الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَوَجْهُ اسْتِلْزَامِ شَهَادَتِهِ سُبْحَانَهُ لِذَلِكَ: أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَقَدْ أَخْبَرَ، وَبَيَّنَ وَأَعْلَمَ، وَحَكَمَ وَقَضَى: أَنَّ مَا سِوَاهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ، وَأَنَّ إِلَهِيَّةَ مَا سِوَاهُ أَبْطَلُ الْبَاطِلِ، وَإِثْبَاتَهَا أَظْلَمُ الظُّلْمِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ سِوَاهُ، كَمَا لَا تَصْلُحُ الْإِلَهِيَّةُ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِاتِّخَاذِهِ وَحْدَهُ إِلَهًا، وَالنَّهْيَ عَنِ اتِّخَاذِ غَيْرِهِ مَعَهَا إِلَهًا، وَهَذَا يَفْهَمُهُ الْمُخَاطَبُ مِنْ هَذَا النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، كَمَا إِذَا رَأَيْتَ رَجُلًا يَسْتَفْتِي أَوْ يَسْتَشْهِدُ، أَوْ يَسْتَطِبُّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَيَدَعُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ، فَتَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِمُفْتٍ وَلَا شَاهِدٍ وَلَا طَبِيبٍ، الْمُفْتِي فُلَانٌ، وَالشَّاهِدُ فُلَانٌ، وَالطَّبِيبُ فُلَانٌ، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنْكَ وَنَهْيٌ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ، فَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ هُوَ وَحْدَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ، تَضَمَّنَ هَذَا الْإِخْبَارُ: أَمْرَ الْعِبَادِ وَإِلْزَامَهُمْ بِأَدَاءِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ الْقِيَامَ بِذَلِكَ هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا شَهِدَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ تَضَمَّنَتْ شَهَادَتُهُ الْأَمْرَ وَالْإِلْزَامَ بِتَوْحِيدِهِ.
وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجُمَلِ الْخَبَرِيَّةِ، فَيُقَالُ لِلْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ قَضِيَّةٌ وَحُكْمٌ وَقَدْ حَكَمَ فِيهَا بِكَيْتَ وَكَيْتَ، قَالَ تَعَالَى:{أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: 151] فَجَعَلَ هَذَا الْإِخْبَارَ الْمُجَرَّدَ مِنْهُمْ حُكْمًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35] لَكِنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا إِلْزَامَ مَعَهُ، وَالْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: مُتَضَمِّنٌ لِلْإِلْزَامِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى " قَائِمًا بِالْقِسْطِ]
فَصْلٌ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18]" الْقِسْطِ ": هُوَ الْعَدْلُ، فَشَهِدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْعَدْلِ فِي تَوْحِيدِهِ، وَبِالْوَحْدَانِيَّةِ فِي عَدْلِهِ، وَالتَّوْحِيدُ وَالْعَدْلُ هُمَا جِمَاعُ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَإِنَّ التَّوْحِيدَ يَتَضَمَّنُ تَفَرُّدَهُ سُبْحَانَهُ بِالْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْمَجْدِ وَالتَّعْظِيمِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ سِوَاهُ، وَالْعَدْلُ يَتَضَمَّنُ وُقُوعَ أَفْعَالِهِ كُلِّهَا عَلَى السَّدَادِ وَالصَّوَابِ وَمُوَافَقَةِ الْحِكْمَةِ.
فَهَذَا تَوْحِيدُ الرُّسُلِ وَعَدْلُهُمْ: إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ، وَالْأَمْرُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ، وَإِثْبَاتُ الْقَدَرِ وَالْحِكَمِ، وَالْغَايَاتِ الْمَطْلُوبَةِ الْمَحْمُودَةِ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، لَا تَوْحِيدَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، الَّذِي هُوَ إِنْكَارُ الصِّفَاتِ وَحَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَعَدْلُهُمْ، الَّذِي هُوَ: التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ، أَوْ نَفْيُ الْحِكَمِ وَالْغَايَاتِ وَالْعَوَاقِبِ الْحَمِيدَةِ الَّتِي يَفْعَلُ اللَّهُ لِأَجْلِهَا وَيَأْمُرُ، وَقِيَامُهُ سُبْحَانَهُ بِالْقِسْطِ فِي شَهَادَتِهِ يَتَضَمَّنُ أُمُورًا.
