المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النفس الثالث: نفس مطهر بماء القدس - مدارج السالكين - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ الدّرجة الأولى: سرورُ ذوقٍ ذهبَ بثلاثة أحزانٍ:

- ‌الحزن الأوّل: حزنٌ أورثَه خوفُ الانقطاع

- ‌الحزن الثّالث: (حزنٌ بعثَتْه وحشةُ التّفرُّق)

- ‌(الدّرجة الثّانية: سرورُ شهودٍ، كشَفَ حجابَ العلم

- ‌(الدّرجة الثّالثة: سرورُ سماع الإجابة

- ‌ منزلة(1)السِّرِّ

- ‌ الثانية: صفاء القصد

- ‌ الثّالثة: صحّة السُّلوك

- ‌الطّبقة الثّالثة: طائفةٌ أسرَهم الحقُّ عنهم

- ‌النّفَس الثاني: نفَسٌ في حين التجلِّي

- ‌النّفَس الثّالث: نفَسٌ مطهّرٌ بماء القدس

- ‌ الدّرجة الأولى: الغربة عن الأوطان

- ‌(الدّرجة الثّانية: غُربة الحال

- ‌(الدّرجة الثّالثة: غُربة الهمّة

- ‌ الدّرجة الأولى: استغراق العلم في عين الحال

- ‌(الدّرجة الثّانية: استغراق الإشارة في الكشف

- ‌(الدّرجة الثّالثة: استغراق الشّواهد في الجمع

- ‌(الدّرجة الثّانية:

- ‌(الدّرجة الثّالثة:

- ‌ الدّرجة الأولى: تمكُّن المريد

- ‌(الدّرجة الثّانية: تمكُّن السّالك

- ‌(الدّرجة الثّالثة: تمكُّن العارف

- ‌ الدّرجة الأولى: مكاشفةٌ تدلُّ على التّحقيق الصّحيح

- ‌ الدّرجة الأولى: مشاهدة معرفةٍ

- ‌(الدرجة الثانية: مشاهدة معاينةٍ

- ‌(الدّرجة الثّالثة: مشاهدة جَمْعٍ

- ‌ الحياة الأولى: حياة العلم من موت الجهل

- ‌المرتبة الأولى: حياة(2)الأرض بالنّبات

- ‌المرتبة الثانية: حياة النُّموِّ والاغتذاء

- ‌المرتبة السّادسة: حياة الإرادة والهمّة والمحبة

- ‌ سببُ تخلُّفِ النّفس عن طلب هذه الحياة

- ‌(الحياة الثّانية: حياة الجمع من موت التّفرقة

- ‌(الحياة الثّالثة: حياة الوجود. وهي حياةٌ بالحقِّ

- ‌(الدرجة الثانية: اتِّصال الشُّهود

- ‌(الدرجة الثالثة: اتِّصال الوجود

- ‌(الثاني: انفصالٌ عن رؤية الانفصال

- ‌(الثالث: انفصالٌ عن اتِّصال

- ‌ الدرجة الأولى: معرفة الصِّفات والنُّعوت

- ‌ الفرق بين الصِّفة والنّعت

- ‌ كلُّ شركٍ في العالم فأصله التعطيل

- ‌القاعدة الثالثة: تعريف الحال بعد الوصول

- ‌الثالث: عدم تشبيهها بما للمخلوق

- ‌(الدرجة الثانية: معرفة الذات، مع إسقاط التفريق بين الصِّفات والذات

- ‌(الدرجة الثالثة: معرفةٌ مستغرقةٌ في محض التعريف

- ‌ الدرجة الأولى:

- ‌(الدرجة الثانية:

- ‌(الدرجة الثالثة:

- ‌(الدّرجة الثّالثة: أن لا يُناسِمَ رسمُك سبْقَه)

- ‌الثاني: وجود الحقِّ وجود عينٍ»

- ‌الثالث: وجود مقام اضمحلال رسمِ الوجود فيه

- ‌(الدّرجة الأولى: تجريد عين الكشف عن كسب اليقين)

- ‌(الدرجة الثانية: تجريد عين الجمع عن درك العلم)

- ‌(الدرجة الثالثة: تجريد الخلاص من شهود التجريد)

