مَقَامُ الْمَحَبَّةِ، فَاخْتُصَّ بِهِ السُّكْرُ.
[فَصْلٌ عَلَامَاتُ السُّكْرِ]
فَصْلٌ
قَالَ: وَلِلسُّكْرِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ: الضِّيقُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْخَبَرِ، وَالتَّعْظِيمُ قَائِمٌ. وَاقْتِحَامُ لُجَّةِ الشَّوْقِ، وَالتَّمَكُّنُ دَائِمٌ. وَالْغَرَقُ فِي بَحْرِ السُّرُورِ، وَالصَّبْرُ هَائِمٌ.
يُرِيدُ: أَنَّ الْمُحِبَّ تَشْغَلُهُ شِدَّةُ وَجْدِهِ بِالْمَحْبُوبِ، وَحُضُورُ قَلْبِهِ مَعَهُ، وَذَوَبَانُ جَوَارِحِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحُبِّ عَنْ سَمَاعِ الْخَبَرِ عَنْهُ، وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّ الْمُحِبَّ الصَّادِقَ أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ الْخَبَرُ عَنْ مَحْبُوبِهِ وَذِكْرِهِ، كَمَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه: لَوْ طَهُرَتْ قُلُوبُنَا لَمَا شَبِعَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: كَيْفَ يَشْبَعُونَ مِنْ كَلَامِ مَحْبُوبِهِمْ، وَهُوَ غَايَةُ مَطْلُوبِهِمْ؟
وَالَّذِي يُرِيدُهُ الشَّيْخُ وَأَمْثَالُهُ بِهَذَا: أَنَّ الْمُحِبَّ الصَّادِقَ يَمْتَلِئُ قَلْبُهُ بِالْمَحَبَّةِ، فَتَكُونُ هِيَ الْغَالِبَةُ عَلَيْهِ، فَتَحْمِلُهُ غَلَبَتُهَا وَتَمَكُّنُهَا عَلَى أَنْ لَا يَغْفَلَ عَنْ مَحْبُوبِهِ، وَلَا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ بِغَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ، فَيَسْمَعُ مِنَ الْفَارِغِينَ مَا وَرَدَ فِي حَقِّ الْمُحِبِّينَ، وَيَسْمَعُ مِنْهُمْ أَوْصَافَ حَبِيبِهِ وَالْخَبَرَ عَنْهُ، فَلَا يَكَادُ يَصْبِرُ عَلَى أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَبَدًا، لِضِيقِ قَلْبِهِ عَنْ سَمَاعِهِ مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ، وَإِلَّا فَلَوْ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ مِمَّنْ هُوَ شَرِيكُهُ فِي شَجْوِهِ وَأَنِيسُهُ فِي طَرِيقِهِ، وَصَاحِبُهُ فِي سَفَرِهِ لَمَا ضَاقَ عَنْهُ، بَلْ لَاتَّسَعَ لَهُ غَايَةَ الِاتِّسَاعِ فَهَذَا وَجْهٌ.
وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ: أَنَّ السَّكْرَانَ بِالْمَحَبَّةِ قَدِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِمُشَاهَدَةِ الْمَحْبُوبِ،
فَاجْتَمَعَتْ قُوَى قَلْبِهِ وَهَمِّهِ وَإِرَادَتِهِ عَلَيْهِ، وَمَعَانِي الْخَبَرِ فِيهَا كَثْرَةٌ، وَانْتِقَالٌ مِنْ مَعْنًى إِلَى مَعْنًى، فَقَلْبُهُ يَضِيقُ فِي هَذِهِ الْحَالِ عَنْهَا حَتَّى إِذَا صَحَا اتَّسَعَ قَلْبُهُ لَهَا.
قَوْلُهُ: " وَالتَّعْظِيمُ قَائِمٌ " أَيْ: ضِيقُ قَلْبِهِ عَنِ اشْتِغَالِهِ بِالْخَبَرِ لَيْسَ اطِّرَاحًا لَهُ وَرَغْبَةً عَنْهُ، وَكَيْفَ؟ وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ مَحْبُوبِهِ وَارِدًا مِنْهُ؟ بَلْ لِضِيقِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِهِ، وَتَعْظِيمِهِ قَائِمٌ فِي قَلْبِهِ، فَهُوَ مَشْغُولٌ بِوَجْدِهِ وَحَالِهِ عَمَّا يُفَرِّقُهُ عَنْهُ، وَهَذَا يَحْسُنُ إِذَا كَانَ الْمُشْتَغَلُ بِهِ أَحَبَّ إِلَى حَبِيبِهِ مِنَ الْمُشْتَغَلِ عَنْهُ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَا أَعْرَضَ عَنْهُ أَحَبَّ إِلَى الْحَبِيبِ مِمَّا اشْتَغَلَ بِهِ فَشَرْعُ الْمَحَبَّةِ يُوجِبُ عَلَيْهِ إِيثَارَ أَعْظَمِ الْمَحْبُوبَيْنِ إِلَى حَبِيبِهِ، وَإِلَّا كَانَ مَعَ نَفْسِهِ وَوَجْدِهِ وَلَذَّتِهِ.