أَحَدَهَا: أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ أَعْدَلُ شَهَادَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنْكَارُهَا وَجُحُودُهَا أَعْظَمُ الظُّلْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلَا أَعْدَلَ مِنَ التَّوْحِيدِ وَلَا أَظْلَمَ مِنَ الشِّرْكِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَائِمٌ بِالْعَدْلِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ قَوْلًا وَفِعْلًا، حَيْثُ شَهِدَ بِهَا، وَأَخْبَرَ وَأَعْلَمَ عِبَادَهُ، وَبَيَّنَ لَهُمْ تَحْقِيقَهَا وَصِحَّتَهَا، وَأَلْزَمَهُمْ بِمُقْتَضَاهَا، وَحَكَمَ بِهِ، وَجَعَلَ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ عَلَيْهَا، وَجَعَلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ مِنْ حُقُوقِهَا وَوَاجِبَاتِهَا، فَالدِّينُ كُلُّهُ مِنْ حُقُوقِهَا، وَالثَّوَابُ كُلُّهُ عَلَيْهَا، وَالْعِقَابُ كُلُّهُ عَلَى تَرْكِهَا.
وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَ بِهِ الرَّبُّ تَعَالَى فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَأَوَامِرُهُ كُلُّهَا تَكْمِيلٌ لَهَا، وَأَمْرٌ بِأَدَاءِ حُقُوقِهَا، وَنَوَاهِيهِ كُلُّهَا صِيَانَةٌ لَهَا عَمَّا يَهْضِمُهَا وَيُضَادُّهَا، وَثَوَابُهُ كُلُّهُ عَلَيْهَا، وَعِقَابُهُ كُلُّهُ عَلَى تَرْكِهَا، وَتَرْكِ حُقُوقِهَا، وَخَلْقُهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا كَانَ بِهَا وَلِأَجْلِهَا، وَهِيَ الْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ بِهِ، وَضِدُّهَا هُوَ الْبَاطِلُ وَالْعَبَثُ الَّذِي نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ، وَأَخْبَرَ: أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ بِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، قَالَ تَعَالَى - رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ لِهَذِهِ الشَّهَادَةِ - {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: 27] ، وَقَالَ تَعَالَى:{حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ - مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف: 1 - 3] وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} [يونس: 5]، وَقَالَ {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم: 8] وَقَالَ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الدخان: 38] وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَالْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ بِهِ
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَلِأَجْلِهِ: هُوَ التَّوْحِيدُ، وَحُقُوقُهُ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، فَالشَّرْعُ وَالْقَدَرُ، وَالْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ قَائِمٌ بِالْعَدْلِ، وَالتَّوْحِيدُ صَادِرٌ عَنْهُمَا، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي عَلَيْهِ الرَّبُّ سبحانه وتعالى، قَالَ تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ هُودٍ - {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] فَهُوَ سُبْحَانَهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، فَهُوَ يَقُولُ الْحَقَّ، وَيَفْعَلُ الْعَدْلَ {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 115 - 4] .
فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ - الَّذِي عَلَيْهِ رَبُّنَا تبارك وتعالى: هُوَ مُقْتَضَى التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ، قَالَ تَعَالَى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 76] فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَلِلصَّنَمِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَالصَّنَمُ مَثَلُ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ، أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] هُوَ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] وَقَوْلُهُ {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي " شَهِدَ اللَّهُ " وَالْعَامِلُ فِيهَا الْفِعْلُ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: شَهِدَ اللَّهُ حَالَ قِيَامِهِ بِالْقِسْطِ: أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ " هُوَ " وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، حَالَ كَوْنِهِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ، وَبَيْنَ التَّقْدِيرَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ الْأَوَّلَ: يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمَعْنَى: " شَهِدَ اللَّهُ " مُتَكَلِّمًا بِالْعَدْلِ، مُخْبِرًا بِهِ، آمِرًا بِهِ، فَاعِلًا لَهُ، مُجَازِيًا بِهِ - أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَإِنَّ الْعَدْلَ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَالْمُقْسِطُ هُوَ الْعَادِلُ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، فَشَهِدَ اللَّهُ قَائِمًا بِالْعَدْلِ - قَوْلًا وَفِعْلًا - أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَفِي ذَلِكَ تَحْقِيقٌ لِكَوْنِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ شَهَادَةَ عَدْلٍ وَقِسْطٍ، وَهِيَ أَعْدَلُ شَهَادَةٍ، كَمَا أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ أَعْدَلُ شَيْءٍ، وَأَصَحُّهُ وَأَحَقُّهُ، وَذَكَرَ ابْنُ السَّائِبِ وَغَيْرُهُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ مَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَهُوَ «أَنَّ حَبْرَيْنِ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ قَدِمَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَبْصَرَا الْمَدِينَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ بِمَدِينَةِ النَّبِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَا لَهُ: أَنْتَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَحْمَدُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَا: نَسْأَلُكَ عَنْ شَهَادَةٍ، فَإِنْ أَخْبَرَتْنَا بِهَا آمَنَّا بِكَ، قَالَ: سَلَانِي، قَالَا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَعْظَمِ شَهَادَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَنَزَلَتْ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18]- الْآيَةَ» وَإِذَا كَانَ الْقِيَامُ بِالْقِسْطِ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَانَ الْمَعْنَى: أَنَّهُ كَانَ سُبْحَانَهُ يَشْهَدُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْعَدْلِ عَالِمٌ بِهِ، لَا بِالظُّلْمِ، فَإِنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تَضَمَّنَتْ قَوْلًا وَعَمَلًا، فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنَّ الَّذِينَ عَبَدُوهُ وَحْدَهُ: هُمُ الْمُفْلِحُونَ السُّعَدَاءُ، وَأَنَّ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِهِ غَيْرَهُ هُمُ الضَّالُّونَ الْأَشْقِيَاءُ، فَإِذَا شَهِدَ قَائِمًا بِالْعَدْلِ - الْمُتَضَمِّنِ جَزَاءَ الْمُخْلِصِينَ بِالْجَنَّةِ، وَجَزَاءَ الْمُشْرِكِينَ بِالنَّارِ -: كَانَ هَذَا مِنْ تَمَامِ مُوجَبِ الشَّهَادَةِ وَتَحْقِيقِهَا، وَكَانَ قَوْلُهُ {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] تَنْبِيهًا عَلَى جَزَاءِ الشَّاهِدِ بِهَا وَالْجَاحِدِ لَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا التَّقْدِيرُ الثَّانِي - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: " قَائِمًا " حَالًا مِمَّا بَعْدَ إِلَّا - فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ قَائِمًا بِالْعَدْلِ، فَهُوَ وَحْدَهُ الْمُسْتَحِقُّ الْإِلَهِيَّةَ، مَعَ كَوْنِهِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا التَّقْدِيرُ أَرْجَحُ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَأُولِي الْعِلْمِ يَشْهَدُونَ لَهُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَنَّهُ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ.
قُلْتُ: مُرَادُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَوْلُهُ {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] حَالًا مِنَ الْمَشْهُودِ بِهِ، فَهُوَ كَالصِّفَةِ لَهُ، فَإِنَّ الْحَالَ صِفَةٌ فِي الْمَعْنَى لِصَاحِبِهَا، فَإِذَا وَقَعَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى ذِي الْحَالِ وَصَاحِبِهَا كَانَ كِلَاهُمَا مَشْهُودًا بِهِ، فَيَكُونُ الْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَدْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ، كَمَا شَهِدُوا بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَالتَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ لَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ: شَهِدَ اللَّهُ - قَائِمًا بِالْقِسْطِ - أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةَ وَأُولُو الْعِلْمِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: كَانَ الْقِيَامُ بِالْقِسْطِ حَالًا مِنِ اسْمِ اللَّهِ وَحْدَهُ.