- ‌ تفريد الإشارة بالحقِّ

- ‌«الجمع» ينقسم إلى صحيح وباطل

- ‌المسألة الثّانية: قوله: (ويوجد بتبصير الحقِّ)

- ‌المسألة الثّالثة: قوله: (وينمو على مشاهدة الشّواهد)

- ‌الالتفاتُ إلى الأسباب ضربان: أحدهما شركٌ، والآخر عبوديّةٌ وتوحيدٌ

- ‌فصلقوله: (والصُّعود عن منازعات العقول)

الفصل: ‌النفس الثالث: نفس مطهر بماء القدس

فصل

(1)

قوله

(2)

: (و‌

‌النّفَس الثّالث: نفَسٌ مطهّرٌ بماء القدس

، قائمٌ بإشارات الأزل، وهو النّفَس الذي يسمّى بصدق

(3)

النُّور).

القدس: الطّهارة، والتّقديس: التّطهير والتّنزيه، ومراده بالقدس هاهنا: الشُّهود الذي يُفني الحادث الذي لم يكن، ويُبقي القديم الذي لم يزل. فكأنّ صفات الحدوث عندهم ممّا يُتَطهّر منها بالتّجلِّي المذكور، فالتّجلِّي يطهِّر العبدَ منها، فإنّه ما دام في الحجاب فهو باقٍ مع إنِّيّته وصفاته، فإذا أشرق عليه نور التّجلِّي طهّره من صفاته وشهودها وتوسيطها بينه وبين مشهوده الحقُّ.

وحاصل كلامه: أنّ هذا النّفَس صادرٌ عن مشاهدة الأزل الماحي للحوادث المفني لها، فهذا النّفَس مطهّرٌ بالطُّهر المقدّس عن كلِّ غيرٍ، وعن ملاحظة كلِّ مقامٍ، بل هو مستغرقٌ بنور الحقِّ، وآثار الحقِّ تنطق عليه، كما قال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنّ الله ضرَبَ الحقَّ على لسانِ عمرَ وقلبِه»

(4)

، وقال ابن

(1)

من ر.

(2)

«المنازل» (ص 87).

(3)

في متن «المنازل» : «صَدَف» ، وفي نسخة منه كما هو مثبت.

(4)

أخرجه الترمذي (3682)، وأحمد (5145) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال الترمذي: حسن صحيح غريب. وأخرجه أبو داود (2962)، وابن ماجه (108)، وأحمد (12295،21457) وغيرهم من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه. وإسناده صحيح، وجاء من حديث أبي هريرة ومعاوية وعائشة. ووقع في ط:«جعل الحق» .

ص: 64

مسعودٍ: ما كنّا نُبْعِد أنّ السّكينةَ تنْطِق على لسان عمر

(1)

.

وهذا نطقٌ غير النُّطق النّفسانيِّ الطّبيعيِّ، ولهذا سمِّي هذا النّفَس بصدق النُّور لشدّة

(2)

تعلُّقه بالنُّور وملازمته له.

قوله: (قائمٌ بإشارات الأزل) أي: هذا النّفَس منزّهٌ مطهّرٌ عن إشارات الحدوث، قد ترحّل عنها وفارقها إلى إشارات الأزل، ويعني بإشارات الأزل أنّه قد فني في عيانه الذي شخَصَ إليه مَن لم يكن وبقي مَن لم يزل، فصارت أنفاسُه من جملة إشارات الأزل.

ولم يُرِد الشّيخُ أنّ أنفاسَه تنقلب أزليّةً، فمَن هو دون الشّيخ لا يتوهّم هذا، بل أنفاسُ الخلق متعلِّقةٌ بمن لم يكن، وهذا نفَسُه متعلِّقٌ بمن لم يزل

(3)

.

وبعد، فللملحد هاهنا مجالٌ

(4)

، لكنّه في الحقيقة وهمٌ باطلٌ وخيالٌ.

وفي قوله: (يسمّى بصدق

(5)

النُّور) لطيفةٌ، وهي أنّ السّالك يلوح له في سلوكه النُّور مرارًا ثمّ يختفي عنه، كالبرق يلمع ثمّ يختفي، فإذا

(6)

قوي ذلك النُّورُ ودامَ ظهورُه، صار نورًا صادقًا.

