المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الأول تلبيس الحق سبحانه بالكون على أهل التفرقة] - مدارج السالكين - ط الكتاب العربي - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلُ مَنْزِلَةِ الْهِمَّةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْهِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْهِمَّةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى هِمَّةٌ تَصُونُ الْقَلْبَ عَنْ وَحْشَةِ الرَّغْبَةِ فِي الْفَانِي]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ هِمَّةٌ تُورِثُ أَنَفَةً مِنَ الْمُبَالَاةِ بِالْعِلَلِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ هِمَّةٌ تَتَصَاعَدُ عَنِ الْأَحْوَالِ وَالْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدُّ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ رُسُومٌ وَحُدُودٌ قِيلَتْ فِي الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فصل أسباب المحبة]

- ‌[فَصْلٌ مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَمَحَبَّةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَرَاتِبِ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بَيْنَ الْهِمَّةِ وَالْأُنْسِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ أَوَّلُ أَوْدِيَةِ الْفَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا دُونَ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْمَقَامَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ هِيَ سِمَةُ الطَّائِفَةِ وَعُنْوَانُ الطَّرِيقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى مَحَبَّةٌ تَقْطَعُ الْوَسَاوِسَ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُ عَلَى إِيثَارِ الْحَقِّ عَلَى غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مَحَبَّةٌ خَاطِفَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَدَارُ شَأْنِ السَّالِكِينَ الْمُسَافِرِينَ إِلَى اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الْمَحَبَّةِ الثَّالِثَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْغَيْرَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْغَيْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْغَيْرَةُ سُقُوطُ الِاحْتِمَالِ ضَنًّا وَالضِّيقُ عَنِ الصَّبْرِ نَفَاسَةً]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْغَيْرَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى غَيْرَةُ الْعَابِدِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ غَيْرَةُ الْمُرِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ غَيْرَةُ الْعَارِفِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الشَّوْقِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الشَّوْقِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّوْقُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّوْقُ يُرَادُ بِهِ حَرَكَةُ الْقَلْبِ وَاهْتِيَاجُه لِلِقَاءِ الْمَحْبُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّوْقُ هُبُوبُ الْقَلْبِ إِلَى غَائِبٍ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الشَّوْقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى شَوْقُ الْعَابِدِ إِلَى الْجَنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ شَوْقٌ إِلَى اللَّهِ عز وجل]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الشَّوْقُ الْخَالِصُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَلَقُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْقَلَقِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْقَلَقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى قَلَقٌ يُضَيِّقُ الْخُلُقَ وَيُبَغِّضُ الْخَلْقَ وَيُلَذِّذُ الْمَوْتَ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ قَلَقٌ يُغَالِبُ الْعَقْلَ وَيُخَلِّي السَّمْعَ وَيُطَاوِلُ الطَّاقَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ قَلَقٌ لَا يَرْحَمُ أَبَدًا وَلَا يَقْبَلُ أَمَدًا وَلَا يُبْقِي أَحَدًا]

- ‌[فَصْلٌ الْعَطَشُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْعَطَشِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْعَطَشِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى عَطَشُ الْمُرِيدِ إِلَى شَاهِدٍ يَرْوِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ عَطَشُ السَّالِكِ إِلَى أَجَلٍ يَطْوِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ عَطَشُ الْمُحِبِّ إِلَى جَلْوَةٍ مَا دُونَهَا سَحَابُ عَلَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْوَجْدِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْوَجْدِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْوَجْدِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى وَجْدٌ عَارِضٌ يَسْتَفِيقُ لَهُ شَاهَدُ السَّمْعِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ وَجْدٌ تَسْتَفِيقُ لَهُ الرُّوحُ بِلَمْعِ نُورٍ أَزَلِيٍّ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ وَجْدٌ يَخْطِفُ الْعَبْدَ مِنْ يَدِ الْكَوْنَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّهْشُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الدَّهْشِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الدَّهْشِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى دَهْشَةُ الْمُرِيدِ عِنْدَ صَوْلَةِ الْحَالِ عَلَى عِلْمِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ دَهْشَةُ السَّالِكِ عِنْدَ صَوْلَةِ الْجَمْعِ عَلَى رَسْمِهِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ دَهْشَةُ الْمُحِبِّ عِنْدَ صَوْلَةِ الِاتِّصَالِ عَلَى لُطْفِ الْعَطِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْزِلَةِ الْهَيَمَانِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْهَيَمَانِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْهَيَمَانِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى هَيَمَانٌ فِي شِيَمِ أَوَائِلِ بَرْقِ اللُّطْفِ عِنْدَ قَصْدِ الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ هَيَمَانٌ فِي تَلَاطُمِ أَمْوَاجِ التَّحْقِيقِ عِنْدَ ظُهُورِ بَرَاهِينِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ هَيَمَانٌ عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي عَيْنِ الْقِدَمِ وَمُعَايَنَةِ سُلْطَانِ الْأَزَلِ]

- ‌[فَصْلٌ الْبَرْقُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْبَرْقِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْبَرْقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى بَرْقٌ يَلْمَعُ مِنْ جَانِبِ الْعِدَةِ فِي عَيْنِ الرَّجَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ بَرْقٌ يَلْمَعُ مِنْ جَانِبِ الْوَعِيدِ فِي عَيْنِ الْحَذَرِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ بَرْقٌ يَلْمَعُ مِنْ جَانِبِ اللُّطْفِ فِي عَيْنِ الِافْتِقَارِ]

- ‌[فَصْلُ مَنْزِلَةِ الذَّوْقِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الذَّوْقِ]

- ‌[فَصْلٌ بَابُ الذَّوْقِ]

- ‌[فَصْلٌ الذَّوْقُ أَبْقَى مِنَ الْوَجْدِ وَأَجْلَى مِنَ الْبَرْقِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الذَّوْقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى ذَوْقُ التَّصْدِيقِ طَعْمَ الْعِدَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ ذَوْقُ الْإِرَادَةِ طَعْمَ الْأُنْسِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ ذَوْقُ الِانْقِطَاعِ طَعْمَ الِاتِّصَالِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ اللَّحْظِ]

- ‌[حَقِيقَةُ اللَّحْظِ]

- ‌[دَرَجَاتُ اللَّحْظِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى مُلَاحَظَةُ الْفَضْلِ سَبْقًا]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مُلَاحَظَةُ نُورِ الْكَشْفِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مُلَاحَظَةُ عَيْنِ الْجَمْعِ]