وَأَيْضًا فَكَوْنُهُ قَائِمًا بِالْقِسْطِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ كَوْنِهِ حَالًا مِنْ مُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ حَالًا مِنْ " هُوَ " فَهَلَّا اقْتَرَنَ بِهِ؟ وَلِمَ فُصِلَ بَيْنَ صَاحِبِ الْحَالِ وَبَيْنَهَا بِالْمَعْطُوفِ، فَجَاءَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ صَاحِبِ الْحَالِ وَبَيْنَهَا؟
قُلْتُ: فَائِدَتُهُ ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ قَائِمًا بِالْقِسْطِ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ; لَأُوهِمَ عَطْفُ الْمَلَائِكَةِ وَأُولِي الْعِلْمِ عَلَى الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18]
وَلَا يَحْسُنُ الْعَطْفُ لِأَجْلِ الْفَصْلِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ أَنَّ قِيَامَهُ بِالْقِسْطِ مُخْتَصٌّ بِهِ، كَمَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِلَهِيَّةِ، فَهُوَ وَحْدَهُ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ الْمُسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ، وَهُوَ وَحْدَهُ الْمُجَازِي الْمُثِيبُ الْمُعَاقِبُ بِالْعَدْلِ.
قَوْلُهُ: " لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ "، ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ: الْأُولَى وَصْفٌ وَتَوْحِيدٌ، وَالثَّانِيَةُ: رَسْمٌ وَتَعْلِيمٌ، أَيْ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ الْأُولَى تَضَمَّنَتْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَهِدَ بِهَا وَأَخْبَرَ بِهَا، وَالتَّالِي لِلْقُرْآنِ إِنَّمَا يُخْبِرُ عَنْ شَهَادَتِهِ هُوَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَهَادَةٌ مِنَ التَّالِي نَفْسِهِ، فَأَعَادَ سُبْحَانَهُ ذِكْرَهَا مُجَرَّدَةً لِيَقُولَهَا التَّالِي، فَيَكُونَ شَاهِدًا هُوَ أَيْضًا.
وَأَيْضًا فَالْأُولَى: خَبَرٌ عَنِ الشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ، وَالثَّانِيَةُ: خَبَرٌ عَنْ نَفْسِ التَّوْحِيدِ، وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ:{الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] فَتَضَمَّنَتِ الْآيَةُ تَوْحِيدَهُ وَعَدْلَهُ، وَعِزَّتَهُ وَحِكْمَتَهُ، فَالتَّوْحِيدُ: يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، وَعَدَمَ الْمُمَاثِلِ لَهُ فِيهَا وَعِبَادَتَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْعَدْلُ يَتَضَمَّنُ وَضْعَهُ الْأَشْيَاءَ مَوْضِعَهَا، وَتَنْزِيلَهَا مَنَازِلَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْهَا إِلَّا بِمُخَصِّصٍ اقْتَضَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، وَلَا يَمْنَعُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعَطَاءَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ مُسْتَحِقًّا، وَالْعِزَّةُ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ وَقَهْرِهِ، وَالْحِكْمَةُ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ عِلْمِهِ، وَخِبْرَتِهِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ وَنَهَى، وَخَلَقَ وَقَدَّرَ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ وَالْغَايَاتِ الْحَمِيدَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا كَمَالَ الْحَمْدِ.
فَاسْمُهُ الْعَزِيزُ يَتَضَمَّنُ الْمُلْكَ، وَاسْمُهُ الْحَكِيمُ يَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ، وَأَوَّلُ الْآيَةِ يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ، وَذَلِكَ حَقِيقَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي إِذَا أَمَرَ بِأَمْرٍ كَانَ حَسَنًا فِي نَفْسِهِ وَإِذَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ كَانَ قَبِيحًا فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا أَخْبَرَ بِخَبَرٍ كَانَ صِدْقًا، وَإِذَا فَعَلَ فِعْلًا كَانَ صَوَابًا، وَإِذَا أَرَادَ شَيْئًا كَانَ أَوْلَى بِالْإِرَادَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا الْوَصْفُ عَلَى الْكَمَالِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ.
فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ: الدَّلَالَةَ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ الْمُنَافِيَةِ لِلشِّرْكِ، وَعَدْلِهُ الْمُنَافِي لِلظُّلْمِ، وَعِزَّتِهِ الْمُنَافِيَةِ لِلْعَجْزِ، وَحِكْمَتِهِ الْمُنَافِيَةِ لِلْجَهْلِ وَالْعَيْبِ، فَفِيهَا الشَّهَادَةُ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ، وَالْعَدْلِ، وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَلِهَذَا كَانَتْ أَعْظَمَ شَهَادَةٍ.