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

ر، ط:«لصدق شدة» .

(3)

العبارة في ر: «الخلق متعلقة وهذا نفسه بمن لم يزل» .

(4)

يقصد العفيف التلمساني كما تقدم في شرحه على «المنازل» (ص 485).

(5)

د، ت:«صدق» .

(6)

ش، د:«ثم» والمثبت من ت، ر.

ص: 65

قوله

(1)

: (فالنّفَس الأوّل للعيون

(2)

سراجٌ، والثّاني للقاصد معراجٌ، والثّالث للمحقِّق

(3)

تاجٌ).

أي: النّفَس الأوّل سراجٌ في ظُلمة السُّلوك، لتعلُّقه بالعلم، كما تقدّم، والعلم سراجٌ يُهتدى به في طرقات القصد، ويوضِّح مسالكها، ويبيِّن مراتبها، فهو سراجٌ للعيون.

والنّفَس الثّاني للقاصد معراجٌ، فإنّه أعلى من الأوّل؛ لأنّه من نور المعرفة الرّافعة للحجاب.

والنّفَس الثّالث للمحقِّق تاجٌ، لأنّه نفَسٌ مطهّرٌ من أدناس الأكوان، ومتّصلٌ بالكائن قبل كلِّ شيءٍ، والمكوِّن لكلِّ شيءٍ، والكائن بعد كلِّ شيءٍ، فهذا تاجٌ لقلبه بمنزلة التّاج على رأس الملك.

فالنّفَس الأوّل يؤمِّن السّالكَ مِن عَثْرته، والثّاني يوصله إلى طَلِبَته، والثّالث يدلُّه على علوِّ مرتبته، والله أعلم.

* * * *

(1)

«المنازل» (ص 87).

(2)

في متن «المنازل» : «للغيور» وفي بعض نسخه كما هو مثبت، ووقع في شرحي التلمساني (ص 486) والشطيبي (ص 459):«للعبور» ، ووقع في شرح الإسكندري:«للعَثُور» واستظهره محقق شرح الشطيبي، لأنه ذكر بعد ذلك رتبة القاصد ثم المحقق. وسقطت الكلمة من ش.

(3)

ت هنا وفيما سيأتي: «للحق» .

ص: 66

فصل

(1)

قال شيخ الإسلام

(2)

: (باب الغُرْبة، قال الله تعالى:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} الآية

(3)

[هود: 116]).

استشهاده بهذه الآية في هذا الباب يدلُّ على رسوخِه في العلم والمعرفة وفهم القرآن، فإنّ الغُرَباء في العالَم هم أهل هذه الصِّفة المذكورة في الآية، وهم الذين أشار إليهم النّبيُّ صلى الله عليه وسلم في قوله: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا

(4)

، فطوبى للغرباء»، قيل: ومَن الغُرباء يا رسول الله؟ قال: «الذين يصلحون إذا فسدَ النّاس»

(5)

.

وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن زُهير عن عَمرو بن أبي عَمرٍو مولى المطّلب بن حنطبٍ، عن المطّلب بن حنطبٍ، عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«طوبى للغُرَباء» ، قالوا: يا رسول الله، مَن الغرباء؟ قال:«الذين يزيدون إذا نقَصَ النّاسُ»

(6)

.

(1)

في هامش ش، د:«باب الغربة» .

(2)

«المنازل» (ص 87).

(3)

بقية الآية في ر، و «المنازل» .

(4)

في ر، ط زيادة:«كما بدأ» .

(5)

أخرجه مسلم (145) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه دون قوله: «قيل: ومن الغرباء

»، وهذه الزيادة أخرجها أحمد (16690) من حديث عبد الرحمن بن سَنَّة وإسناده واهٍ، وجاءت أيضًا من حديث سهل بن سعد عند الطبراني في «الأوسط» (3056) و «الصغير» (290).

(6)

لم أجده في «المسند» المطبوع ولا «فضائل الصحابة» . وأخرجه عليُّ بن حُجْر السعدي في حديثه (367) من طريق عمرو بن المطلب عن المطلب به.

