الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ومنها
منزلة
(1)
السِّرِّ
.
قال صاحب «المنازل»
(2)
: (باب السِّرِّ، قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} [هود: 31] أصحاب السِّرِّ: هم الأخفياء الذين ورد فيهم الخبر).
أمّا استشهاده بالآية، فوجهه: أنّ
(3)
أتباع الرُّسل الذين صدّقوهم، وآثروا الله والدّار الآخرة على قومهم وأصحابهم، أودع الله قلوبَهم سرًّا مِن أسرار معرفته ومحبّته والإيمان به خفي على أعداء الرُّسل، فنظروا إلى ظواهرهم، وعَمُوا عن بواطنهم، فازْدَروهم واحتقروهم، وقالوا للرّسول: اطرد هؤلاء عنك، حتّى نأتيك ونسمع منك
(4)
، وقالوا:{أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: 53]، فقال نوحٌ لقومه:{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ} [هود: 31].
قال الزجَّاج
(5)
: المعنى إن كنتم تزعمون أنّهم اتّبعوني في بادي الرّأي
(1)
ش: «منزل» .
(2)
(ص 85).
(3)
من ت، وليست في باقي النسخ.
(4)
أخرجه مسلم (2413) من حديث سعد بن أبي وقاص بنحوه، وليس فيه «حتى نأتيك ونسمع منك» .
(5)
في «معاني القرآن» (3/ 49)، والمؤلف صادر عن «البسيط» (11/ 406).
وظاهره، فليس عليّ أن أطّلع على ما في نفوسهم، فإذا رأيتُ مَن يوحِّد الله عملتُ على ظاهره، ورددتُ عِلمَ
(1)
ما في نفوسهم إلى الله. وهذا معنًى حسنٌ.
والّذي يظهر من الآية: أنّ الله يعلم
(2)
بما في أنفسهم، إذ أهّلهم لقبول دينه وتوحيده، وتصديق رسله، فالله سبحانه حكيمٌ
(3)
، يضع العطاءَ في مواضعه، وتكون هذه الآية مثل قوله:{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53].
فإنّهم أنكروا أن يكون الله سبحانه أهّلهم للهدى والحقِّ، وحرَمه رؤساءَ الكفّار وأهل العزّة منهم والثّروة، كأنّهم استدلُّوا بعطاء الدُّنيا على عطاء الآخرة، فأخبر سبحانه أنّه أعْلَم بمَن يؤهِّله لذلك لسرٍّ عنده؛ من معرفة قدر النِّعمة، ورؤيتها من مجرّد فضل المنعم، ومحبّته وشكره عليها. وليس كلُّ أحدٍ عنده هذا السِّرُّ، فلا يؤهَّل
(4)
لهذا العطاء.
قوله: (أصحاب السِّرِّ هم الأخفياء الذين ورد فيهم الخبر) قد يريد به حديثَ سعد بن أبي وقّاصٍ، حيث قال
(5)
ابنه: أنتَ هاهنا والنّاس ينازعون
(6)
في الإمارة؟ فقال: إنِّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله يحبُّ
(1)
ش، د:«على» .
(2)
د، ت:«أعلم» ، ر:«يعلم ما» .
(3)
ط: «عليم حكيم» .
(4)
ط زيادة: «كل أحد» .
(5)
ت، ر:«قال له» .
(6)
ت، ر:«يتنازعون» .
العبدَ التّقيَّ الغنيَّ الخفيّ»
(1)
.
وقد يريد به قولَه صلى الله عليه وسلم: «ربّ أشعثَ أغبرَ مدفوعٍ بالأبواب لا يُؤبَه له، لو أقسم على الله لأبَرّه»
(2)
.
وقولَه في الحديث الآخر وقد مرّ به رجلٌ فقال: ما تقولون في هذا؟ فقالوا: هذا حريٌّ إن شفَع أن يُشَفّع، وإن خطَب أن يُنكَح، وإن قال أن يُسمع لقوله. ثمّ مرّ به آخر فقال: ما تقولون في هذا؟ فقالوا: هذا حريٌّ إن شفَع ألّا يُشفّع، وإن خطَب: أن لا يُنكَح، وإن قال: لم
(3)
يُسمع لقوله. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «هذا خيرٌ مِن ملء الأرض مِثل هذا»
(4)
.
فصل
قال
(5)
: (وهم على ثلاث
(6)
طبقاتٍ، الطّبقة الأولى: طائفةٌ علَت هممُهم، وصفَت قصودُهم، وصحّ سلوكُهم، ولم يوقَف لهم على رسمٍ، ولم يُنسبوا إلى اسمٍ، ولم تُشِرْ إليهم الأصابع
(7)
. أولئك ذخائر الله حيث كانوا).
ذكر لهم ثلاثَ صفاتٍ ثبوتيَّةٍ، وثلاثًا
(8)
سلبيّةً.
(1)
أخرجه مسلم (2965).
(2)
أخرجه مسلم (2622) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
ت، ر:«أن لا» .
(4)
أخرجه البخاري (5091) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(5)
«المنازل» (ص 85).
(6)
د: «وهم ثلاث» .
(7)
د، ر:«يشر إليهم بالأصابع» .
(8)
ش، د:«ثلاثة» ، ت:«ثلاث» .