- ‌[فَصْلُ مَنْزِلَةِ الْوَقْتِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْوَقْتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَعَانِي الْوَقْتِ]

- ‌[الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَقْتُ وَجْدٍ صَادِقٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْنَى الثَّانِي اسْمٌ لِطَرِيقِ سَالِكٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَعْنَى الثَّالِثِ: الْوَقْتُ الْحَقُّ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الصَّفَاءِ]

- ‌[حَدُّ الصَّفَاءِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الصَّفَاءِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى صَفَاءُ عِلْمٍ يُهَذِّبُ لِسُلُوكِ الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ صَفَاءُ حَالٍ يُشَاهَدُ بِهِ شَوَاهِدُ التَّحْقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ صَفَاءُ اتِّصَالٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السُّرُورِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ السُّرُورِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدُّ السُّرُورِ]

- ‌[دَرَجَاتُ السُّرُورِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى سُرُورُ ذَوْقٍ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ سُرُورُ شُهُودٍ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ سُرُورُ سَمَاعِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السِّرِّ]

- ‌[حَقِيقَةُ السِّرِّ]

- ‌[فَصْلٌ أَصْحَابُ السِّرِّ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ]

- ‌[الْأُولَى طَائِفَةٌ عَلَتْ هِمَمُهُمْ وَصَفَتْ قُصُودُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّانِيَةُ طَائِفَةٌ أَشَارُوا عَنْ مَنْزِلٍ وَهُمْ فِي غَيْرِهِ وَوَرُّوا بِأَمْرٍ وَهُمْ لِغَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّالِثَةُ طَائِفَةٌ أَسَرَهُمُ الْحَقُّ عَنْهُمْ فَأَلَاحَ لَهُمْ لَائِحًا أَذْهَلَهُمْ عَنْ إِدْرَاكِ مَا هُمْ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ النَّفَسِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ النَّفَسِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَنْفَاسُ ثَلَاثَةٌ]

- ‌[الْأَوَّلُ نَفَسٌ فِي حِينِ اسْتِتَارٍ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّانِي نَفَسٌ فِي حِينِ التَّجَلِّي]

- ‌[فَصْلٌ الثَّالِثُ نَفَسٌ مُطَهَّرٌ بِمَاءِ الْقُدْسِ]

- ‌[فَصْلُ الْغُرْبَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْغُرْبَةِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْغُرْبَةِ]

- ‌[الْأَوَّلُ غُرْبَةُ أَهْلِ اللَّهِ وَأَهْلِ سُنَةِ رَسُولِهِ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّانِي غُرْبَةُ أَهْلِ الْبَاطِلِ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّالِثُ غُرْبَةٌ مُشْتَرَكَةٌ لَا تُحْمَدُ وَلَا تُذَمُّ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الِاغْتِرَابِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى الْغُرْبَةُ عَنِ الْأَوْطَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ غُرْبَةُ الْحَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ غُرْبَةُ الْهِمَّةِ]

- ‌[فَصْلُ الْغَرَقِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْغَرَقِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْغَرَقِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى اسْتِغْرَاقُ الْعِلْمِ فِي عَيْنِ الْحَالِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ اسْتِغْرَاقُ الْإِشَارَةِ فِي الْكَشْفِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ اسْتِغْرَاقُ الشَّوَاهِدِ فِي الْجَمْعِ]

- ‌[فَصْلُ الْغَيْبَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْغَيْبَةِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْغَيْبَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى غَيْبَةُ الْمُرِيدِ فِي تَخَلُّصِ الْقَصْدِ عَنْ أَيْدِي الْعَلَائِقِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ غَيْبَةُ السَّالِكِ عَنْ رُسُومِ الْعِلْمِ وَعِلَلِ السَّعْيِ وَرُخَصِ الْفُتُورِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ غَيْبَةُ الْعَارِفِ عَنْ عُيُونِ الْأَحْوَالِ وَالشَّوَاهِدِ وَالدَّرَجَاتِ فِي عَيْنِ الْجَمْعِ]

- ‌[فَصْلُ التَّمَكُّنِ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّمَكُّنِ]

- ‌[دَرَجَاتُ التَّمَكُّنِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَمَكُّنُ الْمُرِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَمَكُّنُ السَّالِكِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ تَمَكُّنُ الْعَارِفِ]

- ‌[فَصْلُ الْمُكَاشَفَةِ]

- ‌[فَصْلُ الْمُشَاهَدَةِ]

- ‌[مَنْ يَنْتَفِعُ بِكَلَامِ اللَّهِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمُشَاهَدَةِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْمُشَاهَدَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الْأُولَى مُشَاهَدَةُ مَعْرِفَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مُشَاهَدَةُ مُعَايَنَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مُشَاهَدَةُ جَمْعٍ]

- ‌[فَصْلُ الْمُعَايَنَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمُعَايَنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الْمُعَايَنَةِ]

- ‌[فَصْلُ الْحَيَاةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْحَيَاةِ]

- ‌[الْحَيَاةُ الْمَقْصُودَةُ هُنَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَيَاةُ الْأُولَى حَيَاةُ الْعِلْمِ مِنْ مَوْتِ الْجَهْلِ وَهِيَ عَشْرُ مَرَاتِبَ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَيَاةُ الثَّانِيَةُ حَيَاةُ الْجَمْعِ مِنْ مَوْتِ التَّفْرِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَيَاةُ الثَّالِثَةُ حَيَاةُ الْوُجُودِ]

- ‌[فَصْلُ الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلُ الْبَسْطِ]

- ‌[فَصْلُ السُّكْرِ]

- ‌[حَدُّ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْبَابُ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَامَاتُ السُّكْرِ]

- ‌[فَصْلُ الصَّحْوِ]

- ‌[فَصْلُ الِاتِّصَالِ]

- ‌[فَصْلُ الِانْفِصَالِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الِانْفِصَالِ]

- ‌[فَصْلٌ وُجُوهُ الِانْفِصَالِ]

- ‌[فَصْلُ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْمَعْرِفَةِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى مَعْرِفَةُ الصِّفَاتِ وَالنُّعُوتِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مَعْرِفَةُ الذَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مَعْرِفَةٌ مُسْتَغْرِقَةٌ فِي مَحْضِ التَّعْرِيفِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَنَاءُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْفَنَاءِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْفَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الْأُولَى فَنَاءُ الْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْرُوفِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ فَنَاءُ شُهُودِ الطَّلَبِ لِإِسْقَاطِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الْفَنَاءُ عَنْ شُهُودِ الْفَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْبَقَاءُ]