ص: 67

وإن

(1)

كان هذا الحديث بهذا اللّفظ محفوظًا لم ينقلب على الرّاوي لفظه وهو: «الذين ينقصون إذا زاد النّاس» فمعناه: الذين يزيدون خيرًا وإيمانًا وتقًى إذا نقص النّاسُ من ذلك، والله أعلم.

وفي حديث الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء» ، قيل: مَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «النُّزّاعُ من القبائل»

(2)

.

وفي حديث عبد الله بن عمرٍو قال: قال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ ونحن عنده: «طوبى للغرباء» ، قيل: ومَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «ناسٌ صالحون قليلٌ في ناسِ سوءٍ كثيرٍ، مَن يعصيهم أكثر ممّن يطيعهم»

(3)

.

وقال أحمد: حدّثنا الهيثم بن جميلٍ، حدّثنا محمّد بن مسلمٍ، حدّثنا

(1)

ر: «فإن» .

(2)

أخرجه أحمد (3784)، والترمذي (2629)، وابن ماجه (3988) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح

وإنما نعرفه من حديث حفص بن غياث عن الأعمش، وأبو الأحوص اسمه عوف بن مالك بن نضلة الجشمي، تفرد به حفص.

(3)

أخرجه أحمد (6650) وابن المبارك في الزهد (775) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وفي إسناده ابن لهيعة، وفي حديثه ضعف إلا أنه من رواية ابن المبارك والمقري عنه وهي من قويّ حديثه، وفي إسناده أيضا جندب بن عبد الله الوالبي (وقيل العدواني) لم يوثقه غير العجلي ولم يرو عنه غير الحارث بن يزيد.

ص: 68

عثمان بن عبد الله، عن سليمان بن هرمز، عن عبد الله بن عمرٍو

(1)

قال: «إنّ أحبَّ شيءٍ إلى الله تعالى الغرباء، قيل: ومن

(2)

الغرباء؟ قال: الفرَّارون بدينهم، يجتمعون إلى عيسى ابن مريم يوم القيامة»

(3)

.

وفي حديثٍ آخر: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: ومَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنّتي ويعلِّمونها النّاس»

(4)

.

وقال نافع بن مالكٍ: دخل عمر بن الخطّاب المسجد، فوجد معاذ بن جبلٍ جالسًا إلى بيت النّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له عمر: ما يبكيك يا أبا عبد الرّحمن؟ هلك أخوك؟ قال: لا، ولكنّ حديثًا حدّثنيه حِبّي

(5)

صلى الله عليه وسلم وأنا

(1)

ت: «عمر» خطأ. وزاد في ط: «عن النبي صلى الله عليه وسلم» . ولا وجود لها في النسخ ولا مصادر الحديث من هذا الطريق! ولعله رآها في رواية «زوائد الزهد» من طريق سفيان بن وكيع فأقحهما هنا.

(2)

لفظ المصدر: «وما» ، وسيأتي لاحقًا كذلك.

(3)

أخرجه أحمد بهذا الإسناد في «الزهد» (77) موقوفًا على عبد الله بن عمرو. وأخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد» (149) ــ ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (1/ 25) وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (2/ 600) ــ والبيهقي في «الزهد الكبير» (204) من طريق سفيان بن وكيع (عند البيهقي زيادة: عن أبيه) عن عبد الله بن رجاء عن ابن جريج عن ابن أبي مُلَيكة عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا. وإسناد الموقوف أصحُّ.

(4)

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1905)، والبيهقي في «الزهد» (205) من حديث كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جدِّه. وإسناده واهٍ، كثير متروك.

(5)

ر: «حبيبي» .

ص: 69

في هذا المسجد، فقال: ما هو؟ قال: «إنّ الله يحبُّ الأخفياء الأتقياء الأبرياء، الذين إذا غابوا لم يُفْتَقدوا، وإذا حضروا لم يُعرَفوا، قلوبُهم مصابيح الهدى يخرجون مِن كلِّ فتنةٍ عَمياء مظلمةٍ»

(1)

.

فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلّتهم في النّاس جدًّا سُمُّوا غرباء، فإنّ أكثر النّاس على غير هذه الصِّفات، فأهل الإسلام في النّاس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهلُ العلم في المؤمنين غرباء، وأهلُ السُّنّة الذين يميِّزونها من الأهواء والبدع فيهم غرباء، والدّاعون إليها الصّابرون على أذى المخالفين لهم أشدُّ هؤلاء غربةً، ولكنّ هؤلاء هم أهل الله حقًّا، فلا غربة عليهم، وإنّما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله فيهم:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة، وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم، كما قيل

(2)

:

فليس غريبًا من تناءت ديارُه

ولكنّ مَن تَنْأين عنه غريبُ

(1)

رواه الآجرّي في «الغرباء» (ص 52) من هذه الطريق، وأخرجه ابن ماجه (3989)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (1798)، والطبراني في «الكبير» (20/ 153)، والحاكمُ:(4/ 328)، من طرق عن عيسى بن عبد الرحمن عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب به، وعيسى متروك الحديث. وله طريق آخرى أخرجها الحاكم (1/ 4)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (1046) وغيرهم من طريق الليث بن سعد عن عياش بن عباس عن زيد بن أسلم به. وسنده صحيح إن ثبت سماع عياش من زيد.

(2)

«كما قيل» ليست في ش. والبيت لامرئ القيس «ديوانه» (2/ 733 - الحاشية). وعجزه في ت: «بلى من تناءت عنه فهو غريب» .

ص: 70

ولمّا خرج موسى عليه السلام هاربًا من قوم فرعون انتهى إلى مدين على الحال التي ذَكَر الله، وهو وحيدٌ غريبٌ خائفٌ جائعٌ، فقال: يا ربِّ وحيدٌ مريضٌ غريبٌ، فقيل له: يا موسى الوحيد مَن ليس له مثلي أنيسٌ، والمريض مَن ليس له مثلي طبيبٌ، والغريب مَن ليس بيني وبينه معاملةٌ

(1)

.

فالغربة ثلاثة أنواعٍ:

غربة أهل الله وأهل سنّة رسوله

(2)

بين هذا الخلق، وهي الغربة التي مدح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهلَها، وأخبر عن الدِّين الذي جاء به: أنّه بدأ غريبًا، وأنّه سيعود غريبًا

(3)

، وأنّ أهله يصيرون غرباء.

وهذه الغربة قد تكون في مكانٍ دون مكانٍ، ووقتٍ دون وقتٍ، وبين قومٍ دون غيرهم

(4)

، ولكنّ أهل هذه الغربة هم أهل الله حقًّا، فإنّهم لم يأووا إلى غير الله، ولم ينتسبوا إلى غير رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به، وهم الذين فارقوا النّاسَ أحوجَ ما كانوا إليهم، فإذا انطلق النّاسُ يوم القيامة مع آلهتهم بقوا في مكانهم، فيقال لهم: ألا تنطلقون حيث انطلقَ النّاس؟ فيقولون: فارَقْنا النّاسَ ونحن أحوجُ منَّا إليهم اليوم، وإنّا ننتظر ربَّنا الذي كنَّا نعبده

(5)

.

(1)

لم أعثر عليه.

(2)

في هامش ش، د «صلى الله عليه وسلم» دون علامة اللحق.

(3)

«وأنه سيعود غريبا» من ت، ر، وفي ط مع زيادة:«كما بدأ» .

(4)

ر: «قوم غيرهم» .

(5)

تقدم تخريجه وهو في «الصحيح» .

ص: 71

فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها، بل هو آنس ما يكون إذا استوحش النّاس، وأشدُّ ما يكون وحشةً إذا استأنسوا، فوليُّه الله ورسوله والّذين آمنوا، وإن عاداه أكثرُ النّاس وجفوه.

وفي حديث القاسم، عن أبي أمامة، عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال

(1)

: «إنَّ أغبَطَ أوليائي عندي لمؤمنٌ خفيف الحاذِ ذو حظٍّ من صلاة، أحسنَ عبادةَ ربِّه، وكان رزقه كفافًا، وكان مع ذلك غامضًا في النّاس، لا يُشار إليه بالأصابع، وصبَر على ذلك حتّى لقي الله، ثمّ حلّت منيّته، وقلَّ

(2)

تراثُه، وقلَّت بواكيه»

(3)

.