قَوْلُهُ: " وَاقْتِحَامُ لُجَّةِ الشَّوْقِ وَالتَّمَكُّنُ دَائِمٌ " اقْتِحَامُ لُجَّةِ الشَّوْقِ: هُوَ رُكُوبُ بَحْرِهِ، وَتَوَسُّطُهُ، لَا الدُّخُولُ فِي حَاشِيَتِهِ وَطَرَفِهِ، وَالتَّمَكُّنُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ: هُوَ لُزُومُ أَحْكَامِ الْعِلْمِ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ، وَلُزُومُ أَحْكَامِ الْوَرَعِ، وَالْقِيَامِ بِالْأَوْرَادِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلُزُومُ ذَلِكَ وَدَوَامُهُ عَلَامَةُ صِحَّةِ الشَّوْقِ.
قَوْلُهُ: " وَالْغَرَقُ فِي بَحْرِ السُّرُورِ، وَالصَّبْرُ هَائِمٌ " أَيْ: يَكُونُ الْمُحِبُّ غَرِيقًا فِي بَحْرِ السُّرُورِ، وَلَا يُفَارِقُهُ السُّرُورُ، حَتَّى كَأَنَّهُ بَحْرٌ قَدْ غَرِقَ فِيهِ، فَكَمَا أَنَّ الْغَرِيقَ لَا يُفَارِقُهُ الْمَاءُ، كَذَلِكَ الْمُحِبُّ لَا يُفَارِقُهُ السُّرُورُ، وَمَنْ ذَاقَ مَقَامَ الْمَحَبَّةِ عَرَفَ صِحَّةَ مَا يَقُولُهُ الشَّيْخُ، فَإِنَّ نَعِيمَ الْمَحَبَّةِ فِي الدُّنْيَا رَقِيقُهُ وَلَطِيفُهُ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ، بَلْ هُوَ جَنَّةُ الدُّنْيَا، فَمَا طَابَتِ الدُّنْيَا إِلَّا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَلَا الْجَنَّةُ إِلَّا بِرُؤْيَتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ، فَنَعِيمُ الْمُحِبِّ دَائِمٌ، وَإِنْ مُزِجَ بِالْآلَامِ أَحْيَانًا، فَلَوْ عَرَفَ الْمَشْغُولُونَ بِغَيْرِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ مَا فِيهِ أَهْلُ مَحَبَّتِهِ، وَذِكْرِهِ وَمَعْرِفَتِهِ مِنَ النَّعِيمِ لَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ حَسَرَاتٍ، وَلَعَلِمُوا أَنَّ الَّذِي حَصَّلُوهُ لَا نِسْبَةَ لَهُ إِلَى مَا ضَيَّعُوهُ وَحُرِمُوهُ.
كَمَا قِيلَ:
وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي نَعِيمِهَا
…
وَأَنْتَ وَحِيدٌ مُفْرَدٌ غَيْرُ عَاشِقِ
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَمَا النَّاسُ إِلَّا الْعَاشِقُونَ ذُوُو الْهَوَى
…
وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ وَيَعْشَقُ
وَقَالَ الْآخَرُ:
هَلِ الْعَيْشُ إِلَّا أَنْ تَرُوحَ وَتَغْتَدِي
…
وَأَنْتَ بِكَأْسِ الْعِشْقِ فِي النَّاسِ نَشْوَانُ
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَمَا تَلِفَتْ إِلَّا مِنَ الْعِشْقِ مُهْجَتِي
…
وَهَلْ طَابَ عَيْشٌ لِامْرِئٍ غَيْرِ عَاشِقِ
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَمَا سَرَّنِي أَنِّي خَلِيٌّ مِنَ الْهَوَى
…
وَلَوْ أَنَّ لِي مَا بَيْنَ شَرْقٍ وَمَغْرِبِ
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا بِغَيْرِ صَبَابَةٍ
…
وَلَا فِي نَعِيمٍ لَيْسَ فِيهِ حَبِيبُ
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَمَا طَابَتِ الدُّنْيَا بِغَيْرِ مَحَبَّةٍ
…
وَأَيُّ نَعِيمٍ لِامْرِئٍ غَيْرِ عَاشِقِ
وَقَالَ الْآخَرُ:
اسْكُنْ إِلَى سَكَنٍ تَلَذُّ بِحُبِّهِ
…
ذَهَبَ الزَّمَانُ وَأَنْتَ مُنْفَرِدٌ بِهِ
وَقَالَ الْآخَرُ:
إِذَا لَمْ تَذُقْ فِي هَذِهِ الدَّارِ صَبْوَةً
…
فَمَوْتُكَ فِيهَا وَالْحَيَاةُ سَوَاءُ
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَمَا ذَاقَ طَعْمَ الْعَيْشِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
…
حَبِيبٌ إِلَيْهِ يَطْمَئِنُّ وَيَسْكُنُ
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِذَا أَنْتَ لَمْ تَزُرْ
…
حَبِيبًا وَلَا وَافَى إِلَيْكَ حَبِيبُ