- ‌[حَدُّ الْبَقَاءِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْبَقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحْقِيقُ]

- ‌[فَصْلٌ التَّلْبِيسُ]

- ‌[عَدَمُ مُنَاسَبَةِ اسْمِ الْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ التَّلْبِيسِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّلْبِيسُ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ]

- ‌[الْأَوَّلُ تَلْبِيسُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ بِالْكَوْنِ عَلَى أَهْلِ التَّفْرِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الثَّانِي تَلْبِيسُ أَهِلَ الْغَيْرَةِ عَلَى الْأَوْقَاتِ بِإِخْفَائِهَا]

- ‌[الثَّالِثُ تَلْبِيسُ أَهْلِ التَّمْكِينِ عَلَى الْعَالَمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَبْنَى الْبَابِ عَلَى مَحْوِ الْأَسْبَابِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا وَالْوُقُوفِ مَعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْوُجُودُ]

- ‌[حَقِيقَةُ الْوُجُودِ]

- ‌[فَصْلٌ تَكَلَّمَ الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ وَالِاتِّحَادِيَّةُ فِي الْوُجُودِ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ شَيْءٍ عَنِ الصَّوَابِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدُّ الْوُجُودِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّجْرِيدُ]

- ‌[حَقِيقَةُ التَّجْرِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ التَّجْرِيدِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَجْرِيدُ عَيْنِ الْكَشْفِ عَنْ كَسْبِ الْيَقِينِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَجْرِيدُ عَيْنِ الْجَمْعِ عَنْ دَرْكِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ تَجْرِيدُ الْخَلَاصِ مِنْ شُهُودِ التَّجْرِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّفْرِيدُ]

- ‌[حَدُّ التَّفْرِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْرِيدُ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَقِّ]

- ‌[تَفْرِيدُ الْإِشَارَةِ بِالْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْرِيدُ الْإِشَارَةِ عَنِ الْحَقِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْجَمْعُ]

- ‌[حَدُّ الْجَمْعِ]

- ‌[دَرَجَاتُ الْجَمْعِ]

- ‌[الْجَمْعُ غَايَةُ مَقَامَاتِ السَّالِكِينَ]

- ‌[فَصْلٌ نِهَايَةُ السَّالِكِينَ تَكْمِيلُ مَرْتَبَةِ الْعُبُودِيَّةِ صَرْفًا]

- ‌[فَصْلٌ التَّوْحِيدُ]

- ‌[التَّوْحِيدُ أَوَّلُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِفْرَادُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْجُنَيْدُ]

- ‌[فَصْلٌ انْقِسَامُ الطَّوَائِفِ فِي التَّوْحِيدِ وَتَسْمِيَةُ كُلِّ طَائِفَةٍ بَاطِلَهُمْ تَوْحِيدًا]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ التَّوْحِيدِ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ]

- ‌[مَرَاتِبُ التَّوْحِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى " قَائِمًا بِالْقِسْطِ]

- ‌[فَصْلٌ مَزَاعِمُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَتُهُ سُبْحَانَهُ تَتَضَمَّنُ بَيَانَهُ لِلْعِبَادِ وَدَلَالَتَهُمْ وَتَعْرِيفَهُمْ بِمَا شَهِدَ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِشْهَادُ عَلَى الرِّسَالَةِ بِشَهَادَةِ اللَّهِ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شَهَادَتِهِ سُبْحَانَهُ مَا أَوْدَعَهُ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ مِنَ التَّصْدِيقِ الْجَازِمِ بِكَلَامِهِ وَوَحْيِهِ]

- ‌[فَصْلٌ ضِمْنُ الشَّهَادَةِ الْإِلَهِيَّةِ الثَّنَاءُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الشَّاهِدِينَ بِهَا وَتَعْدِيلِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْسِيرُ شَهَادَةِ أُولِي الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْحِيدُ الْعَامَّةِ الَّذِي يَصِحُّ بِالشَّوَاهِدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْحِيدُ الْخَاصَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الصُّعُودُ عَنْ مُنَازَعَاتِ الْعُقُولِ حَقٌّ لَا يَتِمُّ التَّوْحِيدُ وَالْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ الْإِيمَانِيُّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْجَمْعُ الصَّحِيحُ هُوَ جَمْعُ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَجَمْعُ تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّوْحِيدُ الَّذِي اخْتَصَّهُ الْحَقُّ لِنَفْسِهِ وَاسْتَحَقَّهُ لِقَدْرِهِ]

الفصل: ‌[الأول تلبيس الحق سبحانه بالكون على أهل التفرقة]

[فَصْلٌ التَّلْبِيسُ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ]

[الْأَوَّلُ تَلْبِيسُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ بِالْكَوْنِ عَلَى أَهْلِ التَّفْرِقَةِ]

فَصْلٌ

قَالَ الشَّيْخُ: " وَهُوَ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ، أَوَّلُهَا: تَلْبِيسُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ بِالْكَوْنِ عَلَى أَهْلِ التَّفْرِقَةِ، وَهُوَ تَعْلِيقُهُ الْكَوَائِنَ بِالْأَسْبَابِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَحَايِينِ، وَتَعْلِيقُهُ الْمَعَارِفَ بِالْوَسَائِطِ، وَالْقَضَايَا بِالْحُجَجِ، وَالْأَحْكَامَ بِالْعِلَلِ، وَالِانْتِقَامَ بِالْجِنَايَاتِ، وَالْمَثُوبَةَ بِالطَّاعَاتِ، وَأَخْفَى الرِّضَا وَالسُّخْطَ اللَّذَيْنِ يُوجِبَانِ الْفَصْلَ وَالْوَصْلَ، وَيُظْهِرَانِ الشَّقَاوَةَ وَالسَّعَادَةَ.

شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَبِيبُنَا، وَلَكِنِ الْحَقُّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ، وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رحمه الله يَقُولُ: عَمَلُهُ خَيْرٌ مِنْ عِلْمِهِ، وَصَدَقَ رحمه الله، فَسِيرَتُهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَجِهَادِ أَهْلِ الْبِدَعِ لَا يُشَقُّ لَهُ فِيهَا غُبَارٌ، وَلَهُ الْمَقَامَاتُ الْمَشْهُورَةُ فِي نُصْرَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَكْسُوَ ثَوْبَ الْعِصْمَةِ لِغَيْرِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْبَابِ لَفْظًا وَمَعْنًى.

أَمَّا اللَّفْظُ: فَتَسْمِيَتُهُ فِعْلَ اللَّهِ، الَّذِي هُوَ حَقٌّ وَصَوَابٌ وَحِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَحُكْمَهُ الَّذِي هُوَ عَدْلٌ وَإِحْسَانٌ، وَأَمْرَهُ الَّذِي هُوَ دِينُهُ وَشَرْعُهُ " تَلْبِيسًا " فَمَعَاذَ اللَّهِ، ثُمَّ مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنَ الرِّضَا بِهَا، وَالْإِقْرَارِ عَلَيْهَا، وَالذَّبِّ عَنْهَا، وَالِانْتِصَارِ لَهَا، وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ هَذَا تَلْبِيسٌ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ، فَالتَّلْبِيسُ وَقَعَ عَلَيْهِ، وَلَا نَقُولُ: وَقَعَ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ صَادِقٌ لُبِّسَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ مُتَعَصِّبًا لَهُ يَقُولُ: أَنْتُمْ لَا تَفْهَمُونَ كَلَامَهُ، فَنَحْنُ نُبَيِّنُ مُرَادَهُ عَلَى وَجْهِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -، ثُمَّ نُتْبِعُ ذَلِكَ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ.

فَقَوْلُهُ " أَوَّلُهَا: تَلْبِيسُ الْحَقِّ بِالْكَوْنِ عَلَى أَهْلِ التَّفْرِقَةِ " وَالْحَقُّ هَاهُنَا الْمُرَادُ بِهِ الرَّبُّ تَعَالَى، وَ " الْكَوْنُ " اسْمٌ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ، وَ " أَهْلُ التَّفْرِقَةِ " ضِدُّ أَهْلِ " الْجَمْعِ "، وَسَيَأْتِي مَعْنَى الْجَمْعِ عِنْدَهُ بَعْدَ هَذَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -، فَأَهْلُ التَّفْرِقَةِ الَّذِينَ لَمْ يَصِلُوا إِلَى مَقَامِ الْجَمْعِ، فَأَهْلُ التَّفْرِقَةِ عِنْدَهُ لُبِّسَ عَلَيْهِمُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّهُمْ لُبِّسَ عَلَيْهِمُ الْحَقُّ بِالْكَوْنِ وَهُوَ الْبَاطِلُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهُ بَاطِلٌ، وَأَهْلُ التَّفْرِقَةِ عِنْدَهُمُ الَّذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمُ النَّظَرُ إِلَى الْأَسْبَابِ حَتَّى غَفَلُوا عَنِ الْمُسَبِّبِ، وَوَقَفُوا مَعَهَا دُونَهُ، وَ " التَّلْبِيسُ " فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَلِذَلِكَ اسْتُدِلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِالْآيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9]

ص: 366

لِيُعَرِّفَكَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا تُمْنَعُ نِسْبَتُهُ إِلَى اللَّهِ كَمَا لَا تُمْنَعُ نِسْبَةُ الْإِضْلَالِ إِلَيْهِ.

وَوَجْهُ هَذَا التَّلْبِيسِ: أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَضَافَ الْأَفْعَالَ الصَّادِرَةَ عَنْ مَحْضِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ إِلَى أَسْبَابٍ وَأَزْمِنَةٍ وَأَمْكِنَةٍ، فَلَبَّسَ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ عَلَى أَهْلِ التَّفْرِقَةِ حَيْثُ عَلَّقَ الْكَوَائِنَ - وَهِيَ الْأَفْعَالُ - بِالْأَسْبَابِ، فَنَسَبَهَا أَهْلُ التَّفْرِقَةِ إِلَى أَسْبَابِهَا، وَعَمُوا عَنْ رُؤْيَةِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ، فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فِعْلَ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَهْلُ التَّفْرِقَةِ يَجْهَلُونَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ: فَعَلَ فُلَانٌ، وَفَعَلَ الْمَاءُ، وَفَعَلَ الْهَوَاءُ، وَفَعَلَتِ النَّارُ، وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُهُ سُبْحَانَهُ الْمَعَارِفَ بِالْوَسَائِطِ، وَهِيَ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ وَالْفِطْرِيَّةُ، وَتَعْلِيقُهُ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصِرَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ بِآلَاتِهَا وَحَوَاسِّهَا، مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْخَالِقُ لِتِلْكَ الْإِدْرَاكَاتِ مُقَارَنَةً لِهَذِهِ الْحَوَاسِّ، وَعِنْدَهَا، لَا بِهَا، وَلَا بِقُوًى مُوَدَعَةٍ فِيهَا، وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ هَذِهِ الْمَعَارِفِ بِغَيْرِ هَذِهِ الْوَسَائِطِ، فَحَجَبَ أَهْلَ التَّفْرِقَةِ، فَهَذِهِ الْوَسَائِطُ عَنْ إِلَهٍ قَادِرٍ سُبْحَانَهُ حَقِيقَةُ الَّذِي لَا فِعْلَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا لَهُ، فَكَأَنَّهُ لَبَّسَ عَلَى أَهْلِ التَّفْرِقَةِ - أَيْ أَضَلَّهُمْ - بِشُهُودِهِمُ الْأَسْبَابَ، وَغَيْبَتِهِمْ بِهَا عَنْهُ.

وَكَذَلِكَ الْقَضَايَا - وَهِيَ الْوَقَائِعُ بَيْنَ الْعِبَادِ - غَلَّقَهَا بِالْحُجَجِ الْمُوجِبَةِ لَهَا، فَكُلُّ قَضَاءٍ وَحُكْمٍ لَابُدَّ لَهُ مِنْ حُجَّةٍ يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا، فَيَحْجُبُ صَاحِبَ التَّفْرِقَةِ بِتِلْكَ الْحُجَّةِ عَنِ الْمَصْدَرِ الْأَوَّلِ الَّذِي مِنْهُ ابْتِدَاءُ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَقِفُ مَعَ الْحُجَّةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مَنْ حَكَمَ بِهَا، وَجَعَلَهَا مَظْهَرًا لِنُفُوذِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ.

وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُهُ الْأَحْكَامَ بِالْعِلَلِ - وَهِيَ الْمَعَانِي وَالْمُنَاسَبَاتُ، وَالْحِكَمُ وَالْمَصَالِحُ - الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا ثَبَتَتِ الْأَحْكَامُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَاضِعُ تِلْكَ الْمَعَانِي، وَمُضِيفُ الْأَحْكَامِ إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُضَافَةٌ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ.