ومن هؤلاء الغرباء: مَا

(4)

ذَكرَهم أنسٌ في حديثه عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ربّ أشعث أغبر، ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه»

(5)

.

وفي حديث أبي إدريس الخولانيِّ، عن معاذ بن جبلٍ، عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«ألا أخبركم عن ملوك أهل الجنّة؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «كلُّ

(1)

زاد في ط: «عن الله تعالى» .

(2)

ت: «ثم دنت منيته» ، د:«ثم قل تراثه» .

(3)

أخرجه ابن المبارك في «الزهد- زوائد نعيم» (196)، وأحمد في «مسنده» (22167) و «الزهد» (ص 11)، والترمذي (2347)، والطبراني في الكبير (7829)، والحاكم:(4/ 123) وغيرهم من طرق عن عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم به. وإسناده ضعيف جدا مسلسل بالضعفاء، وله طرق أخرى ضعيفة أيضا، ينظر حاشية «المسند» (36/ 499).

(4)

د: «غرباء» ، وش:«من» بدل ما.

(5)

تقدم تخريجه.

ص: 72

ضعيفٍ أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه»

(1)

.

وقال الحسن: المؤمن في الدُّنيا كالغريب لا يجزع مِن ذلِّها، ولا ينافس في عزِّها، للناس حالٌ وله حالٌ، النّاس منه في راحةٍ وهو من نفسه في تعبٍ

(2)

.

ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطَهم النّبيُّ صلى الله عليه وسلم: التّمسُّكُ بالسُّنّة إذا رغب عنها النّاس، وتَرْكُ ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريدُ التّوحيد وإن أنكرَ ذلك أكثر النّاس، وتَرْكُ الانتساب إلى أحدٍ غير الله ورسوله، لا شيخ ولا طريقة ولا مذهب ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبوديّة له وحده، وإلى رسوله بالاتِّباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقًّا، وأكثر النّاس بل كلُّهم لائمٌ لهم؛ فلغربتهم بين هذا الخلق: يَعُدُّونهم أهلَ شذوذٍ وبدعةٍ، ومفارَقةٍ للسّواد الأعظم.

ومعنى قول النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنهم

(3)

النُّزّاع من القبائل» أنّ الله سبحانه بعث رسولَه وأهل الأرض على أديانٍ مختلفةٍ، فهم بين عبّاد أوثانٍ وعُبّاد نيرانٍ، وعبّاد صلبانٍ

(4)

، ويهودٍ وصابئةٍ وفلاسفةٍ، وكان

(5)

الإسلام في أوّل ظهوره غريبًا، وكان مَن أسلم منهم واستجاب لله ورسوله غريبًا في حيِّه وقبيلته وأهله

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في «محاسبة النفس» (78)، وأخرجه من طريق أخرى بنحوه أحمد في «الزهد» (ص 262)، وابن أبي شيبة (36358)، وغيرهم

وقوله: «الناس منه .. في تعب» ليست في د، ت.

(3)

ر: «هم» .

(4)

ر، ط زيادة:«صور وصلبان» .

(5)

ش: «فكان» .

ص: 73

وعشيرته.

وكان المستجيبون لدعوة الإسلام نزّاعًا من القبائل، آحادًا

(1)

منهم تفرّقوا

(2)

عن قبائلهم وعشائرهم، ودخلوا في الإسلام، فكانوا هم الغرباء حقًّا، حتّى ظهر الإسلام وانتشرت دعوته ودخل النّاسُ فيه

(3)

أفواجًا، فزالت تلك الغُربةُ عنهم، ثمّ أخذ في الاغتراب والتّرحُّل، حتّى عاد غريبًا كما بدأ، بل الإسلام الحقُّ الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو اليوم أشدُّ غربةً منه في أوّل ظهوره، وإن كانت أعلامُه ورسومُه الظّاهرة مشهورةً معروفةً، فالإسلام الحقيقيُّ غريبٌ جدًّا، وأهله غرباء

(4)

بين النّاس.

