الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُطْلَقِ سِوَاهُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ انْقِسَامُ الطَّوَائِفِ فِي التَّوْحِيدِ وَتَسْمِيَةُ كُلِّ طَائِفَةٍ بَاطِلَهُمْ تَوْحِيدًا]
فَصْلٌ
وَقَدْ تَقَسَّمَتِ الطَّوَائِفُ التَّوْحِيدَ وَسَمَّى كُلُّ طَائِفَةٍ بَاطِلَهُمْ تَوْحِيدًا.
فَأَتْبَاعُ إِرِسْطُو وَابْنِ سِينَا وَالنَّصِيرِ الطَّوْسِيِّ، عِنْدَهُمُ التَّوْحِيدُ: إِثْبَاتُ وُجُودٍ مُجَرَّدٍ عَنِ الْمَاهِيَّةِ وَالصِّفَةِ، بَلْ هُوَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ، لَا يَعْرِضُ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَاهِيَّاتِ، وَلَا يَقُومُ بِهِ وَصْفٌ، وَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَعْتٍ، بَلْ صِفَاتُهُ كُلُّهَا سُلُوبٌ وَإِضَافَاتٌ، فَتَوْحِيدُ هَؤُلَاءِ: هُوَ غَايَةُ الْإِلْحَادِ وَالْجَحْدِ وَالْكُفْرِ، وَفُرُوعُ هَذَا التَّوْحِيدِ: إِنْكَارُ ذَاتِ الرَّبِّ، وَالْقَوْلُ بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ، وَأَنَّهَا حِرْفَةٌ مِنَ الْحِرَفِ، كَالْوِلَايَةِ وَالسِّيَاسَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ عَدَدَ الْأَفْلَاكِ وَلَا الْكَوَاكِبِ، وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الْمُعَيَّنَةِ الْبَتَّةَ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَلْبِ شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ الْعَالَمِ وَلَا شَقِّ الْأَفْلَاكِ وَلَا خَرْقِهَا، وَأَنَّهُ: لَا حَلَالَ وَلَا حَرَامَ، وَلَا أَمْرَ وَلَا نَهْيَ، وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ، فَهَذَا تَوْحِيدُ هَؤُلَاءِ.
وَأَمَّا الِاتِّحَادِيَّةُ، فَالتَّوْحِيدُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الْحَقَّ الْمُنَزَّهَ هُوَ عَيْنُ الْخَلْقِ الْمُشَبَّهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَحَقِيقَتُهُ وَمَاهِيَّتُهُ، وَأَنَّهُ آيَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَهُ فِيهِ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَيْنُهُ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَقِّقِيهِمْ مِنْ خَطَأِ التَّعْبِيرِ، بَلْ هُوَ نَفْسُ الْآيَةِ، وَنَفْسُ الدَّلِيلِ، وَنَفْسُ الْمُسْتَدِلِّ، وَنَفْسُ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ، فَالتَّعَدُّدُ: بِوُجُودِ اعْتِبَارَاتٍ وَهْمِيَّةٍ، لَا
بِالْحَقِيقَةِ وَالْوُجُودِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ عَيْنُ النَّاكِحِ، وَعَيْنُ الْمَنْكُوحِ وَعَيْنُ الذَّابِحِ، وَعَيْنُ الْمَذْبُوحِ، وَعَيْنُ الْآكِلِ، وَعَيْنُ الْمَأْكُولِ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ: هُوَ السِّرُّ الَّذِي رَمَزَتْ إِلَيْهِ هَوَامِسُ الدُّهُورِ الْأَوَّلِيَّةِ، وَرَامَتْ إِفَادَتَهُ الْهِدَايَةُ النَّبَوِيَّةُ، كَمَا قَالَهُ مُحَقِّقُهُمْ وَعَارِفُهُمْ ابْنُ سَبْعِينَ.
وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا التَّوْحِيدِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مُؤْمِنُونَ كَامِلُو الْإِيمَانِ، عَارِفُونَ بِاللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَمِنْ فُرُوعِهِ: أَنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا عَبَدُوا عَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا غَيْرَهُ، وَمِنْ فُرُوعِهِ: أَنَّ الْحَقَّ أَنْ لَا فَرْقَ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْخَمْرِ، وَالزِّنَا وَالنِّكَاحِ، الْكُلُّ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ هُوَ الْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ، وَإِنَّمَا الْمَحْجُوبُونَ عَنْ هَذَا السِّرِّ قَالُوا: هَذَا حَرَامٌ وَهَذَا حَلَالٌ، نَعَمْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ فِي حِجَابٍ عَنْ حَقِيقَةِ هَذَا التَّوْحِيدِ، وَمِنْ فُرُوعِهِ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ ضَيَّقُوا الطَّرِيقَ عَلَى النَّاسِ، وَبَعَّدُوا عَلَيْهِمُ الْمَقْصُودَ، وَالْأَمْرُ وَرَاءَ مَا جَاءُوا بِهِ، وَدَعَوْا إِلَيْهِ.
وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ، فَالتَّوْحِيدُ عِنْدَهُمْ: إِنْكَارُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ بِذَاتِهِ، وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَإِنْكَارُ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَقَوَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، وَكَلَامِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَمَحَبَّةِ الْعِبَادِ لَهُ، فَالتَّوْحِيدُ عِنْدَهُمْ: هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي إِنْكَارِ التَّوْحِيدِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ.
وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ، فَالتَّوْحِيدُ عِنْدَهُمْ: هُوَ إِنْكَارُ قَدَرَ اللَّهِ، وَعُمُومِ مَشِيئَتِهِ لِلْكَائِنَاتِ، وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ ضَمُّوا إِلَى ذَلِكَ: تَوْحِيدَ الْجَهْمِيَّةِ، فَصَارَ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ عِنْدَهُمْ: إِنْكَارَ الْقَدَرِ، وَإِنْكَارَ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى، وَرُبَّمَا سَمَّوْا إِنْكَارَ الْقَدَرِ، وَالْكُفْرَ بِقَضَاءِ الرَّبِّ وَقَدَرِهِ: عَدْلًا، وَقَالُوا: نَحْنُ أَهْلُ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ.