الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ: " وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ: مُشَاهَدَةِ الْقُرْبِ، وَالصُّعُودِ عَنِ الْعِلْمِ، وَمُطَالَعَةِ الْجَمْعِ، إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانًا لَهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ قَدْ وَصَلَ مِنَ الْقُرْبِ إِلَى مَقَامٍ يَلِيقُ بِهِ بِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِ، فَكُلَّمَا كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ أَتَمَّ؛ كَانَ قُرْبُهُ أَتَمَّ، فَإِنَّ شُهُودَ الْوَسَائِطِ وَالْوَسَائِلِ حِجَابٌ عَنْ عَيْنِ الْقُرْبِ، وَإِلْغَاؤُهَا وَجُحُودُهَا حِجَابٌ عَنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ.
وَأَمَّا صُعُودُهُ عَنِ الْعِلْمِ: فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ صُعُودَهُ عَنْ أَحْكَامِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ سُقُوطٌ وَنُزُولٌ إِلَى الْحَضِيضِ الْأَدْنَى، لَا صُعُودٌ إِلَى الْمَطْلَبِ الْأَعْلَى، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ: أَنَّهُ يَصْعَدُ بِأَحْكَامِ الْعِلْمِ عَنِ الْوُقُوفِ مَعَهُ، وَتَوْسِيطِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الْوَسَائِطَ قَدْ طُوِيَ بِسَاطُهَا فِي هَذَا الشُّهُودِ وَالْعِرْفَانِ، أَعْنِي: بِسَاطَ الْوُقُوفِ مَعَهَا وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا، فَيُدْرِكُ مَشْهُودَهُ وَمَعْرُوفَهُ بِهِ سُبْحَانَهُ، لَا بِالْعِلْمِ وَالْخَبَرِ، بَلْ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِلْ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْخَبَرِ، لَكِنَّهُ قَدْ صَعِدَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْخَبَرِ إِلَى الْمَعْلُومِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ.
وَأَمَّا مُطَالَعَةُ الْجَمْعِ فَهِيَ الْغَايَةُ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ: وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ ذَلِكَ، لَكِنْ أَيُّ جَمْعٍ هُوَ؟ هَلْ هُوَ جَمْعُ الْوُجُودِ، كَمَا يَقُولُهُ الِاتِّحَادِيُّ؟ أَمْ جَمْعُ الشُّهُودِ، كَمَا يَقُولُهُ صَاحِبُ الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ؟ أَمْ هُوَ جَمْعُ الْإِرَادَةِ كُلِّهَا فِي مُرَادِ الرَّبِّ تَعَالَى الدِّينِيِّ الْأَمْرِيِّ؟ فَالشَّأْنُ فِي هَذَا الْجَمْعِ الَّذِي مُطَالَعَتُهُ مِنْ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْمَعْرِفَةِ.
نَعَمْ هَاهُنَا جَمْعٌ آخَرُ، مُطَالَعَتُهُ هِيَ كُلُّ الْمَعْرِفَةِ، وَهُوَ: جَمْعُ الْأَفْعَالِ فِي الصِّفَاتِ، وَجَمْعُ الصِّفَاتِ فِي الذَّاتِ، وَجَمْعُ الْأَسْمَاءِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، فَمُطَالَعَةُ هَذَا الْجَمْعِ: هِيَ غَايَةُ الْمَعْرِفَةِ، وَأَعْلَى أَنْوَاعِهَا، وَهِيَ - لَعَمْرُ اللَّهِ - مَعْرِفَةٌ خَاصَّةُ الْخَاصَّةِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَبِهِ التَّوْفِيقُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
[فَصْلٌ الْفَنَاءُ]
[حَقِيقَةُ الْفَنَاءِ]
فَصْلٌ الْفَنَاءُ
قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: (بَابُ الْفَنَاءِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] . {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] .
الْفَنَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ: لَيْسَ هُوَ الْفَنَاءَ الَّذِي تُشِيرُ إِلَيْهِ الطَّائِفَةُ، فَإِنَّ الْفَنَاءَ فِي الْآيَةِ الْهَلَاكُ وَالْعَدَمُ، أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ يُعْدَمُ وَيَمُوتُ، وَيَبْقَى وَجْهُهُ سُبْحَانَهُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] وَمِثْلُ قَوْلِهِ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: هَلَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ، فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أَيْقَنَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالْهَلَاكِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا قَرَأْتَ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] فَلَا تَسْكُتْ حَتَّى تَقْرَأَ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ} [الرحمن: 27] وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ فِي الْقُرْآنِ وَكَمَالِ عِلْمِهِ، إِذِ الْمَقْصُودُ: الْإِخْبَارُ بِفَنَاءِ مَنْ عَلَيْهَا مَعَ بَقَاءِ وَجْهِهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِتَمْدَحَهُ بِالْبَقَاءِ وَحْدَهُ، وَمُجَرَّدُ فَنَاءِ الْخَلِيقَةِ لَيْسَ فِيهِ مَدْحُهُ، إِنَّمَا الْمَدْحُ فِي بَقَائِهِ بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ، فَهِيَ نَظِيرُ قَوْلِهِ {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] .