وكيف لا تكون فرقةٌ واحدةٌ قليلةٌ جدًّا غريبةً بين اثنتين وسبعين فرقةً، ذات أتباعٍ ورئاساتٍ ومناصب وولاياتٍ، لا يقوم لها سوقٌ إلّا بمخالفة ما جاء به الرّسولُ صلى الله عليه وسلم؟ فإنّ نفس ما جاء به يضادُّ أهواءهم

(5)

، وما هم عليه من الشُّبهات

(6)

التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم، والشّهوات التي هي غاية

(7)

مقاصدهم وإراداتهم؟

فكيف لا يكون المؤمن السّائر إلى الله على طريق المتابعة غريبًا بين

(1)

ر، ط:«بل آحادا» .

(2)

ت، ر:«تغربوا» .

(3)

ش: «ودخل فيه» ، د:«فيها» .

(4)

ط زيادة: «أشدّ الغربة» .

(5)

ر، ط زيادة:«ولذّاتهم» ، وت:«وآراءهم» .

(6)

ر، ط زيادة:«والبدع» .

(7)

ر، ط:«غايات» .

ص: 74

هؤلاء الذين قد اتّبعوا أهواءهم، وأطاعوا شحّهم، وأُعْجِب كلٌّ منهم برأيه؟ كما قال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيتَ

(1)

شُحًّا مطاعًا، وهوًى متّبعًا، ودنيا مؤثَرةً، وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برأيه، ورأيتَ أمرًا لا يدًا

(2)

لك به، فعليك بخاصّة نفسِك، وإيّاك وعوامّهم، فإنّ وراءَكم أيّام الصَبْر الصّابرُ فيهم

(3)

كالقابض على الجمر».

ولهذا جعَلَ له

(4)

في هذا الوقت إذا تمسّك بدينه: أجرَ خمسين من الصّحابة.

ففي «سنن أبي داود» و «الترمذيِّ» من حديث أبي ثعلبة الخشنيِّ قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيتَ شُحًّا مُطاعًا، وهوًى متّبعًا، ودنيا مؤثَرةً، وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برأيه، فعليك بنفسك ودَعْ عنك العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر؛ الصّبر فيهنّ

(5)

مثل قبضٍ على الجمر، للعامل فيهنّ أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عمله، قلت: يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم»

(6)

.

(1)

ر، ط:«رأيتم» .

(2)

كذا النسخ، وفي ر، ط:«يد» .

(3)

ر، ط:«أيام الصبر .. فيهن» ، ت:«فيها» .

(4)

ط زيادة: «للمسلم الصادق» .

(5)

د، ت:«فيه» .

(6)

أخرجه أبو داود (4341)، والترمذي (3058)، وابن ماجه (4014)، وابن حبان (385) من طريق عتبة بن أبي حكيم عن عمرو بن جارية اللخمي عن أبي أمية الشعباني عن أبي ثعلبة به. قال الترمذي: حسن غريب. وضعفه الألباني في «السلسلة الضعيفة» (1025)، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أحمد (7063)، وأبو داود (4342)، وابن ماجه (3957).

ص: 75

وهذا الأجر العظيم إنّما هو لغربته بين النّاس، والتّمسُّك بالسُّنّة بين ظُلَم

(1)

أهوائهم وآرائهم.

فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرةً في دينه، وفقهًا

(2)

في سنّة رسوله، وفهمًا في كتابه، وأراه ما النّاس فيه من الأهواء والبدع والضّلالات، وتنكُّبهم عن الصِّراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإذا أراد أن يسلك هذا الصِّراط فليوطِّن نفسَه على قدح الجهّال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزْرائِهم به، وتنفير النّاس عنه وتحذيرهم منه، كما كان

(3)

الكفّار يفعلون مع متبوعه وإمامه، فأمّا إن دعاهم إلى ذلك، وقدَحَ فيما هم عليه= فهناك تقومُ قيامتُهم، ويبغون له الغوائل، وينصبون له الحبائل، ويَجْلِبون عليه بخيلِ كبيرِهم ورَجِلِه.

فهو غريبٌ في دينه لفسادِ أديانِهم، غريبٌ في تمسُّكه بالسُّنّة لتمسُّكهم بالبدع، غريبٌ في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريبٌ في صَلاته لسوء صلاتهم، غريبٌ في طريقه لفساد

(4)

طُرُقهم، غريبٌ في نِسْبَتِه لمخالفة نِسَبِهِم

(5)

، غريبٌ

(1)

ط: «ظلمات» .