وَلَا يَقُومُ لِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ إِلَّا أَهْلُ السُّنَّةِ، وَسَائِرُ طَوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ لَا يَقُومُونَ بِهَا، فَالْفَلَاسِفَةُ أَشَدُّ النَّاسِ إِنْكَارًا وَجُحُودًا لِمَضْمُونِهَا، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، وَطَوَائِفُ الِاتِّحَادِيَّةِ: هُمْ أَبْعَدُ خَلْقِ اللَّهِ عَنْهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَطَائِفَةُ الْجَهْمِيَّةِ تُنْكِرُ حَقِيقَتَهَا مِنْ وُجُوهٍ:
مِنْهَا: أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي تَأْلَهُهُ الْقُلُوبُ، مَحَبَّةً لَهُ، وَاشْتِيَاقًا إِلَيْهِ، وَإِنَابَةً، وَعِنْدَهُمْ: أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ وَلَا يُحَبُّ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ كَلَامُهُ وَخَبَرُهُ عَمَّا شَهِدَ بِهِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَا يَقُولُ وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا يَشْهَدُ وَلَا يُخْبِرُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ مُبَايَنَتَهُ لِخَلْقِهِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَعِنْدَ فِرَعَوْنِيِّهِمْ: أَنَّهُ لَا يُبَايِنُ الْخَلْقَ وَلَا يُحَايِثُهُمْ، وَلَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ إِلَهٌ يُعْبَدُ، وَلَا رَبٌّ يُصَلَّى لَهُ وَيُسْجَدُ.
وَعِنْدَ حُلُولِيَّتِهِمْ: أَنَّهُ حَالٌّ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ، حَتَّى فِي الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يُسْتَحْيَى مِنْ ذِكْرِهَا، فَهَؤُلَاءِ مُثْبِتَةُ الْجَهْمِيَّةِ، وَأُولَئِكَ نُفَاتُهُمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ قِيَامَهُ بِالْقِسْطِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، وَعِنْدَهُمْ: أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ وَلَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ وَلَا قَوْلٌ الْبَتَّةَ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: مَخْلُوقٌ مِنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَفِعْلَهُ هُوَ الْمَفْعُولُ الْمُنْفَصِلُ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِعْلٌ يَكُونُ بِهِ فَاعِلًا حَقِيقَةً: فَلَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْقِسْطَ عِنْدَهُمْ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، بَلْ كُلُّ مُمْكِنٍ فَهُوَ قِسْطٌ، وَلَيْسَ فِي مَقْدُورِهِ مَا يَكُونُ ظُلْمًا وَقِسْطًا، بَلِ الظُّلْمُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُحَالُ الْمُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ، وَالْقِسْطُ هُوَ الْمُمْكِنُ، فَنَزَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ - عَلَى قَوْلِهِمْ - عَنِ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ الَّذِي لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْعِزَّةَ هِيَ الْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ، وَعِنْدَهُمْ لَا يَقُومُ بِهِ صِفَةٌ، وَلَا لَهُ صِفَةٌ وَقُدْرَةٌ تُسَمَّى قُدْرَةً وَقُوَّةً.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْحِكْمَةَ هِيَ الْغَايَةُ الَّتِي يَفْعَلُ لِأَجْلِهَا، وَتَكُونُ هِيَ الْمَطْلُوبَةَ بِالْفِعْلِ، وَيَكُونُ وُجُودُهَا أَوْلَى مِنْ عَدَمِهَا، وَهَذَا عِنْدَهُمْ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ، فَلَا يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ وَلَا غَايَةٍ، بَلْ لَا غَايَةَ لِفِعْلِهِ وَلَا أَمْرِهِ، وَمَا ثَمَّ إِلَّا مَحْضُ الْمَشِيئَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الْحِكْمَةِ وَالتَّعْلِيلِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، الْمُسَمَّى بِالْأَسْمَاءِ