الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيره، وحبُّه عن حبِّ غيره، وخوفُه ورجاؤه عن خوف غيره ورجائه، وكان أنسُه به خاصَّةً= انفصل عن ذكر غيره في حال شغله به سبحانه، إذ ليس فيه اتِّساعٌ لغيره، فانفصل في هذه الحال نظرُه إلى الكونين، وانفصل توقُّفه عليهما، وانفصلت مبالاته بهما ضرًّا أو نفعًا، أو عطاءً أو منعًا.
وهذه الحال لا تدوم له؛ فإذا رجع إلى الكون بحكم طبعه
(1)
وأنَّه جزءٌ من الكون ذكر الرُّسل والأنبياء والملائكة والأولياء بالتعظيم والاحترام وأحسنِ الذِّكر، وذكر أعداءهم باللعن والطعن وأقبحِ الذِّكر؛ فهذا وظيفته في هذه الحال، وتلك وظيفته في ذلك المقام.
والمقصود: أنَّه انفصالُ شهودٍ في بعض الأحوال، لا انفصال وجودٍ، ولا انفصال شهودٍ دائمًا أبدًا. ولا تلتفت إلى غير هذا، فإنّه خيالٌ ووهم، لا نطيل الكتاب بذكره.
قال
(2)
:
(الثاني: انفصالٌ عن رؤية الانفصال
الذي ذكرنا، وهو أن لا يترايا عندك في شهود التحقيق شيءٌ يوصل بالانفصال منها إلى شيءٍ).
إنَّما كانت هذه الدرجة أعلى عنده ممَّا قبلها من حيث كانت الأولى وسيلةً إليها، وكانت هذه غايةً لها ومرتَّبةً عليها، فإنَّ المنفصل من الكونين شغلًا بالله عز وجل قد تسكن نفسه إلى مقامه من الانفصال، ويساكنه بسرِّه وقلبه، ويغيب عنه أنَّه محضُ منَّة الله ومجرَّدُ فضله وعطائه، فيحتاج إلى أن ينفصل عن رؤية انفصاله، ويضيف ذلك إلى أهله ووليِّه المانِّ به.
(1)
ت، ر:«طبيعته» .
(2)
«المنازل» (ص 100) و «شرح التلمساني» (ص 552) واللفظ له.
وهذا التفصيل يتضمَّن التفاوت الذي أشار إليه الشيخ في أوَّل الباب، فإنَّه ذكر في الدرجة الأولى أنَّ الانفصال شرطٌ في الاتِّصال، وقال هاهنا:(لا يترايا عندك في شهود التحقيق سببٌ يوصل بالانفصال منها إلى شيءٍ)، وهذا يناقض ما ذكره، ولا يجتمع معنى كلاميه، بل بينهما تفاوت التناقض؛ فأين شرط حصول الشيء من شهود عدم كونه سببًا وشرطًا؟!
والجواب عن هذا: أنَّ كون الشيء شرطًا وسببًا لحصول شيءٍ لا يناقض أن يكون عدمُ رؤيته شرطًا لحصول ذلك الشيء، فيكون حصوله مشروطًا بوجود ذلك الشيء في نفس الأمر وبعدم رؤية العبد له، فتكون الرُّؤية مانعةً، وإيضاح ذلك ببيان كلامه:
فقوله: (انفصالٌ عن رؤية الانفصال) يعني: أنَّ العبد يرى حالة الشُّهود أنّه انفصل عن الكونين، ثمَّ اتصل بجناب العزَّة، فيشهد اتِّصالًا بعد انفصالٍ. وهذه الرُّؤية في التحقيق ليست صحيحةً، لأنَّه لم ينفصل عن الكونين أصلًا، لكنَّه توهَّم ذلك، فإذا تبيَّن
(1)
أنَّه لم ينفصل عن الكونين فقد انفصل عن الانفصال المذكور، لتحقُّقه أنَّه لم يكن صحيحًا.
ثمّ بيَّن كيف يصحُّ له انفصاله عن انفصاله
(2)
، فقوله:(أن لا يترايا) أي: لا يظهر لك
(3)
(شيءٌ في شهود التحقيق) يكون هو السبب الموجب للاتصالِ
(4)
، فكأنَّه قال: أن تشهد التحقيق، فيريك شهوده أنَّك ما انفصلت
(1)
في ت زيادة: «له» .
(2)
«عن انفصاله» ساقط من ش، د.
(3)
ش، د:«ذلك» ، تصحيف.
(4)
ش، د، ت:«للانفصال» . ولعل المثبت أقرب، فإن الانفصال هو السبب الموجب للاتصال.