وَأَمَّا الْفَنَاءُ الَّذِي تُتَرْجِمُ عَنْهُ الطَّائِفَةُ: فَأَمْرٌ غَيْرُ هَذَا، وَلَكِنْ وُجِدَ الْإِشَارَةُ بِالْآيَةِ: أَنَّ الْفَنَاءَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ ذَهَابُ الْقَلْبِ، وَخُرُوجُهُ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ وَتَعَلُّقُهُ بِالْعَلِيِّ الْكَبِيرِ الَّذِي لَهُ الْبَقَاءُ فَلَا يُدْرِكُهُ الْفَنَاءُ، وَمَنْ فَنِيَ فِي مَحَبَّتِهِ وَطَاعَتِهِ وَإِرَادَةِ وَجْهِهِ أَوْصَلَهُ هَذَا الْفَنَاءُ إِلَى مَنْزِلِ الْبَقَاءِ، فَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْعَبْدَ حَقِيقٌ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِمَنْ هُوَ فَانٍ، وَيَذَرَ مَنْ لَهُ الْبَقَاءُ، وَهُوَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَكَأَنَّهَا تَقُولُ: إِذَا تَعَلَّقْتَ بِمَنْ هُوَ فَانٍ انْقَطَعَ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ عِنْدَ فَنَائِهِ أَحْوَجُ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ، وَإِذَا تَعَلَّقْتَ بِمَنْ هُوَ بَاقٍ لَا يَفْنَى لَمْ يَنْقَطِعْ تَعَلُّقُكَ وَدَامَ بِدَوَامِهِ.
وَالْفَنَاءُ الَّذِي يُتَرْجَمُ عَلَيْهِ هُوَ غَايَةُ التَّعَلُّقِ وَنِهَايَتُهُ، فَإِنَّهُ انْقِطَاعٌ عَمَّا سِوَى الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ:
" الْفَنَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ: اضْمِحْلَالُ مَا دُونَ الْحَقِّ عِلْمًا، ثُمَّ جَحْدًا، ثُمَّ حَقًّا ".
قُلْتُ: " الْفَنَاءُ " ضِدُّ " الْبَقَاءِ "، وَالْبَاقِي: إِمَّا بَاقٍ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى مَنْ يُبْقِيهِ، بَلْ بَقَاؤُهُ مِنْ لَوَازِمِ نَفْسِهِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَمَا سِوَاهُ فَبَقَاؤُهُ بِبَقَاءِ الرَّبِّ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ بَقَاءٌ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وُجُودٌ، فَإِيجَادُهُ وَإِبْقَاؤُهُ مِنْ رَبِّهِ وَخَالِقِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ إِلَّا الْعَدَمُ قَبْلَ إِيجَادِهِ، وَالْفَنَاءُ بَعْدَ إِيجَادِهِ.
وَلَيْسَ الْمَعْنَى: أَنَّ نَفْسَهُ وَذَاتَهُ اقْتَضَتْ عَدَمَهُ وَفَنَاءَهُ، وَإِنَّمَا الْفَنَاءُ أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى ذَاتِهِ - بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إِيجَادِ مُوجِدِهِ لَهُ - كَانَ مَعْدُومًا، وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ بَعْدَ وُجُودِهِ - مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إِبْقَاءِ مُوجِدِهِ لَهُ - اسْتَحَالَ بَقَاؤُهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَبْقَى بِإِبْقَائِهِ، كَمَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُوجَدُ بِإِيجَادِهِ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: إِنَّهُ نَفْسَهُ مَعْدُومٌ وَفَانٍ، فَافْهَمْهُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ إِفْنَاءُ الْمَوْجُودِ وَإِعْدَامُهُ بِخَلْقِ عَرَضٍ فِيهِ يُسَمَّى الْفَنَاءُ وَالْإِعْدَامُ؟ أَمْ بِإِمْسَاكِ خَلْقِ الْبَقَاءِ لَهُ، إِذْ هُوَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مُحْتَاجٌ إِلَى أَنْ يَخْلُقَ لَهُ بَقَاءً يُبْقِيهِ؟ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِعْدَامِ الْمَشْهُورَةُ.