وَكَذَلِكَ تَرْتِيبُهُ الِانْتِقَامَ عَلَى الْجِنَايَاتِ، وَرَبْطُهُ الثَّوَابَ بِالطَّاعَاتِ، كُلُّ ذَلِكَ مُضَافٌ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ، لَا إِلَى الْجِنَايَاتِ، وَلَا إِلَى الطَّاعَاتِ، فَإِضَافَةُ ذَلِكَ إِلَيْهَا تَلْبِيسٌ عَلَى أَهْلِ التَّفْرِقَةِ، وَمَوْضِعُ التَّلْبِيسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ أَهْلَ التَّفْرِقَةِ يَظُنُّونَ أَنَّهُ لَوْلَا تِلْكَ الْوَسَائِطُ لَمَّا وُجِدَتْ مَعْرِفَةٌ، وَلَا وَقَعَتْ قَضِيَّةٌ، وَلَا كَانَ حُكْمٌ وَلَا ثَوَابٌ، وَلَا عِقَابٌ وَلَا انْتِقَامٌ، وَهَذَا تَلْبِيسٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ إِنَّمَا أَوْجَبَهَا مَحْضُ مَشِيئَةِ اللَّهِ الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَانْطَوَى حُكْمُ تِلْكَ الْوَسَائِطِ وَالْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ فِي بِسَاطِ الْمَشِيئَةِ الْأَزَلِيَّةِ، وَاضْمَحَلَّتْ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الْأَزَلِيِّ، وَصَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْكَائِنَاتِ الَّتِي هِيَ مُنْفَعِلَةٌ لَا فَاعِلَةٌ، وَمُطِيعَةٌ لَا مُطَاعَةٌ، وَمَأْمُورَةٌ لَا آمِرَةٌ وَخَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ، لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، فَهِيَ بِهِ لَا بِهِمْ، وَلِهَذَا عَاذَ الْعَارِفُونَ بِهِ مِنْهُ وَهَرَبُوا مِنْهُ إِلَيْهِ، وَالْتَجَئُوا مِنْهُ إِلَيْهِ، وَفَرُّوا مِنْهُ إِلَيْهِ، وَتَوَكَّلُوا بِهِ عَلَيْهِ، وَخَافُوهُ بِمَا مِنْهُ لَا مِنْ

ص: 367

غَيْرِهِ، فَشَهِدُوا أَوَّلِيَّتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَفَرُّدَهُ فِي الصُّنْعِ وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ مَا يُوجِبُ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا مَشِيئَتُهُ وَحْدَهُ، فَمَشِيئَتُهُ هِيَ السَّبَبُ فِي الْحَقِيقَةِ وَمَا يُشَاهَدُ أَوْ يُعْلَمُ مِنَ الْأَسْبَابِ فَمَحَلٌّ وَمَجْرًى لِنُفُوذِ الْمَشِيئَةِ، لَا أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ وَفَاعِلٌ، فَالْوَسَائِطُ لَابُدَّ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى أَوَّلٍ، لِامْتِنَاعِ التَّسَلْسُلِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟» وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ الْمَقَادِيرَ، وَكَتَبَ الْآثَارَ وَالْأَعْمَالَ، وَالشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، حَيْثُ لَا وَاسِطَةَ هُنَاكَ وَلَا سَبَبَ وَلَا عِلَّةَ، فَأَهْلُ التَّفْرِقَةِ وَقَفُوا مَعَ الْوَسَائِطِ، وَأَهْلُ الْجَمْعِ نَفِذَ بَصَرُهُمْ مِنَ الْوَسَائِطِ وَالْأَسْبَابِ إِلَى مَنْ أَقَامَهَا وَرَبَطَ بِهَا أَحْكَامَهَا.

قَوْلُهُ: " وَأَخْفَى الرِّضَا وَالسُّخْطَ اللَّذَيْنِ هُمَا مَوْضِعُ الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ "، يَعْنِي: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْفَى عَنْ عِبَادِهِ مَا سَبَقَ لَهُمْ عِنْدَهُ مِنْ سُخْطِهِ عَلَى مَنْ سَخِطَ عَلَيْهِ، وَرِضَاهُ عَمَّنْ رَضِيَ عَنْهُ، الْمُوجِبَيْنِ لِوَصْلِ مَنْ وَصَلَهُ، وَقَطْعِ مَنْ قَطْعَهُ.

وَمُرَادُهُ: أَنَّ هَذَا مَعَ السَّبَبِ الصَّحِيحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُوَ رِضَاهُ وَسُخْطُهُ، وَإِنَّمَا لَبَّسَ سُبْحَانَهُ عَلَى أَهْلِ التَّفْرِقَةِ الْأَمْرَ بِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْجِنَايَاتِ وَالطَّاعَاتِ، وَالْعِلَلِ وَالْحُجَجِ، وَلَا سَبَبَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا رِضَاهُ وَسُخْطِهِ، وَذَلِكَ لَا عِلَّةَ لَهُ، فَالرِّضَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْمَثُوبَةَ لَا الطَّاعَةُ، وَالسُّخْطُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ لَا الْمَعْصِيَةُ، وَالْمَشِيئَةُ هِيَ الَّتِي أَوْجَبَتِ الْحُكْمَ لَا الْوَسَائِطُ، فَأَخْفَى الرَّبُّ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ عَنْ خَلْقِهِ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ أَسْبَابًا أُخَرَ عَلَّقُوا بِهَا الْأَحْكَامَ، وَذَلِكَ تَلْبِيسٌ مِنَ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ، فَأَهْلُ التَّفْرِقَةِ وَقَفُوا مَعَ هَذَا التَّلْبِيسِ، وَأَهْلُ الْجَمْعِ صَعَدُوا عَنْهُ وَجَاوَزُوهُ إِلَى مَصْدَرِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَمُوجِدِهَا بِمَشِيئَتِهِ فَقَطْ.

فَبَالَغَ الشَّيْخُ فِي ذَلِكَ حَتَّى جَعَلَ الرِّضَا وَالسُّخْطَ يُظْهِرَانِ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ، وَلَمْ يَجْعَلِ الرِّضَا وَالسُّخْطَ مُؤَثِّرَيْنِ فِيهِمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ سَبَقَتْ عِنْدَهُ سَبْقًا مَحْضًا مُسْتَنِدًا إِلَى مَحْضِ الْمَشِيئَةِ لَا عِلَّةً لَهُمَا، وَالرِّضَا وَالسُّخْطُ أَظْهَرَا مَا سَبَقَ بِهِ التَّقْدِيرُ مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، فَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِي شَرْحِ كَلَامِهِ وَتَقْرِيرِهِ، وَحَمْلِهُ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَجْمَلِهَا.