(2)

ش: «وفقه الله» وحوّط الناسخ على لفظ الجلالة، والمثبت من بقية النسخ.

(3)

ط زيادة: «سلفهم من» .

(4)

ط زيادة: «لضلال وفساد .. » .

(5)

ت: «لفساد نسبهم» ، ر:«نسبتهم» .

ص: 76

في معاشرته لهم، لأنّه يُعاشرهم على ما لا تهوى

(1)

أنفسُهم.

وبالجملة: فهو غريبٌ في أمور دنياه وآخرته، لا يجد

(2)

مساعدًا ولا معينًا، فهو عالمٌ بين قوم جهّالٍ، صاحب سنّةٍ بين أهل بدعٍ، داعٍ إلى الله ورسوله بين دعاةٍ إلى الأهواء والبدع، آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر بين قومٍ المعروف لديهم منكرٌ والمنكر معروفٌ.

فصل

النوع الثاني من الغربة

(3)

: غربةٌ مذمومةٌ، وهي غربة أهل الباطل وأهل الفجور بين أهل الحقِّ، فهي غربةٌ بين حزب الله

(4)

وإن كثُرَ أهلُها، فهم غرباء على كثرة أصحابهم وأشياعهم، أهل وحشةٍ على كثرة مؤنسيهم، يُعرفون في أهل الأرض، ويَخْفَون على أهل السّماء.

فصل

النوع الثالث: غربةٌ مشتركةٌ لا تُحمَد ولا تُذَمُّ، وهي الغربة عن الوطن؛ فإنّ النّاس كلّهم في هذه الدّار

(5)

غرباء، فإنّها ليست لهم بدار مُقامٍ، ولا هي الدّار التي خُلقوا لها، وقد قال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: «كنْ في الدُّنيا

(1)

ر: «لأنه لا يعاشرهم على ما تهوى» .

(2)

ط زيادة: «من العامة» .

(3)

تقدم النوع الأول (ص 71).

(4)

ط زيادة: «المفلحين» .

(5)

«في هذه الدار» ليست في ت.

ص: 77

كأنّكَ غريبٌ أو عابر سبيلٍ»

(1)

. وهكذا هو في نفس الأمر أمَرَ

(2)

أن يطالع ذلك بقلبه ويعرفه حقّ المعرفة.

ولي من أبياتٍ في هذا المعنى

(3)

:

وحيّ على جنّات عدنٍ فإنّها

منازلك الأولى وفيها المخيّم

ولكنّنا سبي العدوِّ فهل ترى

نعود إلى أوطاننا ونسلّم

وأيُّ اغترابٍ فوق غربتنا التي

لها أضحت الأعداءُ فينا تَحَكّم

وقد زعموا أنّ الغريبَ إذا نأى

وشطّت به أوطانُه ليس ينعم

فمن أجل ذا لا ينعَمُ العبدُ ساعةً

من العمر إلّا بعدها

(4)

يتألّم

وكيف لا يكون العبد في هذه الدّار غريبًا، وهو على جناح سفرٍ، لا يحلُّ عن راحلته إلّا بين أهل القبور؟ فهو مسافرٌ في صورة قاعدٍ، وقد قيل

(5)

:

وما هذه الأيّام إلّا مراحل

يحثُّ بها داعٍ إلى الموت قاصدُ

وأعجبُ مِن ذا

(6)

لو تأمّلتَ أنّها

منازلُ

(7)

تُطوَى والمسافرُ قاعدُ

(1)

أخرجه البخاري (6416).

(2)

ت، ر، ط:«لأنه أمر» .

(3)

وهذه الأبيات من القصيدة المعروفة بالميمية، نشرت ضمن مجموعة «رسائل أربح البضاعة ص 63 - 73» ، وذكر المؤلف في «حادي الأرواح» (1/ 13 - 15) و «طريق الهجرتين» (1/ 108 - 115) أبياتا كثيرةً منها.

(4)

ر: «بعدما» .

(5)

«وقد قيل» من ر.

(6)

ت، ر:«شيء» .

(7)

ت: «مراحل» .

ص: 78