وَالتَّحْقِيقُ فِيهَا: أَنَّ ذَاتَهُ لَا تَقْتَضِي الْوُجُودَ، وَهُوَ مَعْدُومٌ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا قَدَّرَ الرَّبُّ تَعَالَى لِوُجُودِهِ أَجَلًا وَوَقْتًا انْتَهَى وُجُودُهُ عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِهِ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْلِهِ وَهُوَ الْعَدَمُ، نَعَمْ قَدْ يُقَدِّرُ لَهُ وَقْتًا ثُمَّ يَمْحُو سُبْحَانَهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَيُرِيدُ إِعْدَامَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ، كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَمْحُو مَا يَشَاءُ، وَيُرِيدُ اسْتِمْرَارَ وَجُودِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ إِلَى أَمَدٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ
يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ نَبِيِّهِ نُوحٍ عليه السلام {قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ - أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ - يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح: 2 - 4] فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِبْقَاءَ الشَّيْءِ أَبْقَاهُ إِلَى حِينِ يَشَاءُ، وَإِذَا أَرَادَ إِفْنَاءَهُ أَعْدَمَهُ بِمَشِيئَتِهِ، كَمَا يُوجِدُهُ بِمَشِيئَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: مُتَعَلِّقُ الْمَشِيئَةِ لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وُجُودِيًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ الْعَدَمُ مُتَعَلِّقَ الْمَشِيئَةِ؟
قِيلَ: مُتَعَلِّقُ الْمَشِيئَةِ أَمْرَانِ: إِيجَادٌ، وَإِعْدَامٌ، وَكِلَاهُمَا مُمْكِنٌ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُ الْمَشِيئَةِ أَمْرًا وُجُودِيًا دَعْوَى بَاطِلَةٌ، نَعَمُ، الْعَدَمُ الْمَحْضُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَشِيئَةُ، وَأَمَّا الْإِعْدَامُ: فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْعَدَمِ.
وَلَوْلَا أَنَّا فِي أَمْرٍ أَخَصَّ مِنْ هَذَا لَبَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَكَرْنَا أَوْهَامَ النَّاسِ وَأَغْلَاطَهُمْ فِيهَا.
وَقَوْلُهُ " الْفَنَاءُ اسْمٌ لِاضْمِحْلَالِ مَا دُونَ الْحَقِّ عِلْمًا " يَعْنِي: يَضْمَحِلُّ عَنِ الْقَلْبِ وَالشُّهُودِ عِلْمًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتُهُ فَانِيَةً فِي الْحَالِ مُضْمَحِلَّةً، فَتَغِيبُ صُوَرُ الْمَوْجُودَاتِ فِي شُهُودِ الْعَبْدِ، بِحَيْثُ تَكُونُ كَأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْعَدَمِ، كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَنْ تُوجَدَ، وَيَبْقَى الْحَقُّ تَعَالَى ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَحْدَهُ فِي قَلْبِ الشَّاهِدِ، كَمَا كَانَ وَحْدَهُ قَبْلَ إِيجَادِ الْعَوَالِمِ.
قَوْلُهُ " عِلْمًا، ثُمَّ جَحْدًا، ثُمَّ حَقًّا " هَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ مَرَاتِبُ الِاضْمِحْلَالِ إِذَا وَرَدَ عَلَى الْعَبْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِذَا جَاءَ وَهْلَةً وَاحِدَةً لَمْ يَشْهَدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَعْرِفُ ذَلِكَ إِذَا عَادَ إِلَى عِلْمِهِ وَشُهُودِهِ، فَإِنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ إِذَا رَقَّى عَبْدَهُ بِالتَّدْرِيجِ نَوَّرَ بَاطِنَهُ وَعَقْلَهُ بِالْعِلْمِ، فَرَأَى أَنَّهُ لَا خَالِقَ سِوَاهُ، وَلَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَلَا يَمْلِكُ الضُّرَّ وَالنَّفْعَ وَالْعَطَاءَ وَالْمَنْعَ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ - بِنِهَايَةِ الْخُضُوعِ وَالْحُبِّ - سِوَاهُ، وَكُلُّ مَعْبُودٍ سِوَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فَبَاطِلٌ، فَهَذَا تَوْحِيدُ الْعِلْمِ.