الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}
(1)
[المائدة: 15].
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: 174]، وقال:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ} [الأعراف: 157]، وقال:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]. فجعله روحًا لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح. ونورًا لما يحصل به من الهدى والرّشاد.
ومثّل هذا النُّورَ في قلب المؤمن: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ تَوَقَّدَ
(2)
مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 35]. ومثَّل حالَ مَن فقَدَ هذا النُّور بمن هو في {ظُلُمَاتٍ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}
(3)
[النور: 40].
الحزن الثّالث: (حزنٌ بعثَتْه وحشةُ التّفرُّق)
.
التفرُّق تفرُّق
(4)
الهمِّ والقلب عن الله عز وجل. ولهذا التّفرُّق حزنٌ
(1)
في ت، ط أكملت بقية الآية.
(2)
كذا في ش، د بالتاء على قراءة أبي عمرو ويعقوب وابن كثير أبي جعفر، وقرأ شعبة وحمزة والكسائي والخلف بالتاء أيضًا ولكن على صيغة المضارع المبني للمجهول:«تُوقَد» . وفي (ت، ر)«يوقد» كما قرأ بقية القراء. ينظر: «النشر» (2/ 332).
(3)
أكمل الآية في ت، ر، ط.
(4)
ت، ر، ط:«وهو تفرق .. » .
ممضٌّ على فوات جمعيّة القلب على الله ولذّتها
(1)
ونعيمها، فلو فُرِضت لذّات أهلُ الدُّنيا بأجْمَعِها حاصلةً لرجلٍ لم يكن لها نسبةٌ إلى لذّة جمعيّة القلب
(2)
على الله، وفرحه به، وأُنْسِه بقربه، وشوقِه إلى لقائه. وهذا أمرٌ لا يصدِّق به إلّا من ذاقه. فإنّما يصدِّقك مَن أشرَقَ فيه ما أشرقَ فيك. ولله درُّ القائل
(3)
:
أيا صاحبي ما ترى نارَهم
(4)
…
فقال: تُرينيَ ما لا أرى
سقاك الغرام ولم يسقني
…
فأبصرتَ ما لم أكن مبْصِرَا
فلو لم يكن في التّفرُّق المذكور إلّا ألم الوحشة، ونكَد التّشتُّت، وغبار الشّعَث لكفى به عقوبةً، فكيف وأقلُّ عقوبته: أن يُبتلى بصحبة المنقطعين ومعاشرتهم وخدمتهم، فتصير أوقاته ــ التي هي مادَّة حياته ولا قيمة لها
(5)
ــ مستغرقةً في قضاء حوائجهم، ونيل أغراضهم؟!
وهذه عقوبة قلبٍ ذاقَ حلاوةَ الإقبال على الله والجمعيّةِ عليه والأنسِ به، ثمّ آثر على ذلك سواه، ورضي بطريقة بني جنسه وما هم عليه. ومَن له أدنى حياةٍ في قلبه ونورٍ
(6)
يستغيثُ قلبُه من وحشة هذا التّفرُّق، كما تستغيث
(1)
ت، ر، ط:«ولذاتها» .
(2)
ت، ط:«قلبه» .
(3)
البيتان للشريف الرضي في «ديوانه» : (1/ 516). ولفظ البيت الثاني فيه:
دعاني الغرام ولم يدعه
…
فأبصرتُ ما لم يكن مبصرا
(4)
في الديوان: «أترى» ، ر:«آثارهم» .
(5)
أي: هي أغلى من أن تكون لها قيمة.
(6)
ت، ر، ط زيادة:«فإنه» .
الحامل عند وِلادِها
(1)
.
ففي القلب شعَثٌ لا يلمُّه إلّا الإقبال على الله، وفيه وحشةٌ لا يُزيلها إلّا الأُنس به في خَلوته.
وفيه حزنٌ لا يُذهبِه إلّا السُّرور بمعرفته وصدق معاملته.
وفيه قلقٌ لا يسكِّنه إلّا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه.
وفيه
(2)
نيران حسراتٍ لا يطفئها إلّا الرِّضا بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصّبر على ذلك إلى وقت لقائه.
وفيه طلبٌ شديدٌ لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه.
وفيه فاقةٌ لا يسدُّها إلّا محبّته، والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدُّنيا بما
(3)
فيها لم تسدّ تلك الفاقة منه أبدًا.
فالتّفرُّق يوقع وحشةَ الحجاب، وألمه أشدُّ من ألم العذاب. قال تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} [المطففين: 15 - 16]، فاجتمع عليهم عذاب الحجاب وعذاب الجحيم.
و «الذّوق» الذي يُذهِب وحشةَ هذا التّفرُّق: هو الذّوق الذي ذكره الشّيخ في قوله: (ذوق الإرادة طعم الأنس) فلا يعْلَق به شاغلٌ
(4)
، ولا يفسده
(1)
ت، ر، ط:«ولادتها» .
(2)
ش، د:«وفيها» .
(3)
ت، ر، ط:«وما» .
(4)
ر: «بشاغل» .