الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذلك
(1)
كانت يقظته نومًا، لأنَّ قلبه موات.
وقيل: مجالسة العارف تدعوك من ستٍّ إلى ستٍّ: من الشكِّ إلى اليقين، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الغفلة إلى الذِّكر، ومن الرَّغبة في الدُّنيا إلى الرَّغبة في الآخرة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الطويَّة إلى النصيحة
(2)
.
فصل
قال صاحب «المنازل»
(3)
: (المعرفة على ثلاث درجاتٍ، والخلق فيها ثلاثُ فرقٍ.
الدرجة الأولى: معرفة الصِّفات والنُّعوت
، وقد وردت أساميها بالرِّسالة، وظهرت شواهدُها في الصَّنعة بتبصير النُّور القائم في السرِّ، وطيبِ حياة العقل لزرع الفكر، وحياةِ القلب بحسن النظر بين التعظيم وحسن الاعتبار. وهي معرفة العامَّة التي لا تنعقد شرائط اليقين إلَّا بها. وهي على ثلاثة أركانٍ: إثباتُ الصِّفات باسمها من غير تشبيهٍ، ونفيُ التشبيه عنها من غير تعطيلٍ، والإياسُ من إدراك كنهها وابتغاءِ تأويلها).
قلت:
الفرق بين الصِّفة والنّعت
من وجوهٍ ثلاثةٍ:
(1)
ش: «وكذلك» .
(2)
أسند أبو نعيم في «الحلية» (8/ 72) نحوه بذكر «خمسٍ إلى خمسٍ» ، ليس فيها:«ومن الغفلة إلى الذكر» ، من طريق شقيق بن إبراهيم البلخي الزاهد بإسناده عن جابر مرفوعًا، وكذا من طريقه عن أنس مرفوعًا. قال أبو نعيم: وهذا الحديث كلام كان شقيق كثيرًا ما يعظ به أصحابه والناس، فوهم فيه الرواة فرفعوه وأسندوه.
(3)
(ص 102 - 103).
أحدها: أنَّ النعت يكون بالأفعال التي تتجدَّد، كقوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ} [الأعراف: 54]، وقوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مِهَادًا
(1)
…
وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الزخرف: 10]، {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الزخرف: 11]، {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} [الزخرف: 12]، ونظائر ذلك.
والصِّفة هي الأمور الثابتة اللازمة للذات، كقوله:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 22 - 23]، ونظائر ذلك.
الفرق الثاني: أنَّ الصِّفاتِ الذاتيَّةَ لا يُطلَق عليها اسم النُّعوت، كالوجه واليدين والقدم والأصبع، وتسمَّى صفاتٍ، وقد أطلق عليها السلف هذا الاسم، وكذلك متكلِّمو أهل الإثبات، سمَّوها صفاتًا
(2)
.
وأنكر بعضهم هذه التسمية، كأبي الوفاء بن عقيلٍ وغيره، وقال: لا ينبغي أن يقال: نصوص الصِّفات، بل آيات الإضافات، لأنَّ الحيَّ لا يوصف بيده ولا بوجهه، فإنَّ ذلك هو الموصوف، فكيف يُسمَّى صفةً؟ وأيضًا: فالصِّفة معنًى يعمُّ الموصوف، فلا يكون الوجه واليد صفةً.
(1)
ر: {مَهْدًا} ، وهما قراءتان. وأثبتنا قراءة أبي عمرو.
(2)
كذا في النسخ، والصواب:«صفاتٍ» .
والتحقيق: أنَّ هذا نزاعٌ لفظيٌّ في تسميةٍ، فالمقصود: إطلاق هذه المضافات
(1)
عليه سبحانه، ونسبتُها إليه، والإخبارُ عنه بها، منزَّهةً عن التمثيل والتعطيل، سواءٌ سمِّيت صفاتٍ أو لم تسمَّ
(2)
.
الفرق الثالث: أنَّ النُّعوت ما يظهر من الصِّفات ويشتهر ويعرفه الخاصُّ والعامُّ، والصِّفات أعمُّ، فالفرق بين النعت والصِّفة فرقُ ما بين الخاصِّ والعامِّ. منه
(3)
قولهم في تحلية الشيء: نعته كذا وكذا، لِما يظهر من صفاته.
وقيل: هما لغتان، لا فرق بينهما. ولهذا يقول نحاة البصرة: باب الصِّفة، ويقول نحاة الكوفة: باب النعت، والمراد واحد.
والأمر قريبٌ، ونحن في غير هذا، فلنرجع إلى المقصود، وهو أنَّه لا يستقرُّ للعبد قدمٌ في المعرفة ــ بل ولا في الإيمان ــ حتَّى يؤمن بصفات الربِّ جل جلاله، ويعرفَها معرفةً تخرجه عن حدِّ الجهل بربِّه، فالإيمان بالصِّفات ومعرفتُها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان. فمن جحد الصِّفات فقد هدم أساس الإسلام والإيمان والإحسان، فضلًا عن أن يكون من أهل العرفان.
وقد جعل الله سبحانه منكر صفاته مسيءَ الظنِّ به، وتوعَّده بما لم يتوعَّد
(1)
ر: «الإضافات» .
(2)
الذي يظهر من كلام شيخ الإسلام أن نزاع ابن عقيلٍ لم يكن لفظيًّا، بل كان ينحو منحى من أخذ عنهم من المعتزلة في تأويل الصفات الخبرية. انظر:«مجموع الفتاوى» (5/ 397، 17/ 150) و «درء التعارض» (7/ 263، 8/ 60، 9/ 160، 395).
(3)
ت، ر:«ومنه» .