الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قال
(1)
: (و
النّفَس الثاني: نفَسٌ في حين التجلِّي
، وهو نفَسٌ شاخصٌ عن مقام السُّرور إلى رَوح المعاينة، مملوءٌ من نور الوجود، شاخصٌ إلى منقَطَع الإشارة).
هذا النّفَس أعلى من الأوّل، فإنّ الأوّل في حين استتارٍ وظُلمةٍ، وهذا نفَسٌ في حال تجلٍّ ونور.
و (حين التّجلِّي): هو زمان حصول الكشف. والتجلِّي مشتقٌّ من الجَلْوة، قيل: وحقيقتُه إشراقُ نورِ الحقِّ على قلوب المريدين
(2)
.
فإن أرادوا إشراق نور الذّات فغلطٌ
(3)
منهم، ولهذا قال مَن احترز منهم عن ذلك:«إشراق نور الصِّفات»
(4)
.
فإن أراد
(5)
إشراق نفس الصِّفة فغلطٌ، فإنّ التّجلِّي الذّاتيّ والصِّفاتيّ لا يقع في هذا العالم، ولا تثْبُت له القُوى البشريّة.
والحقُّ أنّه إشراقُ نور المعرفة والإيمان، واستغراق القلب في شهود الذّات المقدّسة وصفاتها استغراقًا علميًّا، نعم هو أرفع من العلم المجرّد لأسبابٍ:
(1)
«المنازل» (ص 87).
(2)
ينظر «التعريفات» (ص 76)، و «التوقيف على مهمات التعاريف» (ص 128).
(3)
زاد في ط: «شنيع» .
(4)
هذه الفقرة ساقطة من ت.
(5)
ت: «أرادوا» .
منها: قوّته، فإنّ المعارف والعلوم تتفاوت.
ومنها: صفاءُ المحلِّ ونقاؤه من الكَدَر المانع من ظهور العلم والمعرفة فيه.
ومنها: التّجرُّد عن الموانع والشّواغل.
ومنها: كمال الالتفات والتّحديق نحو المعروف المشهود.
ومنها: كمال الأُنْس به والقُرب منه. إلى غير ذلك من الأسباب التي توجب للقلب شهودًا وكشفًا وراء مجرّد العلم.
قوله: (وهو نفَسٌ شاخصٌ عن مقام السُّرور) أي: صادرٌ عن مقام السُّرور، والشُّخوص: الخروج، يقال: شخَصَ فلانٌ إلى بلد كذا إذا خرج إليه.
والمقصودُ: أنّ هذا النّفَس صدَر عن سرورٍ وفرحٍ، بخلاف الأوّل، فإنّه صدَر عن ظُلمةٍ ووحشةٍ أثارت حُزنًا، فهذا النّفَس صدَر عن سماع الإجابة الذي يمحو آثار الوحشة.
قوله: (إلى رَوح المعاينة) هو بفتح الرّاء، وهو النّعيم والرّاحة التي تحصل بالمعاينة ضدّ الألم والوحشة الحاصل
(1)
في حين الاستتار، فهذا النّفَس مصدرُه السُّرور، ونهايتُه رَوح المعاينة، صادر عن مسرّةٍ، طالب لمعاينة
(2)
.
وأصحُّ ما يُحمَل عليه كلام الشّيخِ وأمثالِه مِن أهل الاستقامة في «المعاينة» أنّها: تزايد العلم حتّى يصير يقينًا، ولا يصِل أحدٌ
(1)
إلى عين اليقين في هذه الدّار، وإن خالف في ذلك مَن خالف، فالغلط من لوازم الطّبيعة، والعلم يميِّز بين الغلط والصّواب.
وقد أشعرَ كلامُ الشّيخ هاهنا بأنّ التّجلِّي دون المعاينة، فإنّ التّجلِّي قد يكون من وراء سترٍ رقيقٍ وحاجزٍ لطيفٍ، والكشف والعيان هو الظُّهور من غير سترٍ، فإذا كان مسرورًا بحال التّجلِّي كانت أنفاسُه متعلِّقةً بمقام المعاينة الذي هو فوق مقام التّجلِّي، ولهذا جعله شاخصًا إليها.
قوله: (مملوءٌ من نور الوجود) يريد: أنّ هذا النّفَس مملوءٌ من نور الوجود، و «الوجود» عنده: هو حضرة الجمع، فكأنّه يقول: هذا النّفَس منصبغٌ مكتسٍ بنور الوجود، فإنّ صاحبه لمّا تنفّس به كان في مقام الجمع والوجود.
قوله: (شاخصٌ إلى منقَطَع الإشارة) لمَّا كان قلبُه مملوءًا من نور الوجود، وكان شاخصًا إلى المعاينة مستفرّغًا كلِّيّتَه في طلبها= كان شاخصًا إلى حضرة الجَمْع، التي هي منقَطَع الإشارة
(2)
، فلا إشارة هناك ولا عبارة ولا رَسْم، بل تفنى الإشاراتُ، وتعجز العبارات، وتضمحلُّ الرُّسوم.
(1)
من ر، ط.
(2)
من قوله: «لما كان قلبه
…
» إلى هنا من ت، ر، فربما كان زيادة للمؤلف لم ترد في أصول ش، د، أو سقطت من ش، د بسبب انتقال النظر. وبعده في ر:«عندهم فضلًا عن العبارة» وقدّمنا في الدراسة أن تفردات نسخة ر لا نثبت منها إلا ما كان ضروريّا.