وَأَمَّا مَا فِيهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَانْتِهَاءِ الْأُمُورِ إِلَى مَشِيئَةِ الرَّبِّ جل جلاله، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَذَلِكَ عَقْدُ نِظَامِ الْإِيمَانِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَكْفِي وَحْدَهُ، إِذْ غَايَتُهُ تَحْقِيقُ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّذِي لَا يُنْكِرُهُ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي أَمْرٍ آخَرَ وَرَاءَ هَذَا؛ هَذَا بَابُهُ، وَالْمَدْخَلُ إِلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ يُوصَلُ إِلَيْهِ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ، وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ، وَعَلَيْهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَالشَّرَائِعُ كُلُّهَا

ص: 368

تَفَاصِيلُهُ وَحُقُوقُهُ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَا سَعَادَةَ لِلنُّفُوسِ إِلَّا بِالْقِيَامِ بِهِ - عِلْمًا وَعَمَلًا، وَحَالًا - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَحْدَهُ أَحَبَّ إِلَى الْعَبْدِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَأَخَوَفَ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَأَرْجَى لَهُ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَيَعْبُدُهُ بِمَعَانِي الْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ بِمَا يُحِبُّهُ هُوَ وَيَرْضَاهُ، وَهُوَ مَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، لَا بِمَا يُرِيدُ الْعَبْدُ وَيَهْوَاهُ، وَتَلْخِيصُ ذَلِكَ فِي كَلِمَتَيْنِ " إِيَّاكَ أُرِيدُ بِمَا تُرِيدُ " فَالْأُولَى: تَوْحِيدٌ وَإِخْلَاصٌ، وَالثَّانِيَةُ: اتِّبَاعٌ لِلسُّنَّةِ وَتَحْكِيمٌ لِلْأَمْرِ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ غَايَتُهُ تَقْرِيرُ تَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ.

وَأَمَّا جَعْلُهُ مَا نَصَبَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَثَوَابِهِ، وَعِقَابِهِ تَلْبِيسًا، فَتَلْبِيسٌ مِنَ النَّفْسِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ - عِنْدَ الْعَارِفِينَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ - مِنَ التَّلْبِيسِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَظْهَرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَحِكْمَتِهِ، وَنِعْمَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ وَعَزَّتِهِ، إِذْ ظُهُورُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ، تَسْتَلْزِمُ مَحَالَّ وَتَعَلُّقَاتٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا، وَيَظْهَرُ فِيهَا آثَارُهَا، وَهَذَا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِلصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ، إِذِ الْعِلْمُ لَابُدَّ لَهُ مِنْ مَعْلُومٍ، وَصِفَةُ الْخَالِقِيَّةِ، وَالرَّازِقِيَّةِ، تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مَخْلُوقٍ وَمَرْزُوقٍ، وَكَذَلِكَ صِفَةُ الرَّحْمَةِ، وَالْإِحْسَانِ، وَالْحِلْمِ، وَالْعَفْوِ، وَالْمَغْفِرَةِ، وَالتَّجَاوُزِ - تَسْتَلْزِمُ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَعْلِيقُ الْأَحْكَامِ، وَالثَّوَابِ، وَالْعِقَابِ بِهَا تَلْبِيسًا؟ وَهَلْ ذَلِكَ مَحَالُّ تَتَعَلَّقُ بِهَا، وَيَظْهَرُ فِيهَا آثَارُهَا، فَالْأَسْبَابُ وَالْوَسَائِطُ، مَظْهَرُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، إِلَّا حِكْمَةً بَالِغَةً بَاهِرَةً، وَآيَاتٍ ظَاهِرَةً، وَشَوَاهِدَ نَاطِقَةً بِرُبُوبِيَّةِ مُنْشِئِهَا، وَكَمَالِهِ، وَثُبُوتِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ؟ فَإِنَّ الْكَوْنَ - كَمَا هُوَ مَحَلُّ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَمَظْهَرُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ - فَهُوَ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ شَوَاهِدُ وَأَدِلَّةٌ وَآيَاتٌ، دَعَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ إِلَى النَّظَرِ فِيهَا، وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ، وَالِاعْتِبَارِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ عَلَى عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ عَلَى عَدْلِهِ، وَأَنَّهُ يَغْضَبُ وَيَسْخَطُ، وَيَكْرَهُ وَيَمْقُتُ، وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْمَثُوبَاتِ وَالْإِكْرَامِ عَلَى أَنَّهُ يُحِبُّ، وَيَرْضَى وَيَفْرَحُ، فَالْكَوْنُ - بِجُمْلَةِ مَا فِيهِ - آيَاتٌ وَشَوَاهِدُ وَأَدِلَّةٌ، لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ مِنْهَا شَيْئًا تَلْبِيسًا، وَلَا وَسَّطَهُ عَبَثًا، وَلَا خَلَقَهُ سُدًى.

فَالْأَسْبَابُ وَالْوَسَائِطُ وَالْعِلَلُ مَحَلُّ ادِّكَارِ الْمُتَفَكِّرِينَ، وَاعْتِبَارِ النَّاظِرِينَ، وَمَعَارِفِ الْمُسْتَدِلِّينَ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] وَكَمْ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْحَثِّ عَلَى النَّظَرِ

ص: 369

وَالِاعْتِبَارِ بِهَا، وَالتَّفَكُّرِ فِيهَا، وَذَمِّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا، وَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا وَالِاسْتِدْلَالَ، يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةَ بِصِدْقِ رُسُلِهِ؛ فَهُوَ آيَاتٌ كَوْنِيَّةٌ مُشَاهَدَةٌ تُصَدِّقُ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ؟ ! ! .

فَمَا عَلَّقَ بِهَا آثَارَهَا سُدًى، وَلَا رَتَّبَ عَلَيْهَا مُقْتَضَيَاتِهَا وَأَحْكَامَهَا بَاطِلًا، وَلَا جَعَلَ تَوْسِيطَهَا تَلْبِيسًا الْبَتَّةَ، بَلْ ذَلِكَ مُوجَبُ كَمَالِهِ وَكَمَالِ نُعُوتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَبِهَا عُرِفَتْ رُبُوبِيَّتُهُ وَإِلَهِيَّتُهُ، وَمُلْكُهُ وَصِفَاتُهُ وَأَسْمَاؤُهُ.

هَذَا وَلَمْ يَخْلُقْهَا سُبْحَانَهُ عَنْ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهَا، وَلَا تَوَقُّفًا لِكَمَالِهِ الْمُقَدَّسِ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَتَكَثَّرْ بِهَا مِنْ قِلَّةٍ، وَلَمْ يَتَعَزَّزْ بِهَا مِنْ ذِلَّةٍ، بَلِ اقْتَضَى كَمَالُهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ، وَيَأْمُرَ وَيَتَصَرَّفَ وَيُدَبِّرَ كَمَا يَشَاءُ، وَأَنْ يُحْمَدَ وَيُعْرَفَ، وَيُذْكَرَ وَيُعْبَدَ، وَيَعْرِفَ الْخَلْقُ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتَ جَلَالِهِ، وَلِذَلِكَ خَلَقَ خَلْقًا يَعْصُونَهُ وَيُخَالِفُونَ أَمْرَهُ، لِتَعْرِفَ مَلَائِكَتُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ وَرُسُلُهُ، وَأَوْلِيَاؤُهُ كَمَالَ مَغْفِرَتِهِ، وَعَفْوِهِ، وَحِلْمِهِ وَإِمْهَالِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِقُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ، فَظَهَرَ كَرَمُهُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَبِرِّهِ وَلُطْفِهِ فِي الْعَوْدِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ فَيُغْفَرُ لَهُمْ» فَلِمَنْ كَانَتْ تَكُونُ مَغْفِرَتُهُ لَوْ لَمْ يَخْلُقِ الْأَسْبَابَ الَّتِي يَعْفُو عَنْهَا وَيَغْفِرُهَا؟ وَالْعَبْدَ الَّذِي لَهُ يَغْفِرُ؟ فَخَلْقُ الْعَبْدِ الْمَغْفُورِ لَهُ، وَتَقْدِيرُ الذَّنْبِ الَّذِي يُغْفَرُ، وَالتَّوْبَةُ الَّتِي يَغْفِرُ بِهَا هُوَ نَفْسُ مُقْتَضَى الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ، وَمُوجَبُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتِ الْعُلَا - لَيْسَ مِنَ التَّلْبِيسِ فِي شَيْءٍ، فَتَعْلِيقُ الْكَوَائِنِ بِالْأَسْبَابِ كَتَعْلِيقِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِالْأَسْبَابِ، وَلِهَذَا سَوَّى صَاحِبُ الْمَنَازِلِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ مَحْضُ الْحِكْمَةِ وَمُوجَبُ الْكَمَالِ الْإِلَهِيِّ، وَمُقْتَضَى الْحَمْدِ التَّامِّ، وَمَظْهَرُ صِفَةِ الْعِزَّةِ، وَالْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ، وَالشَّرَائِعُ كُلُّهَا - مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا - مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ بِالْعِلَلِ، وَالْقَضَايَا بِالْحُجَجِ، وَالثَّوَابِ بِالطَّاعَةِ، وَالْعُقُوبَاتِ بِالْجَرَائِمِ، فَهَلْ يُقَالُ: إِنَّ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا تَلْبِيسٌ، بِأَيِّ مَعْنًى فُسِّرَ التَّلْبِيسُ؟

وَلَعَمْرُ اللَّهِ، لَقَدْ كَانَ فِي غُنْيَةٍ عَنْ هَذَا الْبَابِ، وَعَنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، وَلَقَدْ أَفْسَدَ الْكِتَابَ بِذَلِكَ.

هَذَا وَلَا يُجْهَلُ مَحَلُّ الرَّجُلِ مِنَ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ، وَطَرِيقِ السُّلُوكِ، وَآفَتِهِ وَعِلَلِهِ وَلَكِنْ قَصْدُهُ تَجْرِيدَ تَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ وَالرُّبُوبِيَّةِ قَادَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ اعْتِقَادُهُ أَنَّ

ص: 370

الْفَنَاءَ فِي هَذَا التَّوْحِيدِ هُوَ غَايَةُ السُّلُوكِ، وَنِهَايَةُ الْعَارِفِينَ، وَسَاعَدَهُ اعْتِقَادُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ، الرَّادِّينَ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ فِي الْأَسْبَابِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا الْبَتَّةَ، وَلَا فِيهَا قُوًى، وَلَا يَفْعَلُ اللَّهُ شَيْئًا بِشَيْءٍ وَلَا شَيْئًا لِشَيْءٍ، فَيُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ فِي أَفْعَالِهِ بَاءُ سَبَبِيَّةٍ، أَوْ لَامُ تَعْلِيلٍ، وَمَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ حَمَلُوا الْبَاءَ فِيهِ عَلَى بَاءِ الْمُصَاحَبَةِ، وَاللَّامَ فِيهِ عَلَى لَامِ الْعَاقِبَةِ، وَقَالُوا: يَفْعَلُ اللَّهُ الْإِحْرَاقَ وَالْإِغْرَاقَ وَالْإِزْهَاقَ عِنْدَ مُلَاقَاةِ النَّارِ، وَالْمَاءِ وَالْحَدِيدِ، لَا بِهِمَا، وَلَا بِقُوًى فِيهِمَا، وَلَا فَرْقَ - فِي نَفْسِ الْأَمْرِ - بَيْنَ النَّارِ وَبَيْنَ الْهَوَاءِ وَالتُّرَابِ وَالْخَشَبِ، وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِفَاعِلٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُنْفَعِلٌ مَحْضٌ، وَمَحَلُّ جَرَيَانِ تَصَارِيفِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْفَاعِلَ فِيهِ سِوَاهُ، وَالْمُحَرِّكَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ فَاعِلٌ أَوْ مُتَحَرِّكٌ، فَهُوَ تَلْبِيسٌ.