قَالَ الْآخَرُ:
يَزُورُ فَتَنْجَلِي عَنِّي هِمُومٌ
…
لِأَنَّ جِلَاءَ حُزْنِي فِي يَدَيْهِ
وَيَمْضِي بِالْمَسَرَّةِ حِينَ يَمْضِي
…
لِأَنَّ حَوَالَتِي فِيهَا عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو الْمِنْجَابِ: رَأَيْتُ فِي الطَّوَافِ فَتًى نَحِيفَ الْجِسْمِ، بَيْنَ الضَّعْفِ، يَلُوذُ
وَيَتَعَوَّذُ، وَيُنْشِدُ:
وَدِدْتُ بِأَنَّ الْحُبَّ يُجْمَعُ كُلَّهُ
…
فَيُقْذَفُ فِي قَلْبِي وَيَنْغَلِقُ الصَّدْرُ
وَلَا يَنْقَضِي مَا فِي فُؤَادِي مِنَ الْهَوَى
…
وَمِنْ فَرَحِي بِالْحُبِّ أَوْ يَنْقَضِي الْعُمْرُ
وَالْأَخْبَارُ فِي الْمُحِبِّينَ وَأَشْعَارِهِمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، هَذَا وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُعَذَّبٌ بِمَحْبُوبِهِ سِوَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ، وَلَوْ ظَفِرَ بِوِصَالِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ قَصَرَ حُبَّهُ عَلَى الْحَبِيبِ الْأَوَّلِ؟ وَكُلَّمَا دَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَى مَحَبَّةِ غَيْرِهِ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ:
نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْهَوَى
…
مَا الْحُبُّ إِلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ
قَوْلُهُ: " وَالصَّبْرُ هَائِمٌ " أَيْ: يَكُونُ غَرِيقًا فِي سُرُورِهِ بِالْمَحَبَّةِ وَصَبْرُهُ مَفْقُودٌ، وَ " الْهَيَمَانُ " هُوَ التَّشَتُّتُ وَالْحَيْرَةُ.
قَوْلُهُ: وَمَا سِوَى هَذَا فَحَيْرَةٌ تُنْحَلُ اسْمَ السُّكْرِ جَهْلًا، أَوْ هَيَمَانًا يُسَمَّى بِاسْمِهِ جُورًا، يَقُولُ: وَمَا سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعَلَامَاتِ الثَّلَاثِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَحَبَّةِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى سُكْرًا، مِثْلَ الْحَيَاةِ فَإِنَّهَا تُعْطَى اسْمَ السُّكْرِ عِنْدَ الْجُهَّالِ، وَمِثْلَ الْهَيَمَانِ فَإِنَّهُ يُسَمِّيهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ السُّكْرَ سُكْرًا، وَذَلِكَ جَوْرٌ وَخُرُوجٌ عَنِ التَّحْقِيقِ، وَعُدُولٌ عَنِ الصَّوَابِ.
قَوْلُهُ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَكُلُّهُ يُنَاقِضُ الْبَصَائِرَ، كَسُكْرِ الْحِرْصِ، وَسُكْرِ الْجَهْلِ، وَسُكْرِ الشَّهْوَةِ؛ أَيْ: هَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنَ السُّكْرِ أَنْوَاعٌ مَذْمُومَةٌ، تُنَاقِضُ الْبَصَائِرَ، فَسُكْرُ الْحِرْصِ يَنْشَأُ مِنْ شِدَّةِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَعَدَمِ الزُّهْدِ فِيهَا، وَالْحَرِيصُ عَلَيْهَا سَكْرَانٌ فِي صُورَةِ صَاحٍ، وَكَذَلِكَ سُكْرُ الْجَهْلِ؛ فَإِنَّ الْجَهْلَ جَهْلَانِ: جَهْلُ الْعِلْمِ، وَجَهْلُ الْعَمَلِ، فَإِذَا تَحَكَّمَ الْجَهْلَانِ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ سُكْرِ صَاحِبِهِمَا، وَكَذَلِكَ سُكْرُ الشَّهْوَةِ، فَإِنَّ لَهَا سُكْرًا أَشَدَّ مِنْ سُكْرِ الْخَمْرِ، وَكَذَلِكَ سُكْرُ الْغَضَبِ، وَسُكْرُ الْفَرَحِ، وَكَذَلِكَ سُكْرُ السُّلْطَانِ وَالرِّئَاسَةِ، فَإِنَّ لِلرِّئَاسَةِ سُكْرًا وَعَرْبَدَةً لَا تَخْفَى، وَكَذَلِكَ الشَّبَابُ لَهُ سَكْرَةٌ قَوِيَّةٌ، وَهِيَ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ، وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ، لَهُ سَكْرَةٌ تَحُولُ بَيْنَ الْخَائِفِ وَبَيْنَ حُكْمِ الْعَقْلِ.