الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويخلِّص من التردُّد، ويدعو إلى مجانبة الأغراض)؛ فالاتِّصال في هذه الدرجة بهذا القصد.
قوله: (ثمَّ تصفية الإرادة)، هو تخليصها من الشوائب وتعلُّقها بالسِّوى أو بالأعواض، بل تكون إرادةً صافيةً من ذلك كلِّه، بحيث تكون متعلِّقةً بالله وبمراده الدينيِّ الشرعيِّ، كما تقدَّم بيانه.
قوله: (ثمَّ تحقيق الحال) أي: يكون له حالٌ محقَّقٌ ثابت، لا يكتفي بمجرَّد العلم حتَّى يصحبه العمل، ولا بمجرَّد العمل حتَّى يصحبه الحال، فتصير الإرادة والمحبَّة والإنابة والتوكُّل وحقائق الإيمان حالًا لقلبه، قد انصبغ قلبه بها بحيث لو تعطَّلت جوارحه كان قلبه في العمل والسَّيرِ إلى الله، وربَّما يكون عملُ قلبه أقوى من عمل جوارحه.
قوله
(1)
:
(الدرجة الثانية: اتِّصال الشُّهود
، وهو الخلاص من الاعتلال، والغنى عن الاستدلال، وسقوط شتات الأسرار).
الاعتلال هو العوائق والعلل، والخلاص منها هو الصحَّة. ولهذا كانت هذه الدرجة أعلى ممَّا قبلها، فإنَّ الأولى اتِّصالٌ بصحَّة القصود والأعمال، وهذه اتِّصالٌ برؤيةِ مَنِ العملُ له، على تحقيق مشاهدته بالبصيرة، فيتخلَّص
(2)
العبد بذلك مِن عِلَل الأعمال واستكثارها واستحسانها والسُّكون إليها.
(1)
«المنازل» (ص 100).
(2)
ت: «فيخلص» .
وقوله: (والغنى عن الاستدلال) أي: هو مستغنٍ بمشاهدة المدلول عليه
(1)
عن طلب الدليل، فإنَّ طالب الدليل إنَّما يطلبه ليصل به إلى معرفة المدلول، فإذا كان مشاهدًا للمدلول، فما له ولطلب الدليل؟
وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ
…
إذا احتاج النهار إلى دليلِ
(2)
فكيف يحتاج إلى إقامة الدليل عليه مَن النهارُ بعضُ آياته الدالَّةِ عليه؟ {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت: 37]. ولهذا خاطبت الرُّسل قومهم خطابَ من لا يشكُّ في ربِّه ولا يرتاب في وجوده، فقالت لهم:{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} [إبراهيم: 10].
قوله: (ويسقط عنه
(3)
شتات الأسرار) يعني: أنَّ الخلاصَ من الاعتلال والغَناءَ
(4)
باتِّصال الشُّهود عن الاستدلال يُسقط عنه شتات الأسرار، وهو تفرُّقُ باله وتشتُّت قلبِه في الأكوان؛ فإنَّ اتِّصال شهوده يجمعه على المشهود، كما أنَّ دوام الذِّكر الذي تواطأ عليه القلبُ واللِّسانُ وشهودُ المذكور يجمعه عليه ويُسقط شتاته، فالشّتات مصحوب الغيبة، وسقوطه مصحوب الحضور، والله المستعان
(5)
.
(1)
«عليه» من ت، ر.
(2)
البيت للمتنبِّي في «ديوانه» (3/ 215).
(3)
لفظ «المنازل» كما سبق: «وسقوطُ» .
(4)
تصحَّف في ر، والمطبوعات إلى «الفناء»! وقد سبق آنفًا في كلام صاحب «المنازل»:«والغِنى عن الاستدلال» .
(5)
«والله المستعان» ليست في د.