فَهَذِهِ الْأُصُولُ: أَوْجَبَتْ هَذَا التَّلْبِيسَ عَلَى نُفَاةِ الْحِكَمِ وَالْأَسْبَابِ، وَقَابَلَهُمْ آخَرُونَ، فَمَزَّقُوا لُحُومَهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ، وَفَرَّقُوا أَدِيمَهُمْ، وَقَالُوا: عَطَّلْتُمُ الشَّرَائِعَ، وَالثَّوَابَ، وَالْعِقَابَ، وَأَبْطَلْتُمْ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَإِنَّ مَبْنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً، وَأَنَّ أَفْعَالَهُمْ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهِمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّ قُدَرَهُمْ وَإِرَادَتِهِمْ وَدَوَاعِيَهُمْ مُؤَثِّرَةٌ فِي أَفْعَالِهِمْ، وَأَفْعَالُهُمْ وَاقِعَةٌ بِحَسَبِ دَوَاعِيهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ، عَلَى ذَلِكَ قَامَتِ الشَّرَائِعُ وَالنُّبُوَّاتُ، وَالثَّوَابُ، وَالْعِقَابُ، وَالْحُدُودُ، وَالزَّوَاجِرُ، فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَالْحَيَوَانَ، وَسَوَّيْتُمْ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَا سَوَّى بَيْنَ حَرَكَةِ الْمُخْتَارِ وَحَرَكَةِ مَنْ تَحَرَّكَ قَسْرًا بِغَيْرِ إِرَادَةٍ مِنْهُ أَبَدًا، وَلَا سَوَّى بَيْنَ حَرَكَاتِ الْأَشْجَارِ، وَحَرَكَاتِ ابْنِ آدَمَ، وَلَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَفْعَالَ عِبَادِهِ وَطَاعَتَهُمْ وَمَعَاصِيَهُمْ أَفْعَالًا لَهُ، بَلْ نَسَبَهَا إِلَيْهِ حَقِيقَةً، وَأَخْبَرَ: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُمْ فَاعِلِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] وَقَالَ {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41] وَقَالَ سَادَاتُ الْعَارِفِينَ بِهِ {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة: 128] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلِهِ {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} [إبراهيم: 40] فَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الْعَبْدَ كَذَلِكَ، وَالْعَبْدُ هُوَ الَّذِي صَلَّى وَصَامَ وَأَسْلَمَ، وَهُوَ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً، يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَاعِلًا، وَهُوَ السَّائِرُ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] فَهَذَا فِعْلُهُ، وَالسَّيْرُ

ص: 371

فِعْلُهُمْ، وَالْإِقَامَةُ فِعْلُهُ، وَالْقِيَامُ فِعْلُهُمْ، وَالْإِنْطَاقُ فِعْلُهُ، وَالنُّطْقُ فِعْلُهُمْ، فَكَيْفَ تُجْعَلُ نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إِلَى مَحَالِّهَا الْقَائِمَةِ بِهَا، وَأَسْبَابِهَا الْمُظْهِرَةِ لَهَا: تَلْبِيسًا؟

وَمَعْلُومٌ: أَنَّ طَيَّ بِسَاطِ الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ: تَعْطِيلٌ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالشَّرَائِعِ وَالْحِكَمِ، وَأَمَّا الْوُقُوفُ مَعَ الْأَسْبَابِ، وَاعْتِقَادُ تَأْثِيرِهَا: فَلَا نَعْلَمُ مِنْ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِأَنْفُسِهَا، حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى نَفْيِ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ - وَهُمُ الْقَدَرِيَّةُ -: إِنَّ أَفْعَالَ الْحَيَوَانِ خَاصَّةً غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ، وَلَا وَاقِعَةٍ بِمَشِيئَتِهِ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَطْبَقَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ عَلَى ذَمِّهِمْ وَتَبْدِيعِهِمْ وَتَضْلِيلِهِمْ، وَبَيَّنَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ أَشْبَاهُ الْمَجُوسِ، وَأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ الْعُقُولَ وَالْفِطَرَ وَنُصُوصَ الْوَحْيِ، فَالتَّلْبِيسُ فِي الْحَقِيقَةِ حَصَلَ لِهَؤُلَاءِ، وَلِمُنْكِرِي الْأَسْبَابِ فِي الْقُوَى وَالطَّبَائِعِ وَالْحِكَمِ، وَلُبِّسَ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ.

وَالْحَقُّ - الَّذِي بَعَثَ بِهِ اللَّهُ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، وَفَطَرَ عَلَيْهِ عِبَادَهُ، وَأَوْدَعَهُ فِي عُقُولِهِمْ -: بَيْنَ مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَالْهُدَى بَيْنَ الضَّلَالَتَيْنِ، وَالِاسْتِقَامَةُ بَيْنَ الِانْحِرَافَيْنِ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْقُرْآنَ - بَلْ وَسَائِرَ كُتُبِ اللَّهِ - تَضَمَّنَتْ تَعْلِيقَ الْكَوَائِنِ بِالْأَسْبَابِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَحَايِينِ، وَتَعْلِيقَ الْمَعَارِفِ بِالْوَسَائِطِ، وَالْقَضَايَا بِالْحُجَجِ وَالْأَحْكَامِ بِالْعِلَلِ، وَالِانْتِقَامَ بِالْجِنَايَاتِ، وَالْمَثُوبَاتِ بِالطَّاعَاتِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا تَلْبِيسًا عَادَ الْوَحْيُ وَالشَّرْعُ وَالْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ تَلْبِيسًا.

نَعَمُ، التَّلْبِيسُ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ التَّعْلِيقَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْلَالِ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ، وَنَاصِبِ الْحِكَمِ وَالْعِلَلِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ: أَنَّهُ لَبَّسَ الْأَمْرَ عَلَى هَؤُلَاءِ، فَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الصَّوَابِ، فَأَبْعَدَ اللَّهُ مَنْ يَنْتَصِرُ لَهُمْ، وَيَذُبُّ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ أَضَلُّ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ أَثْبَتَ الْأَسْبَابَ وَالْحِكَمَ وَالْعِلَلَ، وَعَلَّقَ بِهَا مَا عَلَّقَهُ اللَّهُ بِهَا مِنَ الْحِكَمِ وَالشَّرْعِ، وَأَنْزَلَهَا بِالْمَحَلِّ الَّذِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ بِهِ، وَوَضَعَهَا حَيْثُ وَضَعَهَا - فَقَدْ لَبَّسَ عَلَيْهِ، فَنَحْنُ نَدِينُ اللَّهَ بِذَلِكَ، وَإِنْ سُمِّيَ تَلْبِيسًا، كَمَا نَدِينُ بِإِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَإِنْ سُمِّيَ جَبْرًا، وَنَدِينُ بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَحَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ، وَإِنْ سُمِّيَ تَجْسِيمًا، وَنَدِينُ بِإِثْبَاتِ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَإِنْ سُمِّيَ تَحَيُّزًا أَوْ جِهَةً، وَنَدِينُ بِإِثْبَاتِ وَجْهِهِ الْأَعْلَى، وَيَدَيْهِ الْمَبْسُوطَتَيْنِ، وَإِنْ سُمِّيَ تَرْكِيبًا، وَنَدِينُ بِحُبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ سُمِّيَ نَصْبًا، وَنَدِينُ بِأَنَّهُ مُكَلَّمٌ مُتَكَلِّمٌ حَقِيقَةً كَلَامًا يَسْمَعُهُ مَنْ خَاطَبَهُ، وَأَنَّهُ يُرَى بِالْأَبْصَارِ عِيَانًا حَقِيقَةً يَوْمَ لِقَائِهِ، وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ تَشْبِيهًا.

ص: 372